القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم .. الجزء الثالث عشر
المطعن
اقتباس
الفصل الثاني
هل توجد مشاكل علمية في القرآن؟
أ. الأرض والسماوات، وأيام الخليقة: ستة أم ثمانية؟
1. الجبال:
خصص د بوكاي صفحات 206-208 من كتابه ليتحدث عن (تضاريس الأرض) وناقش الآيات القرآنية التي تحدثت عن الجبال، وقال: (يصف علماء الجيولوجيا الحديثون تعرُّجات الأرض بأنها تثبّت الأجزاء البارزة التي تتراوح أبعادها من الكيلومتر إلى عشرة كيلومترات، ومن ظاهرة التعرج هذه ينتج ثبات القشرة الأرضية) ويقتبس من سورة الأنبياء 21:31 (وهي من العهد المكي الوسيط) (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) ومن سورة النحل 16:15 (من العهد المكي المتأخر) (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ومن سورة لقمان 31:10 (من العهد المكي المتأخر) (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ومن سورة النبإ 78:6 و7 (من العهد المكي المبكر) (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً) ويقول: (والأوتاد المشار إليها هنا هي تلك التي تُستخدَم في تثبيت الخيام في الأرض) (ص 208) ويقتبس من سورة الغاشية 88:19 و20 ( وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).
وتقول هذه الآيات إن الله أرسى الجبال في الأرض كأوتاد خيمة ليحفظها من أن تميد (أي تميل وتضطرب).
ويعلّق د دافيد يونج على ما اقتبسناه من د بوكاي في مطلع كلامنا هنا بالقول:
(صحيحٌ أن سلاسل جبال كثيرة تكوَّنت من صخور متعرجة، ولكن ليس صحيحاً أن هذه التعرجات تثبت الأجزاء البارزة بل إن وجود هذه التعرجات دليل على عدم ثبات أديم الأرض) (3)
وهذا يعني أن الجبال لا تحفظ الأرض من أن تميل، بل إنها تجعل سطح الأرض يهتزّ! وتقترح النظريات الجيولوجية الحديثة أن أديم الأرض الصلد مكوَّن من أجزاء أو طبقات تتحرك مع بعضها ببطء، بسرعة تعادل سرعة نمو الأظافر وتنفصل الطبقات أحياناً ويعتقد معظم الجيولوجيين أن هذا يوضح انفصال أمريكا الشمالية والجنوبية عن قارتي أوربا وأفريقيا وفي بعض أنحاء الكرة الأرضية تتصادم هذه الطبقات وتنبعج وتتغضَّن وتنزلق فوق بعضها وتجد هذا في الشرق الأوسط حيث كان تحرُّك شبه الجزيرة العربية نحو إيران سبباً في ظهور سلسلة جبال زاجروس، وجبال أطلس في المغرب، وجبال الألب التي تكوَّنت بسبب تحرك الطبقات الأرضية وفي أنحاء كثيرة من العالم يشهد المسافر تلالاً من طبقات حجر جيري كانت سابقاً في وضع أفقي في البحار منذ دهور، ولكنها قائمة اليوم بزوايا 30 و50 وحتى 90 درجة والرسم البياني 7 يبيّن مثل هذا النوع من التكوين.
