خلق الرسول مع ربه

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

خلق الرسول مع ربه

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: خلق الرسول مع ربه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,738
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    08-09-2024
    على الساعة
    03:34 PM

    افتراضي خلق الرسول مع ربه






    قبل البدء في جانب خلقه(صلى اللهُ عليه وسلم) في هذا الجانب نذكر لمحة سريعة عن توحيد الربوبية.
    توحيد الربوبية:
    هو إفراد الله-عز وجل - بالخلق , والملك , والتدبر.
    فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال-تعالى-:{ألا له الخلق والأمر}الأعراف 54.
    فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر، إذ أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى: {هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض} فاطر: 3, فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله.
    وأما إفراد الله بالملك: فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال-تعالى-:{ولله ملك السماوات والأرض} آل عمران: 189, وقال-تعالى-:{قل من بيده ملكوت كل شيء} المؤمنون: 88.
    وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده. القول المفيد على كتاب التوحيد (1/5-7).
    وإذا عرفنا أن كلمة الرب التي منها اشتق لفظ الربوبية يطلق على عدة معان منها: السيد، والمالك، والمربي، والمصلح، والمعبود بحق-سبحانه وتعالى-.
    ومن هذه المعاني الكثير للفظ الرب اشتق اسم الربوبية التي تعني: الخلق، والزرق، والملك، والسيادة، والتربية، والإصلاح، والتدبير – ولكون الله تعالى هو الرب الحق للعالمين اختص بالربوبية دون سواه ، ووجب توحيده فيها وامتنع عنه الشريك فيها بحيث لا تصلح الربوبية لغيره من سائر خلقه ولا تصح، ومن هنا أصبح توحيد الربوبية معناه نفي الشريك عنه–تعالى- في صفات الربوبية الحقة، والتي هي الخلق، والرزق، والملك، والتدبير الذي من لوازمه الأماتة والأحياء، والعطاء والمنع، والضر والنفع، والإعزاز والإذلال.
    وعقلاء الناس في كل زمان ومكان يتحاشون دائماً أن ينسبوا شيئاً من صفات الربوبية لغير الله، وذلك لعجزهم عنها؛ ولأن المخلوق لا يخلق، والمملوك لا يملك.
    ويكفي شاهداً على هذه الحقيقة اعتراف مشركي العرب حين نزل القرآن وهم يُدعون إلى عبادة الله وحده، اعترافهم بعدم صلاحية آلهتهم لشيء من صفات الربوبية وحقائقها، مع شدة تعصبهم لتلك الآلهة وتقديسهم لها، وتعظيمهم، فإنهم كانوا لا يترددون في الاعتراف بعدم صلاحية الإنسان فضلاً عن غيره من التماثيل والأصنام، لاتصافها بصفات الربوبية، فلم يكونوا ينتحلونها لأفرادهم، ولا لآلهتهم ولا يدعونها لهم بحال، وذلك لما وقر في نفوسهم بحكم الفطرة البشرية من عجز المخلوقين عن الخلق والرزق، والتدبير، والملك.عقيدة المؤمن للجزائري ص(67-68).
    وقد سجل القرآن الكريم عجزهم واعترافهم في غير آية منه، ومن ذلك قوله – تعالى-: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} يونس: 31 وقوله – تعالى-: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} الزخرف: 9 وقوله - تعالى-:{قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون} المؤمنون: 86-87, وقوله– تعالى-: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون} الزخرف: 87.
    ولما كان النبَّيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)إمام المُوحِّدين فهو يعلم عن ربه ما لا يعلم غيره فقد رسخ في قلبه معاني ربوبيته سبحانه وتعالى، فهو يعلم أن لا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مدبر إلا الله، فكل ما في الكون من خلقه وفي ملكه وهو يدبر أمرها ويصرفها، ويفعل فيها ما يشاء سبحانه.
    فهو يعلم أن الله فوق عرشه يدبر أمر عباده وحده، فلا خالق ولا رازق ولا معطي ولا مانع ولا محيي ولا مميت ولا مدبر لأمر المملكة (والملكوت)ظاهراً وباطناً غيره، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا يجري حادث إلا بمشيئته، ولا تسقط ورقة إلا يعلمها، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.. إلا وقد أحصاها علمه، وأحاطت بها قدرته، ونفدت فيها مشيئته، واقتضتها حكمته.
    ولمعرفته (صلى اللهُ عليه وسلم) بهذا الجانب فإنه قد بينه للأمة بقوله وفعله، فعلمهم كل ما يجب عليهم لخالقهم، ونهاهم وحذَّرهم عن كل ما يقدح في حق ربهم، فقد حذر النَّبيُّ(صلى اللهُ عليه وسلم)من الشرك وسد كل الجوانب التي تُوصِّل إليه حتى يكون الأمر واضحاً جلياً للناس، ولا يكون على الله حجة بعد الرسل، وهذا من خلقه (صلى اللهُ عليه وسلم) مع ربه.
    فقد علَّم أصحابه وربَّاهم ورسَّخ العقيدة في قلوبهم، ومن هذا العلم الذي علمهم أن الله - سبحانه وتعالى - هو المالك المدبر المعطي المانع النافع الضار، الخافض الرافع، المعز المذل، بيده مقاليد الأمور، وهو على كل شيءٍ قدير، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، قال (صلى اللهُ عليه وسلم) لابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) الترمذي رقم (1516)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم (2648).
    وقد أمر(عليه الصلاة والسلام)بالتعلق بالله الذي بيده كل شيء في الأمور كلها فقال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).
    أخرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه كتاب الزهد عن رسول الله باب التوكل على الله (4/495) رقم (2344)وصححه الألباني انظر صحيح الترمذي رقم (1911)، وابن ماجة كتاب الزهد باب التوكل واليقين وصححه الألباني انظر صحيح ابن ماجة رقم(3359)، وقال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر).
    البخاري كتاب الطب باب لا هامة (10/226) رقم (5757)، ومسلم كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول(4/742) رقم (2220)
    وقال عندما ذكرت عنده الطيرة: (أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه أحمد وأبو داود وقال النووي: صحيح. رياض الصالحين (537) وقال الألباني: ضعيف. انظر ضعيف أبي داود رقم (843).
    وقال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر) المسند وصححه الألباني انظر صحيح الجامع (2539), وقال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن... والاستسقاء بالنجوم) وقد قال(عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ)للذي قال له: (ما شاء الله وشئت، أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده) أحمد، وحسنه الألباني انظر السلسلة الصحيحة رقم (139).
    كل هذه وغيرها من الشواهد تدل على ما كان عليه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-في هذا الجانب.





