« على هامش الملتقى »
ملتقى السنة الخامسة مع راعي المجلس التنسيقي الأول الوالد الدكتور عبدالله المصلح
(1)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ صلى الله عليه وآله وسلم
أخذ النصيبَ الأوفى من اسمِه فتراهُ يجلسُ بتواضعٍ بين أساتذةِ ومشايخِ الأقلية المسلمة في وسط أوروبا كأنه آحدهم - وفي حقيقة الآمر هو شيخهم ومعلمهم- ؛ بيَّدَ أنه يرتفع بعبوديته لله تعالى وحده فيصير أمير أمرائهم وشيخ علمائهم وقائد القواد وإمام الجمع الغفير المبارك في صلواتهم؛ الذي لم يتمكن من أن يلحق بغباره أحد وإن اجتهد؛ ولا يقدر أن يقترب من سنام مطيته فارس وإن حاول؛ فهو بحق عبدالله "المبارك"؛ فإذا رآيته أحببته، وإذا اقتربت منه جذبك، وإذا عطف عليك وصوبَّ إليك نظره أسرك، وإذا خاطبك فارتبكتَ قال لك:" أخي! .. هوِّن عليك فإنا ابن امرءٍ يأكل التمر ويشرب الحليب" ... ؛ وبذلك لمقامه يرفعك، وإذا جلست بجواره وأردت أن تضع رأسك المتعب على كتفيه أيقظك وقال لك:" لا تنم فالطريق طويل؛ والدرب عسير وأنت على ثغرة من ثغور إسلامك - في الغرب - فلا يؤتين من قبلك" ، وقبل أن تنصرف يمد يده لك مرحباً بلقاء جديد وقائلا :" لقاؤنا في نعيم الفردوس على البسيطة الخضراء في حِجْر إسماعيل أو في جنة الآخرة بعملك بل برحمة ربك ؛ ... ويردف مبتسماً قوله: "أظن ذلك لي ولك" .
فيحقق النظرية ويطبقها بقوله :" لقد اعزنا الله بالإسلام " فيشعرك بعزة الإسلام ويفتخر أنه من المسلمين، ويشدو متنغماً :" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين..." [آية رقم 8؛ سورة "المنافقون" ورقمها 63]، فتهبط ملآئكة الرحمة على مجلسه معك، وهذه سجية تحتاجها افراد الأقلية المسلمة في الغرب: عزة الإسلام وكرامة أتباع الأنبياء؛ فيشع من عينيه العسليتين نور العزة وشعاع الكرامة إذ - نحسبه - قد امتلئ قلبه بنور الإيمان بالواحد الديان ويقين الإسلام الذي نزل على سيد البشر آجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين، فيفيض ذلك على آرجاء المكان فيسعد الإنسان وتطمئن الكائنات فقد جاء عبدٌ من عبادِ الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، ثم آخذ بمفرده نصيبه من سمات "المصلح" وخواصه؛ فتفرد به في زمانه وآثره لحاله بين أقرانه وخلانه، فاعترف أهل العلم بفضله ورفع أهل الأنساب قدره، ونحسبه أنه أهله.
فهو يترجم ويطبق سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهو تلميذٌ نجيب في مدرسة النبي الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ومن اتبع سنته وسار على طريقته ووالتزم منهاجه إلى يوم الدين؛ مدرسة النبوة ، فنعم الوالد المعلم ونعم القائد المرشد وما أحوجنا نحن رجال الأقلية المسلمة ونساؤها لمثل هؤلاء القدوة الحسنة .
شابٌ ؛ يملك القدرة على أن يضع كل رجلٍ في مقامه ومجلسه فيجلِسَهُ في موضعه ويكرمه في بيته وإن كان هو صاحب البيت وشيخنا هو الضيف؛ فهذه شيمة العربي الأصيل إذا حلّ ضيفاً؛ ... فــيـ قَدِمَ سهلا ويــ مكثَ مرحباً بالمضيف فلا تشعر بغربة اللقاء بل بحميمية الود فيشعرك بأنه مِن أهل البيت وإن لم يكن ربَّه، ويغادر المكان وجميعنا شوق لتجديد اللقاء وإعادة الحديث.