[IMG]http://www.***************.org/Arabic/Books/Campbell/Science/Images/diag7.gif[/IMG]
رسم بياني 7
وقد كتب ابن سينا في (كتاب الشفاء) (412 ه، 1021م) ملاحظاته عن هذه الطبقات، قال ما معناه:
(من الممكن أنه في كل مرة انحسر فيها البحر ترك طبقة، لأننا نرى الجبال تكوّنت من طبقات، فمِن المحتمل أن الطين الذي تكونت منه كان يوماً ما مرتَّباً في طبقات، تكونت طبقة منه أولاً، ثم في أزمنة مختلفة جاءت عليه طبقة تبعتها طبقة ثالثة، وهكذا) (4)
وفي بعض الأحيان تتماسك الطبقات معاً وتتوقف عن الانزلاق وعندما تعجز قوى الاحتكاك عن العمل تبرز الطبقة المتماسكة بضغط قوي متواصل محدثة هزّة هائلة وفي زلزال حديث في سهل (كوكوز) في مكسيكو قفزت طبقة متماسكة إلى الأمام مسافة ثلاثة أمتار وأثناء هزات أرضية أخرى قفزت طبقات أرضية إلى أعلى أو إلى أسفل، ففى عام 1923 حدثت هزة أرضية في خليج سَجَمي دمرت نصف مدينة طوكيو، فقد انخفض قاع المحيط في الشمال الغربي 140 متراً، وانخفض في منتصفه 180 متراً، وانخفض 200 متراً في الطرف الجنوبي الشرقي وارتفع القاع في الشمال الشرقي 250 متراً، وارتفع في الجنوب الغربي مئة متر! (5)
ومع أن ابن سينا كان يظن أن الهزات الأرضية تنتج عن رياح قوية تحت الأرض، إلا أنه أحسن وصف التأثيرات التي ذكرناها بقوله:
(هناك سبب رئيسي لتكوين المرتفعات، فإن الريح، في حالة الزلازل الأرضية العنيفة، تسبّب ارتفاع أجزاء من الأرض، فتتكون المرتفعات) (6)
وهناك أنواع أخرى من الجبال تكوّنها البراكين، إذ تقذف الأرض الحمم، حتى من قاع البحار، فتصبح جبالاً، فقد برزت مرتفعات هاواي من عمق محيط قدره كيلومتر ونصف لتصير جبالاً ارتفاعها 2ر4 كيلومتراً وأحياناً ينفجر بركان (كما حدث في جنوب الباسفيكي) فأطاح بجزيرة كاملة وقتل 36 ألف نفس وأحياناً تتسبب البراكين في زلازل تدمر مدناً محيطة بها فقد دُمرت مدينة كاتانيا (بجوار جبل أطنة في صقلية) ثماني مرات منذ حدث تسجيل للتاريخ ولا زالت تلك المرتفعات (بارتفاع ثلاثة كيلومترات) نشطة وفي عام 1983 سُجلت مائتا هزة أرضية، وثارت الحمم حتى دمرت عدة قرى.
ونستخلص من هذه المعلومات أن الجبال تكونت من الاهتزازات الأرضية، كما أن ثورة البراكين تسبب الزلازل و قد ناقش د تركي هذه الآيات القرآنية (7)، وبذل جهداً كبيراً في محاولة التوفيق بينها وبين العلم الحديث، ولكنه انتزع تلك الآيات من قرائنها وبعد عدة فقرات من شرح حركة أديم الأرض، والقول إن هذه الحركة تكون عدة سنتيمترات سنوياً، قال إن هذا ما جاء في سورة النمل 27:88 (وهي من العهد المكي الوسيط) (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) ولكن الآية السابقة لها تقدم معنى آخر، فهي تقول: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) (سورة النمل 27:87 و88)
وواضح أن النفخ بالصور خاص باليوم الآخِر، فتمرّ الجبال مر السحاب فلا نرى لهاتين الآيتين علاقة بالجيولوجيا وقد يحاول الفقهاء والعلماء المسلمون أن يفترضوا (افتراضات أساسية) بخصوص تكوين الجبال واهتزاز الأرض، ولكنهم بغير شكٍ يواجهون مشكلة!
2. سبع سماوات:
تحدث القرآن في بضع آيات عن سبع سماوات وقد اقتبس د تركي هذه الآيات وتحدث عنها:
سورة نوح 71:15 و16 (من العهد المكي المبكر): (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ الَقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً)
سورة المُلك 67:3 (من العهد المكي الوسيط): (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ)
سورة المؤمنون 23:17 و86 (من العهد المكي المتأخر): (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)
سورة فصلت 41:12 (من العهد المكي المتأخر): (فَقَضَاهُّنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)
سورة الإسراء 17:44 (وتعود للسنة الأولى للهجرة): (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السََّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)
وعندما يقرأ المرء هذه الآيات يرى فيها معناها الرمزي، ولكن د تركي حاول أن يرى توافقها مع العلوم الفلكية الحديثة، فبدأ بالغلاف الجوي وسُمكه نحو 40 كيلومتراً، وقال إنه السماء الأولى ثم ضاعف هذا عشرة آلاف مرة، وقال إنه السماء الثانية، سماء القمر ثم ضاعف هذا عشرة آلاف مرة، وقال إنه السماء الثالثة، سماء الشمس وجعل يضاعف الرقم كل مرة عشرة آلاف مرة، متحدثاً عن سماء النجوم الأقرب، ثم (سماء المجرة) (لأنها نحو حجم مجرتنا) ثم (سماء أقرب المجرات) وأخيراً (السماء الكونية).
