وقفة مع ''النطـفـة''

تم نقل المقال من موقع الهيئة العالمية للأعجاز العلمي فى القرأن والسنة
www.nooran.org

ونشكر لهم السماح بنشر الأبحاث من هيئتهم المحترمة
----------------------- د.أحمد الحميدي أستاذ علم الأجنة المشارك  جامعة الملك سعود أشارت نصوص القرآن والسنة إلى أن الإنسان يخلق في أطوار وأن طور الخلق بعد آدم هو طور النطفة قال الله تعالى: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) نوح (12،13) وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِين) المؤمنون (12،13). وذكرت النصوص عدة حقائق مذهلة في هذا الطور لم تكتشف ـ وتؤكد بيقين علمي لا يقبل الشك ـ إلا في نهاية القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر والعشرين وسنذكر في هذا المقال بعضًا من هذه الحقائق. أولاً: حقائق إعجازية الحقيقة الأولى: يخلق الإنسان من كل من نطفتي الرجل والمرأة روى الإمام مسلم بسنده:      "أن يهوديٌّا مر بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يحدث أصحابه فقالت قريش: يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي فقال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي فقال: يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: يا يهودي من كلٍ يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة. فقال اليهودي: هكذا كان يقول من قبلك" .(أي من الأنبياء). شكل رقم(1)    وفي تفسير الطبري: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوآ إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم) الحجرات (13)  قال الطبري: يا أيها الناس !      إنّا خلقناكم من ماء ذكر من الرجال وماء أنثى من النساء)، وروى بسنده عن مجاهد قال: (ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعاً).   شكل رقم(2)   هذه الحقيقة العلمية الدقيقة والتي ذكرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ أربعة عشر قرنًا لم تكن معلومة للأطباء في زمنه ولا بعد زمنه حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث كان يعتقد لقرون أن الإنسان يخلق كقزم كامل من دم الحيض، وبعد اكتشاف البييضة قالوا إن الإنسان يخلق كاملاً فيها شكل (1) وبعد اكتشاف الحوين المنوي قالوا بل إن الجنين يخلق كاملاً في رأس الحوين المنوي شكل (2) وانقسم العلماء بين مؤيد لنظرية الخلق التام في البييضة أو الحوين المنوي ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا في عام 1775م عندما أثبت سيالا نزاني أهمية كل من الحوين المنوي والبييضة في عملية التخلق البشري، ولم يتوصلوا إلى حقيقة أن الإنسان يخلق من اختلاط أمشاج الذكر بأمشاج الأنثى إلا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي عندما تمكن هيرتوج  Hertweig عام 1875م من ملاحظة عملية تلقيح الحيوان المني للبويضة، وتم تأكيد ذلك عام 1883م عندما تمكن فان بندن Van beneden من إثبات أن الحيوان والبويضة يساهمان بالتساوي في تكوين البويضة الملقحة.  شكل (3) بينما كانت هذه القضية محسومة بين علماء المسلمين فهذا ابن حجر العسقلاني يقول وهو يشرح أحاديث الباب: شكل رقم(3)   (ويزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك). ويقول ابن القيم الجوزية في كتابه التبيان في علوم القرآن ص244: (ومني الرجل وحده لا يتولد منه الولد ما لم يمازجه مادة أخرى من الأنثى). الحقيقة الثانية:    لا يشارك كل ماء الرجل وكل ماء المرأة في الخلق قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن مَّاءٍ مَّهِين) السجدة: آية 8.    وروى الإمام مسلم بسنده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ما من كل الماء يكون الولد وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء).   