نذرت للرحمن صوماً
يقول المخبول زكريا بطرس ان القرآن يناقض نفسه في قوله { فَكُلِي وَاشْرَبِي } ثم يقول { صَوْماً } .
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا
الرازي : { صَوْماً } صمتاً وفي مصحف عبد الله صمتاً واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيراً لا قرآناً، وعن أنس بن مالك مثله وقيل صياماً إلا أنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم فعلى هذا كان ذكر الصوم دالاً على الصمت وهذا النوع من النذر كان جائزاً في شرعهم، وهل يجوز مثل هذا النذر في شرعنا قال القفال لعله يجوز لأن الاحتراز عن كلام الآدميين وتجريد الفكر لذكر الله تعالى قربة، ولعله لا يجوز لما فيه من التضييق وتعذيب النفس كنذر القيام في الشمس، وروي أنه دخل أبو بكر على امرأة قد نذرت أنها لا تتكلم فقال أبو بكر: إن الإسلام هدم هذا فتكلمي، والله أعلم.
أمرها الله تعالى بأن تنذر الصوم لئلا تشرع مع من اتهمها في الكلام لمعنيين: أحدهما: أن كلام عيسى عليه السلام أقوى في إزالة التهمة من كلامها وفيه دلالة على أن تفويض الأمر إلى الأفضل أولى. والثاني: كراهة مجادلة السفهاء وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافهاً.
وقول: { إِنّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً }
فقال قوم: إنها ما تكلمت معهم بذلك لأنها كانت مأمورة بأن تأتي بهذا النذر عند رؤيتها فإذا أتت بهذا النذر فلو تكلمت معهم بعد ذلك لوقعت في المناقضة ولكنها أمسكت وأومأت برأسها
وقال آخرون: إنها ما نذرت في الحال بل صبرت حتى أتاها القوم فذكرت لهم: { إِنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } وهذه الصيغة وإن كانت عامة إلا أنها صارت بالقرينة مخصوصة في حق هذا الكلام.
القرطبي
قول الله تعالى: " فقولي إني نذرت " هذا جواب الشرط وفيه إضمار، أي فسألك عن ولدك " فقولي إني نذرت للرحمن صوما " أي صمتاً، قاله ابن عباس وأنس بن مالك. وفي قراءة أبي بن كعب إني نذرت للرحمن صوما صمتا .
وروي عن أنس. وعنه أيضاً و وصمتا بواو، واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيراً لا قرآناً، فإذا أتت معه واو فممكن أن يكون غير الصوم. والذي تتابعت به الأخبار عن أهل الحديث ورواة اللغة أن الصوم هو الصمت، لأن الصوم إمساك والصمت إمساك عن الكلام. وقيل: هو الصوم المعروف، وكان يلزمهم الصمت يوم الصوم إلا بالإشارة. وعلى هذا تخرج قراءة أنس وصمتا بواو، وأن الصمت كان عندهم في الصوم ملتزماً بالنذر، كما أن من نذر منا المشي إلى البيت أقتضى ذلك الإحرام بالحج أو العمرة.
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى أمرها على لسان جبريل عليه السلام - أو ابنها على الخلاف المتقدم - بأن تمسك عن مخاطبة البشر، وتحيل على ابنها في ذلك ليرتفع عنها خجلها، وتتبين الآية فيقوم عذرها. وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الألفاظ التي في الآية، وهو قول الجمهور. وقالت فرقة: معنى " قولي " بالإشارة لا بالكلام. الزمخشري : وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافهاً.
من التزم بالنذر ألا يكلم أحداً من الآدميين فيحتمل أن يقال إنه قربة فيلزم بالنذر، ويحتمل أن يقال: ذلك لا يجوز في شرعنا لما فيه من التضييق وتعذيب النفس، كنذر القيام في الشمس ونحوه. وعلى هذا كان نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا، وقد تقدم. وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق بالكلام. وهذا هو الصحيح:
لحديث أبي إسرائيل، خرجه البخاري عن ابن عباس. وقال ابن زيد والسدي: كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام.
قلت: ومن سنتنا نحن في الصيام الإمساك عن الكلام القبيح، قال عليه الصلاة والسلام:
" إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ". وقال عليه الصلاة والسلام:
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".
ابن كثير
وقوله: "فإما ترين من البشر أحداً" أي مهما رأيت من أحد "فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً" المراد بهذا القول الإشارة إليه بذلك, لا أن المراد به القول اللفظي لئلا ينافي "فلن أكلم اليوم إنسياً" قال أنس بن مالك في قوله: "إني نذرت للرحمن صوماً" قال: صمتاً, وكذا قال ابن عباس والضحاك , وفي رواية عن أنس : صوماً وصمتاً, وكذا قال قتادة وغيرهما, والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام, نص على ذلك السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد . وقال أبو إسحاق عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود , فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الاخر, فقال: ما شأنك ؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم, فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم, فإن تلك امرأة علمت أن أحداً لا يصدقها أنها حملت من غير زوج, يعني بذلك مريم عليها السلام, ليكون عذراً لها إذا سئلت. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير رحمها الله. وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم: "لا تحزني" قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي, لا ذات زوج ولا مملوكة ؟ أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً, قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام "فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً" قال هذا كله من كلام عيسى لأمه, وكذا قال وهب .
إذن فإدعاء هذا الكاذب الجاهل باطل بدليل ان الصوم لا يقتصر على الأكل فقط ، ويؤكد هذا القول ما جاء بموقع الكلمة المسيحي :
يوضح موقع الكلمة المسيحي أن الصوم هنا لا يعني مجرد الامتناع عن بعض الأطعمة، وإنما ممارسة التوبة بكل أعمالها في القلب داخليًا من ندامة ومطانيات وصرخات!
المفضلات