    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,738
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    08-09-2024
    على الساعة
    03:34 PM

    افتراضي

    فـــي جانـــب الألوهـــــية:
    الأخلاق في اللغة:
    الخليقَة: الطبيعة ، هذه خليقته التي خُلِقَ عليها: أي طبيعته، ويُقال: إنه لكريم الطبيعة.
    الخُلُق: العادة، ومنه قوله تعالى:{إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} (137) سورة الشعراء الخُلُق: السجية ، وهو ما خلق عليه من الطبع.
    الخُلُق: المروءة، جمعها أخلاق.
    الأخلاق في الاصطلاح:
    قال العلامة العيني: (الخُلُق: هي القوى والسجايا المدركة بالبصيرة).
    قال العلاّمة القرطبي: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب ويُسمَّى خُلُقاً ؛ لأنه يصير كالخليقة فيه.
    انظر كتاب: "دعوة النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- للأعراب":حمود الحارثي (ص123-124).

    توحيد الألوهية:
    التوحيد في اللغة: مشتق من وحَّد الشيء إذا جعله واحداً فهو مصدر وحد يوحد أي: جعل الشيء واحداً.
    التوحيد في الاصطلاح: إفراد الله سبحانه بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات .
    أنظر :( القول المفيد على كتاب التوحيد) ابن عثيمين(1/5)
    وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله سبحانه وتعالى بجميع أنواع العبادة، ويُسمَّى توحيد العبادة؛ لأن الألوهية، والعبادة بمعنى واحد. فالإله: معناه المعبود. محاضرات في العقيدة والدَّعوة:للشيخ صالح الفوزان(1/43-44).

