عزي في ديني
الجمعة 24 سبتمبر 2010
كثيرة هي المصاعب التي تواجهها الفتيات الملتزمات بدين الله تعالى هذه الأيام، ومع هذه المصاعب انقسمت الفتيات بين فريقين، الأول هو ثابت على دينه لا يضره من خذله ولا من استهزأ به، ماض في طريقه على خطى ثابتة، وأما الفريق الثاني أصابه الخجل فلم يقدر أن يواجه تلك السخريات، فتقاعس عن الدعوة إلى الله، وأصبح في عِداد الأموات بعد أن كان من الأحياء.
سبب وعلاج:
لعل السبب في ذلك المظهر الذي يصيب الفتيات الداعيات إلى الله، هو عدم شعورهن بعضهن بحجم الأمانة والمسئولية تجاه الدين وهداية الخلق، فلابد أن تساوي حياتكِ زهرتي الغالية ثمن بقائها، ولتتأملي معي هذه القصة، فها هو (عماد وقف يتأمل المناظر الطبيعية الخلابة التي تظهر له من على ظهر السفينة الضخمة التي يستقلها مدعوًّا لرحلة ترفيهية مع صديقه المقرب كريم، وبينما هو مستند على حاجز السفينة وقد بهرته روعة تلك المشاهد الخلابة التي تنطق بعظمة الخالق المبدع سبحانه وتعالى، أغراه جمال المنظر أن يميل بجسده أكثر إلى الأمام ليتمكن من رؤية السفينة وهي تمخر عباب البحر.
وفجأة، جاءت موجة عنيفة اهتزت معها السفينة اهتزازًا شديدًا فاختل توازن عماد، وحدثت المصيبة.
سقط عماد في قلب المحيط، وتعاظمت المصيبة فعماد لا يحسن السباحة، صرخ عماد طالبًا النجدة حتى بُحَّ صوتُه، وظل يصارع الموج بدون جدوى.
فرآه رجل كبير في الخمسين من عمره كان مسافرًا معه على ظهر تلك السفينة، وعلى الفور أشعل الرجل جهاز الإنذار ثم رمى بنفسه في الماء لإنقاذ عماد.
وبسرعة دبت الحركة في جميع أركان السفينة، هرول المسئولون وتجمع المسافرون على ظهر السفينة يرقبون المشهد ويبادرون بالمعونة والمساعدة، ألقوا بقوارب نجاة إلى المياه، وتعاونت فرقة الإنقاذ مع الرجل الشهم على الصعود بعماد إلى ظهر السفينة.
وتمت عملية الإنقاذ بعون الله تعالى، ونجا عماد من موت محقق، وتلقفه صديقه كريم معتنقًا إياه، ثم انطلق يبحث حوله عن ذلك الرجل الشجاع الذي جعله الله تعالى سببًا في إنقاذ حياته، فوجده واقفًا في ركن من أركان السفينة يجفف نفسه، فأسرع إليه عماد واعتنقه، وقال: لا أدري كيف يمكنني أن أشكرك على جميلك معي، لقد أنقذت حياتي؛ فابتسم الرجل إليه ابتسامة هادئة ونظر إلى الأفق متأملًا، ثم التفت إلى عماد وخاطبه قائلًا: يا بني، حمدًا لله على سلامتك، ولكن أرجو أن تساوي حياتك ثمن بقائها.
كانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الإرادة والتحدي في نفس عماد، استقرت الكلمة في عقله ووجدانه بعمق، وأصبح همُّه في الحياة أن يجعل لها قيمة عالية حتى تساوي ثمن إنقاذها، ومضى عماد يحقق الآمال تلو الآمال والنجاح يعقبه النجاح.
وكلما مرت به الصعوبات وقابلته التحديات تذكر كلمات الرجل: أرجو أن تساوي حياتك ثمن بقائها؛ فتشحذه الكلمة بالإرادة والعزيمة فيتغلب عليها بإذن الله تعالى وعونه، حتى قارب عماد على الستين من عمره وقد حقق لنفسه وأهله ودينه وأمته إنجازات عظيمة)[قوة التحكم في الذات، إبراهيم الفقي، ص(159)، نقلًا عن صناعة الهدف، هشام مصطفى عبد العزيز وآخرون، ص(7-8)].
فاعلمي أيتها الزهرة، أنه ليس هناك من شيء يعطي الإنسان قيمة أكثر من عقيدته التي من أجلها يسعى ويحفد، ولرايتها يعلي ويرفع، فهذا هو طريق السعادة حقًّا:
إن السـعادة أن تعيش لفكرة الحـق التليد
لعقيدة كبرى تحل قضيـة الكون العتيد
وتجيب عما يسأل الحير إن في وعي رشيد
من أين جئت؟ وأين أذهب؟ لِـمَ خُلِقت؟ وهل أعود؟
فتشيع في النفس اليقين وتطرد الشـك العنيد
وتعلم الفكر السوي وتصنع الخلق الحميد
وترد للنهج المسـدد كل ذي عقـل شـرود
تعطي حياتك قيمـــة رب الحيــاة بها يشيد
ليظل طرفك رانيا في الأفق للهـدف البعيد
فتعيش في الدنيا لأخرى لا تـزول ولا تبيد
وتمد أرضك بالسماء وبالملائكة الشهود
هذه العـقيدة للسعيد هي الأساس هي العمود
من عاش يحملها ويهتف باسمها فهو السعيد
فرسان الثبات على دين الله:
1. الأشلاء المباركة:
جمع الكذاب مسيلمة قومه، وناداهم إلى يوم من أيامه المشهودة،
وجيء بمبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبيب بن زيد، يحمل آثار تعذيب شديد أنزله به المجرمون، مؤمِّلين أن يسلبوه شجاعة روحه، فيبدو أمام الجميع متخاذلًا مستسلمًا، مسارعًا إلى الإيمان بمسيلمة حين يُدعَى إلى هذا الإيمان أمام الناس، وبهذا يُحَقِّق الكذاب الفاشل معجزة موهومة أمام المخدوعين به.
