-
رد شبهة سورة الإسراء آية 90 ـ 93
شبهة
- أشراف قريش ومحمد:
وقالوا: لن نؤمن لك حتى تَفْجُر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكونُ لك جَنَّةٌ من نخيلٍ وعنب، فتُفجِّر الأنهارَ خلالها تفجيراً، أو تُسقِطَ السماءَ كما زعَمْتَ علينا كِسَفاً، أو تأتي بالله والملائكة قَبِيلاً، أو يكونَ لك بيتٌ من زُخْرفٍ، أو تَرْقَى في السماء. ولن نؤمنَ لِرُقِيِّك حتى تُنَزِّلَ علينا كتاباً نقرؤه. قل: سبحان ربي، هل كنتُ إلا بشراً رسولاً؟ (آيات 90 93).
قال ابن عباس إن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحرث، وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبّهاً ابني الحجاج، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك. فجاءهم محمد سريعاً، وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء. وكان حريصاً يحب رشدهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنّا بُعثنا إليك لنُعذَر فيك، وإنّا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمتَ الآباء، وعِبْتَ الدين، وسفّهت الأحلام، وشتمْتَ الآلهة، وفرَّقت الجماعة، وما بقيَ من قبيحٍ إلاّ وقد جئتَه فيما بيننا وبينك. فإن كنتَ جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنتَ تريد الشرفَ سوَّدناك علينا. وإن كان هذا الذي بك رئى تراه قد غلب عليك لا تستطيع ردّه، بذلْنا لك أموالنا في طلب الطب، حتى نبرئك منه، ونُعذَر فيك . (وكانوا يسمّون التابع من الجن الرئى) فقال محمد: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم، ولا للشرف عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً . قالوا: يا محمد، إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمتَ أنه ليس أحدٌ أضيق بلاداً ولا أشدّ عَيْشاً منا، فسَلْ لنا ربك الذي بعثك فليُسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، ويفجّر لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن منهم قُصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صَدوقاً، فنسألهم عما تقول: أحق هو أم باطل؟ فإن صدَقوك صدّقناك. فقال محمد: ما بهذا بُعثت، فقد بلغتكم ما أُرسلت به . قالوا: فإن لم تفعل هذا فسَلْ لنا ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك، واسأله أن يجعل لك جناتٍ وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضةً يعينك بها على ما تريد، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس . فقال: ما بُعثتُ بهذا . قالوا: فأسقِط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلا أن تفعل . وقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك قام محمد، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم. ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل. ثم سألوكأن تعمل ماتُخوِّفهم به من العذاب فلم تفعل. فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتَّخذ إلى السماء مَرْقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، فتأتي بنسخةٍ منشورة معك، ونفرٍ من الملائكة . وفي رواية وأربعةٍ من الملائكة يشهدون لك بما تقول . فانصرف محمد إلى أهله حزيناً (الطبري في تفسير هذه الآيات).
ومن تأمل في أقوال أشراف العرب رأى أنها مبنيّة على حكمة وفطنة، فإنهم عقلاء الأمة. لقد طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزةٍ يؤيّد بها دعوته، فعجز عن ذلك واعتراه الغم. فلو فعل شيئاً مما نسبه إليه أصحابه من انشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه وغير ذلك لاحتجَّ بها عند عقلاء قومه، ولكنه لم يدَّع بشيء من هذا، فأفحمه العرب، وانصرف والغم ملء فؤاده. وهم معذورون إذا قاوموه فإن الله لم يؤيده بمعجزة كما فعل مع الأنبياء الصادقين. وليس ذلك فقط، بل إنه كثيراً ما كان يعجز عن إجابة أسئلة المستفهمين، وكان يقول إن جبريل كان يغيب عنه. روى البخاري أن محمداً سأل جبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فقال: وما نتنزّل إلا بأمر ربك (مريم 19: 64). وكان جبريل قد أبطأ عنه أربعين يوماً. ولما سأله قريش عن أصحاب الكهف أبطأ 15 ليلة لا يعطيه الله في ذلك وحياً.
تجهيز للرد
إن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس رسول الله لمدة 23 عاماً .. فلماذا لم يعاقبه معبود الكنيسة ؟
.
والنَّبيُّ (الكاذب) والكاهنُ وكُلُّ مَنْ يقولُ: هذا وَحيُ الرّبِّ، أُعاقِبُهُ هوَ وأهلُ بَيتِهِ *
وأُلْحِقُ بِكُم عارًا أبديُا وخزْيًا دائِمًا لن يُنْسى(ارميا 23:-40-34)
وأيُّ نبيٍّ تكلَّمَ باَسْمي كلامًا زائدًا لم آمُرْهُ بهِ، أو تكلَّمَ باَسْمِ آلهةٍ أُخرى، فجزاؤُهُ القَتْلُ(تث 18:20)
.