    خُلُقه (صلّى الله عليه و سلم) في جانب الألوهية:
    أي تحقيق النَّبيِّ (صلى الله عليِ وسلم) للعبودية تحقيقاً كاملاً، بأدبه صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ مع ربه في جانب الألوهية. وليس المراد بهذا المعنى العام الشمولي، لأن ذلك يستوعب حياته كلها (صلى الله عليِ وسلم)، فقد كانت حركاته، وسكناته كلها لله، وفي سبيل الله-عَزَّ وجَلَّ-،فبذلك أُمر وعليه أُجر قال-تعالى- مُخاطباً نبيه، وحبيبه ومصطفا ه:
    {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) سورة الأنعام .
    وكان(صلى الله عليِ وسلم) إذا افتتح صلاته قال:(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وأما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي و مماتي لله رب العالمين) صحيح مسلم – كتاب صلاة المسافرين-باب الدعاء في صلاة الليل (1/534) برقم( 771) .
    وتوحيد الألوهية هو الذي خلق اللهُ الخلقَ من أجلِهِ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(56) سورة الذاريات .
    وهو الذي أرسل اللهُ به الرُّسلَ،وأنزل به الكتبَ,قال-سبحانه-:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (36) سورة النحل.
    وهذا النوع هو الذي شُرع من أجله الجهاد كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(39) سورة الأنفال (البقرة :193).
    وهذا النوع هو الذي أنكره المشركون حين دعتهم الرسل إليه
    {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (70) سورة الأعراف.
    وهذا النوع هو الذي يهل به المُحرم بحجٍ أو عمرة حين يُلبي ((لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك)) وهذا النوع هو الذي يُسأل عنه الأولون والآخرون كما في الأثر ((كلمتان يُسأل عنها الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين)).
    قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه:" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/84) في تعليقه على الأثر السابق : قال قتادة: كلمتان يُسأل عنها الأولون والآخرون... إلخ. فتبين من ذلك أنه ليس بحديثٍ, بل هو من كلام قتادة السَّدوسي.
    بعد هذه المقدمة السريعة تعال بنا أخي القارئ الكريم لنتأمل سوياً كيف حقق النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم)هذا الجانب مع خالقه ومولاه-سبحانه وتعالى-إنه ليس هُناك أدنى شك أن النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) كان قدوةً, وإماماً, ومثالاً, فريداً في أدبه مع الله-عَزَّ وجَلَّ-وسيرته (عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ) حافلة بذلك وإليك مقتطفات، ونماذج من سيرته العطرة، تدلنا وتبين لنا كيف كانت علاقته، وخُلقه، وأدبه مع الله-عَزَّ وجَلَّ-في جميع جوانب حياته، ومن هذه الجوانب ما يلي:-

    في جانب عبادته:
    عن المغيرة-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-يقول: "إن كان النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم)ليقوم أو ليُصلي حتى ترم قدماه – أو ساقاه- فيقال له، فيقول: ((أفلا أكونُ عبداً شكوراً)) البخاري – الفتح، كتاب التهجد -باب قيام النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) الليل- حتى ترم قدماه (3/19) برقم (1130) .
    قلت: تأمل معي قليلاً في هذا الحديث، بل وفي هذه العبارة على وجه الخصوص، ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) ففيها من المعاني العظيمة ما تدلنا، وترشدنا إلى أمور كثيرة، ومنها:
    1. أدبه الجم مع الله-عَزَّ وجَلَّ-.
    2. كثرة عبادته، وتهجدهُ، والانطراح بين يدي خالقه مع أنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه.
    3. وصفه نفسه بكونه عبداً شكوراً ، وذلك تأدباً منه تجاه خالقه ومولاه.
    وعن ابن مسعود-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: "صليتُ مع النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)ليلةً فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوءٍ، قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النَّبيَّ(صلى الله عليِ وسلم)". البخاري – الفتح, كتاب التهجد-باب طول القيام في صلاة الليل (1/24) برقم 1135 .
    وما أحسن ما قاله ابن رواحة:


    البخاري – التهجد 3 / 39).

