أميّة النبى .. آية ومعجزة ـ سعد عبد المجيد

سعد عبد المجيد : بتاريخ 3 - 6 - 2006
من الثابت فى العقيدة الإسلامية أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان أميّا لا يعرف القراءة والكتابة والقرآن الكريم كتاب الله تعالى المعجزة أكد على هذه الحقيقة بقوله " الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ...إلخ الآية 157/ من سورة الأعراف" وكتب السيرة النبوية وأحاديث الرسول الكريم شرحت للأمة الإسلامية ما دار فى لقاء جبريل عليه السلام مع الرسول فى غار حراء بشأن القراءة ورد الرسول " ما أنا بقارىء " على جبريل بعدم علمه أو معرفتة بالقراءة حين طلب منه قراءة آيات القرآن التى نقلها عن رب العزة.

والثابت بالقرآن الكريم أيضاً بخصوص عدم معرفة الرسول بالقراءة والكتابة أن الله تعالى ثبت قلب الرسول وأهداه معجزة عدم النسيان المخالفة للعادة البشرية بقوله تعالى " سنقرئك فلا تنسى إلاّ ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى :آيتان 6و7 /سورة الأعلى" والثابت فى كتب اللغة العربية ولسان العرب وكذا تفاسير القرآن الكريم أن " الأمي " هو الشخص الذى يجهل أو لا يعرف القراءة والكتابة، وإن كان على علم بأمور الدنيا الأخرى.

ومن معجزات الإسلام البارزة أن أرسلت رسالتة لنبى لا يعرف القراءة والكتابة لكى يكون تحديا لعرب الجاهلية أصحاب المُعلقات والقصائد الشعرية الطويلة والبلاغة الفصيحة ولقطع الطريق عليهم وعلى أمثالهم عبر التاريخ البشرى من القول أن القرآن من عند محمد عليه الصلاة والسلام.

وعلى الرغم من أن إخواننا الأتراك يرددون منذ مئات السنين فى جوامعهم ومساجدهم ومناسبات الإسلام وبين فواصل ركعات صلاة التراويح الرمضانية دعاء " اللهم صلى على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم " إلاّ أن البعض بتركيا لازال لديه قناعة أن الرسول كان يعرف القراءة والكتابة ويقولون هذا من باب أنه لا يليق بالرسول أن يكون جاهلا أو لا يجوز للمسلمين القول أن الرسول كان أمياّ لا يعرف القراءة والكتابة وأن جبريل لم يأت بشىء مكتوب أو كان بالغار شىء مكتوب لكى يقرأه محمد.هذا الإدعاء الذى يروج له البعض بتركيا - بقصد أو بدون قصد ، الله وحده الأعلم بالنيات والقلوب- أزعجنى أن يردده شيخ أو أستاذ تركى يدعى محمد أوقيان فى مداخلة له يوم 1/6/2006 ببرنامج " كوبرولر وقابيلر : جسور وأبواب " الذى يقدمه منيب نويان بمحطة تلفزيون هلال تى فى Hilal TV الخاصة بإستانبول.

لا شك فى أن فهم أبعاد حب الرسول والإحترام والتبجيل التى يتمسك بها إخواننا الأتراك منذ دخولهم الإسلام وحتى يومنا الحاضر هى التى تقف ظاهريا وراء مثل هذا الترديد المخالف للعقيدة الإسلامية.

لكن هذا الإدعاء لا أساس له من الصحة وليس من بين الأمور المتفق عليها بالإجماع لدى علماء الإسلام عبر التاريخ لأن من قواعد الفقه الإسلامى قاعدة " لا اجتهاد مع النص " والقرآن الكريم نص على أمية نبى الإسلام ولا ضير فى ذلك ولا يقلل من شأن نبينا الكريم ويذكر كتاب " تفسير وبيان القرآن الكريم مع أسباب النزول للسيوطى : أن معنى النبى الأمي الذى لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب وذلك فضيلة له لإستغنائه بحفظه وإعتماده على ضمان الله بقوله سنقرئك فلا تنسى ، وفى تفسير آية رقم 78 من سورة البقرة " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون " يذكر كتاب صفوة التفاسير للصابونى : أى ومن اليهود طائفة من الجهله العوام الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ليطلعوا على ما فى التوراة " ونفس المعنى ورد فى تفسير وبيان القرآن الكريم للسيوطى .

