الزمخشري : وقيل: { أَن يُغْوِيَكُمْ } أن يهلككم من غوى الفصيل غوي، إذا بشم فهلك، ومعناه: أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه، كيف ينفعكم نصحي؟
المعنى هنا : إن كان الله سبحانه وتعالى يريد أن يغويكم فلن تنتفعوا بالنصيحة إن أردت أن أنصحكم ؛ لأن الآية بها تعدُّد الشرطين .
ومثال ذلك من حياتنا : حين يطرد ناظر المدرسة طالباً ، عقاباً له على خطأ معين ، فالطالب قد يستعطف الناظر ، فيقول : (( إن جئتني غداً أقبل اعتذارك إن كان معك والدك )
وقول الناظر : (( إن كان معك والدك )) هو شرط متأخر ، ولكنه كان يجب أن يتقدم .
وفي الآية الكريمة – جاء الشرط الأول متأخراً ، ولكن هل يغوي الله سبحانه عباده ؟
لا ، إنه سبحانه يهديهم ، والغواية هي الضلال والبعد عن الطريق المستقيم .
وللأسف فالمستشرقين جهله باللغة العربية .. وكان من الأفضل أن يصلحوا ما بكتبهم .. ففاقد الشيء لا يعطيه .
فهم دائماً يستقبلون ألفاظ العقائد الإسلامية على أساس ما أشتهر به اللفظ من معنى ؛ فالألفاظ لها معان متعددة .... وهذا بسبب ركاكة كتبهم .
ومثال ذلك هو قول الحق سبحانه :
[ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ] مريم 59
وقوله سبحانه هنا : { فسوف يلقون غياً }
أي : سوف يلقون عذاباً ، لأن غيهم كان سبباً في تعذيبهم ، فسمَّى العذاب باسم مُسبَّبه .
ومثل قول الحق سبحانه :
{ جزاء سيئة سيئة مثلها ... } الشورى 40
والحق سبحانه لا يُسيء لعباده ، ولكنهم هم الذين يُسيئون لأنفسهم ، فسمَّى ما يلقاهم من العذاب سيئة .
وهذا يعرف بالمشاكلة ، وهو ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، مثل { ومكروا ومكر الله ... } آل عمران .. فإطلاق المكر من جانب الله سبحانه إنما هو لمشاكلة ما معه .
وكذلك { الغي } يرد بمعنى { الإغواء } ، ويرد بمعنى الأثر الذي يترتب عن الغي من العذاب .
وقد عرض الله سبحانه صور متعددة بالقرآن للإغواء ، فسيدنا آدم عليه السلام مال عن الطريق وأكل من الشجرة رغم تحذير الله سبحانه له ألا يقربها .... ولكن بحكم طبيعة سيدنا آدم عليه السلام البشرية فعل ما حذره الله عنه ....
وقد ذكر لنا الحق سبحانه كلمات الشيطان بقوله :
[ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ]الحجر 39
ولكن هل أغوى الله – سبحانه – الشيطان ؟
إن الله سبحانه لا يغوي ، ولكنه يترك الخيار للمكلف إن شاء أطاع ، وإن شاء عصى .
ولو أن الله سبحانه جعلنا لما كان لنا اختيار ، فإن أطاع الإنسان نال عطاء الله ، وإن ضل ، فقد جعل الله له الاختيار ، ووجهه لغير المراد على أن يهتدي ، وقادر على أن يضل .
فقال تعالى عن الإنسان
[ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ] .. سورة الإنسان 3
فالله قد جعل الإنسان مُهيئاً لأن يسلك أحد السبيلين : سبيل الهدى وسبيل الضلال ، ثم دله سبحانه على طريق الصواب المستقيم ، وترك له حرية الأختيار ، فإما شاكراً لنعمة الدلالة إلى الخير ، فيكون مؤمناً ، وإما كافراً بها فيكون كافراً
ولك مني كل احترام وتقدير
المفضلات