يتهم أعداء الإسلام -والعياذ بالله ونستغفره مما يقولون- الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنه زنى بزوجة عمه أبي طالب بعد وفاتها، ويستدلون على ادعاءاتهم جهلا منهم وضلالا وحقدًا وعنادا، بما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - من أنه قال: "لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب خلع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قميصه، وألبسها إياه، واضطجع في قبرها، فلما سوى عليها التراب، قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئًا لم تصنعه بأحد؟! فقال: "إني ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق الله إليَّ صنيعًا بعد أبي طالب" [المعجم الأوسط للطبراني: ج 15، ص 206، برقم 7128]، وما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أيضًا من أنه قال: "لما ماتت أم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت ممن كفل النبي (صلى الله عليه وسلم) وربته بعد موت عبد المطلب، كفنها النبي (صلى الله عليه وسلم) في قميصه، وصلى عليها، واستغفر لها، وجزاها الخير بما وليته منه، واضطجع في قبرها حين وضعت، فقيل له: صنعت يا رسول الله بها صنعًا لم تصنع بأحد! قال: "إنما كفنتها في قميصي ليدخلها الله الرحمة ويغفر لها، واضطجعت في قبرها ليخفف الله عنها بذلك"" ("كنز العمال" ج 13 ص 635).
ويمكن الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه، أولها: إن هذا العمل أو الفعل الذي يتهم به أعداء الإسلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يمكن أن يحدث من شخص عاقل، فلا يعقل أن يقوم شخص أبدًا بممارسة الجنس مع ميت، فهو أمام رهبة الموت ذلك الموقف الذي يستدعي منه التأمل والاتعاظ والتدبر فكيف يتهم بهذا الفعل نبي الله (صلى الله عليه وسلم) وهو المعصوم من كل زلل أو خطأ، وهو الذي جاء ليعلِّم الناس أمور دينهم ودنياهم؟
وليس مثل هذه الشبهات الخاطئة بجديدة أو مستغربة على قوم اتهموا أنبياءهم بالزنا تارة وبالكذب تارة، وبالسرقة تارة وبالجنون تارة، وقتلوا العديد من أنبيائهم تارة أخرى
ثانيًا: إن هؤلاء اليهود بنوا ادعاءهم القبيح على فهمهم الخاطئ لكلمة (اضطجع) ، فهم قد فهموا معناها الفهم المستقبح، وسبب ذلك هو تفكيرهم الدنيء، لكن المعنى اللغوي لكلمة اضطجع هنا (رقد) ، ونسوق إليك ما ورد في "لسان العرب" عن المعنى اللغوي لكلمة (اضطجع) : "أَصل بناء الفعل من الاضْطِجاعِ ضَجَعَ يَضْجَعُ ضَجْعًا وضُجُوعًا واضْطَجَع نام، وقيل: اسْتَلْقَى ووضع جنبه بالأَرض، وأَضْجَعْتُ فلانًا إِذا وضعت جنبه بالأَرض.
والمَضاجِعُ جمع المَضْجَعِ، قال الله عز وجل: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) أَي تَتَجافى عن مضاجِعِها التي اضْطَجَعَتْ فيها، والاضْطِجاعُ في السجود أَن يَتَضامَّ ويُلْصِق صدره بالأَرض، وإِذا قالوا صَلَّى مُضْطَجعًا فمعناه أَن يَضْطَجع على شِقِّه الأَيمن مستقبلاً للقبلة... وفي الحديث [كَانَتْ ضِجْعَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ] ["سنن أبي داود" ج11 ص 194 برقم 3618].
ويفهم مما سبق أن المعنى العام للاضطجاع هو النوم أو الاستلقاء على الجنب، وليس المعنى المستقذر الذي يقصده هؤلاء المدعون.
ثالثًا: إن الروايات عن موت السيدة فاطمة بنت أسد - رضي الله عنها - كثيرة، نذكر منها:
1- عن الزبير بن سعيد القرشي قال: [كنا جلوسًا عند سعيد بن المسيب, فمر علينا علي بن الحسين, ولم أر هاشميًّا قط كان أعبد لله منه فقام إليه سعيد بن المسيب وقمنا معه فسلمنا عليه فرد علينا فقال له سعيد: يا أبا محمد أخبرنا عن فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب، قال نعم حدثني أبي قال سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم كفنها الرسول في قميصه وصلى عليها وكبر عليها سبعين تكبيرة, ونزل في قبرها وأخذ يومئ في نواحي القبر كأنه يوسعه, ويسوي عليها التراب، وخرج من القبر وعيناه تذرفان, وحثا في قبرها، فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب: يا رسول الله، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئًا لم تفعله على أحد! فقال: "يا عمر، إن هذه المرأة كانت أمي, إن أبا طالب كان يصنع الصنيع, وتكون له المأدبة, وكان يجمعنا على طعامه, فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبًا فأعود فيه، وإن جبريل - عليه السلام - أخبرني عن ربي - عز وجل - أنها من أهل الجنة، وأخبرني جبريل - عليه السلام - أن الله أمر سبعين ألفًا من الملائكة يصلون عليها"] (المستدرك على الصحيحين، ج 10 ص 375 برقم 4551) .
2- عن علي بن أبي طالب أنه قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء، مقابل حمام أبي قطيفة) "مقاتل الطالبين للأصفهاني ج1 ص2".
3- أورد بن عساكر في (مختصر تاريخ دمشق ج5 ص 446) في ترجمته لعلي - رضي الله عنه - ما يلي: [وأم علي - عليه السلام - فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأسلمت قديمًا، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي (صلى الله عليه وسلم) ويوم ماتت صلى النبي (صلى الله عليه وسلم) عليها، دخل معها في قبرها، وبكى، وقال: "جزاك الله من أمٍ خيرًا، فقد كنت خير أمّ].
لكننا نقول: إنه ليس غريبًا على هؤلاء أن ينحرف فهمهم بهذا الشكل، فلقد امتلأت كتبهم التي يؤمنون بها بالكثير من القصص الغارقة في الانحطاط واستخدام الكلمات الفاحشة الصريحة، التي خرجت فيها كلمة (الاضطجاع) عن معناها الأصلي المعروف في اللغة العربية إلى معنى آخر يوحي بالزنا وفعل الفاحشة، فأرادوا أن يطبقوا هذا على معنى الحديث متجاهلين المعنى الحقيقي للكلمة، بل وقد وصلت دناءتهم إلى استخدام هذه الكلمة مع الأنبياء والمرسلين ووصفهم بالزنا حتى مع أقرب الناس إليهم، لعنهم الله تعالى وقاتلهم، وعاقبهم بما هم أهله في الدنيا والآخرة.
المصدر: بوابة القاهرة الإخبارية
http://www.cairoportal.com/suspicions-and-untruths/23727
المفضلات