بسم الله الرحمن الرحيم
كان موضوع متاع أهل الجنة من أبرز الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام.ولسوء الحظ فإن كثيرا من المسلمين كانوا يردون على مثيري هذه الشبهة بضرورة التسليم بما ورد..إلا أن هذه الإجابة لا يقبلها إلا المسلم بل المؤمن لا النصراني وضعاف الإيمان.
وفي هذه المقالة سيتم الرد على مثيري هذه الشبهة بشيء من التفصيل.
أولا : سنعرض بعض الشبهات التي تُثار حول هذا الموضوع :
1- النصارى : ينبغي أن يكون التمتع في الجنة بالحضور في الحضرة الإلهية وتسبيح الله وتعظيمه لا التنعم بسبعين من الحور العين..فلا همّ للمسلمين في الجنة إلا الغرق بإشباع الشهوات !!
2- تعجّب البعض لما ورد في صحيح بخاري أن ((...ولكل واحد منهم زوجتان يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن..)) .وقالوا : هل هذا المنظر حسن أساسا !!
3- شكك البعض بعدل الله بأن تشارك الحورُ العين المرأةَ في زوجها.. وقالوا :هل هذا من عدل الله؟
وقد يطرح المزيد من هذا النوع من الشبهات.. ونحن هنا لردها ودحرها جميعها بنفس الطريقة:
الرد :
1- إن القول بأن أهل الجنة في الإسلام لا همّ لهم إلا إشباع الشهوات لا أصل له ، فقد أجمع أهل العلم أن أعظم نعيم يتحقق لأهل الجنة هو النظر إلى الله تعالى ، والدليل من القرآن : قال الله تعالى : ((وجوه يومئذ ناضرة (23) إلى ربها ناظرة (24) ))(القيامة). أما الدليل من السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ قال : يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار؟ قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم وهي الزيادة)). وهذا ينفي تماما ما يقوله أهل الشبهة بأنه لا يوجد غير إشباع الغرائز الحيوانية..بل هناك لذة روحية بالنظر إلى الله تعالى وهي أعظم النعيم على الإطلاق.
2- أن العلاقة بالحور العين هي علاقة زواج طاهر.. وليس فحشا وتفحشا كما يريد أهل الشبهة تصويرها..والدليل : قال الله تعالى : ((متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين)) (الطور-آية 52). وقال : ((كذلك وزوجناهم بحور عين)) (الدخان-آية 54)..وهنا يتجلى إيحاء عميق في استخدام لفظة الزواج في هذه العلاقة فيربطنا بقوله تعالى : ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليه وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))(الروم-أية 21).فما تقدم يلفتنا إلى الطهر في هذه العلاقة وأنها ليست فحشا..بل يمتد المراد من هذه العلاقة لتشمل أهداف الزواج الأخرى من السكينة والمودة والمحبة وليس مجرد إشباع للرغبة الجنسية.
3- وهي النقطة الأهم في الموضوع..وهي : أن أهل الشبهة يقعون في خطأٍ فادح جدا دون أن يشعر الناس به..وهذا الخطأ هو أنهم يبنون أفكار وتصورات غير مقبولة عن متاع الآخرة بناء على مفاهيمهم الدنيوية؛ لذلك يجدون تصوراتهم منفرة عن الجنة..وهذا يعد خطأً فادحا لأن نصوص كل من القرآن والسنة تشير إلى حدوث تغيرات جذرية في جسم الإنسان ونفسيته في الآخرة تخالف تماما القوانين الدنيوية التي يقيس عليها هؤلاء ؛مما يجعل فكرة قياس المتاع في الآخرة بالمتاع الدنيوي مغالطة كبيرة..وإذا لم تتضح الصورة بعد، اقرأ الملاحظات التالية (كما أن النقاط التالية تعد أدلة على هذه التغيرات السالف ذكرها):
أهل الجنة يأكلون ويشربون...ولكن دونما تبول أو تغوط أو تعرق!!!
يقول تعالى : ((ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين )) (الحجر-آية 47)..مع أن الغل والشحناء والبغض كلها موجودة لأهل الدنيا!!!
قال رسول الله في وصف الجنة :( ولا خطر على قلب بشر ) !!!
فمن الملاحظات السابقة يتضح وجود تغيرات يجريها الله على جسم الإنسان فيأكل ولكن دون تبول وتغوط...وكذلك بالنسبة لنفسيته إذ ينزع الله منها الغل..ومن هنا يمكن الإجابة على من تشعر بالغيرة بأن تشاركها في زوجها 72 من الحور العين بأن الله ينزع ما في الصدور من كل ما قد يعكر الرضا بمتاع الجنة. بالمثل، فإنه قد يُعجِب أهل الجنة ما يشعر أهل الدنيا -في تصوراتهم- أنه غريب ومبالغ في أمره...ونتيجة لما سبق ، فإن كل التصورات غير مرضية يطرحها هؤلاء المشككون ..ببساطة..هي مخالفة للحقيقة؛ لأنها دنيوية من ناحية، ولأنها غير مُرضية من ناحية أخرى.
وبقي لنا هنا أن نقول : أنه بغض النظر عما نتصوره أو نظنه حول الجنة ومتاعها، فإن المحصلة النهائية أن كل واحد من أهل الجنة سيكون راضيا يستوي في ذلك الرضا الذكر والأنثى..والدليل : قال الله تعالى : ((يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية(28) )) (الفجر) .وكثيرا ما قال الله في القرآن الكريم : ((..رضي الله عنهم ورضوا عنه..)).
ملاحظة هامة جدا : إنّ ما قلناه من أن النصوص التي تتعلق بالآخرة تخالف تصورات العقل أمر لا ينطبق على الدنيا بتاتا، فكل نصوص القرآن والسنة بشأن الدنيا توافق العقل وقريبة للقلب اكتشفه العلم أم جهله.(وقد تجلى ذلك بما تم اكتشافه من إعجاز علمي أذهل العلماء).
والله ولي التوفيق ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان..والله أعلم.
المفضلات