« حكمة العقلاء وحماسة الشباب »
منذ أن تعرفت عليه ويحلو لي أن أناديه بالوالد وهو الذي يبدو للناظر أكثر شبابًا وحيوية وأقل سناً وعمراً من كاتب هذه السطور، فقد غزا الشيبُ مفرقي واشتعل الرأس بياضاً كالقطن المصري أو الهندي طويل التيلة لا يفارقني وأن حاولت صبغته لأظهر أقل سناً وعمراً أمام الجيد الملاح والحسان ذوات عيون المها [يتجمعنَّ في أم العيال الصالحة؛ بيد أنها قرأت هويتي؛ وحفظت تاريخ ميلادي، والنسيان نعمة لمن يتمتع بها]؛ فمجئ معلمُنا آثار في نفوسنا صبابة الوجد لمعلقات فطاحل الشعر وبلاغة العلماء وفقهاء الأمصار والأزمان والأعصار ، وكما يقولون مَن جاور العلماء اغترف من بحر علمهم قطرات؛ وأصابه من فقه سُنَّةِ معلمهم ؛ صلى الله عليه وآله وسلم قُطيفات ، فمن تربى بين يدي الأستاذ كثر فهمه وازداد عقله ورزقه الله حسن الخطاب، فالعلماء ورثة الأنبياء، فرياض العلم الدرس وقلمه اللسان الحافظ وكراسة الفهم الإلقاء على آذان صاغية ودواته الذهن الخالي من المشغولات، وشيخنا موسوعة متبحرة جلسته الواحدة تستغرق أعواما.
شَابُنَا - الوالد المعلم - مازحنا فقال لنا :" لا يغرنَّكم هذه الشعيرات السود في لحيتي ... فهي صناعية!!"، تبسم الحضور بعد أن داعبته ابنته عضوة مفوضية الهيئة الإسلامية بقولها : " معالي الدكتور الوالد؛ تعرفت عليك وقت أن كنت في السابعة عشر من عمري من خلال برنامجك الذي ما زال يذاع ..." فبادل الدعابة بأحسن منها قائلا:" كشفتِ سني وفضحتِ عمري ... سامحك الله .. ".
نقف أمام رجلٍ يمسك زمام أدارة جلسة الملتقى الخامس وقد علا في سمائها الزرقاء أريج مخلوط مسك مكة وبيدٍ بُطِنَّت بحريرٍ دمشقي ونسيجٍ هندي ربطَ بخيوط ذهبية - أستخلص معدنها من أفضل مناجم العالم في الذهب من جنوب أفريقيا؛ حيث الكأس والكرة والناس غفلى ولكن ربك صبور على أفعال عباده وإن كانوا من الجاهلين - ، يد الحرير التي رصعت بحبات لؤلؤ أستخرج للتو من المحيط الهندي أو الخليج العربي، وبهذه اليد؛ ذات الملس الحريري والقبضة الحديدية أمسك زمام الجلسة فأحرج كاتبَ هذه السطور لحظة قيامه بعمله التنظيمي ووبخه - في حنان الأب العطوف - بكلمات كحبات السكر المنغمس في شهد العسل المصفى، واحرج رجل التنسيق الأول لدعم فلسطين في وسط أوروبا ؛ وهدأ من روع بعض الحضور الكريم حين قاطع كلمة عضوة مفوضية الهيئة؛ وهو بهذا يريد أن يعلمنا جميعاً درساً بل دروساً : الأول حسن الإستماع ومنع الشوشرة على المتحدث (حالة الأول) والرفق في الخطاب (حالة الثاني) الدرس الثاني، أما الثالث فنعطي الكلمة للمتحدث حتى يفرغ وينتهي ثم نعقب عليه بالتصحيح أو التصويب أو الإضافة.. هذه آداب الأنبياء وأنتم رجال الأقلية المسلمة في النمسا على درب الأنبياء، .. هكذا أراد أن يقول ... فنستفيد من هذا أن تطبيق النظرية سِمَّة يتصف بها ويترجمها في لحظتها وعند الحاجة إليها لا يؤخرها .. وبهذا يتعلم المخالف والسامع في آن واحد هدي النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. فهو يريد أن يطبق ويترجم آية إفتتاحية الجلسة التي سطرت في صفحة اسماء أعضاء المجلس التنسيقي بحروف من نور :" إنما المؤمنون إخوة" فعلاقة الأخ بآخيه تختلف عن علاقة الفرد بخصمه أو من يعاديه.
