السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعتقد المسيحيون أن المسيح مات مصلوباً فداءاً للبشرية وكفارة لخطايهم . ونحن نسأل :
من الذي مات على الصليب فداءاً للبشرية الانسان ( الناسوت ) أم الإلـه ( اللاهوت ) ؟!
لو كان الذي مات على الصليب هو الاله فهذا باطل بالضرورة لأن الإله لا يموت بداهةً وهذا ما أكده بولس في رسالته الأولى إلي تيموثاوس [ 6 : 16 ] إذ يقول عن الله : (( الذي وحده له عدم الموت )) وأيضاً ما جاء في سفر التثنية [ 32 : 40 ] من قول الرب : (( حي أنا إلى الأبــد )) .
وإن كان الذي مات على الصليب وحمل خطايا البشر هو المسيح كإنسان فقط وليس الاله ، فهذا أيضاً باطل للأسباب التالية :
أولاً : لأن فكرة الفداء والتكفير تقضى ان الله نزل وتجسد ليصلب وانه ليس سوى الله قادراً على حمل خطايا البشر على الصليب . ولأن الانسان لا يمكنه ان يحمل على كتفه خطايا البشر كله فلو كان المسيح مات على الصليب كإنسان فقط لصارت المسيحية ديانة جوفاء .
ثانياً : ان القول بأن الذي مات على الصليب وحمل خطايا البشر هو إنسان فقط هو قول مرفوض ومردود لأن هذا الانسان الذي علق على الخشبة ملعون لأنه مكتوب في الشريعة : (( كل من علق على خشبة ملعون )) [ سفر التثنية ] واللعنة نقص وطرد من رحمة الله فكيف يكون هذا الانسان الذي اصابته اللعنة والنقص كفئاً لحمل خطايا البشر ؟
ثالثًا : ان القول بأن الذي مات على الصليب هو إنسان فقط هو مناقض لنص قانون الايمان الذي يؤمن به النصارى والذي جاء فيه : ان المسيح إله حق من إله حق . . . نزل وتجسد من روح القدس ، وتأنس وصلب .
فبناء على نص قانون الايمان يكون الإله الحق المساو للأب صلب وقتل أي ان اللاهوت هو الذي صلب وقتل ، وهذا هو مقتضى نص القانون وهذا يبطل العقيدة من اساسها لأن الله لا يموت .
رابعا : ان القول بأن المسيح مات كفارة كإنسان هو قول باطل لأن الكتاب يعلمنا أن الانسان لا يحمل خطيئة أي انسان بل كل انسان بخطيئته يقتل : (( لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلادِ وَلا يُقْتَلُ الأَوْلادُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ.)) سفر التثنية [ 24 : 16 ] فلو كان المسيح مات كإنسان فان الإنسان لا يحمل خطيئة آخر !
والخلاصة ان المسيحيون على أي جهة يذهبون فمذهبهم باطل فإن كان الذي مات على الصليب هو الله فهذا باطل وان كان الذي مات على الصليب هو الانسان فهذا أيضاً باطل . وما بني على باطل فهو باطل .
&&&&&&&&&&
صلب المسيح وعقيدة الفداء عند النصارى
دين النصارى دين مليء بالغرائب والتناقضات ، وليس أقل تلك الغرائب البدعة التي اخترعها النصارى فيما يتعلق بصلب المسيح - عليه السلام -
وليست الغرابة في دعوى صلبه - فقد قتل قبله أنبياء كثيرون - لكن الغرابة في فلسفة تلك الحادثة المخترعة التي تحولت في نظر النصارى من مصدر للألم ، إلى مصدر للفرح والسرور ، إذ يعتقد النصارى أن المسيح - عليه السلام - ابن لله عز وجل وهو في ذات الوقت إله مساو لله أو دونه - على خلاف بينهم في ذلك - وهنا مصدر الإشكال ، إذ كيف لابن الإله أن يصلب ، ويهان ، ويعلق على خشبة ، ويبصق في
وجهه في مشهد تتفطر له الأكباد ؟!! فلأي شيء يترك الإله ابنه ، بل كيف للابن - الذي له صفات الإله في نظرهم - أن يترك حفنة من اليهود التعساء تفعل به هذه المهانة ، بل وتسخر منه أمام الملأ قائلة : يا من يدعي أنه يبني الهيكل في ثلاث ، كيف لا تستطيع أن تخلص نفسك ، كل ذلك وابن الإله " الإله " عاجز عن دفع الضر عن نفسه فضلاً عن أن يوقع الضرَّ بغيره ممن صلبه .
ويذكر النصارى في أناجيلهم أن المسيح صاح جزعا : "إيلي، إيلي، لَمّا شَبَقتاني؟ " أي : "إلهي، إلهي ، لماذا تركتني؟"( متى الإصحاح (27) رقم (46-47) ، ويجيب النصارى على هذه التساؤلات الجوهرية - التي تبين فساد وبطلان معتقدهم - بقولهم : إن الخلق ومنذ أن أكل آدم - عليه السلام - من الشجرة وهم يعيشون تحت وطأة الخطيئة ، فالمولود يولد مخطئاً ويعيش مخطئا بعيدا عن الله عز وجل جراء تلك الخطيئة الأولى ، فلما أراد الله أن يغفر لهم أخرج ابنه وأسكنه في بطن مريم العذراء -
عليها السلام - يتغذى مما في بطنها، ثم أخرجه مولوداً ، وترعرع كما يترعرع الصبيان ، حتى إذا شبَّ وكبر ، سلمه لأعدائه ليصلبوه ، فيكون ذلك كفارة عن خطيئة آدم - عليه السلام - التي لحقت سائر الناس ، ويذهب النصارى إلى أبعد من ذلك في تفسير حادثة صلب الإله - في نظرهم - إذ يعتقدون أن المسيح - ويسمونه المخلص - لم يخلصهم من خطيئة آدم الأولى فحسب ، بل خلصهم من جميع الخطايا التي ارتكبوها والتي سيرتكبونها ، إذ يكفي - في نظرهم - أن يؤمن النصراني بالمسيح لينال رضا الله ، وليفعل بعد ذلك ما يشاء .
هذه هي فلسفة النصارى فيما يفسرون به قصة صلب إلههم ، ونحن على يقين أن الناقد لن يكون بحاجة إلى معرفة الحقائق الإسلامية عن حياة عيسى عليه السلام لينقض هذا الهراء المتهافت ، ذلك أن ما يزعمه النصارى مناقض للعقول المستقيمة، ولأجل ذلك أصبحت تلك المعتقدات الكنسية عرضة لهجوم تيارات كثيرة كالعلمانية والملاحدة ، ولعل أول ما يرد على النصارى في عقيدة الفداء هو اتهامهم لله عز وجل بالظلم من جهة ، وبالعجز من جهة أخرى
أما الظلم فلأن الله قد قضى : { أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ( النجم:38 ) وليس هذا الأمر مقرراً في القرآن وحده بل هو منصوص عليه في التوراة أيضاً فقد جاء في "سفر التثنية":- " لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل"أهـ ، فهذا نص توراتي صريح يؤيد النص القرآني بألا يتحمل أحد جريرة أحد ، فما بال النصارى يريدون أن يحملوا البشرية جميعاً خطأ آدم عليه السلام ، أليس مقتضى العدل أن يتحمل آدم - عليه السلام - وزر خطيئته وحده دون غيره ، مع العلم أننا نعتقد كما أخبرنا القرآن أن آدم عليه السلام تاب إلى الله عز وجل فتاب الله عليه وانتهت القضية عند ذلك ، وما نرى دعوى النصارى في عقيدة الفداء إلا اختراع اخترعوه ليبرروا قولهم بأن الإله صلب ، وهو أمر باطل من أساسه ، وما بني على الباطل فهو باطل .
