الرد
إن بنـي إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فاستعاروا حلي القبط لذلك اليوم، فلما أغرق الله القبط بقيت تلك الحلي في أيدي بنـي إسرائيل، فجمع السامري تلك الحلي وكان رجلاً مطاعاً فيهم ذا قدر وكانوا قد سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلٰهاً يعبدونه، فصاغ السامري عجلاً. ثم اختلف الناس، فقال قوم كان قد أخذ كفاً من تراب حافر فرس جبريل عليه السلام فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحماً ودماً وظهر منه الخوار مرة واحدة. فقال السامري: هذا إلٰهكم وإلٰه موسى وقال أكثر المفسرين من المعتزلة: إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوفاً ووضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص، وكان قد وضع ذلك التمثال على مهب الرياح، فكانت الريح تدخل في جوف الأنابيب ويظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل، وقال آخرون: إنه جعل ذلك التمثال أجوف، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار. قال صاحب هذا القول والناس قد يفعلون الآن في هذه التصاوير التي يجرون فيها الماء على سبيل الفوارات ما يشبه ذلك، فبهذا الطريق وغيره أظهر الصوت من ذلك التمثال، ثم ألقى إلى الناس أن هذا العجل إلٰههم وإلٰه موسى. بقي في لفظ الآية سؤالات:
السؤال الأول: لم قيل: { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً } والمتخذ هو السامري وحده؟.
والجواب: فيه وجهان:
الأول: أن الله نسب الفعل إليهم، لأن رجلاً منهم باشره كما يقال: بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا، والقائل والفاعل واحد.
والثاني: أنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به، فكأنهم اجتمعوا عليه.
السؤال الثاني: لم قال: { مِنْ حُلِيّهِمْ } ولم يكن الحلي لهم، وإنما حصل في أيديهم على سبيل العارية؟.
والجواب: أنه تعالى لما أهلك قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم، وصارت ملكاً لهم كسائر أملاكهم بدليل قوله تعالى:
{ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ }
[الدخان: 25]،
{ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ }
[الشعراء: 58]،
{ وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَـكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـهَا قَوْماً ءاخَرِينَ }
[الدخان: 27، 28].
السؤال الثالث: هؤلاء الذين عبدوا العجل هم كل قوم موسى أو بعضهم؟.
والجواب: أن قوله تعالى: { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً } يفيد العموم.
قال الحسن: كلهم عبدوا العجل غير هارون. واحتج عليه بوجهين:
الأول: عموم هذه الآية
والثاني: قول موسى عليه السلام في هذه القصة { رَبّ اغْفِرْ لِى وَلاخِى } قال خص نفسه وأخاه بالدعاء، وذلك يدل على أن من كان مغايراً لهما ما كان أهلاً للدعاء ولو بقوا على الإيمان لما كان الأمر كذلك، وقال آخرون: بل كان قد بقي في بنـي إسرائيل من ثبت على إيمانه فإن ذلك الكفر إنما وقع في قوم مخصوصين، والدليل عليه قوله تعالى:
{ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }
[الأعراف: 181].
فإن قيل: فهذا يوجب أنه لو صح أن يتكلم العجل ويهدي، يجوز أن يتخذ إلٰهاً، وإلا فإن كان إثبات ذلك كنفيه في أنه لا يجوز أن يتخذ إلهاً فلا فائدة فيما ذكرتم.
والجواب من وجهين:
الأول: لا يبعد أن يكون ذلك شرطاً لحصول الإلهية، فيلزم من عدمه عدم الإلهية وإن كان لا يلزم من حصوله حصول الإلهية.
الثاني: أن كل من قدر على أن يكلمهم وعلى أن يهديهم إلى الخير والشر فهو إلٰه، والخلق لا يقدرون على الهداية، إنما يقدرون على وصف الهداية، فأما على وضع الدلائل ونصبها فلا قادر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
واعلم أنه ختم الآية بقوله: { وَكَانُواْ ظَـالِمِينَ } أي كانوا ظالمين لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله تعالى واشتغلوا بعبادة العجل، والله أعلم.
نرجو من السادة النصارى تحديد نسخة التوراة التي يمكن أن نطابقها بما جاء بالقرآن .... هل النسخة العبرانية أم السامرية ام السبعينية ؟
المفضلات