.
-
رد: رد شبهة سورة الإسراء آية 90 ـ 93
الرد
(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً "90")
(لن) تفيد تأبيد نفي الفعل في المستقبل، تقول: أنا لم أصنع هذا، ولن أصنعه. أي: في المستقبل.
ومعلوم أن الإنسان ابن أغيار، ولا يحكمه حال واحد بل هو متقلب بين أحوال شتى طوال حياته، والله تعالى وحده هو الذي لا يتغير، ومادام الإنسان ابن أغيار ويطرأ عليه حال بعد حال، فليس له أن يحكم على شيء حكماً قاطعاً في مستقبل هو لا يملكه، فالذي يملك الحكم القاطع هو الحق سبحانه الذي لا تتناوله الأغيار.
لذلك فالإنسان مثلاً إذا صعد حتى القمة نخاف عليه الهبوط؛ لأنه من أهل الأغيار، ولا يدوم له حال، إذن: فماذا بعد القمة؟
وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى بقوله:
إذا تم شيء بدا نقصه ترقب زوالاً إذا قيل تم
والعجيب أن الناس يتطلعون في نعمة الله إلى التمام، فيقول أحدهم: يا حبذا، لو حدث كذا لتمت هذه النعمة، وهم لا يدرون أن هذا النقص في النعمة سبب بقائها، فلو تمت لك النعمة وأنت من أهل الأغيار، فماذا تنتظر إلا زوالها؟
فليرض كل صاحب نعمة بما فيها من نقص، فلعل هذا النقص يرد عنه عين حاسد، أو حقد حاقد.
فبعض الناس يرزقه الله بالأولاد ويعينه على تربيتهم، ولحكمة يفشل أحدهم فيحزن لذلكن ويألم أشد الألم، ويقول: لو أن هذا الولد .. وهو لا يدرك حكمة الله من وراء هذا النقص، وأنه حارس للنعمة في الآخرين، وأنه التميمة التي تحميه وترد عنه ما يكره.
لذلك لما أراد المتنبي أن يمدح سيف الدولة قال له:
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ من شر أعينهم بعيبٍ واحد
أي:نظروا إليك معجبين بما فيك من كمال، فاعمل عملاً سيئاً واحداً يصد عنك شر أعينهم. إذن: (لن) تفيد تأبيد النفي في المستقبل، وهذا أمر لا يملكه إلا مالك الأحداث سبحانه وتعالى، أما صاحب الأغيار فليس له ذلك، والذين آمنوا فيما بعد برسول الله ممن قالوا هذه المقولة:
{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90"}
(سورة الإسراء)
نستطيع أن نقول لهم: لقد أوقعتكم (لن) في الكذب؛ لأنكم أبدتم نفي الإيمان، وهاأنتم مؤمنون، ولم يفجر لكم النبي ينبوعاً من الأرض.
وعند فتح مكة وقف عكرمة بن أبي جهل وقال في الخندمة ما قال، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً معتذراً وخرج محارباً مع خالد بن الوليد في اليرموك، وحين طعن الطعنة المميتة، وحمله خالد، فإذا به يقول له: أهذه ميتة ترضي عني رسول الله؟
إذن: من يقول كلمة عليه أن يكون قادراً على تنفيذها، مالكاً لزمامها، ضامناً لنفسه ألا يتغير، وألا تتناوله الأغيار، ولا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
والمتدبر لأسلوب القرآن في سورة (الكافرون) يجد هذه المسألة واضحة، حيث يقول تعالى:
{قل يا أيها الكافرون "1" لا أعبد ما تعبدون "2" ولا أنتم عابدون ما أعبد "3" ولا أنا عابد ما عبدتم "4"}
(سورة الكافرون)
هكذا نفت الآية عبادة كل منهما لإله الآخر في الزمن الحاضر، ثم يقول تعالى:
{ولا أنا عابد ما عبدتم "4"ولا أنتم عابدون ما أعبد "5"}
(سورة الكافرون)
لينفي أيضاً احتمال العبادة في المستقبل، إذن: فليس في الآية تكرار، كما يرى بعض قصار النظر.
ولك الآن أن تسأل: كيف نفى القرآن الحديث في المستقبل؟ نقول: لأن المتكلم هنا هو الحق سبحانه وتعالى الذي يملك الأحداث ولا تغيره الأغيار، ولا تتسلط عليه، فحكم على المستقبل هذا الحكم القاطع وأبد النفي فيه.
ثم يقول تعالى:
{حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90"}
(سورة الإسراء)
وفي آية أخرى قال:
{وفجرنا الأرض عيوناً .. "12"}
(سورة القمر)
فالتفجير: أن تعمل في الأرض عملية تخرج المستتر في باطنها على ظهرها، وعين الماء تخرج لك الماء من الأرض، وتأخذ من حاجتك فلا ينقص؛ لأنها تعوض ما أخذ منها بقانون الاستطراق، وقد يحدث أن يغيض الماء فيها قليلاً.
