القرآن الكريم ومفهوم الاستنساخ
لقد بذل العلماء جهوداً مضنية لإيجاد الخلايا الحية ، وخاصة في القرن الأخير نتيجة الثورة العلمية والأجهزة المتطورة ، فعجزوا عن ذلك الأمر لأنّه ليس من اختصاص الإنسان ، فلجؤوا إلى الهندسة الوراثية والاستنساخ . قال الله تعالى :
" إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا " ( الحج 73 )
والاستنساخ في معناه العام ليس سوى طريقة من طرق التكاثر البدائية وهو معروف في بعض الكائنات الأولية ( وحيدات الخلية ) مثل المتحوّل الحر والبكتريا والخمائر ويوجد في النبات عملية مشابهة لذلك تعرف لدى العامّة باسم الاستفساخ ( وهي عملية أخذ فسخة من نبتة ومن ثمّ غرسها في التربة ) لكن في الكائنات الأكثر رُقياً كان لا بدّ من وجود طريقة أكثر رقياً للتكاثر تتمثل في التزاوج بين ذكر وأنثى من نفس النوع تؤدّي إلى حدوث تباين واختلاف في الأنواع والأشكال ، وبهذه الطريقة نحصل على كائن جديد نتيجة اتحاد خلية تناسلية من الذكر (حيوان منوي) مع خلية تناسلية من الأنثى ( البويضة ) فينتج عن ذلك خلية ملقّحة تحمل الصفات الوراثية لكل من الذكروالأنثى معاً ومن هنا يحدث التباين والاختلاف في الأنواع .قال تعالى :
" وأنّه خلق الزوجين الذكر والأنثى ، من نطفة إذا تمنى " ( النجم 45- 46 )
" يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل " ( الحجرات 13 )
والاستنساخ بمعناه الخاص محاولة للتدخل واللعب في التوازن الطبيعي الذي وضعه الله عزّ وجلّ بين الذكور والإناث ، إنّه نسف للقواعد والنظم التي تحكم العلاقات الصحيحة بين الزوج والزوجة والرجل والمرأة وبين الآباء والأبناء بين الجنس والإنجاب .
الاستنساخ من الناحية العلمية : إنّ أهم ما يميّز الكائنات الحية وجود الخلايا في أجسامها ، وتنص النظرية الخلوية المعروفة في علم الأحياء على ما يلي : تتكون جميع أجسام الكائنات الحية من أبسطها إلى أعقدها من خلايا ومن منتجات هذه الخلايا . والخلية هي وحدة البناء والوظيفة عند الأحياء ، وإنّ أهم ما يميّز الخلية وجود النواة فيها التي تعد المركز المسيطر المنظم في الخلية حيث تمدها بالمعلومات اللازمة لاستمرار حياتها وبناء ما تحتاجه من مواد . وأهم ما يميز النواة وجود الخيوط الصبغية فيها وعددها ، حيث أنّ هذا العدد يحدد النوع الحيواني وهو ثابت في النوع الواحد ، وهذا العدد هو عدد مضاعف في الخلايا الجسمية (2) ع في صورة أمشاج ، مشيج من الأم يحوي العدد (ع) ومشيج من الأب يحوي العدد (ع) وباتحادهما يعود ثبات النوع . قال الله عزّ وجلّ :
" إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً
" ( الدهر 2 )
لنأخذ مثالاً على الإنسان : إنّ عدد الخيوط الصبغية (الأمشاج ) فيه 46 خيط نصفها من النطفة( الأب) والنصف الآخر من البويضة (الأم ) . أي كما يلي :
نطفة + بويضة = بيضة ملقحة
23 صبغي + 23 صبغي = 46 صبغي ( فرد جديد )
وبعبارة أخرى يوجد في الكائن الحي نوعين من الخلايا ، خلايا جسمية تحوي عدد مضاعف من الصبغيات وخلايا جنسية تحوي نصف العدد الصبغي ، ففي الإنسان جميع خلاياه (46) صبغي عدا الخلايا الجنسية ، فالذكر خلايا نطافه تحوي (23) صبغي وخلية الأنثى البويضة تحوي (23) صبغي ، وباتحادهما تتشكل البيضة الملقحة (46) صبغي ،إذاً أساس التكاثر الطبيعي نطفة + بويضة .
أما في الاستنساخ فيتم الاعتماد على البويضة وحدها حيث تؤخذ بويضة الأنثى ثمّ تنزع منها النواة الحاوية على نصف العدد الصبغي ، ثمّ يُِؤتى بخلية بالغة تحوي العدد الكامل من الصبغيات وتوضع نواة الخلية البالغة مكان نواة البويضة المنزوعة ثمّ تعاد البويضة إلى الرحم المعمل الوحيد ليتم انقسامها ونموها ، ولا شك أنّ هذه العملية شاقّة واحتمال نجاحها ليس بالسهل ، فمن المعلوم أنّ تجربة أطفال الأنابيب أسهل بكثير من الاستنساخ ونسبة نجاحها ضئيلة حيث يتم فيها أخذ البويضة من الأنثى والنطفة من الذكر ووضعهما في أنبوب اختبار ليتم اندماجهما تحت المجهر خارج الجسم ، وبعد الاندماج يعاد بهما إلى الرحم ليتم النمو فيه .
على كل حال لا يمكن الاستغناء عن بويضة الأنثى ورحمها سواء في الاستنساخ أو في أطفال الأنابيب ، قال الله تعالى :
" ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى " ( الحج 5 )
" إنّ الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام " ( لقمان 34 )
ولعلّ في تجربة الاستنساخ ما يقرّب للأذهان ولادة سيدنا عيسى عليه السلام ولله المثل الأعلى ، حيث يُفترض أنّ سيدنا عيسى عليه السلام الذي خلقه الله تعالى من أم بلا أب استنسخ من خلية من السيّدة مريم العذراء ، وبناءً على تجربة الاستنساخ يجب أن يكون عيسى أنثى إذ لا بدّ أن يكون المستنسخ مشابهاً المستنسخ منه ، ولكن مجيء سيدنا عيسى ذكراً معجزة من الله عزّ وجلّ .
" والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى " ( آل عمران 36 )
وكذلك فإنّ حواء خلقها الله تعالى من آدم وهي معجزة أيضاً . وفي الختام قال تعالى :
" ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " ( البقرة 255 )

من كتاب خواطر علمية لمؤلفه
محمد صفوح الموصللي
دمشق