وقد تبدو تقسيمات د تركي السبعة صحيحة عددياً، ولكنها غير مُقنعة فتسمية الغلاف الجوي للأرض بالسماء الأولى قد يكون صحيحاً، لكن بقية التسميات مجازية لأن الفضاء ممتد ومتشابه، كما يقول د تركي نفسه.
فهو يفترض أساساً إمكانية فصل سماء القمر عن سماء الشمس، ويفترض إمكانية فصل الشمس (وهي نجم) عن النجوم القريبة وعن المجرة التي تحتويها، ويفترض تسمية مجرتنا سماءً والمجرات الأخري سماءً أخرى ومضاعفة الرقم عشرة آلاف مرة أمر جزافي أيضاً لا برهان علمي عليه، ولا يوحي ب(الأعداد المقدسة) 7 و19 التي ذكرها د تركي.
ولا غبار على عمل افتراضات أساسية، فقد قصدت بكتابة هذا الفصل أننا جميعاً نفترض افتراضات أساسية، ولكننا لا نقتنع علمياً من افتراض أساسي كما أن افتراضات د تركي تناقض آيات قرآنية أخرى، منها:
سورة الصافات 37:6 (من العهد المكي المبكر): (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ)
سورة فصلت 41:12 (من العهد المكي المتأخر) (فَقَضَاهُّنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً)
سورة المُلك 67:3 و5 (من العهد المكي الوسيط) (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً... وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ)
وقال د تركي إن (المصابيح) التي زين الله بها (السماء الدنيا) هي الكواكب، وهذا يناقض ما سبق أن قاله عن أن النجوم أو الكواكب هي السماوات الخمس الخارجية!
وقد تحدث الكتاب المقدس عن السماوات في نحو 700 آية، ولا يذكر للسماوات عدداً إلا مرة واحدة في 2كورنثوس 12:2-4 (أَعْرِفُ إِنْسَاناً فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَفِي الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ اللّهُ يَعْلَمُ اخْتُطِفَ هذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَأَعْرِفُ هذَا الْإِنْسَانَ... أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لَا يُنْطَقُ بِهَا، وَلَا يَسُوغُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا)
وواضح أنه يتكلم عن أمور روحية، لا شأن لها بالخليقة المادية، فما معنى أن يقول إنه اختُطف إلى مكان ما من المجرات؟!
3. الشهب والنيازك والحجر النيزكي:
سبق وذكرنا هذه الفكرة في الفصل 2 من القسم الأول، والآن نتأمل الآيات القرآنية في هذا الموضوع:
سورة الجن 72:8 و9 (من العهد المكي المتأخر) (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً)
سورة المُلك 67:5 (من العهد المكي الوسيط) (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ)
سورة الحِجر 15:16-18 (من العهد المكي المتأخر) (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَاٍن رَجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ)
سورة الطارق 86:2 و3 (من العهد المكي المبكر) (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ)
وهناك نوعان لما يُسمى (الشهاب الثاقب): النيازك والحجارة النيزكية:
أ. النيازك: وهي الأعم، ولا يزيد حجمها عادة عن رأس الدبوس وعندما تدخل الغلاف الجوي للأرض بسرعة 30 كم في الثانية ترتفع حرارتها وتحترق أما أصغرها (وقطره واحد على 20 من المليمتر) فتقل سرعته دون أن يحترق، وينزل ببطء للأرض في صورة نيازك دقيقة وقد عُثر على نيازك دقيقة فوُجد أنها تحتوي على حديد ونيكل، ونسبة النيكل فيها 60%
وقد تسقط عدة نيازك معاً في وقت واحد، والأغلب أنها تكون حطام أحد المذنّبات فإذا مرَّت الأرض وسط الحطام فإنه يظهر للعين كأن النيازك تسير في خط متوازٍ، مع أنها قادمة من نقطة واحدة في الأفق، وهي تتكون من ماء متجمد ونشادر متجمدة وميثان وثاني أكسيد الكربون (8)
ب. الحجارة النيزكية: وهي مواد صلبة تستمر أثناء اختراقها الغلاف الجوي للأرض، فتصل للأرض، ولو أن غلافها الخارجي ينصهر ويبتعد عنها، فتراها وكأنها كرة نار، وتُسمى (الشهاب المتفجر) ولعل هذا ما قصده القرآن في سورة الطارق ب(النجم الثاقب).
وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من الحجارة النيزكية: (1) تلك المكونة من الحديد والنيكل، (2) الحجارة المكونة من السليكات، (3) الحجارة الحديدية المصنوعة من خليط من المواد والضوء الصادر عنها يشبه الضوء المنبعث من الكواكب السيارة كما يُرى بالتلسكوب وتجيئنا معظم الحجارة النيزكية من حزام الكواكب السيارة.
ولا صعوبة أمامنا في التكوين العلمي للنيازك أو الحجارة النيزكية، ولكن الصعوبة هي معرفة ما قصده القرآن بها فسورة المُلك تقول إن الله زيَّن السماء بالمصابيح (النجوم) لرجم الشياطين فكيف يرجم الله كائنات روحية هي الشياطين بشُهبٍ مادية مكونة من الحديد والنيكل؟ وماذا نفهم ونحن نرى الحجارة النيزكية القادمة علينا وكأنها في خطوط متوازية؟ هل نفهم أن الشياطين تقف في خطوط متوازية في تلك اللحظة؟
4. تناقض في الزمن:
أ. أيام الخَلق القرآنية:
تحدثنا في فصل 2 من الجزء الأول عن معنى كلمة (دخان) في علاقتها بأيام الخليقة ونتأمل الآن في عدد تلك الأيام وتتابُعها وفي القرآن سبع إشارات لخلق السماوات والأرض في ستة أيام، هي سورة الأعراف 54 وسورة يونس 3 وسورة هود 7 وسورة الفرقان 59 وسورة السجدة 4 وسورة ق 38 وسورة الحديد 4 ونكتفي هنا باقتباس سورة يونس 10:3 (من العهد المكي المتأخر) لأنها تحوي كل ما أوردته الآيات الأخرى من حقائق: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ؟)
وواضح أن هذه الآيات تقول إن الله خلق الأرض في يومين، وأقواتها في أربعة والمجموع ستة أيام وبعد أن خلق الجبال والأقوات من نباتات وحيوانات خلق السماوات السبع في يومين فيكون المجموع الكلي ثمانية أيام.
لقد قال القرآن في سبع آيات إن أيام الخلق ستة، وفي فُصلت قال إنها ثمانية فماذا نفعل؟ علينا أن نضع الشك في صف الكاتب، وليس في صفّنا فلنفترض أساساً أن محمداً اعتبر بعض تلك الأيام متزامنة، فيكون مجموعها الكلي ستة ولكن هذا الافتراض يتركنا مع مشكلة أخرى هي أن الأرض تكوّنت، وبردت، ونمت فيها أشجارها وحيواناتها قبل خلق السماوات، وهو ما تقوله أيضاً سورة البقرة 2:29 (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وواضح أن هذه العبارات القرآنية لا تتوافق مع نظريات العلم الحديث في بدء الكون وسأترك لغيري أن يجد إجابة لهذه المشكلة.
ب. أيام يونان بحسب الكتاب المقدس:
وقد يسأل القارئ: لماذا نضيّع وقتنا في أمر تافه كهذا؟ والإجابة أن د بوكاي يكتب صفحة كاملة في مشكلة مشابهة، فيقول (ص 83):
(إنجيل متّى هو الذي يحتوي على هذا القول الذي يتميز بعدم معقولية لا جدال فيها من بين كل الأقوال التي وضعها كتّابُها على لسان المسيح نفسه يسرد متى حادثة آية يونس (يونان) كما يلي (أصحاح 12:38-40): المسيح بين قوم من الكتبة والفريسيين يخاطبونه بهذه الألفاظ: (يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً) فَقَالَ لَهُمْ: (جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلَا تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلَّا آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ لِأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الْإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ)
ثم يقول د بوكاي: (يذكر متّى أن المسيح صُلب يوم الجمعة، وبقي في القبر ليلة الجمعة وكل يوم السبت وليلة الأحد، وقام في صباح الأحد وهذا يعطينا ليلتين وأجزاء من ثلاثة أيام).