أما الينبوع فتراه يفيض باستمرار دون أن ينقص فيه منسوب الماء، كما في زمزم مثلاً، ولاشك أن هذا المطلب منهم جاء نتيجة حرمانهم من الماء، وحاجتهم الشديدة إليه. ويذكر الحق سبحانه أنهم واصلوا حديثهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا
(أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً "91" )
سبق أن طلبوا الماء لأنفسهم، وهنا يطلبون للرسول (جنة) أي: بستان أو حديثة من النخيل والعنب؛ لأنهما الصنفان المشهوران عن العرب.
{فتجر الأنهار خلالها تفجيراً "91"}
(سورة الإسراء)
أي: خلال هذه الحديقة حتى تستمر ولا تذبل. ويواصلون تحديهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون:
(أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً "92" )
الزعم: هو القبول المخالف للواقع، ويقولون: الزعم مطية الكذب، قال تعالى:
{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا .. "7"}
(سورة التغابن)
وإن كانوا اتهموا رسول الله بالزعم، فما هو إلا مبلغ عن الله، وناقل إليهم منهج ربه، فإن أرادوا أن يتهموا فليتهموا الحق سبحانه وتعالى؛ لأن رسوله لا ذنب له، وقد جاءوا بمسألة إسقاط السماء عليهم؛ لأن الحق سبحانه سبق أن قال عنهم:
{أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء .. "9"}
(سورة سبأ)
ولذلك طلبوا من رسول الله أن يوقع بهم هذا التهديد. و
{كسفا .. "9"}
(سورة سبأ)
أي: قطعاً، ومفردها كسفة كقطعة. ويقول تعالى:
{أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً "92"}
(سورة الإسراء)
نراهم أمامنا هكذا مقابلة عياناً، وقد جاء هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى:
{وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا .. "21"}
(سورة الفرقان)
والمتأمل فيما طلبه الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يجده تعجيزاً بعيداً كل البعد عن الواقع، مما يدلنا على أنهم ما أرادوا الإيمان والهداية، بل قصدوا الجدل والعناد؛ لذلك يقول الحق سبحانه رداً على لجج هؤلاء وتعنتهم:
{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا .. "111"}
(سورة الأنعام)
ثم يقول تعالى عنهم أنهم قالوا
(أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا "93" )
البيت: هو المكان المعد للبيتوتة، والزخرف: أي المزين، وكان الذهب وما يزال أجمل أنواع الزينة؛ لأن كل زخرف من زخارف الزينة يطرأ عليه ما يغيره فيبهت لونه، وينطفئ بريقه، وتضيع ملامحه إلا الذهب، ونقصد هنا الذهب الخالص غير المخلوط بمعدن آخر، فالذهب الخالص هو الذي لا يتأكسد ولا يتفاعل مع غيره؛ لذلك يظل على بريقه ورونقه، فإن كان البيت نفسه من زخرف، فماذا سيكون شكله؟
ونرى الذين يحبون أن ينافقوا نفاق الحضارات، ويتبارون في زخرفة الصناعات يلصقون على المصنوعات الخشبية مثلاً طبقة أو قشرة من الذهب؛ لتظل محتفظة بجمالها، كما في الأطقم الفرنساوي أو الإنجليزي مثلاً.
ثم يقول تعالى:
{أو ترقي في السماء .. "93"}
(سورة الإسراء)
أي: يكون لك سلم تصعد به في السماء، ويظهر أنهم تسرعوا في هذا القول، ورأوا إمكانية ذلك، فسارعوا إلى إعلان ما تنطوي عليه نفوسهم من عناد:
{ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه .. "93"}
(سورة الإسراء)
وكأنهم يبيتون العناد لرسول الله، فهم كاذبون في الأولى وكاذبون في الثانية، ولو نزل الله عليهم الكتاب الذي أرادوا ما آمنوا، وقد رد عليهم الحق سبحانه بقوله:
{ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين "7" }
(سورة الأنعام)
وانظر إلى رد القرآن على كل هذا التعنت السابق:
{قل سبحان ربي .. "93"}
(سورة الإسراء)
وكلمة (سبحان) كلمة التنزيه العليا للحق سبحانه وتعالى، وقد تحدى بها الكون كله؛ لأنها كلمة لا تقال إلا لله تعالى، ولم يحدث أبداً بين الناس أن قالها أحد لأحد، مع ما في الكون من جبابرة وعتاة، يحرص الناس على منافقتهم وتملقهم، وهذه كلمة اختيارية يمكن أن يقولها كل إنسان، لكن لم يجرؤ أحد على قولها لأحد.