    حمايته جانب توحيد الألوهية ، وتحذيره من الشرك وأهله:
    لقد حَذَّر النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم)أمته من الشرك غاية التحذير، وسد كل الطرق الموصلة إليه، وحَمَى حِمَى التوحيد، وذلك تأدباً مع الله من أن يكون معه شريك أو ند، ومن ذلك ما يلي:
    1.أنه نهى عن الغلو في مدحه بما قد يُفضي إلى الغلو فيه و عبادته من دون الله كما وقع للنصارى في حق عيسى بن مريم,قال رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليِ وسلم):((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)) البخاري، الفتح-كتاب الأنبياء-باب قول الله تعالى ( واذكر في الكتاب مريم ) (6/541) برقم 3431

    2.نهى عن الغلو في تعظيم قبور الصالحين وذلك بالبناء عليها، وإسراجها، وتجصيصها، والكتابة عليها ؛ لأن هذا يُفضي إلى الغلو فيها و عبادتها، وطلب قضاء الحوائج من الموتى.
    ويدل على ذلك حديث ابن عباس- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله(صلى الله عليِ وسلم): ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو )) أحمد في المسند (1/215) .
    3. نهى عن الوفاء بالنذر بالذبح لله في مكان يُذبح فيه لغير الله أو يُقام فيه عيدٌ من أعياد الجاهلية إبعاداً عن التشبه بهم في تعظيم المكان، والوثن.
    ويدلُ على ذلك حديث ثابت بن الضَّحاك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال:(نذر رجلٌ أن ينحر إبلاً ببوانَة فسأل النَّبيَّ (صلى الله عليِ وسلم),فقال:((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟)) قالوا: لا. قال:(( فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟)) قالوا: لا.فقال رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-":((أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)).(رواه أبو داود،وصححه الألباني في صحيح أبي داود للألباني,برقم (2834) .

    4. نهى عن الألفاظ التي ظاهرها التسوية بين المخلوقين وبين الله كقول الناس ((ما شاء الله وشئت)) و ((لولا الله وأنت)) كل هذا تأدباً مع الله وصيانة للتوحيد، وسداً لمنافذ الشرك، وإبعاداً للأمة عن أن تقع فيما وقعت فيه الأمم قبلها من فساد العقائد والسلوك، وغيرها. انظر :"محاضرات في العقيدة والدعوة" الفوزان ص50).
    ويدلُ على ذلك حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم):ما شاء الله وشئت فقال النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم):((أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده)). رواه أحمد في المسند (1/74),أنظر السلسلة الصحيحة ( 1 / 139).
    5.عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ أعرابياً أتى النَّبيَّ(صلى الله عليِ وسلم) ,فقال: دُلَّني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان)) قال: والذي نفسي بيده لا أزيدُ على هذا، فلما ولى قال النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) لأصحابه:(( من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) البخاري- الفتح – كتاب لزكاة-باب وجوب الزكاة (3/308) برقم(1397).

    3. في جانب توبته واستغفاره:
    كان رسول الله(صلى الله عليِ وسلم)أعرف الخلق بربه-جل جلاله-،متعبداً له بجميع أسمائه وصفاته, وسيرته (صلى الله عليِ وسلم) تترجم هذا، فقد كان (عليه الصلاة والسلام) يُظهر ذله وافتقاره في كل شأنه ، و يكثر من الاستغفار والتوبة – حدَّث عن ذلك بقوله ((والله إني لأستغفرُ الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) البخاري، الفتح– كتاب الدعوات-باب استغفار النَّبيّ (صلى الله عليِ وسلم) في اليوم والليلة (11/104) برقم 6307 .
    سبحان الله.. ما أعظم هذا النَّبيّ الكريم، وما أجمل شمائله وأخلاقه، وما أحسن كلامه وأحواله، تأمل معي:
    ((إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) إنَّ هذا الكلام لا يصدر إلا من نبيٍّ بلغ درجة عظيمة في حبه، وخوفه، وتقواه، وورعه، وخشيته من خالقه–سبحانه-بالإضافة إلى أدبه الجم الذي لا يوصف.

