الاتحاد الأوروبي يتوسع ضد اكتساح الإسلام للقارة دعوياً


انضمامهما الى الاتحاد «نعمة» … رومانيا وبلغاريا تحتاجان عقوداً للّحاق بأوروبا

بقلم / توفيق المديني
ابتداء من الأول من كانون الثاني (يناير) من العام الجديد 2007 انضمت بلغاريا ورومانيا رسمياً الى الاتحاد الأوروبي، ليرتفع بذلك أعضاء المجموعة من 25 الى 27 وليبلغ عدد سكانها 487 مليون نسمة. ومع دخول بلغاريا ورومانيا، تؤمن اوروبا لنفسها مدخلاً على البحر الأسود، في منطقة ينوي الأميركيون إقامة قواعد عسكرية فيها لحماية الجبهة الشرقية للحلف الأطلسي وتعزيز وجودهم غير البعيد عن مسرح العمليات الشرق أوسطية. لقد نجت صوفيا وبوخارست بالكاد من مقصلة الاتحاد الأوروبي، الذي قرر أخيراً تأجيل أي انضمام جديد ما لم يقدم العضو المرشح الوسائل المؤسساتية والمالية لتعزيز «القدرة على الاندماج». وستنتظر دول يوغوسلافيا السابقة، وبكل تأكيد تركيا، اياماً أفضل. فبعد اوروبا الغربية, وأوروبا الوسطى، ها هي أوروبا الجنوبية الشرقية ممثلة بالعضوين الجديدين، والوريثة لتاريخ مختلف، تنضم الى «الأسرة الأوروبية الكبيرة» يمكن اعتباره من حظ البلدين الشيوعيين السابقين اللذين تمكنا من دخول «جنة الاتحاد الأوروبي» التي قد تغلق أبوابها امام الأعضاء الجدد بسبب تراكم المشاكل الناجمة عن التوسع.

وهكذا، فإن أوروبا الكاثوليكية والبروتستانتية، تجد نفسها مغتنية بنحو 30 مليون أورثوذكسياً ما جعل رئيس اساقفة الكنيسة الأورثوذكسية اليونانية، المطران كريستودولوس، يبتهج لأن «صوت الأرثوذكسية» سيتعزز مع انضمام بلغاريا ورومانيا. وإذا كان البلدان يبدوان من وجهة نظر غربية كتلة متراصة، فإنهما في الحقيقة مختلفان، ويترجم اختلافهما بمنافسة شديدة. فرومانيا تتغنى بثقلها الديموغرافي (22 مليون نسمة، في مقابل 8 مليون نسمة لبلغاريا) وبأصولها اللاتينية في منطقة يسيطر عليها السلاف وتنظر الى نفسها كراية غربية في قلب موزاييك سلافي.

ولكن على رغم الخلافات بين البلدين، فإن الشعبين توصلا الى تحقيق هدفهما المشترك المتمثل في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. وعندما يصبح البلدان عضوين يتمتعان بكامل حقوق العضوية، فسيكون الاندماج من فوق نتيجة لمخطط سياسي كبير معد في بروكسيل. ولكن هناك ايضاً الاندماج من تحت، الذي بدأ سنة 2002 عندما سمح للرومانيين والبلغار بالتنقل في بلدان الاتحاد من دون تأشيرة. فوصل البلغار والرومانيون بقوة الى سوق العمل الغربية حيث يعمل 2.5 مليون من الرومان ومليون من البلغار في شكل شرعي في بلدان الاتحاد الأوروبي.

وفيما فضّل الرومان الفضاء اللاتيني (مليون روماني توجه الى ايطاليا، ونصف مليون الى إسبانيا)، فضّل البلغار الفضاء الأنغلوفوني والجرمانوفوني. وأسهمت عائدات العمال الرومان والبلغار المقدرة ببلايين اليورو في إنعاش اقتصاديات البلدين. ومنذ ان بدأت مفاوضات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، سجل معدل النمو نسبة 6 في المئة في كلا البلدين. ولا يزال اتجاه النمو يسير نحو الارتفاع. فقد بلغ في رومانيا نسبة 8 في المئة في سنة 2005. وهذه ليست إلا بداية لموجة رخاء اقتصادي تغذيها المساعدات الأوروبية حيث منحت بوخارست 32 بليون يورو من الأموال غير مستحقة السداد، وصوفيا 12 بليون يورو.

وخلال سبع سنوات، ستخصص رومانيا 60 بليون يورو للاستثمارات من اجل التنمية، التي ستترجم ببناء أوتوسترادات وإعداد البنية التحتية، واتخاذ إجراءات لحماية البيئة، وتحقيق التنمية الريفية، وتطوير السياحة، الأمر الذي سيعجل في عملية التحديث. وعلى رغم اصطفاف الأسعار حول المعدل الأوروبي، فإن الأجور تظل متدنية بالمقارنة مع الاتحاد الأوروبي (300 يورو في رومانيا، و 230 يورو في بلغاريا) وبحسب مكتب الإحصاءات الأوروبية «يوروستات» لعام 2005 بلغ إجمالي الناتج المحلي للمواطن الروماني 34 في المئة من المعدل الأوروبي من حيث القدرة الشرائية، بينما لا يزيد على 33 في المئة للمواطن البلغاري.

وفي هذا السياق تقول بعض التقديرات ان رومانيا (واقتصادها افضل من بلغاريا) بحاجة الى عشرين سنة من اجل اللحاق بمستوى معيشة الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي. ووصف الرئيس البلغاري جورجي بارفانوف انضمام الدول الشيوعية السابقة الى الاتحاد الأوروبي انها «لحظة سماوية».

لقد أثار انضمام كل من رومانيا وبلغاريا مخاوف حقيقية داخل بلدان الاتحاد الأوروبي وتنبع هذه المخاوف من انتقال الجريمة المنظمة وتجارة البشر التي تراقبها المفوضية الأوروبية وتطالب العضوين الجديدين بضرورة مكافحتها. وعلى رومانيا وبلغاريا بعد انضمامهما الى الاتحاد الأوروبي التقدم كل ستة أشهر بتقرير الى المفوضية تشيران فيه الى التقدم الذي تحرزانه في مجال مكافحة الفساد والجريمة المنظمة. وإذا قصّر البلدان في ذلك، فإنهما يواجهان إمكان قطع المساعدات الاقتصادية عنهما. وإلى جانب ذلك يبدي الاتحاد تشدداً في قضايا أخرى، فقط طلب من بلغاريا مثلاً الالتزام بشروط سلامة الطيران التي يطبقها وإلا سيقوم بحظر هبوط الطائرات التابعة لأسطول شركة بلغاريا للطيران والبالغ عددها 55 طائرة في مطاراته.

شكلت عملية الانضمام الى الاتحاد الأوروبي محركاً لتسريع الديموقراطية في البلدين، وإن كانت هناك مشاكل كبيرة لا تزال قائمة كالفساد والجريمة المنظمة. اما دول البلقان الغربي، الذي دمرته الحروب في عقد التسعينات من القرن الماضي، فهي تنتظر دورها بفارغ الصبر. فالنجاح الروماني – البلغاري، يعطيها الأمل بالانضمام فيما تدغدغ الفكرة بلدان الجمهوريات السوفياتية السابقة مثل مولدافيا، وجيورجيا، التي ادارت ظهرها لموسكو، متوجهة نحو بروكسيل. وبدأت اوكرانيا تسير في الاتجاه عينه بعد نجاح الثورة البرتقالية في شتاء 2004 – 2005.

وبانضمام بلغاريا ورومانيا، يريد الاتحاد الأوروبي ان يظهر ان التوسع ليس هروباً الى أمام، وأنه تحت السيطرة. وإذا تمت فرملته موقتاً، فإن الاستراتيجية ليست موضع شك او تساؤل: فالتوسع يستمر كمحرك للنمو والاستقرار.

* كاتب تونسي.

المصدر : الحياة اللبنانية
http://www.daralhayat.com/special/is...321/story.html