والحق سبحانه وتعالى يتحدى الكون كله بأمور اختيارية يقدرون عليها، وتحدى المختار في المثل معناها أنه سبحانه عالم بأن قدرته لن تستطيع أن تفعل ذلك، ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى:
{تبت يدا أبي لهب وتب "1" ما أغنى عنه ماله وما كسب "2" سيصلى نارا ذات لهب "3"}
(سورة المسد)
نزلت هذه الآيات في أبي لهب، وهو كافر، ويحتمل منه الإيمان كما آمن غيره من الكفرة، فقد آمن عمر والعباس وغيرهم، فما كان يدري رسول الله أن أبا لهب لن يؤمن، لكنه يبلغ قول ربه قرآناً يتلى ويحفظ ويسجل، وفيه تقرير وشهادة بأن أبا لهب سيموت كافراً، وأن مصيره النار.
وهنا نقول: أما كان في إمكان أبي لهب أن يكذب هذا القول، فيقوم في قومه منادياً بلا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ـ ولو نفاقاً ـ وله بعد ذلك أن يتهم محمداً وقرآن محمد بالكذب؟ لكن هذا لم يحدث؛ لأن المتكلم هو الله رب العالمين.
ومن هذا التحدي أن الحق سبحانه له صفات وله أسماء، الأسماء مأخوذة من الصفات، إلا اسم واحد مأخوذ للذات، هو لفظ الجلالة (الله)، فهو علم على الذات الإلهية لم يؤخذ من صفة من صفاته تعالى، فالقادر والغفور والحي القيوم وغيرها من الأسماء مأخوذة من صفات، إنما (الله) علم على الذات الجامعة لكل هذه الصفات.
لذلك تحدى الخالق سبحانه جميع الخلق، وقد أعطاهم الحرية في اختيار الأسماء أن يسموا أنفسهم أو أبناءهم بهذا الاسم (الله)، ويعلن هذا التحدي في كتابه الكريم وعلى رؤوس الأشهاد يقول:
{هل تعلم له سمياً "65"}
(سورة مريم)
ومع ذلك لم يجرؤ كافر واحد على أن يسمي هذا الاسم ليظل هذا التحدي قائماً إلى قيام الساعة؛ لأن الله تعالى حق، والإيمان به وبوجوده تعالى متغلغل حتى في نفوس الكفار، فلو كانوا يعلمون أن هذه الكلمة كذب، أو لا وجود لها لأقدموا على التسمية بها دون أن يبالوا شيئاً، أما وهم يعلمون أن الله حق فلن يجرؤ أحد، ويجرب هذه التسمية في نفسه؛ لأنه يخشى عاقبة وخيمة لا يدري ما هي.
لذلك رد الحق سبحانه على تعنت الكفار فيما طلبوه من رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً:
{سبحان ربي .. "93"}
(سورة الإسراء)
لأن الأمور التي طلبوها أمور بلغت من العجب حداً، ولا يمكن أن يتعجب منها إلا بسبحان الله؛ لأنها كلمة التعجب الوحيدة والتي لا تطلق لغير الله، وكأنه أرجع الأمور كلها لله، ولقد كان لهم غنى عن ذلك في كتاب الله الذي نزل إليهم:
{أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون "51"}
(سورة العنكبوت)
والهمزة هنا للاستفهام المراد به التعجب أيضاً: أيطلبون هذه الآيات، ولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب، وقد كان فيه غناء لهم.
ثم يقول تعالى:
{هل كنت إلا بشراً رسولاً "93"}
(سورة الإسراء)
هل ادعيت لكم أني إله؟! ما أنا إلا بشر أبلغكم رسالة ربي، وأفعل ما يأمرني به، كما في قوله تعالى:
{بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيمٍ "15"}
(سورة يونس)
.
إن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس رسول الله لمدة 23 عاماً .. فلماذا لم يعاقبه معبود الكنيسة ؟
.
والنَّبيُّ (الكاذب) والكاهنُ وكُلُّ مَنْ يقولُ: هذا وَحيُ الرّبِّ، أُعاقِبُهُ هوَ وأهلُ بَيتِهِ *
وأُلْحِقُ بِكُم عارًا أبديُا وخزْيًا دائِمًا لن يُنْسى(ارميا 23:-40-34)
وأيُّ نبيٍّ تكلَّمَ باَسْمي كلامًا زائدًا لم آمُرْهُ بهِ، أو تكلَّمَ باَسْمِ آلهةٍ أُخرى، فجزاؤُهُ القَتْلُ(تث 18:20)
.
.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة السيف البتار في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 08-07-2007, 01:41 PM
-
بواسطة السيف البتار في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 11-05-2006, 01:13 AM
-
بواسطة السيف البتار في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 15-01-2006, 03:12 PM
-
بواسطة السيف البتار في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 15-01-2006, 02:42 PM
-
بواسطة السيف البتار في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 15-01-2006, 02:17 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات