الاذن
من حالتها الموسيقية الراقية
إلى أذن قطة الملوخية
الأذن: جهاز السمع في المخلوقات الحية ، وباب الجحيم – واحيانا الفردوس – للانسان ، يمكنها – بالطنين أو الانصات الشديد – أن تقودك إلى حيث تجد نهايتك الموفقة ، ويُطرب الأذن جرس الكلمة الحلوة ، ولحن المجاملة ، ونغمة المغازلة ، وما إلى ذلك من فنون الخداع الجميل والكذب اللين الطري ، لكنها – هذه الأذن – تستفيق على الدعاء بالستر ، والأوامر بالنهي والزجر ، وآهة الاستراحام ، وحقوق الزوجات ، ومصاريف المدارس ، وإنة الوليد ، واذان الفجر ، وصوت الديك ، والأذن الحساسة الرقيقة عمرها قصير ، يدمرها ارتفاع ضغط الدم ، وتعليمات وزارة الاعلام ، وصراخ الطفل الأول من الزوجة الأولى ، وضجيج الموسيقى ذات النشاز الحديث ، وانفجار القنابل ، والاكلام الراضخ مدة طويلة مع من تكره ، أو الكلام فيما لا تحب ، أو الانصات إلى ما لا تتمنى ، ولذا فإن الأذن تميل – احيانا – إلى أشياء كثيرة يرفضها العقل ، لتحدث الوقيعة بينهما ، فتسمع الأذن أشياء لا علاقة لها بما يختمر في العقل ، وهو انفصام يتميز به المواطن المعاصر ، حالة (سرحان يعنى) يهيم فيها العقل متعالياً عما ينصب في الأذن ، لكن الأذن تُجبر على مراعاة لياقة الإنصات فتضطرب ، تتقلص حتى تصبح أذنا لضفدع ، أو تستطيل حتى تمسي أذنا لحمار ، فتدفع بالدموع للعيون أو الضحكات إلى الأفواه دون اهتمام بأن ما يحدث لا يؤدي إلى ذلك ، ويمكنك أن تتأكد من الأمر لو أمعنت في وجوه القوم المحاصرين في المسرح ، أو الموقع الوضيع للمتعة الرخيصة ، أو افتعال للاستماع للخطب الرسمية ، أو انسحاقاً تحت سطوة حاكم همام ، أو انتظار لنقود تلقي بها السماء ، أو إنصاتا لحركة شفتي قاض في حالة تأهب لإصدار الحكم .
لكن! – هذه الأذن – تستطيع أن تتحرر من الواقع والذي وقع والمتوقع وقوعه ، تقفز فوق العوائق والضواغط وتتسلل إلى الأمنيات العذبة فتجمعها في انسياب موسيقي بالغ الانسجام والامتزاج ، وهو ما أدى إلى هبوط نسبة السمع عند اشهر مستمع موسيقي فلان الفلاني وانخفاضها – ربما لأسباب أخرى – عند اشهر روائي عربي فلان الفلاني ، وانسحاقها تماما عند اشهر مؤلف موسيقي عالمي: بيتهوفن ، ولا علاقة لذلك بحادث انتزاع الفنان التشكيلي فان جوخ أذنه وأهدائها لواحدة من بنات جزيرة هاييتي .
وإذا كانت اطول اذن نجدها في الحمار ، وأعرضها في الفيل ، وأجملها في الزرافة والجمل والكلاب والقطط ، فإن اضخم أذن على الاطلاق هي لجهاز المخابرات الأمريكية ، ( واكبر عين ايضا) ، وما يتفرع عن ذلك من آذان دولية صغيرة ، أو محلية ، في الصحافة ، والشرطة ، وجماعات الغجر ، والفيران ، والرجل غير الموفق مع زوجته الجميلة ، والوزير ذي المقعد المضطرب ، والموظفين آخر الشهر ، والجبان غير القادر على المواجهة ، والذئاب (الانف أقوى) ، وكلاب الصيد ، وباعة الصور الغير مهذبة ، والطيارين ، والعشاق في المرحلة الاولى ، والسياسي غير المحنك ، والمسجون المتوقع الافراج عنه .
أما اشهر اذن شعبة فهي اذن القطة: وهي طريقة تلف بها لقمة الخبز في الملوخية ، وأذن الظفر: تلك الجزئية الباقية في ركن الظفر وتحدث ألماً مروعاً عند نزعها ، وتطلق على من ينزعون منه اخطر أعوانه ، هذا دون أن نغامر بذكر تفاصيل آذان جميلة لنساء جميلات يتالقن بها وضاءة ولو كانت خالية من الحلي .
محمد مستجاب ( مجلة العربى 1992)
المفضلات