بسم الله الرحمن الرحيم
أثناء مروري بأحد المواقع الأجنبية بالصدفة ، وجدت أنه يتحدث الأخطاء العلمية في " علم الأجنة في الإسلام" .
أقرّ البحث واعترف أنه لا خطأ في القرآن ، لكنه استهدف علم الأجنة في الإسلام عن طريق الحديث النبوي الشريف... فوجدت أنه من واجبي أن أرد عليه ببحث شامل بعون الله وحوله وتوفيقه ، وأريد أن أقول أن هذا البحث ينشر للأول مرة في الإنترنت بهذه الطريقة الشاملة ، لذلك أرجو من كل أخ مسلم العمل على نشره فيما تيسر له ، ومراسلة الكاتب إن كان هناك أي اقتراح أو تنبيه على الإيميل : jarrarshadi@yahoo.com
أو برسالة خاصة عبر هذا المنتدى
لنبدأ بعون الله : نستعرض الأحاديث النبوية الشريفة حول هذا الأمر :
1- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكا ويؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح ...)) .
أخرجه أحمد (1/382 ، رقم 3624) ، والبخارى (3/1174 ، رقم 3036) ، ومسلم (4/2036 ، رقم 2643) ، وأبو داود (4/228 ، رقم 4708) والترمذى (4/446 ، رقم 2137) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/29 ، رقم 76)
وبالرجوع إلى صحيح مسلم نجد زيادة مهمة في اللفظ :-
عن عبد الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : (( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ... )). (كتاب القدر \ كيفية الخلق الآدمي... )
لاحظ مبدئيا زيادة لفظ : "في ذلك" .. وهذه الزيادة ستحسم أمرا كما سنعلم بعد قليل.
2- ورد في صحيح مسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال : قال الملك : أي رب ، ذكر أو أنثى؟ شقى أو سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه"(كتاب القدر \ كيفية الخلق الآدمي... )
3- ورد أيضا في نفس الباب من صحيح مسلم :
"إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتصور عليها الملك قال زهير حسبته قال الذي يخلقها فيقول يا رب أذكر أو أنثى فيجعله الله ذكرا أو أنثى ، ثم يقول يا رب أسوى أو غير سوى فيجعله الله سويا أو غير سوى ثم يقول : يا رب ، ما رزقه؟ ما أجله؟ ما خلقه؟ ثم يجعله الله شقيا أو سعيدا ".
4- وورد أيضا في نفس الباب : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
"يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول : يا رب ، أشقي أو سعيد؟ فيكتبان. فيقول : أي رب ، أذكر أو أنثى؟ فيكتبان. ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص".
5- وأيضا من نفس المصدر بعد الحديث السابق :
"عن حذيفة بن أسيد الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع الحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا بإذن الله لبضع وأربعين ليلة ثم ذكر نحو حديثهم))".
6- قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثنتان وأربعون ليلةً ، بعث اللهُ إليها مَلَكا ، فَصَوَّرَهَا وخلق سمعَها وبصرَها وجلدَها ولحمَها وعظامَها ، ثم قال يا رب أذكرٌ أم أُنثى فيقضى ربُّك ما شاء ويكتبُ المَلَكُ ..))(مسلم عن حذيفة بن أسيد)
أخرجه مسلم (4/2037 ، رقم 2645) . وأخرجه أيضًا : الطبرانى (3/178 ، رقم 3044) ، وابن حبان (14/52 ، رقم 6177) ، والبيهقى (7/422 ، رقم 15201) .
أولا : آراء العلماء المسلمين القدامى :
لقد فسر أغلب علماءنا القدامى -رحمهم الله- الحديث الأول (حسب الترقيم أعلاه) ، على أنه يعني أن النطفة والعلقة والمضغة تتم على التوالي في فترات طول كل منها أربعون يوماً ، وفهموا أن عبارة (مثل ذلك ) تشير إلى الفترة الزمنية (أربعين يوماً) واستنتجوا من ذلك أن المضغة لا تتم إلا بعد (120) يوماً .
وعلميا ، فإن هذا التفسير خاطئ ، ويعد شبهة في حق الأحاديث النبوية الشريفة ، لأن الجنين في اليوم في اليوم 120 بعيد جدا عن طور المضغة (المخلقة وغير المخلقة ) الذي ينتهي في نهاية الأسبوع السادس (في اليوم 40 تقريبا).
الرد على هذه الشبهات :
::: أولا ::: نقد تفسير العلماء القدامى -أسكنهم الله فسيح جناته- :
يرد ذلك التفسير بخمسة أوجه كاملة :
وجه النقد الأول : إن أخذ الحديث الأول (حسب الترقيم أعلاه) بهذا التفسير ، يجعله يناقض حديثين من الأحاديث أعلاه ، وهما الرابع والخامس ، وتوضيح ذلك كالتالي :
يشير هذا التفسير إلى تمام النطفة بعد 120 يوما ، وبعد ذلك يبعث الله الملك الذي يكتب ما أمره الله.