ولأن عدم معرفة القراءة والكتابة فى العصور القديمة كان شائعاً وحتى قبل الإسلام يقول رب العزة عن موقف أهل الكتاب " ... قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون : والمفسرة بصفوة التفاسير للصابونى وتفسير وبيان القرآن للسيوطى " فى الأميين .. أى فيما أصبنا من أموال العرب وغيرهم من الأمم الأخرى والمراد بالأميين العرب وأصل الأمي الذى لا يقرأ ولا يكتب والعرب كانوا كذلك " وفى الآية 20 لسورة أل عمران يقول الحق تعالى أيضاً بشأن الأميين " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين " والمفسرة بالكتابين المشار إليهما سالفا على نحو " أى قل لليهود والنصارى والوثنين من مشركى العرب " .

إذن تفسير ومعنى كلمة " الأمي " فى لسان العرب وكتبهم وكذا فى كتب التفاسير القرآنية هو الشخص الذى لا يعرف القرءة والكتابة والرسول الكريم لم يكن على علم بالقراءة والكتابة وهذا لا ينقص من شأنه قيد أنملة بل أنه يزيده تشريفا وتبجيلاً لأنه الإعجاز بكل معناه أن يرسل الله تعالى جلّ شأنه هذا الكتاب عظيم الشأن فصيح اللسان عميق المعانى والخالد مع البشرية لرسول لم يكن يعرف القراءة والكتابة لكى يلجم به أفواه فطاحل العرب الذين كانوا يعرفون محمدا جيّدا قبل نزول القرآن الكريم فلا يستطيعون القول أن محمدا هو الذى كتب وأتى بالقرآن ولعل من الثابت فى التاريخ الإسلامى أن الرسول قد اتخذ من الصحابى حسان بن ثابت كاتبا ومن زيد وكذا فعل الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه بكتابة أوراق ورسائل الرسول وهو الذى كتب العهد والهدنة المبرمة بين الرسول وقريش ووضعت داخل الكعبة الشريفة ولم يقل أحد عبر التاريخ أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذى كتب هذه الرسالة أو تلك الوثيقة أو ذاك العهد بل أن الرسول كان له خاتم يختم به الأوراق بعد كتابتها من الكتّاب والحُجّاب ورسائله للملوك تحمل خاتمه الشريف وليس توقيعا أو إمضاءاً.إننى أعتقد أن دافع هؤلاء الإخوة من الأتراك الذين نعتز بهم وبدورهم فى تاريخ الإسلام وما يقومون به حتى اليوم لنصرة الإسلام، فى ترديد هذا الإدعاء يأتى من الحب والزوّد عن رسول الله للتفاخر به.لكن فى هذه النقطة لا يصح ولا يليق أن يقال هذا الإدعاء الكاذب من المسلمين لتعارضه مع القرآن بل يردده فقط أهل الكتاب وأمثالهم من المنظمات التنصيرية أو الحاقدين على الإسلام مثل زكريا بطرس القس المصرى الذى يردد هذا الكذب ليل نهار فى المحطة التلفزيونية التنصرية المسماة بالحياة.إننى أرى أن هذا الترديد التركى من قطاع محدد وقليل بتركيا لا يختلف كثيرا عن إدعاء وزير الثقافة التركى الأسبق نامق كمال زيبك من حزب الوطن الأم أن الرسول كان تركياً ولم يكن عربياً ! أخيرا أقول أننى لست فقيها لغويا ولست كذلك عالما بالتفسير القرآنى ولا أستطيع الإدعاء بهذا ولا ذاك ،وأحترم وأقدر العاطفة الإسلامية لدى إخواننا الأتراك ولكنى طرحت الأمر هنا للتذكير والتنبيه لكى يدلو العلماء فى تركيا والعالم الإسلامى بدلوهم فى دحض هذا الإدعاء لكى لا يرسخ شىء أعتقد بعدم توافقه مع الإسلام.

كاتب وصحافي مصري يقيم في تركيا

http://www.almesryoon.com/ShowDetail...D=18681&Page=7