شكل رقم (4)  فمـن مئـات الملايين من النطـف الذكـرية يصل منها إلى قناة الرحم حوالي 500 خمسمائة حوين منوي كخلاصة من هذا الماء ينجح واحد منها فقط في تلقيح البييضة والتي هي جزء أيضًا من ماء المرأة المفرز منها من حويصلة جراف وقناة الرحم. شكل (4). الحقيقة الثالثة: النطف الذكرية تحمل مواصفات تحديد جنس الأجنة؛ يقول الحق تبارك وتعالى في سورة النجم: (وَأنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْـنَى) وكذلك في سورة القيامة: (أيحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنىٍّ يُمْـنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِىَ الْمَوْتَى). من المعلوم في الوقت الحاضر أن النطفة الذكرية والأنثوية للإنسان تحتوي كل واحدة منها على نصف العدد (23 فردًا) من الأجسام الصبغية أو الكروموسومات التي تحمل المورثات فعندما يتم الإخصاب بينهما ويتكون منهما أول خلية للجنين يتكــون العــدد الثنـــائي (23زوجًا) وهو العدد الحقيقي للأجسام الصبغية في كل خلية من خلايا الإنسان.  كما توصل العلماء في العصر الحديث إلى معرفة أن مني الرجل يحمل نوعين من الأمشاج: الحيوانات المنوية التي تحمل الصبغى Y الذي يؤدي إلى الذكورة والنوع الآخر X يحمل الصبغى الذي يؤدي إلى أن يكـون جنــس الجنين أنثى إذا ما أخصب أي منهـما البويضة وقــدر لهــا أن يتكون منها الجنين. حيث يكون التركيـب الوراثـي للصبغيات  الجنسية (الكروموسومات الجنسية) في الجنين الذكر هي (XY) وللأنثى (XX) شكل (5). ولعل الأعرابية أدركت أن الرجل هو الذي يحمل مسببات الذكورة والأنوثة للذرية الناتجة عندما كانت تعاتب زوجها الذي غاضبها لتكرار ولادتها الإناث ــ فقالت: مــا لأبي حمـــــزة لا يأتيـنــــــا                                                    يظل في البيت الذي يلينا غضـبــــان ألا نلـــــد البنيـنــــا                                      تاللــه مـــــا ذلك في أيـدينــا ونحـن كالأرض لــزارعينــا                                         ننبت مـــا قــد بــذروه فينـا  ثانيًا: تساؤلات علمية: نشرت المجلة العلمية (Zygote) عدد شهر فبراير عام 1999م ص 37-43 مقالاً للباحث قوتريز وزملائه (Guitierreza) أثبت فيه أن قدرة الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة أو الأنوثة على إخصاب البويضة تعتمد على وقت الإمناء وكذلك على وقت الخروج ونضوج البويضة أو على الأقل على العوامل الفسيولوجية الداخلية المختلفة والتي ترجح أحد النوعين من الأمشاج الذكرية على الأخرى لتحديد نسبة الأجنة الناتجة من التلقيح. كما قد أوردت مجلة نيو سيانتست العلمية في تقرير لها في العدد الصادر بتاريخ 24/يوليو/1999م ص 21؛ بأن الجماع أثناء فترة الحرارة تأتي غالباً بالذكورة بينما البرودة تأتي بالإناث حيث خلصت الدراسة (والتي تتبع فيها الباحث المواليد في ألمانيا منذ عام 1964م  ــ 1995م وعلاقة ذلك بموجات الحرارة والبرودة) إلى أن الحرارة تؤثر على المني فتكون الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة أكثر مقاومة للحرارة من تلك التي تحمل شارة الأنوثة مما يعطي فرصة أكبر لإنجاب الذكور في حين أن عدد المواليد الإناث يزداد عقب الموجات الباردة، ويقول لرشل ـ وهو الباحث في هذه الدراسة: إن ما خلصت إليه الدراسة لا يعني أن الناس في المناطق الحارة مثلاً يرزقون بذكور أكثر من الإناث لأنهم يتكيفون مع مناخ بلدهم.  