.
لم تشرع الحرب في الإسلام للتشفي والانتقام وإنما شرعت لإقامة الحق والعدل ودفع الظلم والعدوان، ولذا حرم الإسلام قتل الأطفال والنساء والشيوخ والرهبان وكل من لم يشارك في الحرب بفعل أو رأي وتدبير، وهذا هو الأصل العام ولكن إذا شارك من ذكر من النساء والأطفال في قتال المسلمين سواء باشروا ذلك بالفعل أو أعانوا عليه فإنه يجوز قتلهم كما يستثنى من التحريم الحالات التي تتم فيها الإغارة على العدو عن بعد فإنه يصعب تمييز المدنيين من غيرهم .
لا يختلف العلماء على أن الأصل في الشريعة الإسلامية تحريم قتل النساء والأطفال في الجهاد ، والدليل الوارد في ذلك ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ).
كما استدل العلماء على تحريم قتل من لا يشارك في الأنشطة القتالية ، الذين يطلق عليهم هذه الأيام ( المدنيين ) بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه وكان على مقدمة الجيش فقال : ( قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا ) والعسيف الأجير الذي لا يقاتل ، ورواه أبو داود بإسناد صحيح ، ودلت نصوص أخرى على تحريم قتل كل من لا يشارك في القتال كالرهبان والفلاحين وغيرهم.
ولكن استثنى العلماء حالتين يجوز فيهما قتل من يحظر قتله من المدنيين والنساء . :
الحالة الأولى : إذا اشتركوا في الحرب بالقتال أو الرأي والمشورة أو التحريض ونحو ذلك ، فإن حظر القتل يزول عنهم ، ويجوز قتلهم ، في الحرب كما قال الإمام النووي رحمه الله ـ من أئمة الشافعية ـ في شرح الحد يث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان)، قال النووي: أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث ، وتحريم قتل النســــاء والصبيــان إذا لم يقاتلوا ، فإن قاتلــوا قال جماهير العلماء : يقاتلون …)7/324 ، وقد استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عندما رأى امرأة مقتولة ( ما كانت هذه لتقاتل ) فدل على أنها لو كانت تقاتل جاز قتلها.
الحالة الثانية : إذا اضطر المسلمون لشن غارة شاملة على الأعداء ، أو رميهم من بعيد ، فإن هذا قد يؤدي إلى قتل النساء والأطفال والمدنيين ، والواجب عدم قصدهم ابتداء ، ولكن إن قتلوا في تلك الغارات ، فلا إثم على من قتلهم ، وقد يحدث هذا في الحروب المعاصرة ، عند إلقاء القنابل على الثكنات العسكرية التي تكون بين البيوت السكنية ، فلم يتحمل المسلمين ما يترتب عليه ذلك لأن العدو هو الذي عرض المواطنين الأبرياء لذلك لتخفيه بينهم فلو كان العدو يملك الشجاعة لواجه خصمه ولو كان للأبرياء عقول لما قبلوا ان تكون ارواحهم حصن للجبناء .
وعن الصعب بن جثامة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين ، يبيتون ، فيصيبون من نسائهم وذراريهم ؟ قال : (هم منهم ) رواه مسلم بهذا اللفظ ، ومعنى هم منهم : أي حكمهم حكم آبائهم سواء .
قال الإمام النووي رحمه الله ( وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بياتهم ، وقتل النساء والصبيان في البيات : هو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة و الجمهور ، ومعنى البيات ، يبيتون أي يغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجــــل من المرأة والصبي ) شرح النووي 7/325
وقال الإمام البهوتي من الحنابلة في الروض المربع ( ويجوز تبييت الكفار ، ورميهم بالمنجنيق ولو قتل بلا قصد صبي ونحوه ) 1/441
وقال الإمام ابن حجر رحمه الله ( وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم ، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية ، فإذا أصيبوا ، لاختلاطهم بهم ، جاز قتلهم ) فتح الباري 6/147
والله أعلم.
.
المفضلات