« الاصرار على النجاح »
معلمنا الشاب علمَ قادة المؤسسات والجمعيات والهيئات الإسلامية - أعضاء المجلس التنسيقي - درساً جديداً وهو " الاصرار على النجاح " مع وجود الصعوبات والسلبيات؛ فذكر معاليه - حفظه الله - قصةً رويت عن أحد عظماء التاريخ وقائد من أكبر قواد الجيوش حين سُئل : كيف حققت ما قمت به ، فرد وقال :" وقت كنت جندياً شاباً سجنت ولاحظت في زنزانتي نملة تريد أن تصعد فوق صخرة وحاولت - النملة - مرة تلو آخرى وكنت أعد محاولاتها ولما تمكنت وصعدت فوق الصخرة ووصلت إلى مبتغاها ونجحت وكانت عدد المحاولات 73 محاولة، قلت في نفسي هذه الحشرة الضئيلة أستطاعت أن تحقق ما تريده ونجحت، وعليَّ أن أحق ما أريده وانجح مثلها" .
درس « المصالحة من النفس قبل المصالحة مع الآخرين »
درس آخر يستفاد من الملتقى الرسالة وجهت للجميع ووعاها كل قلب حفيظ.
« الواقع والطموح »
أولاً : في حقيقة الأمر تملك الهيئة الدينية الإسلامية المعترف بها رسمياً في جهاز الحكم في دولة جمهورية النمسا الإتحادية؛ تملك الهيئة فعلاً « منصب/ موقع : المنسق » ، وقد - سهواً أو عمداً - ألقيتْ بذرة المجلس التنسيقي في تربة لاصقت نبتةً موجودة، غير أن الموافقة على الفكرة أوجد ازدواجية في الأعمال والتكاليف وحرج بين إدارة الهيئة والوليد الجديد؛ ورُفعَ هذا الحرج في لقاء رسمي تم مع رئيس الهيئة الدينية الرسمية وبين المنسق الثاني بصفته، وقال رئيس الهيئة له :" لا يوجد لدى الهيئة مانع؛ بشرط ألا تتعارض الصلاحيات".(2)
ثانياً : واقع حال الأقلية في أغسطس 2005م [زمن تأسيس المجلس التنسيقي للجمعيات والمؤسسات الإسلامية ] يختلف كثيراً بل مغايراً تماماً عن واقع حالها يونيو 2010م الحالي، وقد أشار لذلك - بإيجاز - فضيلة الأخ راعي الأقلية المسلمة من خلال جمعية الإكرام، وهذا ينبهنا إلى :
ثالثاً : الأقلية المسلمة على بقعة دولة النمسا (فيينا / العاصمة مثالاً) ورقعة تجمعاتها تحمل الألوان التالية :
1.) اللون الأحمر ذو النجمة : التنظيمات/ التجمعات التركية، ونسبتها تتعدى الـ 50% من مجموع أفراد الأقلية والنسبة المتبقية تتوزع بنسب مختلفة على الشكل التالي :
2.) اللون الأخضر ذو الهلال : التنظيمات/ التجمعات العربية،
3.) اللون الأزرق ذو النجمة السداسية : التنظيمات/ التجمعات البوسنية/ الشيشانية/ الألبانية،
4.) اللون البرتقالي : التنظيمات/ التجمعات البنجلاديشية/ الأفغانية،
5.) اللون البنفسجي : التنظيمات النسائية العاملة في الحقل الإسلامي (غائبة/ أو مغيبة)
6.) لون الدانوب الأزرق : التنظيمات النمساوية (الأصلية)
7.) اللون الباهت : تنظيمات/ التجمعات لها مشاكل؛ تعالج في المستقبل أو تهمل (*).
من السابق نلاحظ تداخل الألوان فيما بينها فهناك تنظيمات/ تجمعات قومية/ وطنية لا تحمل الصبغة الإسلامية ولا في مكوناتها لحظة التأسيس أو في مرحلة البناء، وهي تتحرك تحت سقف المجلس التنسيقي للجمعيات الإسلامية .