أما الحديث الرابع : يقول : ((يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين )). وهذه إشارة واضحة لدخول الملك بين الأربعين والخمس والأربعين.
وأما الحديث الخامس : يؤكد ما جاء به الحديث الرابع ، فيقول : ((أن ملكا موكلا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئا بإذن الله لبضع وأربعين ليلة )) . وهذه إشارة إلى أن الملك الموكل في الرحم يبعثه الله بعد بضع وأربعين ليلة ، ليخلق بإذن الله ويكتب ما أمره الله. وليس بعد 120 ليلة كما يقول ذلك التفسير.
فإلى هنا يتضح التناقض بشكل جلي وكبير يقطع الشك باليقين ، ويؤكد بطلان ذاك التفسير.
وجه النقد الثاني : إن لفظ الحديث الأول في صحيح مسلم يبطل هذا التفسير ، فكما لاحظنا ، فصحيح مسلم يزيد في اللفظ قوله -صلى الله عليه وسلم- : (( في ذلك )) في كل من مرحلتي العلقة والمضغة ، فيقول : (( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون (في ذلك) علقة مثل ذلك ثم يكون (في ذلك) مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك ، فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد ... )).
و(في) في قوله عليه السلام: ((في ذلك)) لا يمكن أن تدل إلا على الظرفية ، والظرفية قد تكون زمانية أو مكانية ، و تفسيرها على أنها مكانية تعود على الرحم هو قول ضعيف ، لأنه لا مبرر لتكرار هذا اللفظ لأمر معلوم كهذا ، وهو حشو في القول لا يتناسب مع البلاغة المعروفة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فمن المعلوم أن الجنين في شتى المراحل يخلق في الرحم . لذلك ، يدل اسم الإشارة على الظرفية الزمانية ، وهي (( أربعين يوما )).
نستنتج أن : كلا من طوري العلقة والمضغة تكونان في الأيام الأربعين الأولى. (سنشرح بقية الحديث على هذا الأساس لاحقا ).
الوجه الثالث : يقول الحديث الثاني عن الملك الموكل بأمر الرحم يقول : ((فيقول أي رب نطفة ، أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال قال الملك أي رب ذكر أو أنثى شقي أو سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه )) ، وهذا يشير إلى أن الملك يمر بمراحل : النطفة ، والعلقة ، والمضغة ، لأنه يقول: (( أي رب نطفة ، أي رب علقة ، أي رب مضغة )) وذلك إلى أن يبعثه الله ليقضي ما يأمره الله من خلق الجنين ، وقد أكدت جميع الأحاديث أن هذا بعث هذا الملك يكون في اليوم الأربعين أو بضع الأربعين. ولكن ، هذا يناقض تفسير العلماء القدامى ، لأنه حسب تفسيرهم ، فإن الجنين بعد الأربعين لا يزال في مرحلة العلقة. بينما أكد الحديث الثاني انتهاء أطوار النطفة والعلقة والمضغة جميعا قبل الأربعين !
الوجه الرابع : إن فهم الحديث السادس ( في الترقيم المعتمد أعلاه) وفقا لهذا التفسير يحدث تناقضا مع القرآن أيضا ، لاحظ أن :
الحديث السادس : يؤكد تمام التصوير (( فصورها )) بعد بعث الملك بفترة وجيزة نسبيا بالنسبة لفترة الحمل ، ويدل على قصر هذه الفترة استخدام حرف العطف (فـ) الذي سبق الفعل ( صورها) ، ويقول تفسير العلماء ذاك ، أن الأربعين الثانية هي مرحلة العلقة ، وعليه ، فإنه يتم التصوير في مرحلة العلقة في الأربعين الثانية بعد بعث الملك ، ولنفرض أنه طال الزمن بها حتى امتد إلى مرحلة المضغة فدخل الأربعين الثالثة وتصور فيها (مع أن هذا لا يناسب استخدام حرف الجر (فـ) الدال على التعقيب) ، فمع ذلك يقول القرآن عن المضغة : (( ... مضغة مخلقة وغير مخلقة...)) ، أي ليست تامة التصوير، خلافا لما فهمناه عن الحديث السادس وفقا لذلك التفسير... وهذا أيضا يؤكد بطلان ذلك التفسير.
الوجه الخامس : وأيضا يضع هذا التفسير علامة استفهام على إحدى آيات القرآن ، وهي قوله تعالى : (( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة... )). نجد أن الله سبحانه يستخدم (ثم) الدال على التراخي لتصيير النطفة إلى علقة ، ويستخدم الحرف (فـ) الدال على التعقيب لتصيير العلقة إلى مضغة ...
