عندما بعث يحيى عليه السلام إلى بني إسرائيل أرسل اليهود من اورشليم (مدينة السلام وهي القدس) كهنة ولاويين ليسألوه من انت؟ (20) فاعترف ولم ينكر واقرّ اني لست انا المسيح. (21) فسألوه اذا ماذا. إيليا انت؟ فقال لست انا. النبي انت؟. فاجاب لا. (22) فقالوا له من انت لنعطي جوابا للذين ارسلونا. ماذا تقول عن نفسك ... الى آخر الرواية (إنجيل يوحنا الإصحاح 20 - 22).
من هذه الرواية الإنجيلية نعلم بأن اليهود كانوا ينتظرون نبى اخرغير المسيح عليه السلام وهو محمد صلى الله عليه وآله، وأن اليهود كانوا ينتظرون بعثته.
يؤكد ذلك أيضا هجرة اليهود من الشام إلى المدينة المنورة التي كانوا يؤمنون بأنها ستكون مهاجر نبي آخر الزمان، وكذلك توعدهم لأهل يثرب عندما ينتصرون عليهم بقولهم ( قد تقارب زمان نبي يبعث الآن فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ) ومصداقه قول الله تبارك وتعالى: في سورة البقرة: ( ولما جاءهم من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين /89 ) البقرة .
ولكن اليهود كفروا بعيسى وبمحمد عليهما السلام، بل كانوا يتباهون بأنهم هم قتلة المسيح عليه السلام، ولذلك كانت النصارى تكرههم وتضطهدهم لتجديفهم على المسيح وأمه وبغضهم للنصارى كما في تلمودهم السري، ولسبب آخر مهم وهو أنه قد تبين للأوربيين أن الكثير من المشاكل والمصائب والكوارث وانتشار الفساد والرذيلة في بلادهم، كان سببه اليهود، ولذلك سنوا الكثير من القوانين التي تقيد حركتهم اليهود وتعاملاتهم، وتم عزلهم في أحياء سكنية خاصة بهم، بل بلغ الأمر إلى طردهم ونفيهم من معظم بلدان أوروبا الغربية كفرنسا وسكسونيا وهنغاريا، وبلجيكا والنمسا وهولندا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وألمانيا، وكان رجالات الكنيسة آنذاك يؤيدون اضطهاد اليهود لاستحلالهم الزنا والربا الذي تحرمه النصرانية ولعدائهم للمسيحيين في تلمودهم السري، وبلغ الأمر إلى أن أقيمت لهم مذابح جماعية في بعض البلدان الأوربية، فاضطر اليهود للهجرة، إلى روسيا وأوروبا الشرقية .. هذا كان في السابق ولكن يبدو أن أمرا ما قد حصل فبدل العلاقة بين اليهود والنصارى، والسؤال هو ما الذي فعله اليهود لكي يقلبوا النصارى وخصوصا في أمريكا من ألد الأعداء إلى أخلص الأصدقاء؟ ولماذا أصبحت أمريكا وغالبيتها من النصارى موالية لليهود ولاية كاملة وتخالف من أجلهم كل القيم الدينية والأعراف الإنسانية، وتغض النظر عن كل جرائم اليهود وعلوهم وإفسادهم في الأرض؟
والإجابة هي أن اليهود استطاعوا في نهاية القرن التاسع عشر إقناع النصارى بأن عودة المسيح عليه السلام متوقفة على إقامة هيكل داوود عليه السلام مرة أخرى، وأن النصوص التوراتية (يعني كتب العهد القديم) تؤكد ذلك، وعليه فلا بد من قيام دولة صهيون وبناء الهيكل كمطلب إلهي وكشرط مسبق لعودة المسيح.
وعلى هذا الأساس تكون ما يسمى بالصهيونية المسيحية الإنجيلية القائمة على الإيمان بعودة المسيح، وأن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل، وتجمّع اليهود في فلسطين، وبناء هيكل داود.
هذه العقيدة إضافة إلى عوامل أخرى ساعدت على قيام إسرائيل، وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها والوقوف معها في السراء والضراء، بل واستثناءها من الانصياع للقوانين والمواثيق الدولية لأنها الوسيلة التي ستعجل عودة المسيح ولذلك يرون بأن شريعة الله وحدها (العهد القديم) هي التي يجب أن تطبق على اليهود في فلسطين.
قد يقول قائل ولكن ربما تكون هذه عقيدة مجموعة صغيرة من النصارى وربما تنتشر فقط بين المتعصبين مننهم. ونقول ولكن الدراسات تبين غير ذلك تماما فهناك الكثير من الحركات الدينية المسيحية الإنجيلية الأصولية، في بريطانيا والولايات المتحدة (حوالي 250 منظمة) أهمها وأخطرها (الحركة التدبيرية)، التي نشأت في الولايات المتحدة، بعد قيام دولة إسرائيل. وتضمّ في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي (في أواسط الثمانينيات)، ومن بين أعضائها الرئيس الأمريكي السابق (رونالد ريجان).