« واجب الشكر »
وقبل أن ينتهي هامش الملتقى الخامس؛ هذا أود أن أشكر معالي مدير المركز الإسلامي د. هاشم المحروقي لحسن ضيافته لأعضاء المجلس التنسيقي؛ أعانه الله عز وجل في آداء مهمته ووفقه سبحانه وتعالى إلى كل ما يحبه ويرضاه، كما أنَّ الشكرَ يُرفع للسادة أعضاء الجمعية العمومية للمجلس؛ حضور الملتقى، بارك الله العزيز الحميد في مساعيهم ووفقهم في أعمالهم
وقد أعلن راعي المجلس التنسيقي معالي الدكتور الوالد عبدالله المصلح ترحابه الكامل؛ والجمعية العمومية بالأعضاء الجدد؛ الذين تم تسجيلهم وهم:
1.) جمعية الثقافة العربية الإسلامية؛ ممثلة برئيسها - معلمي - الأستاذ الدكتور / سامي الجنابي رئيساً،
2.) عيادة الطب النفسي؛ ممثلة برئيسها الدكتور الأخ فهمي العريقي،
3.) الجالية العراقية؛ ممثلة برئيسها الأخ الأستاذMAG. ضياء الدين شمري،
4.) لجنة الإعجاز العلمي ممثلة بعضوها فضيلة الشيخ/ محمد فرج؛
5.) رحمة النمساوية؛ ممثلة برئيسها الأخ ايرجوت بلفيج؛
6.) مفوضية الهيئة الإسلامية لرعاية شؤون افراد الأسرة؛ ممثلة بعضوة المفوضية السيدة رابحة مصطفى خليل؛ وبرافقتها نجمتين من سيدات المجتمع.
________________________________________
الهوامش :
1.) عقد الملتقى في تمام الساعة الثالثة بعد آداء صلاة الجمعة يوم 13 من رجب الفرد 1431 هـ الموافق 26 يونيو 2010م؛ في قاعة المكتبة بالمركز الإسلامي ~ مدينة فيينا؛ برئاسة الدكتور الوالد عبدالله المصلح، وشرفية د. هاشم المحروقي؛ مدير المركز الإسلامي.
2.) الكاتب لحَّ وما زال يلحُّ على أصحاب الصلاحية وأمير الأقلية على تدوين وتأريخ للأقلية، فقد مر أكثر من نصف قرن على وجود الجالية في النمسا وأكثر من ثلاثين عاماً على إنشاء الهيئة الدينية الرسمية، وكلٌ يروي القصة من منظوره أو مدى معلوماته، أو ما عايشه؛ والجيل الثاني والثالث والرابع .... له حقٌ علينا أن يعرفَ الحقيقةَ من أصحابِها، والروايات تتعدد .... والتوفيق بينها واجب ، وإلا سيصيبنا ما أصاب غيرنا من الأمم والشعوب بتعدد رواياتهم فضاع تاريخهم واندثر أرشيفهم، والعبرة بما كان عليه السلف الصالح؛ حفظوا وكتبوا ... فقرأنا.
(*) تم التباحث حول هذه الجزئية مع معالي الدكتور مدير المركز الإسلامي من ورقة عمل قدمها الكاتب تحت عنوان :" الاحتضان وليس التقارب"، وأيضا على هامش ملتقى السنة الخامسة مع السادة الأعضاء نذكر منهم الشيخ الجليل/ محمد فرج - عضو لجنة الإعجاز - والأخ الكريم إبرهيم علي „روما “راعي الأقلية المسلمة "الإكرام" والأخ الكبير د. محمد خميس إبراهيم راعي الحوار الحضاري بمنطقة الحي الثاني عشر „Am Schöpfwerk“ والشيخ الفضيل راعي جمعية الأرقم بن ابي الأرقم لتحفيظ القرآن ومدير وإمام مسجد الأرقم بالحي الثامن الشيخ/ سميح العظم، والرجل الأول في المجلس التنسيقي لدعم فلسطين أبو البراء عادل عبدالله، والمعلم والمرشد مدير مدارس الفجر الحديث الأستاذ القدير معلم الأجيال جبر السيد جبر، "كلكم راع كل مسؤول عن رعيته...".
المفضلات