بسم الله الرحمن الرحيم
هو الأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي، من مواليد سامراء 1933م . في عام 1952انتقل إلى بغداد ليكمل دورته التربوية للمعلمين. في عام 1953 عُيِّن معلماً في بلد وبعد سنة عاد إلى سامراء. في عام 1957 دخل دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) ليتخرج منها الأول على دورته. أكمل الماجستير وكان الأول على دفعته ، وهو أول من أخذ الماجستير باللغة العربية من بغداد وكانت حول ابن جنّي النحوي ، ومن ثم أخذ الدكتوراه من جامعة عين شمس في القاهرة لعدم وجود منح شهادة الدكتوراه في اللغة العربية في بغداد. في عام 1972 أصبح أستاذا مساعدا ، وفي عام 1979 أصبح أستاذا. في عام 1996 أصبح عضواً في المجمع العلمي. في عام 1998 ترك العراق ، ليعود إليه عام 2004م"(1). وله برنامج مشهور في فضائية الشارقة بعنوان (لمسات بيانية) يتحدث فيه عن القرآن العظيم وهو برنامج شيق ومفيد للغاية.
يقول السامرائي "كنتُ أشك في وجود الخالق.. وكان هذا الشك يُبرحني كثيرا ويؤذيني.. وكنتُ أظن أنه ليس على وجه الأرض رجلا مؤمنا.. كل الناس ملحدون لكن بعضهم يُبرقع إلحاده وقسم يُظهر إلحاده.. وكنتُ أظن أنه لا يمكن لأحد أن يقنعني بوجود الخالق.. كانت هذه المرحلة ثقيلة جدا عليّ.. حاولت أن أنتهي إلى أمر.. إلى أي طريق سأسلك؟!!.. في طريق انتهاب اللذة والعمر قصير؟!!.. أو في طريق آخر؟!!.. هذا الهمّ كان همّا شديدا يثقل عليّ في الليل والنهار.. حتى في النوم يُثقل عليّ.. حتى في النوم لا أستطيع النوم أحيانا.. كنت أذهب من بيتي إلى دكان والدي في السوق وأنا لا أكاد أعلم بمن يمر بي.. حتى يسلم علي أحد أصدقائي فلا أجيبه لأني لم أسمع.. حتى يمسكني ويقول لي أين أنت يا فلان؟!!.. فأستيقظ وأنا أمشي.. وقررت أن أحسم هذه المسألة إما إلى هذا الطريق أو ذاك.. فبدأت أقرأ الكتب.. كنت أقرأ الكتب الضخمة ولكن لا أنتفع منها بكلمة.. لا أقتنع.. هناك أمر يقف في الوسط حائل.. أقرأ الأدلة ثم أحس كأن هنالك قفزة ليست متصلة ولا متسلسلة.. بقيت مدة طويلة وأنا أقرأ الكتب.. كنتُ أبحث عن الدليل المقنع لوجود الخالق.. لكن الله سبحانه لما رأى صدق توجهي في هذه المسألة أعانني.. فلما رأى الله جِدي في البحث والقراءة المتصلة أعانني ربنا سبحانه وتعالى.." انتهى.
قبل أن أكمل ما قاله السامرائي، أريد أن أطرح سؤالا مهما هنا أخي الكريم، نحن هنا أمام إنسان ملحد، ومع ذلك هو عربي قح، بل ليس عربيا فقط، بل من المتمكنين جدا من اللغة العربية، يقول من أجرى معه اللقاء [مجلة الرائد] الكلام التالي " حدّثني أحد أقرانه عنه عندما كان طالبا في الكلية ، قائلا : كنا اذا استعصت على الدكتور وعلينا مسألة نحوية يقول لنا الدكتور: اذهبوا فاسألوا فاضلاً ، وفاضل كان طالبا معهم.." انتهى . ومع ذلك يقول عن نفسه أنه قرأ الكتب الضخمة بحثا عن الله جل جلاله.
والسؤال هنا ماذا تتوقع أخي الكريم سبب إيمانه بوجود الله؟!!. الأقرب للعقل هنا أن يكون سبب هدايته أنه قرأ آية أو بعض آيات من القرآن فوجد فيها بعض المعاني النحوية أو البلاغية العميقة التي أسرت قلبه وشرحت فؤاده كونه كان متضلعا في العربية أليس كذلك؟!!. وإما ـ وهو الإحتمال الأضعف ـ بعد قراءته لتلك الكتب الضخمة أنه اطّلع على سِرٍّ عظيم في هذا الكون الفسيح؟!!. لكن لندع السامرائي يحدثنا عن السر الذي جعله يتحول من أقصى الإلحاد إلى رحاب الإيمان، وقد سمّى هذا اليوم ـ يوم إطلاعه على هذا السر ـ بيوم الإيمان.
