القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم .. الجزء الثالث والعشرون
اقتباس
المسيح العبد المتألم والشفيع
بعد أن درسنا ما يقوله القرآن بخصوص الشفاعة نوجّه أنظارنا إلى التوراة والإنجيل، فنرى النبي إشعياء يتنبأ بقدوم (العبد البار) الذي له الشفاعة، الذي هو المسيح.
وعندما يتكلم مسيحي مع مسلم عن معجزات المسيح كشاهدٍ ثانٍ على أن رسالة المسيح هي من عند الله، يقول المسلم (لقد أجرى المسيح معجزاته بإذن الله) وإن المسيح (عبد الله) ويقتبس ما ورد في القرآن على لسان المسيح: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (سورة مريم 19:30)
ونورد ملاحظتين:
أولاً: نؤكد أن إجراء المسيح المعجزات بإذن الله لا يُنقِص من أنها (شاهد ثانٍ) لصدق إرساليته، فقد برهنت على أن كلماته وأعماله هي من عند الله.
ثانياً: قد يندهش المسلم من أن المسيحيين يؤمنون أن المسيح عبد الله ورسوله، ولكن هذا هو ما نؤمن به فعلاً، وهو ما يصدق على فترة ثلاث وثلاثين سنة أقامها على كوكب الأرض هكذا تنبأت التوراة، وهكذا قال الإنجيل فقد تنبأت التوراة عن مجيء عبد مميَّز لله لينفّذ مشيئة الله ولُقِّب المسيح بالعبد في الإنجيل أيضاً، فيقول عن المسيح: (أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ) (فيلبي 2:7 و8)
وبعد أن وبَّخ المسيح اليهود لأنهم لم يؤمنوا به، ودعاهم (أبناء إبليس) تحدّاهم قائلاً: (مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟) فلم يجرؤ أحدٌ أن يجاوبه!
وعندما وعظ بطرس اليهود بالمسيح الذي قام من الموت، قال لهم: (أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ) (أعمال 3:14)
ويعلن القرآن كمال المسيح في قول الملاك لمريم العذراء: (أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً) (سورة مريم 19:19) والزكي هو الطاهر النقي الكامل الذي لا نقص فيه فالمسيح هو النبي الوحيد الذي (بحسب القرآن) لم يستغفر الله قط لأجل نفسه.
وقال الرسول بطرس، بعد أن عاش مع المسيح عدة سنين: (عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ) (1بطرس 1:18 و19)
واضحٌ من كل هذه الآيات أن المسيح هو النبي الذي بلا خطية، والرسول الذي بلا وِزر صحيح أنه لا تزر وازرة وزر أخرى (سورة الأنعام 164) لكن ماذا عن الرسول الذي بلا وزر؟ لا شك أنه هو الشفيع الكامل وواضح أن الآيات القرآنية التي اقتبسناها في الفصل الأول من القسم الأول والفصل الخامس من هذا القسم لم تتعرض لهذه الحالة الفريدة، ولكن الكتاب المقدس يتحدث عنها فلنتأمل الآيات الكتابية التي تتحدث عن الشفاعة.
المسيح الكامل يشفع في المؤمنين
تنبأ النبي إشعياء (750 ق م) بمجيء المسيح عبد الرب البار المتألم ونتأمل الآن نبوَّتين من نبواته في شفاعة (ذراع الرب) (العبد البار)
تقول هذه الآيات إن شخصاً لقبه (ذراع الرب) سيأتي، ويتألم ويُجرَح من أجل معاصينا، وبالتأديب الذي سيقع عليه ننال الشفاء والسلام، وهو يحمل خطية كثيرين ويشفع في المذنبين لأنه يسكب للموت نفسه.
هذه نبوة بمجيء شفيع، قيلت قبل مجيئه بسبعمئة سنة وقد رأينا صورة نسخة منها تمَّ نسخها قبل المسيح بمئة سنة (صورة رقم 8) فهل تحققت هذه النبوة في أحدٍ؟
لقد رأينا أن المسيح وحده هو الذي لم يخطئ، فلا يكون موته على الصليب قصاصاً لجُرمٍ ارتكبه ويقول الإنجيل إن موته كان عقوبة خطايانا، وتحقيقاً لطلبتنا (اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنّا سيئاتنا) والدليل على ذلك أن الله أقامه من الموت أما الذين يموتون لأجل ما ارتكبوه فإنهم يبقون في قبورهم إلى يوم يُبعَثون.
وقال الإنجيل: (لِأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا) (2كورنثوس 5:21) وبالتعبير القرآني حمل (الذي بلا وزر) وزر أوزارنا.
ونقول أخيراً إن هناك من يشفع أيضاً فينا، هو (البارقليط) الروح القدس، كما يقول: (وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لِأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لِأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لَا يُنْطَقُ بِهَا وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللّهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ) (رومية 8:26 و27)
ونفهم من هاتين الآيتين أن المسيح كلمة الله الأزلي، والروح القدس الأزلي يقفان إلى جوارنا، يشفعان فينا كل أيام حياتنا وعندما يجيء يوم الدين العظيم المخوف لا يقف المسيحي الحقيقي فيه وحيداً، لأن المسيح عبد الرب البار المحب للخطاة، سيشفع في كل من قبل فداءه وخلاصه هكذا قال الإنجيل كلمة الله الصادقة، ولا ريب فيه.
والآن، وبعد أن تأملنا هذا كله، دعنا نعود إلى صديقنا إلياس ليكمل حديثه معنا.
الـــــــــــــرد :-
إن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس رسول الله لمدة 23 عاماً .. فلماذا لم يعاقبه معبود الكنيسة ؟
.
المفضلات