أشهر ثياب المسيح تحت الأضواء بعد 16 عاماً على ظهوره الأخير
الملايين جاؤوا ليشموا رائحة يسوع في"القميص المقدس"
شهراً بكامله، كان "القميص المقدس" الحدث في ترير-المانيا. بعد 500 عام على ظهوره العلني الاول، و16 عامًا على ظهوره الاخير، فتح اعلان عرضه امام العامة من 13 نيسان الى 13 ايار 2012 (*) شهية آلاف انطلقوا في رحلة حج مثيرة الى كاتدرائية ترير. هناك امتدت الايدي للتبرك من القميص من وراء مذخر زجاجي مبرد ومحكم الاغلاق حفظ فيه، ووقف كثر امامه متأملين.
"اشهر ثياب يسوع"، هذا ما يُعرَف به. ويقول التقليد ان العذراء مريم هي التي نسجته بيديها لابنها. اما ما كُتِبَ عنه فهو انه "كان غير مخيط، منسوجًا كله من اعلاه الى اسفله"، وان الجنود الرومان الذين صلبوا يسوع "قال بعضهم لبعض: لا نشقه، بل نقترع عليه، فنرى لمن يكون" (يوحنا 19/23-24). وما امكن الحجاج رؤيته في ترير هو قميص كامل، غير مجتزأ، طبقات نسيج جهته الامامية، تتكوّن من الداخل الى الخارج، من ساتان الحرير الاحمر البني والتول البني والتفتا المخضرة.
مزيد من التدقيق يبيّن ان لدى التفتا طبقة من قطع نسيج متصلة ببعضها البعض بواسطة صمغ الكثيراء. اما جهة الظهر، فتتكون من الساتان الحرير الاحمر البني والتول البني وقطع دقيقة من شاش الحرير، طبقة من اللباد، تفتا حرير مخضرة، وطبقة اخرى من اللباد وشاش الحرير.
امران جعلا القميص في حاله الراهنة. "التاريخ الحافل بالحوادث وظروف الحفظ غير الملائمة احيانا للقميص، ساهما كثيرا في تدهور وضعه الاصلي على مرّ القرون. كذلك، اضطر كل جيل الى اخضاع القميص لترميم، لدى عرضه، اضافة الى تدابير للمحافظة عليه... فكان وضعه الاصلي الاكثر الذي عانى من جراء ذلك"، تشرح المسؤولة الاعلامية عن الحج الى "القميص المقدس" السيدة جوديت روب لـ"النهار".
فيراه الحجاج، ليس الذخيرة بذاتها، بل النسيج الملفوف حولها. وما بقي من النسيج الاصلي، او "القلب"، الياف من الصوف تشكل حاليا لبادة منسوجة في جزء منها، ومتضررة في جزء آخر. وفي الحصيلة، ثمة صعوبة في تحديد عمره الدقيق، وفقد القميص سطح نسيجه، في وقت تسجل قياساته الآتي: الطول من الجهة الامامية 1,47 متراً، ومن الجهة الخلفية 1,57، والعرض 1,09.
اسم واحد يضع القميص في اطاره التاريخي: القديسة هيلانة، والدة الامبراطور قسطنطين. يقول التقليد انها هي التي احضرت القميص من الاراضي المقدسة الى ترير. سفرها الى القدس موثق، ومحدد ما بين عامي 327 و328. غير ان اقدم شهادة لاحضارها القميص الى ترير موجودة في الـGesta Treverorum، الـ"كرونيكل" التريرية وعدد آخر من "الكرونيكل" الالمانية الامبراطورية في بداية القرن الثاني عشر.
قبل ذلك، اي من الجذور الى القرون الوسطى، يلفّ تاريخ القميص غموض. ولا شيء عنه قبل 1 ايار 1196، اذ تبيّن اول وثيقة بهذا التاريخ ان القميص نقل من الكورس الغربي لكاتدرائية ترير الى كورسها الشرقي الجديد، حيث حفظ في المذبح الرئيسي الذي كرّسه يومذاك رئيس الاساقفة يوحنا الاول. غير ان المدة التي ابقي فيها القميص في الكورس الغربي تبقى غير معلومة. وتصمت المصادر التاريخية من 1196 الى 1512.