يقول السامرائي عن هذا اليوم ".. كل شئ تغير في نظرتي.. كل شئ.. بدأت أنظر إلى الوجود نظرة ثانية.. أنظر إلى الوجوه فأراها غير الوجوه التي كنت أراها بالأمس.. أرى الأشجار فأراها بغير النظرة التي بالأمس.. أرى الشمس والقمر بغير النظرة.. كنت فيما بعد أرى الله في كل شئ وما كنت أراه في شئ..".
والآن إلى هذا السر العظيم الذي أحدث فيه هذا الإنقلاب الروحي الهائل، يقول السامرائي ".. كنتُ أقرأ في غرائب المخلوقات.. فقرأت ووجدت أن هناك نوع من البعوض!!! إذا أراد أن يتكاثر ويصير موسم التكاثر يبيض في الأنهار والبِرك.. يضغط على جسمه فهناك فتحات في جسمه يخرج منها سائل يجف بالهواء مثل خيط العنكبوت ويصنع منه قوارب وزوارق صغيرة.. الأمهات تصنع زوارق صغيرة تضع فيها البيض في الأنهار ثم تموت الأم.. ثم تخرج اليرقات وتفقس وتكبر.. اليرقات عندما تتكاثر تفعل نفس الفعل.. تكبر ثم تصبح بعوضا ثم تضغط على نفسها وتصنع قواربا وتضع البيض فيها وتموت.. صحيح السؤال من الذي وضع المادة التي صالحة لصنع القوارب في جسمها التي تجف.. من علمها صنع القوارب؟!!.. ومن علمها أن تفعل فعل الأمهات وهي لم تر أمها؟!!.. الحقيقة أن هذا جعل في نفسي هزة كبيرة.." انتهى مختصرا. تجد ما تقدم من كلام السامرائي في هذا الرابط:
ولي على ما سلف التعليقات التالية:
1. الحقيقة أن هذا الموقف الذي هزّ السامرائي قد هزني أنا أيضا لكن من وجهة نظر أخرى!!، أبينها في هذين النقطتين:
- النقطة الأولى، لماذا لم يجعل الله هذه الهزة التي حدتث للسامرائي في القرآن العظيم؟!! أليس السامرائي من علماء اللغة العربية؟!! كنت أتوقع أن السامرائي بمجرد أن يفتح كتاب الله ستهزه أي سورة يقع بصره عليها، ولكن هذا لم يحدث!! تأمل أخي الكريم في حال البروفسر جفري (1) الذي ذكرناه في الحلقة الماضية، لم يكن عربيا بل كان أمريكيا لا يعرف كلمة واحدة من كلام العرب، مع ذلك جعل الله العظيم جل جلاله هزة هذا الأمريكي في كتابه العربي، حتى يقول عن نفسه أنه يظل يبكي من 15 إلى 20 دقيقة من شدة تأثره بالقرآن العربي!!. وجعل الله هزة هذا العالم العربي (السامرائي) في أحقر مخلوقاته (البعوضة!!). أليس هذا في ظاهره مخالفا للمعقول؟!! فلو كانت العملية معكوسة كانت أقرب للعقل أوليس كذلك؟!!.
والجواب عن هذا أخي الكريم أن الهداية بيد الله وحده جل جلاله لا يشاركه فيها أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والهداية ليست منوطة بذكاءك ولا بقدرتك على الفهم والإستنباط والإستدلال، وليست القضية مرتبطة بكون الإنسان عربي أو أعجمي، وليست القضية مرتبطة بمستواك العلمي والمعرفي كونك عالم من العلماء أو فلاح في مزرعة.
وليس الإنسان من يُملي على الله كيف تكون هدايته إلى الصراط المستقيم، فاللغوي تكون هدايته عن طريق اللغة، والطبيب عن طريق التأمل في جسم الإنسان، والجيولجي عن طريق التأمل في الجبال ونحوها، والفلكي..إلخ أبدا لا تكون الأمور مع الخالق جل جلاله بهذه الطريقة إطلاقا.
فالقضية كل القضية بيد الله وحده لا شريك له يهدي من يشاء وبالطريقة التي يشاءها، لكن بشرط أساسي وهي أن هذه الهداية لا يؤتيها الله إلا لمن كان صادقا مخلصا في البحث عن الهداية كحال السامرائي وجفري وغيرهما، أما العابثون المعرضون فوالله لو نزل ملك من السماء يخبرهم عن صدق ما في القرآن فلن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، يقول الله واصفا هذا الصنف الأخير (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قُبُلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون).