ولي بعض التساؤلات التي أطرحها للبحث والتأمل:   شكل رقم(5)  هل يمكن أن تلقي هذه الدراسات الضوء لتفسير حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أورده الإمام مسلم في صحيحه في باب صفة مني الرجل والمرأة بسنده عن ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (كنت قائمًا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجاء حبر من أحبار اليهود... وسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عدة مسائل... حتى قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان؛ قال: ينفعك إن حدثتك؟ قال أسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فَعَلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله. فقال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فذهب. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به). هل يمكن أن تكون إفرازات المهبل هي المقصودة بماء المرأة في الحديث وهل يكون لونها أصفر؟ وهل يمكن أن يفسر ماء الرجل وماء المرأة في الحديث على أنه الحيينات التي تحمل شارة الذكورة والحيينات التي تحمل شارة الأنوثة؟ حيث إنه من المعلوم طبيٌّا أن مفرزات المهبل للمرأة حمضية بينما السائل المنوي للرجل قاعدي وقد وجد بعض الباحثين أن النطف الذكرية التي تحمل مسببات الذكورة (Y) لا تستطيع أن تقاوم الحموضة العالية ويموت أغلبها وتميل للوسط القاعدي فإذا تغلبت قاعدية ماء الرجل على حمضية ماء المرأة قد يعطي هذا فرصة أو علوٌّا للنطف الذكرية التي تحمل شارة الذكورة في أن تخصب البويضة فيكون بذلك جنس الجنين ذكرًا بإذن الله، ويكون هنا علو لماء الرجل على ماء المرأة؛ في حين أن النطف الذكرية التي تحمل شارة الأنوثة (X) تكون أكثر تحملاً وتميل للوسط الحامضي فإذا علت أو تغلبت حمضية ماء المرأة على قلوية ماء الرجل قد يعطي هذا فرصة لها بأن تخصب بويضة المرأة فيكون جنس الجنين أنثى بإذن الله ويكون هنا علوٌّا لماء المرأة على ماء الرجل. وقد يكون هذا هو الذي يفسر لنا دور المرأة في ترجيح أي من الأمشاج الذكرية التي يمكن أن تخصب البويضـة كمـــا قـد يوضح ذلك لنا لماذا بعض الأسر يكون لديهم أبناء من الذكور أكثر نتيجة لتغلب قلوية سائل المني للرجل أو العكس يكون لديهم إناث أكثر نتيجة لتغلب حمضية ماء المرأة التي تقضي على معظم الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة.     كما أن إفرازات عنق الرحم تكون رقيـقـــة خفيفـــة عـنــــد وقت نــزول البويضــة وقد يكــون معنى العلـو في الحديث هنا هي الغلبة أو السبق فإذا كانت الغلبة أو السبق للنطف الذكرية التي تحمل مسببات الذكورة (Y) وسبقت النطف الذكرية الأخرى التي تحمل مسببات الأنوثة (X) في لقاء وإخصاب البويضة التي لا تحمــل إلا شــارة الأنوثـة (X) كان هنا علوٌّا أو غلبة لمني الذكورة وكان جنس الجنين ذكرًا (XY) بإذن الله؛ وإذا كانت الغلبة أو السبق للأمشاج الذكرية التي تحمل شارة الأنوثة (X) ولقحت البويضة الأنثوية كانت هنا الغلبة أو العلو للأمشاج المؤنثة فيكون جنس الجنين أنثى بإذن الله؛ والله أعلم.  مجلة الإعجاز:     نرى أن هذا مشروع بحث يجب أن يتكاتف فيه أهل الاختصاص للاستفادة منه وتحقيقه حيث أثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث أن نوع الجنين يخضع لسنن تجري بقدر الله ويمكن تحصيل نتائجها إن نجحنا في تحديد ورصد مقدماتها وأسبابها، فإذا حددنا بالضبط ما هو العلو والسبق من الناحية العلمية، وحددنا ما هو ماء المرأة المقصود في الحديث، واستطعنا بالأجهزة الحديثة الدقيقة أن نرصد علو أو سبق أحد المائين للآخر؛ حصلنا على نتائج يقينية عن نوع الجنين وشبهه لأحد أبويه وشجرة عائلته، وأضفنا بعدًا جديدًا في التأثير البيئي على المنظومة الجينة للإنسان.

الموجودون بالموقع

138 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع