بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه وزوجه أجمعين .. وبعد :
يقول الله وعز من قائل : (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين(13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14) )) [المؤمنون : 12-14]
ويتضح من الآية أن الله تعالى يرتب طور تخليق العظم بحيث يسبق كساء العظام باللحم.
وترد هنا عدة شبهات ، نعرضها أولا ثم نرد عليها جميعا بحول الله تعالى وقدرته وعونه :
1- القول بأنه لا يوجد طور يكون فيه الجنين عظاما (عظاما فقط) أصلا.
2- القول بأن اللحم سابق لتكون العظم.
3- القول أن العظام واللحم يبدآن التكون بشكل متزامن في وقت واحد.
4- القول بأن الكثير من العظام لا تنضج في هذه المرحلة... فهناك بعض العظام لا تنضج حتى سن العشرين!!
الرد على الشبهة الأولى : القول بأنه لا يوجد طور يكون فيه الجنين عظاما (عظاما فقط) أصلا.
قبل الشروع في الرد أعرض ما قاله د. كامل صاحب هذه الشبهة :
There is no bone stage at which the limbs of the developing fetus are just bones around which muscles will later be placed.
الترجمة بتصرف : (لا يوجد طور تكون فيه أطراف الجنين مكونة من العظام فقط والتي ستكسى لاحقاً باللحم.)
الــــرد :
سأكتفي هنا بذكر ما قاله الإمام الألوسي -رحمه الله- في كتابه روح المعاني في تفسير هذه الآية :
"" (فخلقنا المضغة) : غالبها ومعظمها أو كلها عظاما صغارا ، وعظاما حسبما تقتضيه الحكمة ، وذلك التصيير بالتصليب لما يراد جعله عظاما من المضغة وهذا أيضا تصيير بحسب الوصف ... وذلك اللحم يحتمل أن يكون من لحم المضغة بأن لم تجعل كلها عظاما بل بعضها ويبقى البعض فيمد على العظام حتى يسترها ""
يتضح بجلاء من قول الإمام أنه لا يشترط أن تتحول المضغة كلها إلى عظم فقط ، فمن الممكن أن يتصلب غالبها أو حتى بعضها ، إذ يتصلب منها ما يتصلب ، ويبقى ما تبقى منها من أجزاء المضغة...ثم تغطي العضلات (التي هي من المضغة نفسها) ما نشأ من العظم... وفهم الإمام الألوسي لهذه الآية بهذا المعنى الصحيح بل والدقيق علميا في زمن لم يكن فيه أي تقدم في علم الأجنة يؤكد أن شبهة د. كامبل شبهة واهية ضعيفة ناتجة عن قصور وضعف في فهم اللغة... وانتهى.
____________________________________________________
الرد على الشبهة الثانية : القول بأن اللحم سابق لتكون العظم.
مع أن الشبهة الدارجة عن طور العظم هي أن العظم واللحم يتكونان معا في وقت واحد ، إلا أني فوجئت من أحد الإخوة النصارى أنه يقول أن القرآن قلب الترتيب وعكسه ، إذ تتكون العضلات قبل تكون العظام... واستشهد ليدعم شبهته بما يلي :
"". جاء في كتاب Development of the Limbs للبروفيسور الدكتور Thomas A. Marino –
Temple University جاء الآتي:
Upper Limb begins to develop at 4 weeks
Cartilages model begins to form at 6 weeks.
Primary Ossification Centers appear at 12 weeks.
أي أن تكوين الطرف يتم أولاً بما فيه من أنسجة وألياف لحمية وعضلية في الأسبوع الرابع،
ثم يتم نسج الغضاريف داخله في الأسبوع السادس ثم أخيراً تبدأ مراكز التعظم بالظهور داخله في الأسبوع الأثنى عشر.. ""
الــــرد :
أعجب كل العجب من طريقة استنتاج هذا الكاتب للأمور... أولا ، دعونا نفهم ما المقصود باللحم في قوله تعالى : (( .. فكسونا العظام لحما.. )).
لا شك أن اللحم كمصطلح عام هو العضلات في الاصطلاح العلمي ، أما المادة الرخوة التي يتكون منها الجنين في الأسابيع الأولى والتي تكسو غضاريفه في أيام أخرى لاحقة ، فهي كتل من الخلايا غير المتمايزة تشكل أنسجة تعرف بالأنسجة اللاحمة المتوسطة " mesenchyma" ... والمصيبة ، هي أن هذه الأنسجة الخلوية تكون الأنسجة الضامة connective tissues التي تدخل في تكوين الغضروف والعظم !! كما تكون الدم!! فبأي حق يعتبرونها عضلات\لحم ؟؟!! ... لذلك ، وبالطبع ، ليست هي المقصودة باللحم. وإنما ما يطلقه الناس على اللحم فهي العضلات بالمفهوم العلمي.
وأما النظام العضلي muscular system فيبدأ بكسوة العظام نهاية الأسبوع السابع ، يقول الدكتور كيث مور :
"" During the seventh week, the skeleton begins to spread throughout the body and the bones take their familiar shapes. At the end of the seventh week and during the eighth week the muscles take their positions around the bone forms ""
الترجمة : أثناء الأسبوع السابع ، يبدأ الهيكل العظمي بالانتشار خلال الجسم ، وتأخذ العظام أشكالها المألوفة ، وفي نهاية الأسبوع السابع وأثناء الأسبوع الثامن ، تأخذ العضلات موقعها حول تكوينات العظام.