    4. في جانب دُعائه وافتقاره إلى ربه:
    كان النَّبيُّ(صلى الله عليِ وسلم) يُكثر من الدُّعاء ويلح فيه ويتضرع لربه السميع المجيب الجواد الكريم حتى أن أبا بكر الصديق-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-((أشفق عليه يوم بدرٍ من كثرة ما بَكى وتضرع فأخذه بيده وقال له: حسبك يا رسول الله)) البخاري – المغازي- ص752. (تحقيق العبودية – فوز الكردي ص87).
    كان دُعاء النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)في ركوعِهِ:((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، لك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) صحيح مسلم-كتاب صلاة المسافرين وقصرها-باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/534) برقم (771 ) .
    والمتأمل لأذكار النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)وأدعيته يرى عجباً في هذا الباب؛ففي سيد الاستغفار مثلاً أعظم معاني العبودية، وتبرز أسمى معاني الانكسار والتذلل ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت... إلخ)) وتأمل أيضاً دعاء النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم)وتذلله لله إذا قام من الليل يتهجد ويُناجي ربه قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات الأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد... إلخ)).
    إنَّ حمد الله–تعالى-وشكره، والثناء عليه بما هو أهله مع الاعتراف بالذنب والعجز يُعمّر القلب بالنور, ويوجب له الطمأنينة والسعادة. نقلاً من موقع – البيان- كلمة لأحمد الصويان في جانب العبودية.

    5. في جانب الالتجاء إلى الله وخشيته وتأثره بكلامه:
    عن جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: غزونا مع رسول الله (صلى الله عليِ وسلم) غزوة قبل نجد فأدركنا رسول الله (صلى الله عليِ وسلم) في وادٍ كثير العضاة ((أي الشوك)) فنزل رسول الله (صلى الله عليِ وسلم) تحت شجرة فعلق سيفه في بعض من أغصانها قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون وهو قائم على رأس فلم أشعر إلاّ والسيف صلتا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني: قال:((قلت الله)) – فشام السيف- أي سقط من يده.. إلخ)) رواه مسلم – كتاب الفضائل- (7/62).
    وهذه الواقعة تبين لنا قوة إيمان النَّبيِّ(صلى الله عليِ وسلم) بالله-عَزَّ وجَلَّ-،وتوحيده الخالص وهذا من الأدب مع الله، وثقته بنصره وتأييده، وحمايته وعصمته من الناس، وهذا هو الإيمان إذا خالط بشاشته القلب.
    عن عبد الله قال:قال لي رسولُ اللهِ(صلى الله عليِ وسلم):((اقرأ عليَّ القرآن)) قال: فقلتُ يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال:(( إني أشتهي أن أسمعه من غيري)) فقرأت النساء حتى إذا بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا}(41) سورة النساء. فقال لي: حسبك – فنظرت إليه فإذ عيناه تذرفان). رواه مسلم – كتاب الصلاة - (2/195).
    وفي ختام هذا المبحث نقول: هذا غيضٌ من فيض,فمن ذا الذي يُحيط بجوانب عبادته ومظاهر أدبه وخُلُقِهِ مع ربِّهِ، ومحبته له،وأما دُعاؤه(صلى الله عليِ وسلم)،وإنابته وذكره وخشيته.. إلخ. فبحرٌ لا قرارَ له،ومحيطٌ لا ساحل له.. لا يجمعه ديوان ولا يحصيه إنسان.. والله أعلم.
    التعديل الأخير تم بواسطة فداء الرسول ; 13-05-2014 الساعة 12:50 AM
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,738
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    08-09-2024
    على الساعة
    03:34 PM

