بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد ...
الثبات على الحق
إن أكبر نعمة يرزقها الله لعباده أن يهديهم إلى الحق وإلى النور المبين سواء المسلمين الجدد أو الذين كانوا من قبل مسلمين بالمسمى فقط ثم هداهم الله للحق والعودة اليه والى تعظيم شريعته وحرماته .
إنها حقا نعمة من الله الذي لا تحصى نعمه وإن عدها الْعَادِّينَ .
لكن ما يلبث هذا العائد الى الله المهتدي الى الحق حين يعود حتى تجتاله شياطين الانس والجن وأعداء الحق أنصار الباطل فينفقون جهدهم وأموالهم حتى يردونه عن هذا الحق حسدا من عند أنفسهم وحقدا يريدون قلبه الذي هو محل الهدى .
فعلى عظم النعمة التي يرزقها الله للعائد المنيب تعظم مشقته وجهاده لأعدائه الذين يأتوه من فوقه ومن أسفل منه ومن أمامه ومن خلفه أينما توجه .
ويجهون لقلبه سمومهم المسمومة بالباطل والضلال بكل سبيل وبكل قبيل
بمغريات الدنيا وبالتعذيب وبالاهانة وبالتحقير وبالطرد وغيره ....
فإن كان صادقا في عودته ثبته الله على الحق المبين وإن كان كاذبا نكص على عقبيه فيخسر الدنيا والآخرة .
وفي الحقيقة أن هذه مرحلة يمر بها كل عائد إلى الله مهتدي إلى الحق ولابد حتى يميز الله الخبيث من الطيب .
وتعرف هذه المرحلة بمرحلة الإختبار هي سنة سنها الله عز وجل لا بد منها ....
قال الله تبارك وتعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
{ الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) } سورة العنكبوت
يفتنون لماذا يارب يؤمن الناس فيفتنوا أو يتعرضوا للبلاء ؟!
قال تعالى :
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) } العنكبوت
إنها سنته يختبرهم ليعلم الصادقين ويعلم الكاذبين ( ليعلم) لا لأنه لايعلم ما في القلوب بل ليظهر ما في القلوب حتى يميز الخبيث من الطيب وليظهر للشخص نفسه ويعلمه هل كان صادقا في دعواه أم كان كاذبا .
ومثاله قوله تعالى :
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاَۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }[البقرة: 214]
وهنا يضرب الله مثل بالأولون أنهم لما آمنوا بالله عز وجل مستهم من الناس بأساء وضراء نزل بهم أذى كثيرا وتعذيب وسب وإهانة وإغراءات ومساومات حتى يردوهم وهنا يظهر الايمان الصادق من الايمان الكاذب .
وكما علمنا الله أضرب لكم مثلا من الأولين :
قال تعالى :
حاكيا عن سحرة فرعون الذين آمنوا بالله واتبعوا موسى وهارون { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47)رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) }
هكذا سنة الله فعندما آمن السحرة وجهروا بايمانهم وقعو في الاختبار فهددهم فرعون فما كان ردهم الدال على صدق ايمانهم :
{ قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50) } ( الآيات من سورة الشعراء )
افعل ما بوسعك فعله قد رسخ الايمان قلوبنا عن اقتناع وصدق لن تخرجه ولو قطعتنا اربا أنا الى ربنا منقلبون إن أذاك وذبحك لنا يوصلنا ويرجعنا إلى الله الذي آمنا به .
وهذا هو مثل الأولون لما جائتهم الفتنة أو البلاء ( الاختبار) ثبتوا على الحق الذي علموه .
وهناك من اذا أصابه من الناس هذه الفتنة أو الابتلاء تخاذل ونكص على عقبيه وتملك خوفه من الناس قلبه دليل على عدم تملك الايمان في قلبه فقد كان كاذبا في ايمانه وأستعظم ابتلاء الناس ولم ينتبه لقدرة الله فهو القادر أن يخفف عنه ويرفع عنه ابتلاء الناس أو يلهمه صبرا ثم يعوضه خيرا .
قال تعالى :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) } سورة العنكبوت .
وهناك فتنة أخرى فمن الناس من تأتيهم هذه الفتنة ( الاختبار) بالاغراء بالحياة الدنيا وزينتها الزائفة الزائلة فاذا ما كان الابتلاء بضيق في الرزق أو على الأقل النزول من مستوى أعلى لمستوى أسفل أو يقيلوه من وظيفته تبدأ هذه الفتنة باغراء مالي أو رفع المستوى أو العودة للوظيفة وغيره فحين إذ يثبت المؤمن الصادق وينكص على عقبيه الكاذب في ايمانه .