هذه الحركة تسيطر الكثير من قنوات الإعلام الأمريكي، وتمتلك محطات تلفزيون خاصة بها، ويشارك قادتها (أحيانا) كبار المسؤولين في البيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، ووزارة الخارجية في صناعة القرارات السياسية والعسكرية، المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي.
هذه الحركة الرهيبة تعتقد بأنّ الله قد وضع في الكتاب المقدس، نبوءات واضحة، حول كيفية تدبيره لشؤون الكون ونهايته، ومن هذه التدابير كما ذكرنا: قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها، هجوم أعداء الله (ويقصدون الشيوعيون الروس والمسلمين) على إسرائيل ووقوع محرقة (هرمجدون) التي يعتقدون أنها ستكون نووية وقد تكون الملحمة الكبرى التي وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا بدوره سيؤدي إلى مقتل الملايين وانتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين، وحينئذ فقط سيظهر المسيح لتخليص لأتباعه (أي المؤمنين به) من هذه المحرقة، وأن من من بقي من اليهود بعد المعركة سيؤمنون بالمسيح، وعندها سينتشر السلام في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة ألف عام، هذه باختصار هي عقيدة هذه الحركة الصهيو-مسيحية إن صح التعبير.
أما مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها فهي تدبير وتهيئة كل الأمور التي ستعجّل في عودة المسيح إلى الأرض، وعلى رأس هذه الأمور: إضعاف العرب وعلى رأسهم العراق عسكريا، وتلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري، وتعزيز ترسانتها النووية.
وتقول الدراسات بأن أعداد النصارى الذين يتعلّقون بنظرية (هرمجدون) في تزايد، وهم يعتقدون أنه بما أن المسيح قد وعد أتباعه المُخلّصين بسماء جديدة وأرض جديدة، فهم لهذا لا يهمهم مصير هذه الأرض وهذه السماء.
بذور هذه المُعتقدات المُدمّرة نشأت في نهاية القرن التاسع عشر، وطبع أول كتاب يبشر بها في عام 1909م، وصار من أكثر الكتب المتداولة حول المسيحية. انتشرت هذه المُعتقدات بعد ذلك وتعزّزت عندما تتابعت انتصارات إسرائيل، على الدول العربية، وبلغت ذروتها بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان.
وقد عارض بعض الأصوليين النصارى هذه الفكرة، ولكنها على كل حال تسبّبت في انقسام كبير. أظهرت دراسة نُشرت في عام 1985م، أن 61 مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلى مُبشّرين يروجون لهذه العقيدة.
ولعل أشهر الأصوليين الإنجيليين من الذين يُبشرون على شاشة التلفزيون بنظرية (هرمجدون) هو بات روبرتسون ويشاهد برامجه أكثر من 16 مليون عائلة أمريكية، وجيمي سواغرت الذي ناظره الشيخ أحمد ديدات رحمه الله(9,25 مليون منزل). وجيم بيكر ويُشاهد برامجه حوالي 6 ملايين منزل، وهو يعتقد أن علينا أن نخوض حربا رهيبة، لفتح الطريق أمام المجيء الثاني للمسيح. وجيري فولويل (5,6 مليون منزل)، وهو على علاقة وثيقة بجورج بوش (الأب) الذي كان نائب الرئيس ريجان آنذاك. ومن هؤلاء أيضا كينين كوبلاند، يُشاهد برامجه 4,9 مليون منزل، وهو يقول : (" أن الله أقام إسرائيل. إنّنا نُشاهد الله يتحرك من أجل إسرائيل)"عليهم لعنة الله "… إنه لوقت رائع أن نبدأ في دعم حكومتنا، طالما أنّها تدعم إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نُشعر الله، مدى تقديرنا لجذور إبراهيم ".
هؤلاء هم أشهر المؤمنين بهذه النظرية وهناك من بين أربعة آلاف أصولي إنجيلي، هناك 3 آلاف من التدبيريين، وهؤلاء يعتقدون أن كارثة نووية فقط، يمكن أن تُعيد المسيح إلى الأرض.
بالمناسبة هذه الأفكار لا تهمس في سراديب الكنائس أو منابر الوعظ فقط، بل تبث عبر 1400 محطة دينية في أمريكا، وقد تابعت أنا ما يسمى بقناة الإله (God TV) ولاحظت كيف أن المبشرين يعظون الناس وعن يمينهم علم الولايات المتحدة وعن يسارهم علم إسرائيل.
