الإسلام و شخصية المسلم

يرفض الإسلام تواجد الشخصيات السلبية داخل مجتمعاته ؛ تلك الشخصيات التي تتصف بالتخاذل أو التكاسل والتراجع أو الجبن وعدم الرغبة في القيام بدور إيجابي لخدمه أنفسهم ومجتمعهم .
ولهذا حث الإسلام المسلمين أن تكون لهم شخصياتهم المستقلة التي يجب أن يحترمها أصحابها و يفخروا بها ويحترمها المجتمع كذلك ويستمع لها وينصت لآرائها و مقترحاتها ورغباتها طالما تتفق مع الدين و العرف العام للمجتمع ، ويجب على المجتمع ألا يعترض على أفكار أفراده إلا من قبيل توضيح الخطأ أو إكمال لنقص ظهر في تلك الآراء ، و في كل الأحوال يكون الحوار والجدال بلا تكلف أو رياء أو عنف أو تطاول باللسان وتنابز بالألقاب ، فعند ذلك يظهر الشقاق والخلاف ولن يأتى ذلك بخير .
وقد أهتم الإسلام بالمسلم وشئونه في جميع أحواله وهيئاته، وبالأحرى و الأولى ناحية الدين ، فكل مسلم يفهم دينه قدر الإمكان بحيث يعرف الضروريات من العقائد والعبادات والمعاملات ، ويستطيع أن يفتى في القدر الذي حصل عليه من معلومات مهما كان مؤهله أو منصبه أو ثروته ، فطالما كانت معلوماته دقيقه سليمة حصل عليها من مصدر مؤتمن فحينئذ تؤخذ آراؤه مأخذ الجد و الاهتمام فلا يوجد في الإسلام أناس مخصصون للفتوى لا تؤخذ الآراء الدينية إلا منهم ، فيحتكرون الفهم و الوعي و اشرح بل يحق لكل مسلم أن يقرأ ويدرس ويفهم وفقا لما تقتضيه اللغة العربية و قواعدها وملائمة للشعر وأقوال العرب بحيث لا يفهم الدارس النصوص على غير المقصود منها لجهله بأسلوب العرب في الحديث والكلام ، فإن توافرت للدارس تلك المقومات من الدراسة و الفهم فله حق الفتوى وإن لم تتوافر لديه فيأخذ بآراء العلماء و يتبعها بدون تطرف أو مغالاة في التمسك ببعض الآراء دون آراء أخرى .
ويجب على من يتصدر لتلك المهمة و هي الحديث في الدين ألا يلجأ إلى شواذ الآراء قاصدا التميز عن بقية الأفراد، فهذا ينشر الاضطراب و الارتباك بظهور آراء لا تلتزم بالواضح الصريح من أحكام القرآن و تعاليم السنة النبوية .
المسلم يلتزم بقول صريح في كتاب الله أو قول صحيح في سنة رسول الله  ، وهكذا كانت رعاية الإسلام لشخصية المسلم في إعطائه الحرية في الدراسة و الفهم و نشر ما درس وفهم في حدود ما تسمح به اللغة و الأحكام و حماية له من التخبط في غريب الآراء وشواذ الأحكام .
ورعاية ً من الإسلام لأفراده وصَّاهم على لسان رسوله بالاتصاف بالاستقلالية في الفهم و الحكم دون الوقوع تحت ضغوط و آراء خارجية تؤثر على حكمهم فيما يحدث حولهم من أمور وشئون فقال رسول الله :"لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وان أساءوا أساءت ولكن وطنوا أنفسكم أن أحسن الناس أن تحسنوا و إن أساءوا إن تجتنبوا إساءتهم " صدق رسول الله  ."رواه الترمذي"
لنقرا تلك الآيات حتى نفهم موقفهم في الآخرة و مبرراتهم و هل تقبل تلك المبررات أم يرد في وجوههم جزاء تخاذلهم فيقول تعالى :"ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول يقول الذين استُضعِفوا للذين استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين ، قال اللذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ، وقال اللذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله و نجعل له أندادا و اسروا الندامة لما رأوا العذاب و جعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " 32 : 33 سبأ.
إذن هي إحدى المبررات أنهم قد خدعوا وضللوا وهناك حيلة أخرى هي ادعاء الخوف و الضعف فتأتيهم الإجابة على غير ما يتوقعون، يقول تعالى :"إن اللذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ، إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفواً غفوراً " 97 :98 النساء .
إذن لا يقبل الله عذرهم بالخديعة أو الاستضعاف إلا في حالات محدده، فيلجأ العصاة إلى عذر آخر هو الوقوع تحت سيطرة الشيطان و انه أغواهم و أغراهم حتى عصوا الله فيقول إبليس عليه اللعنة كما يحكي القرآن :" وقال الشيطان لما قُضى الأمر أنَّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم و ما انتم بمصرخيَّ إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب اليم ".