    افتراضي

    معنى القضاء والقدر شرعاً:
    هو تقدير الله -تعالى- الأشياء في القدم، وعلمه - سبحانه- أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته- سبحانه-لذلك ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها.
    ومراتب القدر أربع وهي إجمالاً:
    الأولى: العلم: أي أن الله علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم.
    الثانية: الكتابة: أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.
    الثالثة: المشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ليس في السماوات والأرض من حركة إلا بمشيئته-سبحانه- ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.
    الرابعة: الخلق والتكوين: أن الله خلق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد كما دلت على ذلك النصوص. القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ص30.1
    ولما كان الرَّسُولُ (صلى الله عليه وسلم)هو أعرف الخلق بربه، وبتوحيده كان في ذلك القدوة الحسنة لجميع أتباعه في إيمانه بقضاء الله وقدره، وفي جوانبها كلها، وأفعاله وأقواله (صلى الله عليه وسلم) كلها شاهدة على ما كان عليه (صلى الله عليه وسلم)من حسن الأدب مع ربه - عَزَّ وجَلَّ-.
    ومن أدبه مع ربه أنه وضح هذا الجانب لصحابته -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-وشرحه أتم الشرح، فكان يعلمهم ويربيهم على عقيدة القدر؛ لأنها هي العدة التي تجعل المؤمن شجاعاً لا يخاف إلا الله، وهي التي تجعل المؤمن يلاقي المصائب والصعاب راضياً مطمئناً، فعن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قال: كنت خلف النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)يوماً فقال:(يا غلام إني أعملك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) الترمذي رقم 1516، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم(2648). وفي روايةٍ:(احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً). رواه أحمد في المسند (1/293) وصححه الألباني انظر كتاب السنة (315).
    ومن هذا الأدب الذي كان يتحلى به النَّبيُّ(صلى الله عليه وسلم)مع ربه وظهر في أقواله وأفعاله، فقد كان يلاقي كل ما نزل به بالتسليم والرضى إيماناً وتصديقاً بقضاء وقدره، لما توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد، هذان النصيران له في تبليغ هذه الدعوة، فقد عاوناه وناصراه ولم تنل قريش من رسول الله ما نالت منه إلا بعد ما مات عمه أبو طالب ورغم كل ذلك إلا أن النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم) قابل أمر ربه بالرِّضَى والتسليم.
    ومما يدل كذلك على حسن أدبه مع ربه وإيمانه بقضائه وقدره ما كان يقابل ما ينزل به بالحمد والثناء على الله بما هو أهله، فقد روى الإمام أحمد، لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم):(استووا حتى أثني على ربي - عَزَّ وجَلَّ-)، فصاروا خلفه صفوفاً، فقال:(اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، اللهم: ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.
    اللهم إني أسألك النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك العون يوم العلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا.
    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينة في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
    اللهم توفنا مسلمين وأحيينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهم قاتل الكفرة الذين آوتوا الكتاب إله الحق). رواه البخاري في الأدب المفرد، والإمام أحمد في المسند (3/424) .
    ولما توفي ولده إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهراً رآه النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم) وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأخذه في حجره وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، لا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) البخاري كتاب الجنائز باب قول النَّبيّ إنا بك لمحزونون(3/206) رقم (1303), ثم قال:(تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر تابع للأول، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا لمحزونون). ابن ماجة كتاب ما جاء في الجنائز باب ما جاء في البكاء على الميت. وصححه الألباني انظر صحيح ابن ماجة (1292) رقم (2932).
    قال القاضي محمد سليمان المنصور فوري:وانظروا إلى عظمة النبوة وقت وفات إبراهيمحيث أخذه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجره وهو يلفظ أنفاسه فلقنه درس التوحيد بقوله: لا نغني عنك شيئاً، وما أعجب ما بينه الرسول (صلى الله عليه وسلم)من الأدلة في الصبر على الموت من أنه أمر صدق، ووعد حق، وأن الآخر سيلحق بأوله، ثم بين ضعف الإنسان، وقوة الإيمان بالله بإظهار حزنه ورضائه بربه.
    وتدبروا كيف تغلب واجبه نحو إصلاح العقيدة على حزنه على الابن الفقيد فأسرع إلى الناس يخطب فيهم ويعظهم – بعد ما قالوا: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم- بينما الآخرون في العادة يحسبون أنفسهم في مثل هذه المصيبة مفجوعين وينوحون ويبكون. رحمة للعالمين ص352.
    ولقد ثبت عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)أنه قال:(ما أصاب عبداً قط همٌّ ولا غم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ في قضاؤك..)2
    قال ابن القيم: ثم أتبع ذلك باعترافه بأنه في قبضته وملكه وتحت تصرفه، بكون ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء، كما يقاد من أمسك بناصيته شديد القوي لا يستطيع إلا الانقياد له.
    ثم أتبع ذلك بإقراره له بنفاذ حكمه فيه، وجريانه عليه شاء أم أبى، وإذا حكم فيه بحكم لم يستطع غيره ردَّه أبداً. وهذا اعتراف لربه بكمال القدرة عليه، واعتراف من نفسه بغاية العجز والضعف، فكأنه قال: أنا عبدٌ ضعيف مسكين يحكم فيه قوي قاهر غالب، وإذا حكم فيه بحكم مضى حكمه فيه ولا بد.