هذا ما يلزمهم من اتهام الله بالظلم ، أما اتهام الله عز وجل بالعجز فيظهر من خلال تلك التمثيلة الطويلة التي اخترعها النصارى من حمل مريم بالإله إلى ولادته إلى صلبه ، كل ذلك ليغفر الله للناس خطيئة آدم التي لحقتهم، وكأن الله عاجز عن غفران خطيئة آدم إلا بتلك الطريقة السمجة التي ذكروها .
إن في دعوى النصارى أن ابن الإله أهين وبصق في وجهه وصلب على خشبة حتى مات مسبة شنيعة ما تجرأ عليها أحد من العالمين ، حتى الوثنيون لم ينسبوا هذا النقص لآلهتهم وهي من الحجارة والطين ، لذلك كان عمر رضي الله عنه يقول : "أهينوهم - أي النصارى - ولا تظلموهم، فلقد سبوا الله عز وجل مسبة ما سبّه إياها أحد من البشر" أ.هـ .
وكان بعض أئمة الإسلام إذا رأى صليباً أغمض عينيه عنه، وقال: "لا أستطيع أن أملأ عيني ممن سب إلهه ومعبوده بأقبح السب ".أهـ.
وقال بعض عقلاء الملوك: " إن جهاد هؤلاء واجب شرعاً وعقلاً فإنهم عار على بني آدم مفسدون للعقول والشرائع" أهـ.
ويعجبني ما قاله قس مصري أسلم : ( إن كان المسيح رباً فلماذا يحتاج كي يغفر للعباد ويُكفّر ذنوبهم أن يُصلب ويُهان ويُصفع ويُبصق في وجهه ..!! )
وأين هذا من قوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر:53) .
ومن العجب أن يوجد في التوراة التي يؤمن بها النصارى ويسمونها العهد القديم لعن من عُلِّق على خشبة ، ففي سفر التثنية (21/23) : "ملعون من تعلق بالصليب" ، فهل أصبح المسيح - عليه السلام - ملعوناً ، إن جواب النصارى على ذلك ليصيب العاقل بالحيرة والذهول ، إذ يقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (3/13) : " المسيح افتدانا من لعنة الشريعة إذ صار لعنة لأجلنا " أهـ. فانظر إلى عقول هؤلاء كيف يصمون إلههم باللعنة ثم يعبدونه ويقدسونه ، إنها عقول فسدت فجعلت من الإله ملعونا ، وفسدت فجعلت الثلاثة واحدا ، وفسدت فعظمت الآلة التي قتل عليها إلههم ،حيث علق كل واحد على صدره صليبا .
هذه هي عقول النصارى، فلو كانوا دوابا لكانوا حميرا ، ولو كانوا من الطيور لكانوا رخما، وإن المرء ليعجب أشد العجب من دين هذا مبدأه وتلك أصوله يكاد يهدم بعضها بعضاً، ومع ذلك تتبعه هذه الملايين الغفيرة من البشر ، فهل فقدت تلك الجماهير عقولها ؟ أم جمدتها ، أم إن إيمانهم بهذا الدين لم يكن عن فكر واقتناع وإنما كان لسهولة وجدوها فيه ، إذ يكفي الإيمان بألوهية المسيح حتى ينال أحدهم رضا الله عز وجل ، هذه احتمالات جميعها واردة ، وبعضها أسوأ من بعض ، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نحمد المولى عز وجل أن أكرمنا بالإسلام ، الدين الحق الذي ارتضاه لعباده ، وحفظه من تحريف الغالين ، وإبطال المبطلين ، ونسأله سبحانه أن يحيينا عليه، وأن يميتنا عليه ، وأن يبعثنا عليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين .
من كتاب عيسى عبدالله
لتحميل الكتاب
https://www.ebnmaryam.com/vb/attachme...8&d=1147339665
المفضلات