قال مسيلمة لحبيب: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟
قال حبيب: نعم، أشهد أن محمدًا رسول الله.
وكست صفرة الخزي وجه مسيلمة وعاد يسأل: وتشهد أني رسول الله؟
وأجاب حبيب في سخرية قاتلة: إني لا أسمع شيئًا!!
وتحوَّلت صفرة الخزي على وجه مسيلمة إلى سواد حاقد مخبول،
لقد فشلت خطته، ولم يجده تعذيبه، وتلقى أمام الذين جمعهم ليشهدوا معجزته، تلقى لطمة قوية أسقطت هيبته الكاذبة في الوحل.
هنالك هاج كالثور المذبوح، ونادى جلَّاده الذي أقبل ينخس جسد حبيب بسنِّ سيفه، ثم راح يُقَطِّع جسده قطعة قطعة، وبضعة بضعة، وعضوًا عضوًا،
والبطل العظيم لا يزيد على همهمة يردد بها نشيد إسلامه:
(لا اله الا الله محمد رسول الله)، ولسان حاله يردد خلف أخيه خبيب بن عدي عندما وقف موقفًا مقاربًا لذلك:
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
لو أن حبيبًا أنقذ حياته يومئذ بشيء من المسايرة الظاهرة لمسيلمة، طاويًا على الإيمان صدره؛ لما نقض إيمانه شيئًا، ولا أصاب إسلامه سوء، ولكن الرجل الذي شهد مع أبيه، وأمه، وخالته، وأخيه بيعة العقبة، والذي حمل منذ تلك اللحظات الحاسمة المباركة مسئولية بيعته وإيمانه كاملة غير منقوصة، ما كان له أن يوازن لحظة من نهار بين حياته ومبدئه.
ومن ثَمَّ؛ لم يكن أمامه لكي يربح حياته كلها مثل هذه الفرصة الفريدة، التي تمثَّلت فيها قصة إيمانه كلها؛ ثبات، وعظمة، وبطولة، وتضحية، واستشهاد في سبيل الهدى والحق، يكاد يفوق في حلاوته، وفي روعته كل ظفر وكل انتصار. [رجال حول الرسول، خالد محمد خالد، ص(230-233)].
2. فن الاستعلاء العمري:
وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أبدع لنا لونًا آخر من ألوان استعلاء الإيمان، يعلِّمنا إياه مع أول قدم له في حياة النور، يُدَرِّسنا فيه أن عاشق النور لا يمكن أن يستخفي بنوره أو يستحي منه، بل لا بد أن يفيض نور الإيمان على محياه وجوارحه، ليعلن للدنيا بأسرها فخره واعتزازه بالانتساب إلى حياة النور.
فانظر إليه رضي الله عنه لما تخلل النور شغاف قلبه، واسمع إليه يروي لك خبر فن الاستعلاء، الذي كان هو أستاذه ورائده، يقول رضي الله عنه: لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة، قال: قلت: أبو جهل، فأتيت حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلىَّ، وقال: أهلًا وسهلًا، ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك إني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدَّقتُ بما جاء به، قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبَّحكَ الله، وقبَّح ما جئتَ به [سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، (2/374)].
ويروي ابنه عبد الله بن عمر طرفًا من ذلك فيقول: (لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنقل [أي أحرصهم على نشر الأخبار وإذاعتها] للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحى، فخرج إليه وأنا معه أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه، فقال: ياجميل، إني قد أسلمت.
قال: فوالله، ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أنْ يا قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر ـ وهو خلفه ـ: كذب، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.
فثاروا إليه، فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وطَلَح [أي أعيا] عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله، أن لو كنا ثلاثمائة رجل؛ لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا) [سيرة ابن هشام، (1/348)، بتصرف يسير].
وبسبب استئثار عمر بهذا اللون من الاستعلاء الإيماني؛ فقد تفرد رضي الله عنه من دون الصحابة بهذا اللقب الفريد، الذي لم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا غيره.
وها هو ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (سألت عمر بن الخطاب: لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلى بثلاثة أيام، وقلت ـ أي حين أسلمت ـ: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: (بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم)، قال: قلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرُجُنَّ، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلىَّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفاروق" يومئذ)[حلية الأولياء، أبو نعيم، (1/70)، بتصرف واختصار].
ماذا بعد الكلام؟
ـ اقرئي في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ولتتأملي كيف ضحى من أجل أن يصل إلينا هذا الدين.
ـ اجعلي لكِ كل أسبوع عمل تفعلينه من أجل الدعوة إلى الله، كتوزيع بعض الكتيبات، دعوة بعض أصدقائكِ لحفظ القرآن، توجيه بعض النصائح إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة.
المصادر:
· حلية الأولياء، أبو نعيم.
· سيرة ابن هشام.
· سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي.
· رجال حول الرسول، خالد محمد خالد.
· قوة التحكم في الذات، إبراهيم الفقي.
· صناعة الهدف، هشام مصطفى عبد العزيز وآخرون.
مفكرة الإسلام
المفضلات