    ثم أتبع ذلك باعترافه بأن كل حكم وكل قضية ينفذها فيه هذا الحاكم فهي عدلٌ محض منه لا جور فيها ولا ظلم بوجه من الوجوه، فقال: (ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ فيّ قضاؤك)، وهذا يعم جميع أقضيته سبحانه في عبده، فقضاءه السابق فيه قبل إيجاده، وقضاءه فيه المقارن لحياته وقضاءه فيه بعد مماته، وقضاءه فيه يوم المعاد، ويتناول قضاءه فيه بالذنب، وقضاءه فيه بالجزاء، ومن لم يثلج صدره لهذا ويكون له كالعلم الضروري لم يعرف ربه، وكماله ونفسه وعينه، ولا عدل في حكمه، بل هو جهول ظلوم، فلا علم ولا إنصاف. شفاء العليل (2/273).
    ولقد رسخ الرسول (صلى الله عليه وسلم) العقيدة في قلوب أصحابه فكان التسليم لله ورسوله من قبل الصحابة في كل أمر من الأمور.
    وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم)الصحابة من الخوض في القدر بالباطل وبلا علم ولا دليل، روى أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونحن نتنازع في القدر، فغضب واحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال:(أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه). روى الترمذي (4/443) رقم (2133)، وحسنه الألباني مشكاة المصابيح (95).
    وفي رواية أخرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال: (بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم، تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم) قال: فقال عبد الله بن عمرو: (ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه)3. وحسنه الألباني صحيح ابن ماجة (69).
    وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم)يبين لأصحابه أن كل شيء يجري بقضاء الله وقدره، حتى في الأمور التي يعتادها الناس، فقد روى أبو زرعة قال: حدثنا صاحب لنا عن ابن مسعود قال: قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (لا يُعدى شيء شيئاً)، فقال أعرابي: يا رسول الله! البعير أجرب الحشفة ندبنه فيجرب الإبل كلها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (فمن أجرب الأول؟ لا عدوى ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ورزقها ومصائبها).
    رواه البخاري: كتاب الطب، باب لا صفر وباب لا هامة وباب لا عدوى فتح الباري (10/171، 215، 241، 243) والترمذي، واللفظ له كتاب الغدر باب ما جاء في لا عدوى ولا هامة ولا صفر (4/450). ورقمه (2143)، وابن ماجه- المقدمة- باب في القدر (1/34) وفيه أنه قال: (ذلكم القدر فمن أجرب الأول) قال الألباني: صحيح دون كلمة ذلكم القدر. انظر صحيح ابن ماجة (70) .
    ومن أقواله(صلى الله عليه وسلم) الدالة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر ما يلي:
    حديث جبريل المشهور، الذي رواه عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - وفيه: (قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت) مسلم كتاب الإيمان باب الإيمان والإسلام والإحسان (1/36)رقم (8).
    حديث جابر بن عبدالله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -,قال:قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):(لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (1743)، وفي السلسلة الصحيحة رقم (2439).
    وعن علي-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-,قال: قال رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وسلم): (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر)
    رواه الترمذي وابن ماجه وقال الألباني صحيح. انظر صحيح ابن ماجة (66)، وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (وحديث علي هذا رجاله رجال الصحيح وأخرجه أيضاً أحمد وابن ماجه والحاكم). تحفة الأخوذي (3/201) ط: الهند الناشر دار الكتاب العربي لبنان.
    وعن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز).
    مسلم كتاب القدر باب كل شيء بقدر، (4/2045) رقم (2655)..
    وقد ورد عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم)التحذير من التكذيب بالقدر، وذلك في الحديث الذي رواه أبو الدرداء- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر). رواه أحمد (6/441) وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم(675).
    وأقواله(صلى الله عليه وسلم)الدالة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر كثيرة جداً ويدل ذلك على أن الرسول قد بين هذا الجانب ووضحه وجعله في غاية الوضوح حتى لا يلتبس الأمر على الأمة، وكل هذا يدل على ما كان عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- من الأدب مع ربه في تبليغ دينه إلى خلقه حتى يعبدوه على علم وبصيرة.
    ولقد علم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- الأمة التسليم للقضاء والقدر بعد بذل الجهد في ما أمر به من الأسباب، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النَّبيّ (صلى الله عليه وسلم): (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا؛ كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان). رواه مسلم كتاب القدر باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله (4/2052) رقم (2664).
    قال ابن القيم: فنهى النَّبيُّ(صلى الله عليه وسلم) أن يقول عند جريان القضاء ما يضره ولا ينفعه وأمره أن يفعل من الأسباب ما لا غنى له عنه، فإن أعجزه القضاء قال: حسبي الله فإذا قال: حسبي الله بعد تعاطي ما أمره من الأسباب؛ قالها وهو محمود، فانتفع بالفعل والقول، وإذا عجز وترك الأسباب وقالها وهو ملوم بترك الأسباب التي اقتضتها حكمة الله - عَزَّ وجَلَّ- فلم تنفعه الكلمة نفعها لمن فعل ما أُمرَ به. الوابل الصيب: (ص279- 280).