في العام 1512، يمكن رصد اضواء على التقليد المتعلق بالقميص: الامبراطور الروماني ماكسيميليان (1493-1519) جاء الى ترير في صوم امبراطوري وطلب رؤية القميص. ومع انه كان من الصعب على رئيس الاساقفة ريتشارد فون غريفينكلو (1511-1531) التقرير بفتح المذبح، الا انه طلب فتحه في حضور الامبراطور والعديد من المطارنة والاساقفة في 14 نيسان 1512.
على الاثر، رغب سكان المدينة في رؤية القميص. فتمّت تلبية طلبهم. وانتشر الخبر بسرعة البرق، ما ادى الى توافد حجاج كثر الى ترير. وكان الحج الاول من نوعه. ونظم حج سنوي الى القميص سنويا حتى 1517. ومن 1524 الى 1545، اكتفي بعرضه مرة كل 7 سنوات.
غير ان الحرب اوقفت كل خطط الحج: في القرن السابع عشر، حفظ في غابة ايهرنبراتستاين وكولونيا، قبل عرضه مرة واحدة العام 1655. ومن منتصف القرن الثامن عشر، لم يعد في كاتدرائية ترير، وحفظ في ايهرنبراتستاين، ثم في كنيسة قميص ترير المقدس. وبعد عودته الى ترير العام 1790، نقل مجددا الى ايهرنبراتستاين، فوورزبرغ، فبامبرغ، فبوهيميا، قبل ان يعود الى بامبرغ، ثم الى اوغزبرغ.
وبمساعدة نابليون، تمكن المطران شارلز ماناي العام 1810 من اعادته الى ترير التي عاد اليها الحجاج بالآلاف. وامكنت زيارته في مزار حتى 1933. وتوالت تواريخ الحج: 1844، 1891، 1933، قبل الاضطرار الى نقله مجددا خلال الحرب العالمية الثانية (1939) الى ليمبورغ، ثم اعيد الى ترير العام 1944. وكان الحج التالي في العام 1959 الذي جذب 1,800 مليون شخص، والمرة الاخيرة العام 1996 (700 الف).
13 نيسان -13 ايار 2012 هو التاريخ الذي حدده القيمون على الكاتدرائية ومطران ترير ستيفان اكرمان للحج الجديد. "هؤلاء من يقررون عادة موعد الحج"، وفقا لروب. واختيار هذا الموعد تحديدا يرجع الى "انه يذكر بالحج الاول العام 1512". واذ يبقى الموعد المستقبلي "غير محدد بعد"، عاشت ترير طوال نحو شهر عيدا استثنائياً، تحضرت فيه لاستقبال نحو 500 الف حاج على الاقل. وتقول: "الجميع مدعوون، المؤمنون او الباحثون عن الله او الفضوليون او المشككون او السياح، كبارا وشبابا وصغارا وعائلات".
على مرّ التاريخ، لم يكن قميص ترير وحده الذي عرض على انه قميص المسيح. هناك ايضا "قميص ارجانتوي" (فرنسا) الذي خضع بدوره لبحوث اثبتت اثريته، من دون حسم اصالته ايضا. وهناك ايضا "اجزاء" من القميص المقدس في جورجيا. ووفقا للكنيسة الارثوذكسية الجورجية، اشترى القميص يهودي جورجي الرابي ايليوز من جندي في القدس وقت الصلب، واحضره الى جورجيا، حيث لا تزال اجزاء منه محفوظة في كاتدرائية سفيتيتسكوفيلي (يكرم في 1 ت1).
كذلك هناك اجزاء في موسكو (تعرض في 10 تموز من كل سنة)، سان بطرسبورغ، وكييف. ويحكى عن اخرى في رومانيا، البندقية، بامبرغ، لوكوم، القسطنطينية، الى جانب صفد (فلسطين)، ولندن، واديرة وكنائس عدة في مختلف ارجاء العالم. وايا يكن، فانها تُحفَظ بعناية، لكونها "اثمن" ثياب المسيح... المسكوبة ابدًا برائحته وعرقه. ولعل ابلغ كلمات عما يُراد منها ان تعبّر ما قاله مطران ترير في دعوته الحجاج الى زيارة القميص المقدس. "انها دعوة الى الحج الى المسيح. لقد دُعينا منه ومن رسالته. ونجتمع عند قدميه".
http://en.heilig-rock-wallfahrt.de/index.html (*)
المصدر هنا
المفضلات