شبهة إنكار أمية الرسول الكريم و الرد عليها
الدكتور مسلم محمد جودت اليوسف
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فـلا هادي لـه ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ، و أشهد أن محمداً عبده و رسولـه[1]… .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون } [ آل عمران : 102 ] .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [ النساء : 1 ]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [ الأحزاب : 70 – 71 ] .
و بعد :
وردني عن طريق الشيخ الدكتور أحمد نجيب حفظه الله تعالى أن مهندساً في جنوب سورية يثير العديد من الشبه حول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و الشريعة الإسلامية و مصادرها ، و قد كلفني الشيخ مشكوراً بالرد على هذه الشبه لبيان الحق و نصرته ، قال تعالى :
فقلت مستعيناً بالله تعالى :
( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)
ذلك أن شبهة إنكار أمية الرسول صلى الله عليه وسلم قديمة و ليست حديثة كما يظن البعض
جاء في دائرة المعارف في مادة أمي :
( أمي لقب محمد في القرآن ، و هو لقب يرتبط من بعض الوجوه بكلمة " أمة " و لكن يظهر أنه ليس مشتقاً منها مباشرة ، لأنه لم يظهر إلا بعد الهجرة و يختلف معناه عن معنى كلمة " أمة " التي كانت شائعة قبل الهجرة ) .
و جاء في السياق نفسه قوله : ( و قد استدل قوم بإطلاق لفظ أمي على محمد بأنه لم يكن يقرأ و لا يكتب . و الحقيقة أن كلمة أمي لا علاقة لها بهذه المسألة لأن الآية 78 من سورة البقرة التي تدعو إلى هذا الافتراض لا ترمي الأميين بالجهل بالقراءة و الكتابة بل ترميهم بعدم معرفتهم بالكتب المنزلة ) .
ثم جاء في هذا العصر من يجتر و يثير هذه الشبهة من جديد ثم يلقيها على الناس حتى يفسد عليهم دينهم الذي ارتضاه الله لهم .
و لعل أهم نقاط الشبهة تتمثل في تفسير كلمتي الأمي ، و اقرأ :
أولاً – تفسير كلمة الأمي :
ادعى هذا المبتدع أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يعلم القراءة و الكتابة و دليله على ذلك هو الفهم المحرف لقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157) فمعنى لفظ " الأمي " بحسب زعمه هو غير يهودي أو غير كتابي و ليس معناها الذي لا يعرف الكتابة و القراءة . ثم يدعم شبهته بتفسير محرف آخر لقوله تعالى : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( البقرة :129) . و الدليل على ذلك - بحسب زعمه - أن قريشاً كانوا يتهمون الرسول بأنه يؤلف القرآن و هي تهمة كان من شأنها أن تبدو مستحيلة و مضحكة لو كان الرسول حقاً لا يحسن القراءة و الكتابة .
هذه هي مجمل أدلة هذه البدعة و فيما يلي الرد على هذه البدعة المضلة و بيان الحق المبين الذي عليه سلف هذه الأمة :
- للرد على هذه الشبهة نعود إلى أهل اللغة و أهل التفسير لنرى ما معنى كلمة " أمي " عندهم فهم أعلم بمراد الله تعالى ، يقول ابن منظور : ( معنى الأمي المنسوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أمه أي لا يكتب فهو أمي لأن الكتابة مكتسبة فكأنه نسب إلى ما يولد عليه أي على ما ولدته أمه عليه ) [2].
و قال الزهري : ( قيل للذي لا يكتب و لا يقرأ أمي ، لأنه على حيلته التي ولدته أمه عليها و الكتابة مكتسبة متعلمة و كذلك القراءة من الكتاب )[3] .
و قال الراغب الأصبهاني : ( الأمي هو الذي لا يكتب و لا يقرأ من كتاب ، و عليه حمل قول تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم …. ) [4] .
أما ابن قتيبة فقد نسب كلمة أمي إلى أمة العرب التي لم تكن تقرأ أو تكتب فقال : ( قيل لمن لا يكتب أمي ، لأنه نسب إلى أمة العرب أي جماعتها و لم يكن من يكتب من العرب أي جماعتها و لم يكن من يكتب من العرب إلا قليل من لا يكتب إلى الأمة … )[5] .
و مما سلف نرى أن كلمة أمي تعني عند أئمة اللغة : الذي لا يقرأ و لا يكتب و ليس كما يدعي هذا المبتدع أن معناها غير الكتابي أو غير اليهودي .
أما تفسير كلمة أمي عند أهل التفسير فإننا نراهم قد اتفقوا مع أهل اللغة حول معنى هذه الكلمة :
قال الإمام الطبري عليه رحمة الله تعالى : يعني بالأميين الذين لا يكتبون و لا يقرءون ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا أمة أمية لا نكتب و لا نحسب .... ) [6].
أما الإمام الشوكاني عليه رحمة الله تعالى فقد فسر الأمي بأنه : منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة و لا تحسن القراءة للمكتوب )[7] .
المفضلات