وكذلك تبث هذه العقائد عبر 400 محطة راديو. وخلاصة تعاليم هؤلاء هي أنه: "لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح، وأن أي تبشير بالسلام، قبل هذه العودة هو هرطقة ( تخريف وكفر )، إنه ضد كلمة الله إنه ضد المسيح ". وهذا ما يقوله أيضا ( جيم روبرتسون ) التلفزيوني الإنجيلي الذي دعاه الرئيس (ريغان)، لإلقاء صلاة افتتاح المؤتمر الحزب الجمهوري عام 1984م.
وهناك كتاب اسمه (آخر أعظم كرة أرضية) وهو يبشر بذات الفكرة وقد بيع منه بعد صدوره حوالي 18 مليون نسخة، ويعلم الله كم مليون أمريكي آخر قرأ هذا الكتاب حتى الآن.
يقول مؤلف الكتاب: والمأساة ستبدأ هكذا : كل العرب بالتحالف مع السوفييت (الروس )، سوف يُهاجمون إسرائيل ". ويقول: "إن القوة الشرقية سوف تُزيل ثلث العالم … عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى، بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قُتل، ستحين ساعة اللحظة العظيمة، فيُنقذ المسيح الإنسانية من الاندثار الكامل (الفناء) ". ويُتابع: "وفي هذه الساعة سيتحول اليهود، الذين نجوا من الذبح إلى المسيحية ".
يقول أحد القساوسة من المؤمنين بهذه العقيدة: "إننا نصلي بالفعل من أجل السلام في القدس … إننا نحترم كثيرا رئيسيّ حكومتيّ إسرائيل ومصر … ولكن أنت وأنا نعرف أنه، لن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط، إلى أن يأتي يوم يجلس فيه الإله المسيح (تعالى الله كما يقولون) على عرش داود في القدس ".
الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان كان واحدا من الذين قرءوا هذا الكتاب وذلك في عام 1986م، واستنادا إلى الرئيس السابق لمجلس الشيوخ في ولاية كاليفورنيا، فإن ريجان كره ليبيا، لأنه رأى أنها واحدة من أعداء إسرائيل، الذين ذكرتهم النبوءات، وبالتالي فإنها عدو الله ".
ولم يتوقف ( ريجان ) في انتخابات الرئاسة عن الحديث عن هرمجدون، ومن أقواله : " إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون ". وقد كان ريجان يظن أن التزامه القيام بواجباته (ومنها إضعاف العرب وخصوصا جيران إسرائيل)، تمشيا مع ارادة الله.
طبعا ليس كل نصارى العالم يؤمنون بذلك، فعلى سبيل المثال يرى نصارى فلسطين بأن الصهاينة يُفسدون تعاليم المسيح. وأن هذه العقيدة سياسية ولا علاقة لها بالدين.
ولذلك بدأ الإسرائيليون باستخدام أمثال أولئك القساوسة المتطرفون لتحقيق أغراضهم ومطالبهم، وتأييد سياساتهم لدي الشعب والساسة الأمريكان، وقد بلغ الأمر أن أحدهم كان يقول: "إن الله يُحب أمريكا، لأن أمريكا تُحب اليهود ". ويقول ايضا للأمريكيين: "إن قدر الأمة يتوقف على الاتجاه، الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم يُظهر الأمريكيون، رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلاح، فإن أمريكا ستخسر الكثير ".
وطبعا قامت الصهيونية بإبراز هؤلاء ليصبحوا شخصيات سياسية وإعلامية مرموقة على الساحة الأمريكية، لدرجة أن الرؤساء كرونالد ريجان وجروج بوش (الأب) كانوا يدعونهم ويقبلون دعوتهم.
بالنسبة لأصحاب الفكر التدبيري فإن هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة، كما يعتقد مسيحيو الغرب، فضلا عن يهود الشرق والغرب، وينتظر هؤلاء المتعصبون من الإرهابيين اليهود أن ينسفوا الأماكن المُقدّسة و( فكروا في قصف المسجد الأقصى بالطائرات أو ، مما سيتسبّب في إثارة العالم الإسلامي، ودفعه إلى شنّ حرب على إسرائيل، مما يحمل المسيح على التدخل، وطبعا لا يمكن لذلك إلا بعد بناء هيكل يهودي ثالث ".
هل كل المسؤولين السياسين والعسكريين الأمريكان يؤمنون بهذه النظرية وينطلقون منها ؟ الجواب كلا فمنهم من هو ملحد لا دين له، وبعضهم ينظر للأمر من الناحية السياسية أو الإقتصادية البحتة، ومع ذلك يبقى أن أثر اليهود على المؤسسات صانعة القرار في أمريكا كبير ومؤثر خصوصا وأنهم يبسطون نفوذهم على قطاعات غاية الأهمية كقطاع المال والإعلام.
وما دخل كل ما ذكرناه بالحرب الأمريكية على العراق؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله فإلى لقاء. افيقوا قبل ان تدفعوا الجزية
المفضلات