و على هذا الأساس فان المشارك في حدوث الإثم والمساعد على إتمامه يعد آثما عاصيا وان لم يرتكب الإثم بنفسه فلقد أشار رسول الله  إلى مثل ذلك قائلا:( لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها و بائعها و مبتاعها وشاربها و آكل ثمنها وحاملها و المحمولة إليه وساقيها ومستقيها ) "صحيح" فإنهم لم يشربوها و لكنهم ساعدوا على انتشارها ووجودها و استمرارها فتحملوا الإثم و استحقوا الجزاء , وقال :( لعن الله الراشي والمرتشي و الرائش) "رواه الحاكم عن ثوبان " فمعطي الرشوة وآخذها والوسيط جميعا قد استحقوا اللعنة و قد يكون الوسيط مجاملا لا يبغي فائدة شخصية لنفسه بل مساعده لقريب أو صديق و لكن في معصية فاستحق اللعنة نظرا لعظم الذنب و خطورته ومن شخصية المسلم انه دائما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر رافضا لما يخالف شرائع الإسلام و لا يرضى بالسكوت بل لابد من الجهر بالرفض "كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".
وبهذا شجع الإسلام جميع المسلمين على إبداء الآراء بالقبول آو الاعتراض على ما يدور حولهم في مجتمعاتهم بل ويطالبهم بتغيير المنكر ان وجد حسب طاقتهم و قدرتهم على هذا التغيير فقال :"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده,فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه و ذلك اضعف الإيمان" " صحيح ".
فالمسلم لا يتصف بالتبعية الساذجة الجاهلة فيسير وراء آخرين في كل أحوالهم و أفعالهم و آرائهم دون تدبر لحقيقتهم و شرعية أفعالهم.
و لقد كان هذا شأن الظالمين واتبعاهم عندما يحاول الضعفاء الاعتذار إلى الله عز وجل يوم القيامة قائلين" كنا مستضعفين في الأرض " أي أنهم يبررون أخطاءهم و إتباعهم للظالمين أو عدم مساندتهم لأهل الحق ، ولكن هل يقبل الله هذه الدعاوى وهل يستطيعون خداع الله في الآخرة كما حاولوا خداع أهل الدنيا من قبل ؟!!!
أي انه دعاهم فقط ولم يجبرهم أو يضطرهم لفعل المعصية بل كانوا يمتلكون الرغبة الذاتية في المعصية وسرعان ما استجابوا له فور دعوته لهم وسوف يعذبون جميعا في جهنم سواء إبليس أو الأتباع و قادتهم.
والمؤمن يشهد شهادة الحق وان لم تطلب منه لا ينتظر استدعاؤه لقول كلمه الحق بل يجاهر بها و يعلنها صريحة واضحة فان " الساكت عن الحق شيطان اخرس".
وقال تعالى :"والذين هم بشهاداتهم قائمون " أي انهم يشهدون ويقرون الحق ويرفضون وينبذون الباطل.
وقد استحق اليهود اللعنة من الله لأنهم تخاذلوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى :"لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون , كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" المائدة .
أي أن الكفار من بني إسرائيل عصوا وتمادوا في عصيانهم ثم استحق الجميع العقاب لعدم التناهي عن المنكر فيما بينهم حتى انتشر و عم ؛ ولهذا قال تعالى :" واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" أي إن الفتنة لن تلحق بالعصاة فقط بل و الصامتين على عصيناهم و المعاونين لهم و المؤيدين لضلالهم.
ومن أقوال الفاروق عمر بن الخطاب :"لا يمنعن أحدكم مهابة الناس أن يقول بحق إذا علمه " أي انه طالما ظهرت الحقيقة واضحة في أحد المواقف فلا يجوز إخفاؤها فمهما صغر سنك أو شانك بين الناس فلك الحق أن تقول رأيك حسب فهمك طالما التزمت أدب الحوار بالجدال بالحسنى بعيدا عن المراء و التنابز بالألقاب و الاستهزاء وما شابه ذلك مما يضر بالمجتمع و أفراده و الروابط الاجتماعية بينهم ، وكما قال ص " أنا زعيم بيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا ".
فلا يجوز لمسلم أن يسكت أو يتخاذل و يجبن عن قول الحق و إظهاره وإعلانه و تأييد أهله و مساندتهم و مساعدتهم و إنكار الباطل و رفضه و معاداة أهله.