    1- رسالة ماجستير. لـ عبد الرحمن بن صالح المحمود.

    2- أحمد في المسند (1/391، 452)، والحاكم في المستدرك (1/509) وأشار إلى صحته الألباني في صحيح الكلم الطيب ص 74. ط/ الرابعة من المكتب الإسلامي.

    3- رواه ابن ماجه – المقدمة- باب في القدر (1/33)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ورواه أيضاً الإمام أحمد، وقال الساعاتي: وقال البويصيري في زوائد ابن ماجه: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات، الفتح الرباني 1/142. الطبعة الأولى، وقد حسنه محق جامع الأصول: 10/135 عبد القادر الأرناؤط..
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    7,558
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    21-01-2019
    على الساعة
    03:09 PM

    افتراضي

    جزاكِ الله خيراا اختى الفاضلة
    موسوعة رائعة واكثر
    لكِ الاحترام والتقدير

    توقيع نضال 3


    توقيع نضال 3

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2014
    المشاركات
    208
    آخر نشاط
    11-03-2021
    على الساعة
    02:35 PM

    افتراضي

    موضوع جميل

    لولا البتر في بعض الادلة
    ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت... إلخ))
    واعلم ان القصد هو الاختصار ولكن ... نحب كلامه صلى الله عليه وسلم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

خلق الرسول مع ربه

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رد عقلاني مختصر على تعدد زوجات الرسول ولماذا تزوج الرسول بأكثر من أربع- مفحم
    بواسطة مجاهد في الله في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 06-04-2018, 02:40 AM
  2. قصائد حسان بن ثابت دفعاع عن الرسول + رثاء حزين عن الرسول (فلم +mp3 +فلاش)
    بواسطة عاطف أبو بيان في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 29-11-2011, 09:00 AM
  3. الا الرسول
    بواسطة إلا الرسول في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-02-2011, 05:19 PM
  4. على قبر الرسول
    بواسطة محمد ابوقاسم في المنتدى الأدب والشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-05-2009, 02:07 PM
  5. انصروا الرسول و الاسلام منتدى صمم لسب الرسول و الاسلام
    بواسطة حارس القمر في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 09-11-2007, 08:35 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

خلق الرسول مع ربه

خلق الرسول مع ربه