وكان المسيح قد تنبأ في أواخر الشتاء وأوائل الربيع لعام 29م، قبل الفصح اليهودي بقليل، أنه سيموت ويبقى في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال وبعد ذلك بستة شهور أعلن الأمر نفسه بتفصيل أكثر: (مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلَامِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ) (متى 16:21) وبعد ذلك بعشرة أيام كرر النبوة نفسها (متى 17:22 و23) وأخيراً عام 30م، قبل الفصح بعشرة أيام، وصف نفسه بأنه (ابن الإنسان) وقال لتلاميذه: (هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ) (متى 20:18 و19)
ولا يرى د بوكاي أن عبارتي (في اليوم الثالث) و(ثلاثة أيام وثلاث ليال) متساويتان، ويرى بينهما تناقضاً عظيماً إنه يتغاضى عن حقيقة تنبُّؤ المسيح بموته وقيامته، ويهتم بأن حسابات المسيح خاطئة!
ولكن هل نحن متأكدون أن متّى أخطأ؟ ألا يليق بنا أن نضع الشك في مصلحة الكاتب، ونسأل متّى والمسيح ويهود القرن الأول المسيحي عمَّ يقصدونه بتعبير (ثلاثة أيام وثلاث ليال) بمقارنة ذلك بالتعبير (وفي اليوم الثالث)؟
ويقول أ ت روبرتسون (9): (العادة المعروفة عند اليهود أنهم يحسبون جزءاً من اليوم يوماً كاملاً وهكذا يكون جزءٌ من يوم الجمعة بمثابة يوم كامل، ويوم السبت يوم ثان، وجزء من يوم الأحد يوم ثالث).
ولا زال نفس الحساب سارياً في شمال أفريقيا، فإذا سألتُ مريضاً يوم الإثنين، بدأ مرضه مساء يوم السبت، عن مدة مرضه، يجاوبني: (ثلاثة أيام) مع أن المدة أقل من 48 ساعة وهذا يشبه ما قاله المسيح.
إنهم يقتبسون قول المسيح (بعد ثلاثة أيام أقوم) فهل فهموا أنه يقصد 72 ساعة؟ لا! فإنهم طلبوا حراسة القبر حتى ثالث يوم.
هذه العبارات الثلاث إذاً تساوي نفس المدة فلنضع الشك في صف الكاتب كما قال أرسطو.
وهناك حقيقة روحية تُقنِع مسيحيين كثيرين: في بدء خدمة المسيح، نحو نهاية عام 26م أو بداية عام 27م حضر المسيح عُرساً في قانا الجليل، وطلبت أم يسوع منه أن يمدّ يد العون لأهل العرس بعد أن فرغ الخمر، فقال لها: (لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ) (يوحنا 2:4) وبعد هذا بثلاث سنوات، مساء الخميس قبل القبض عليه قال لتلاميذه (قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ) (مرقس 14:41)
أية ساعة؟ يفهم المسيحيون أنه يقصد ساعة آلامه وموته لأجل خطايانا وقد بدأت الآلام ليلة الخميس لما أُلقي القبض على المسيح، بعد قوله (قد أتت الساعة) واستمرت آلامه بالضرب والتعذيب ثم موت الصليب والدفن، حتى قام ومنذ أن قال: (قد أتت الساعة) مساء الخميس حتى قام قيامة عزيز مقتدر صباح الأحد، نجد ثلاثة أيام وثلاث ليال.
وسواء قبل القارئ هذا الاحتمال أو رفضه، فإني أفترض أن (ثلاثة أيام وثلاث ليال) تتساوى مع (بعد ثلاثة أيام) و (في اليوم الثالث).
الرد:-
إن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس رسول الله لمدة 23 عاماً .. فلماذا لم يعاقبه معبود الكنيسة ؟
.
المفضلات