ولكن إن خاف المؤمن على نفسه لضرر قد يلحق به في نفسه أو ماله أو أهله جاز له الصمت مع الإنكار بالقلب و عدم الرضا بالمنكر وعدم تأييد أهله و مساندتهم و عدم إظهار الموافقة و القبول لما يفعلونه من باطل.
وليحذر الذين يظهرون الرضا و السرور و التأييد لأهل الباطل على ما يفعلون تحت ادعاءات واهية بالخوف من القهر او الضغط بل و قد يعاونون الظالمين عمليا وفعليا في ظلمهم زيادة على مداهنتهم لهم , فهل يهربون بأفعالهم هذه من الله و هل يخدعون الله بحججهم هذه و أعذارهم في الآخرة كما فعلوا في الدنيا مع المسلمين ومع أنفسهم.

ومن قبيل المحافظة على شخصية المسلم قال رسول الله  :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "أي لا تغتر يا مسلم بقوة قوى أو بغنى غنى فتطيعه في أمر نهى الله عنه ولكن كن قويا بالله متمسكاً بتعاليمه رافضاً الانصياع و الإتباع لغير شرائعه , كن عزيزاً لا ذليلاً ، قوياً لا ضعيفاً ، مدركاً فاهماً لا ساذجاً جاهلاً .
وزيادة من الإسلام في المحافظة على شخصية أتباعه قال  : " اطلبوا حوائجكم بعزة الأنفس " أى لا تحقرن نفسك أيها المسلم لأي فرد مهما علا شأنه و ارتفعت مكانته , ولو كانت لك عنده حاجة فاطلبها و أنت عزيز لا تحاول إظهار الخضوع والذلة له لنيل ما تريد بل اطلب حقك أن كان لك الحق بقوة و عزة و إباء و كرامة.
و قال  : " لا يجوز لمسلم أن يذل نفسه " فهذا أمر خطير إن وقع من مسلم يفترض فيه أن يحمل أمانة الإسلام فى الأرض ناشراً لها مدافعاً عنها , فكيف يكون هكذا و قد رضى بالمذلة و المهانة .
وبهذا رفض الإسلام للمسلمين أن يهينوا أنفسهم أو يتنازلوا عن كرامتهم لأي سبب من الأسباب و قيل " من تواضع لغنى لغناه فقد خسر ثلث دينه " فلا يجوز مداهنة أى شخص لإرضائه و نيل استحسانه طلبا لنفع مادي أو معنوي فلن يأتى الخير بإذلال النفس و الحط من شأنها .
ويحذر الإسلام المسلمين من الانقياد لذوى المال و النفوذ و القوة و السلطة طالباً للمنفعة و المصلحة الشخصية فطاعة الله أولى وأجدر بأن يحافظ المسلمون عليها .
وفى الإسلام يستطيع أي إنسان الدخول في الصلاة والدعاء بأي أمر يريده فى لقاء مباشرة مع الله يسمع شكواه ويلبى حاجته ويغفر زلته ويستر عيبه, فكل مسلم قل شأنه أو علا منصبه يلجأ إلى الله مباشرة بلا وساطة , فكل مسلم له مكانته و شخصيته و قيمته و منزلته أمام الله وفقا لتقواه و قربه من الله فإليه يلجأ وبه يلوذ ، و قوة الشخصية لا تعنى كثرة الصمت و الانعزالية و رفض المزاح , و أيضاً لا تعنى التعنت في الآراء و رفض الحوار , فقوة الشخصية تنبع من كثرة التفكير و دقة الملاحظة و تكوين آراء جيدة سليمة و صائبة حول ما يجب أن يتحلى به المرء من صفات ثم الثبات على هذه الأفكار طالما اقتنع بصحتها و مع ذلك لا يرفض إدخال تعديلات عليها إذا ثبت له خطأها أو تعارضها مع نصوص الدين أو عرف المجتمع و تقاليده , لكنه إذا استقر على رأى فليثبت عليه و ليناضل من أجله مع المرونة فى تقبل الآراء الأخرى .
و لنعلم أن العواطف الجياشة لا تتناقض مع قوة الشخصية فرسول الله ص بكى عندما احتضر طفله بين يديه و عندما احتضر طفل آخر بين يديه نزلت الدموع من عينيه فقال له أحد أصحابه :" أتبكى يا رسول الله ؟ فقال ص : إنها رحمة يجعلها الله فى قلوب ما يشاء من عباده " .
وكان عمر بن الخطاب يبكى فى الليل كثيرا خوفا من لقاء الله والأمانة التى يحملها وهى أمور المسلمين التى بيده .

وهكذا فهذه هى الصفات التى نرى أنه يجب أن تتصف بها الشخصية المسلمة حتى تتوافق مع المجتمع ولا تتنافر معه وتؤثر فيه بما يؤدى لصالح الإسلام والمسلمين .