- النقطة الثانية، قال الله تعالى (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها..الأية). يقول ابن كثير في تفسيره "..فأخبر أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة.." انتهى. ويقول ابن عاشور في تفسيره واصفا البعوض ".. وأهل تونس يسمونه الناموس واحدته الناموسة وقد جعلت هنا مثلا لشدة الضعف والحقارة.." انتهى. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء). وقد كانت البعوضة مضرب المثل في الضعف عند العرب فيقال "أضعف من بعوضة" .
فالله أراد أن يثبت للسامرائي وجوده جل جلاله في أحقر وأضعف مخلوقاته!! وكأن الله يقول للسامرائي كل ما تراه حولك من العظمة، والإتقان، وبديع الصنعة، في الشمس، والقمر، والنجوم، واختلاف الليل والنهار، وهذه الجبال، والأشجار، والطير الصافّات، وتنوع الأزهار، وسعة البحار والأنهار، وفي نفسك، ومن حولك من بني الإنسان..إلخ كل هذا لا يُثبتُ عندك أن وراءه خالق عظيم؟!!! فإذا كان الأمر كذلك فها هي أضعف وأحقر مخلوقاتي تدلك عليّ، بل تهزك هزّا عنيفا لتجعلك تراني في كل شئ!!.
2. ذكر السامرائي في إحدى الحلقات ( لمسات بيانية) أنه حينما أسلم قصد بيت الله الحرام للحج، وبعد إنتهائه من الطواف بالبيت العتيق وقف طويلا يدعو الله جل جلاله، وكان غالب دعائه هو "اللهم افتح لي في كتابك.. اللهم افتح لي في كتابك.. اللهم افتح لي في كتابك".
والحقيقة أنني ما تأثرت أنا شخصيا بأحد يتكلم في كتاب الله من ناحية اللمسات البيانية تأثري بالسامرائي، فإنه أحيانا يأتي على معاني في كتاب الله أقول سبحان الخالق العظيم، فعلا إنه فتح من الله على السامرائي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والسامرائي حينما سأل الله أن يفتح له في كتابه قد جاء بأمرين عظيمين كل واحدة منهما كفيلة بإجابة دعوته:
- الأولى، كونه حديث عهد بالإسلام، والإسلام يجبُّ ما قبله كما هو معلوم.
- الثانية، كونه في الحج، والحج يجبُّ ما قبله أيضا، أي وكأني بالسامرائي حينما دعا الله ليس عليه خطئية، وهذا النوع من الدعاء ليس بينه وبين الله حجاب!!.
3. وذكر السامرائي في موطن آخر أنه كان يجتمع هو ومجموعة من الباحثين في اللغة العربية للبحث في القرآن العظيم، فكان من بحثهم أحيانا هو إستبدال كلمة بكلمة أخرى ثم النظر هل يمكن أن يستقيم الأمر أم لا؟!!. وذكر مثالا وهو بدلا من (إنا أعطيناك الكوثر) يضعوا (إنا آتيناك الكوثر). فيقول حاولنا محاولات كثيرة فلم نجد حرفا واحدا يمكن إستبداله بحرف واحد!!!، فأيقنا وأدركنا لماذا قريش لم تقبل تحدي الله جل جلاله حينما تحداها بالإتيان بسورة من مثله، ولبيان ما سبق تأمل التالي أخي الكريم:
- قال الله تعالى في سورة هود (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون). وقال الله تعالى في سورة غافر (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون). لماذا الله ذكر في الأية الأولى (تذكرون) دون تكرار الحرف الأول، وكرر الحرف الأول في قوله (تتذكرون) في الآية الثانية؟!! وفي القرآن آيات أخرى ورد فيها (تذكرون) و (تتذكرون) فهل زيادة حرف ونقصانه في هذا الفعل له معنى؟!!. تأمل الجواب في هذا الرابط ثم تذكر لماذا قريش لم تدخل في تحدي مع القرآن؟!! ثم تأمل حال الجهلة من الملحدين الذين يعبثون بكتاب الله: http://www.safeshare.tv/v/J6SQq3eVTRo
- قال الله تعالى في سورة مريم على لسان مريم عليها السلام (أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر) وقال في سورة آل عمران (قالت ربي أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر) لماذا مرة غلام ومرة ولد؟!! تفضل الجواب وتذكر لماذا لم تدخل قريش في تحدي مع القرآن؟! ثم تأمل حال الجهلة من الملحدين الذين يعبثون بكتاب الله:
- ولأنني ما كرهت صنفا من البشر ككرهي للمنافقين، وما أكثر المنافقين في هذا الزمان، نسأل الله أن يخلصنا منهم عاجلا غير آجل، هنا شرح جميل للمثل الذي ضرب للمنافقين في سورة البقرة:
المفضلات