ولكن ، حسب ذلك التفسير ، فإن الأربعين الأولى تتبعها أربعين ثانية تتبعها أربعين ثالثة بلا فواصل تذكر... فكيف سنفسر معنى استخدام حرفي(فـ\ثم) في الآية إذا؟
وقبل أن ننتقل إلى شرح الأحاديث بالطريقة الصحيحة ، نعرض ما قاله أحد علماء المسلمين المشهورين وهو الإمام ابن الزملكاني المتوفى في القرن السابع الهجري ، وعندها لم يكن هناك ما يعرف بالإعجاز العلمي أساسا... فقد انتبه لبعض أوجه الخطأ والتناقض وقال:
( وأما حديث البخاري فنزل على ذلك ( أي على ذلك التفسير الخاطئ)).
وسنأتي الآن للتفسير الصحيح الذي بدأه الإمام الزملكاني بنفسه.
::: ثانيا ::: التفسير الصحيح :
استنتج الإمام الزملكاني -رحمه الله- أن النطفة والعلقة والمضغة تتم خلال الأربعين يوماً الأولى .. فكيف ذلك ؟
نأتي للحديث الأول ، وهو الحديث الأكثر رواية في كتب الحديث ، وهو الذي أخطأ العلماء في فهمه وقاسوا جميع الأحاديث الأخرى عليه :
يعود اللبس في فهم هذا الحديث إلى اسم الإشارة المبهم ((ذلك)) الموجود في قوله -صلى الله عليه وسلم- : ((ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك)) وهذه الكلمة مبهمة. تعود على شيء ذكر قبلها . فما هو؟
لا يمكن أن تعود إلا على :
أ- الأربعين يوما. ( إن أحدكم يجمع خلقه في بكن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك (أي مثل تلك الفترة وهي الأربعين يوما)..).
ب- جمع خلق الإنسان (إن أحدكم يجمع خلقه في بكن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك( أي مثل خلق الجنين مجموعا)).
أما معظم العلماء السابقين فقد أعادوه إلى مدة الأربعين يوما فوقعوا في الخطأ ، وقد استوفينا الرد على ذلك وإبطاله أعلاه.
فمن المنطقي الآن أن نأخذ الخيار الثاني ، والذي أخذ به الإمام ابن الزملكاني منذ قرون ...
وهو أن ذلك تعود جمع الخلق...فيصبح تفسير الحديث كالتالي :
(( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون في ذلك ( أي في الأربعين يوما الأولى) علقة مثل ذلك ( أي علقة مجموعة ) ، ثم يكون في ذلك ( أي الأربعين يوما الأولى ) مضغة مثل ذلك ( أي مضغة مجموعة )....الحديث)).
وهنا لا بد أن نعرف ما المقصود بـ : خلق مجموع؟ علقة مجموعة؟ مضغة مجموعة؟
جمع الشيء : أي ضمه إليه.
لذلك فإن المعاني تكون كالتالي :
يُجمع خلقه : يُضم بعضه إلى بعض بما يتراكم من خلايا وأنسجة وأعضاء في رحلة تكوين الجنين.
تجمع العلقة : تضم مكونات هذا الطور بعضها على بعض شيئا فشيئا من خلايا وبراعم وأصول الأجهزة.
تجمع المضغة : أي تضم مكونات هذا الطور بعضها على بعض شيئا فشيئا من خلايا وبراعم وأصول الأجهزة.
ويوضح الإمام ابن الزملكاني -رحمه الله- فيقول :
ونظيره في الكلام قولك : إن الإنسان يتغير في الدنيا مدة عمره .
ثم تشرح تغيره فتقول : ثم إنه يكون رضيعاً ثم فطيماً ثم يافعاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً ثم هرماً يتوفاه الله بعد ذلك.
وذلك من باب ترتيب الإخبار عن أطواره التي ينتقل فيها مدة بقائه في الدنيا."
فإن قيل : لماذا تم تحديد الأربعين يوما ؟
الجواب : وذلك لأنه يوم بعث الملك الذي نرى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يحدثنا عنه مرارا وتكرارا في كل الأحاديث المتكلمة في كيفية الخلق الآدمي. (ولا يدل هذا التحديد على انتهاء الجمع هاهنا ، والدليل هو أن الملك يستتبع جمع خلق بعد الأربعين أيضا في قوله عليه السلام : (...بعث اللهُ إليها مَلَكا ، فَصَوَّرَهَا وخلق سمعَها وبصرَها وجلدَها ولحمَها وعظامَها... )).
وتجدر الإشارة هنا أن أمر الملك هو من الإخباريات التي لا يستطيع العقل البشري إدراكها أو تصورها ، وإنما علينا بالظاهر الملموس التجريبي ، فوفقا لتفسيرنا هذا ، جميع ما أكده العلم ينطبق تماما على الحديث (سنرى في هذه الأحاديث ما يقرب 7 معجزات إن شاء الله تعالى!!! ).
... يستتبع البحث فيما بعد بإذن الله (قريبا جدا بحول الله ).
المفضلات