اذا ما الحكمة من هذا الاختبار ؟
1- ليميز الله الخبيث من الطيب ليميز الصادق من المنافق .
2- وهذه مهمة جدا :
قال تعالى :
{ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) } آل عمران
فإن الانسان الذي يؤمن في بداية أمره أو يقبل على الله كملتزم يكون في صدره بعض شوائب الجاهليه تحيق بصدره فيبتلي الله الانسان ما في صدره فاذا ثبت على الحق شعر بداخل نفسه بحلاوة لا يستطيع وصفها إلا مجربها وأعتقد أن كثير من الإخوة الملتزمين الذين مروا بهذه المرحلة شعروا بهذه الحلاوة عندما يثبت على الحق ويتصر على كل الاغراءات والفتن والاختبارات .
هل تعرفون ما هي هذه الحلاوة إنها ( وليمحص ما في قلوبكم ) والتمحيص في اللغة التخليص والتنقية .
وهنا لفتة بلاغية جميلة في الآية :
إن المقبل على الله يكون سبب اقباله هذا نور وهدى في القلب أما الشوائب فهي تكون هواجس في الصدر والتي تعني النفس ووساوسها فلا يجتمع هدى وضلال في مكان واحد أي أن المقبل على الله في قلبه هدى ولكن بعض الشوائب خارج القلب في الصدور فيبتليها الله ويمحقها ويخلصها وينقيها فيخلص القلب بالتبعية مما أحاط به وينقى .
وهذا ما بينته الآية فتمحيص القلب ( تنقيته ) دلالة على إزالة ما في الصدور من شوائب بالكلية حتى وصل النقاء للقلب .
3- أيضا مهمة :
هو يختبرك لتشعر وأنت في بداية اقبالك بحلاوة اللجوء اليه فاذا أصابك مكروه تسارع بالدعاء له وتطلب منه العون والهام الصبر فيعينك فتشعر به وبتأيده تبارك وتعالى عندما يثبتك ويعينك ويلهمك الصبر والثبات فيكون الناس كلهم ضدك وهو وحده معك وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا .
و هذه الحكمة ( أي من الأختبار ) ييسر الله فهمها للثابت على الحق وينتقل الى مرحلة أخرى وهي التملق في حلاوة الإيمان والثبات على الحق ويقويه الله فيصبح محصننا لا يخاف في الله لومة لائم ولا يضره من ضل اذا اهتدى ولو اجتمع الناس عليه جميعا .
وهذه هي فائدة وحكمة الاختبارات أو البتلاءات أو الفتن .
وهكذا فدين الله عزيز لا يقبل الله إلا من صدق قلبه فلا يقبل من تظاهر بالاسلام لينال المنالات ولا يقبله من المتظاهر به خوفا ونفاقا ....
لذلك أحسن الناس نراهم على الأرض من آمن بالله بمصداقية ثم أوذي في الله ثم صبر ثم ثبت على الحق ثم صدع به داعيا إليه .
أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ويزيدهم من فضله ويكونون جنده في الأرض .
طوبى لهم طوبى لهم طوبى لهم
وهذه نصيحة أعتذر أنها طويلة ولكنها تدل على خوفي وحبي لكم جميعا و أبدأ فيها بنفسي .
فالمقبلين على الله سواء من الكفر الى الايمان أو من الغفلة الى التنبه والالتزام يحتاجون لهذه النصيحة .
ولكن أبشر الجميع برحمة الله رب العالمين فالأمر ليس للتخويف , لماذا ؟
لأن الرحمن الهادي الذي يهدي ابتداءا الذي يرسل نور الحق لقلب أختنا المنيبين العائدين هو القادر على أن ينجيهم ويعينهم ويثبتهم ويزدهم ايمان ويلهمهم الصبر ويعوضهم خيرا وخيرا وخيرا .
ولكن الأمر يتطلب منك شيئين فقط :
1- صدق الاقبال على الله .
2- الدعاء والاستعانة بالله .
وعلى الله فليتوكل المتوكلون المؤمنون الصادقون .
فجددوا نيتكم جميعا وإيمانكم جميعا وأقبلوا على الله واستعينوا به ..
أرجوا من الإدارة تثبيت الموضوع لو رأوه أهلا لذلك وبارك الله فيكم جميعا .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
المفضلات