المصدر : .(Moore, Developing Human, 6. edition,1998.)
الخلاصة = القول بأن الأنسجة الضامة المحيطة بالنموذج الغضروفي في الأسبوع السادس هي عضلات (لحم) خطأ علمي فاحش.
____________________________________________________
الرد على الشبهة الثالثة : القول أن العظام واللحم يبدآن التكون بشكل متزامن في وقت واحد.
الـــرد :
يقول أصحاب هذه الشبهة أن العظام تتكون في الأسبوع السابع بواسطة عملية التعظم ossification ، كما يبدأ تكون العضلات المحيطة بها في نفس الوقت.
وفي الواقع ، فإن سبب الوقوع في هذه الشبهة هو أيضا قصور في فهم لغة العرب... كيف؟
يؤكد العلماء أن الغضاريف تبدأ بالتكون بدءا بالأسبوع السادس ، انظر ما يلي (يتكلم الموقع في هذه الصفحة عن الأسبوع السادس) :
The chondrogenesis of the future bones begins in the condensed mesenchymal blastemas (chondrific centers).
الترجمة : تكوَن غضاريف عظام المستقبل يبدأ في أرومة النسيج الضام المكثف.(مراكز التغضرف).
المصدر :
http://www.embryology.ch/anglais/ipe...enement02.html
وانظر أيضا ما جاء في كتاب Development of the Limbs للبروفيسور الدكتور Thomas A. Marino –
Temple University ...جاء ما يلي :
Cartilages model begins to form at 6 weeks""
الترجمة : النموذج الغضروفي يبدأ بالتكون في الأسبوع السادس.
(وأشارت بعض المراجع إلى أنه يكون في نهاية الأسبوع الخامس).
وهنا نستنتج بسهولة أن الغضاريف تتكون قبل تكون العضلات... ولكن ، اعترض الملاحدة والنصارى ، فقالوا : الغضاريف لا يمكن اعتبارها عظام مطلقا!!!
ولفض الخلاف سنحتكم إلى معاجم اللغة العربية لنعرف هل -في لغة العرب- يعد الغضروف عظم؟ :
(المعجم الوسيط) : الغضروف : كل عظم لين رخص في أي موضع كان.
(المحيط في اللغة) : الغُضْرُوْفُ : كلُّ عَظْم رَخْصٍ.
(الصحاح للجوهري) : الغُرْضوفُ : ما لان من العظم، وهو الغُضْروفُ أيضاً.
(لسان العرب) : الغُضْرُوف : كلُّ عَظم رَخْص ليّن في أَيّ موضع كان.
لم يبق أدنى ريب بأن الغضاريف هو عظم أولي لين رخص غير ناضج في كلام العرب ، لذلك ، فإن بداية طور العظم سيبدأ بدءا بالأسبوع السادس مع بدء تكون الغضاريف ، وأما نضوج العظم ، فيؤكد العلماء أنه يبدأ بالأسبوع السابع ، والمذهل ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أشار إلى ذلك بالرقم الدقيق في قوله : ((إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها)).(صحيح مسلم - كتاب كيفية الخلق الآدمي...).
وهذا مرجع علمي يقول أن التعظم يبدأ في الأسبوع السابع :
Ossification begins in the center of the body, about the seventh week of fetal life
الرابط : http://en.wikipedia.org/wiki/Ossification_of_tibia
ولاحظ هنا الفعل الماضي "خلق عظمها" الذي يدل على تمام خلق العظم ، والذي لا يكون إلا بتعظم الغضروف الذي كان قبل اليوم 42 عظما غير ناضج بعد.(لا أقصد بتمام خلق العظم أي اكتمال خلق جميع العظام ، وإنما تمام الخلق ببدء نضوج العظام).
ومع بدء نضج العظم يبدأ الكساء بالعضلات(أيضا بعد اليوم 42)!! (أو بعد التعظم كما قال الدكتور كيث مور).
ملاحظة : يجب أن نعلم أن الله يتحدث عن العضلات التي تكسو العظم ، وليس العضلات الأخرى كالعضلة القلبية...انتهى
____________________________________________________
الرد على الشبهة الرابعة : القول بأن الكثير من العظام لا تنضج في هذه المرحلة... فهناك بعض العظام لا تنضج حتى سن العشرين!!
قال أحدهم وهو يرد على هذه المعجزة : يريدون التلميح إلى أن الـ( 206) عظمه تتكون الآن...
الـــرد :
هذه الشبهة أوهن من بيت العنكبوت!! من قال أن عظام الإنسان جميعها تخلق بعد طور المضغة دفعة واحدة؟؟!! قال الله بصراحة : ((... فخلقنا المضغة عظاما...)) ، و"عظاما" لفظ نكرة ، ولم يقل-عز شأنه- "كل العظام" ولم يلمح مجرد التلميح إلى عدد أو نوع العظام التي يخلقها بعد طور المضغة... ولا أعرف ماذا أقول بعد ذلك!...انتهى
____________________________________________________
فصدق الله تعالى عندما قال : (( فكسونا العظام لحما)). ____________________________________________________
هذا وإن كان في بحثنا هذا من صواب فبتوفيق من الله ، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان...وأرجو منكم النصح والتقويم... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المفضلات