-
الرد على كذبة الغرانيق بالتفصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
يتشبث النصارى الحاقدين على الاسلام برواية واهية ضعيفة موضوعة و هي رواية الغرانيق لمحاولة الطعن على النبي صلى الله عليه وسلم
و استشهدوا ببعض الرواياتالضعيفة التي وردت في تفسير قوله تعالى في سورة الحج :
(( و ما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم اياته و الله عليم حكيم ))
و للرد على هذه الفرية نقول :
اولا : ان هذه الرواية ضعيفة بشهادة الحفاظ و المحققين من اهل العلم
قال السهيلي رحمه الله في الروض الانف في شرح سيرة ابن هشام رحمه الله الجزء الثالث :
(( ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ وَأَهْلُ الْأُصُولِ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْحُجّةِ وَمَنْ صَحّحَهُ قَالَ فِيهِ أَقْوَالًا، مِنْهَا: أَنّ الشّيْطَانَ قَالَ ذَلِكَ وَأَشَاعَهُ. وَالرّسُولُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - لَمْ يَنْطِقْ بِهِ وَهَذَا جَيّدٌ لَوْلَا أَنّ فِي حَدِيثِهِمْ أَنّ جِبْرِيل قَالَ لِمُحَمّدِ مَا أَتَيْتُك بِهَذَا، وَمِنْهَا: أَنّ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَعَنَى بِهَا الْمَلَائِكَةَ إنّ شَفَاعَتَهُمْ لَتُرْتَجَى. وَمِنْهَا: أَنّ النّبِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - قَالَهُ حَاكِيًا عَنْ الْكَفَرَةِ وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ فَقَالَهَا مُتَعَجّبًا مِنْ كُفْرِهِمْ وَالْحَدِيثُ عَلَى مَا خَيّلْت غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِصِحّتِهِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. ))
قال الامام العيني في عمدة القاري كتاب الكسوف باب سجود المسلمين مع المشركين :
(( الثَّالِث: أَن قَوْله: وَلَعَلَّ جَمِيع من وفْق إِلَى آخِره ظن وتخمين، فَلَا يبتنى عَلَيْهِ حكم، ثمَّ الَّذِي قَالَه ابْن بطال: إِنَّمَا كَانَ لما ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . إِلَى آخِره، مَوْجُود فِي كثير من التفاسير، ذكرُوا أَنه لما قَرَأَ سُورَة النَّجْم، وَوَقع فِي السُّورَة ذكر آلِهَتهم فِي قَوْله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91 و 02) . وسمعوا ذكر آلِهَتهم فِي الْقُرْآن فَرُبمَا ظنوه أَو بَعضهم أَن ذَلِك مدح لَهَا، وَقيل: إِنَّهُم سمعُوا بعد ذكر آلِهَتهم: تِلْكَ الغرانيق العلى، وَإِن شَفَاعَتهَا لترتجى، فَقيل: إِن بَعضهم هُوَ الْقَائِل لَهَا، أَي: بعض الْمُشْركين، لما ذكر آلِهَتهم خَشوا أَن يذمها، فبدر بَعضهم فَقَالَ ذَلِك، سَمعه من سَمعه وظنوا أَو بَعضهم أَن ذَلِك من قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل إِن إِبْلِيس لَعنه الله هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِك حِين وصل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَذِه اللآية فظنوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِك وَقيل: إِن إِبْلِيس أجْرى ذَلِك على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا بَاطِل قطعا. وَمَا كَانَ الله ليسلطه على نبيه وَقد عصمه مِنْهُ وَمن غَيره، وَكَذَلِكَ كَون إِبْلِيس قَالَهَا وَشبه صَوته بِصَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاطِل أَيْضا، وَإِذا كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يتشبه بِهِ فِي النّوم كَمَا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فِي الحَدِيث الصَّحِيح، وَهُوَ قَوْله: (من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتشبه بِي وَلَا يتَمَثَّل بِي) . فَإِذا كَانَ لَا يقدر على التَّشَبُّه بِهِ فِي الْمَنَام من الرَّائِي لَهُ، والنائم لَيْسَ فِي مَحل التَّكْلِيف والضبط، فَكيف يتشبه بِهِ فِي حَالَة إستيقاظ من يسمع قِرَاءَته؟ هَذَا من الْمحَال الَّذِي لَا يقبله قلب مُؤمن، وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكر فِيهِ ذكر ذَلِك أَكثر طرقه مُنْقَطِعَة معلولة، وَلم يُوجد لَهَا إِسْنَاد صَحِيح وَلَا مُتَّصِل إلاّ من ثَلَاثَة طرق. أَحدهَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده قَالَ: حَدثنَا يُوسُف بن حَمَّاد حَدثنَا أُميَّة بن خَالِد حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِيمَا أَحسب، أَشك فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ بِمَكَّة فَقَرَأَ سُورَة النَّجْم حَتَّى انْتهى إِلَى {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} (النَّجْم: 91 و 02) . فَجرى على لِسَانه: تِلْكَ الغرانيق العلى الشَّفَاعَة مِنْهُم ترتجى، قَالَ: فَسمع ذَلِك مشركو أهل مَكَّة فسروا بذلك، فَاشْتَدَّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إلاّ إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقِي الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته} (الْحَج: 25) . ثمَّ قَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلمهُ يرْوى بِإِسْنَاد مُتَّصِل يجوز ذكره، وَلم يسْندهُ عَن شُعْبَة إلاّ أُميَّة بن خَالِد، وَغَيره يُرْسِلهُ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: وَإِنَّمَا يعرف هَذَا من حَدِيث الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي تَفْسِير أبي بكر بن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير: لَا أعلمهُ إلاّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،...... وَجَمِيع هَذِه المسانيد الثَّلَاثَة لَا يحْتَج بِشَيْء مِنْهَا: أما الْإِسْنَاد الأول: وَإِن كَانَ رِجَاله ثِقَات فَإِن الرَّاوِي شكّ فِيهِ كَمَا أخبر عَن نَفسه، فإمَّا شكّ فِي رَفعه، فَيكون مَوْقُوفا. وَفِي وَصله فَيكون مُرْسلا، وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِحجَّة خُصُوصا فِيمَا فِيهِ قدح فِي حق الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بل لَو جزم الثِّقَة بِرَفْعِهِ وَوَصله حملناه على الْغَلَط وَالوهم، وَأما الْإِسْنَاد الثَّانِي: فَإِن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ ضَعِيف بالِاتِّفَاقِ، مَنْسُوب إِلَى الْكَذِب، وَقد فسر الْكَلْبِيّ فِي رِوَايَته الغرانقة العلى: بِالْمَلَائِكَةِ، لَا بآلهة الْمُشْركين، كَمَا يَقُولُونَ: إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله، وكذبوا على الله فَرد الله ذَلِك عَلَيْهِم بقوله: {ألكم الذّكر وَله الْأُنْثَى} (النَّجْم: 12) . فعلى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثمَّ نسخ لتوهم الْمُشْركين بذلك مدح آلِهَتهم. وَأما الْإِسْنَاد الثَّالِث: فَإِن مُحَمَّد بن سعد هُوَ الْعَوْفِيّ، وَهُوَ ابْن سعد بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، تكلم فِيهِ الْخَطِيب، فَقَالَ: كَانَ لينًا فِي الحَدِيث، وَأَبوهُ سعد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَطِيَّة، قَالَ فِيهِ أَحْمد: لم يكن مِمَّن يستأهل أَن يكْتب عَنهُ، وَلَا كَانَ موضعا لذَلِك، وَعم أَبِيه: هُوَ الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَطِيَّة، ضعفه ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَغَيرهم، وَالْحسن بن عَطِيَّة ضعفه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم، وَهَذِه سلسلة ضعفاء، وَلَعَلَّ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ سَمعه من الْكَلْبِيّ فَإِنَّهُ كَانَ يروي عَنهُ ويكنيه بِأبي سعيد لضَعْفه، ويوهم أَنه: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ. وَقَالَ عِيَاض: هَذَا حَدِيث لم يُخرجهُ أحد من أهل الصِّحَّة. وَلَا رُوَاة ثِقَة بِسَنَد سليم مُتَّصِل، وَإِنَّمَا أولع بِهِ وبمثله الْمُفَسِّرُونَ، والمؤرخون المولعون بِكُل قريب، المتلقنون من الصُّحُف كل صَحِيح وَسَقِيم. قلت: الْأَمر كَذَلِك، فَإِن غَالب هَؤُلَاءِ مثل الطرقية وَالْقصاص وَلَيْسَ عِنْدهم تَمْيِيز، يخبطون خبط عشواء، ويمشون فِي ظلمَة ظلماء، وَكَيف يُقَال مثل هَذَا وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على عصمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزاهته عَن مثل هَذِه الرذيلة؟ وَلَو وَقعت هَذِه الْقِصَّة لوجدت قُرَيْش على الْمُسلمين بهَا الصولة، ولأقامت عَلَيْهِم الْيَهُود بهَا الْحجَّة، كَمَا علم من عَادَة الْمُنَافِقين وعناد الْمُشْركين، كَمَا وَقع فِي قصَّة الْإِسْرَاء حَتَّى كَانَت فِي ذَلِك لبَعض الضُّعَفَاء ردة. .))
قال الكرماني رحمه الله في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري كتاب تفسير القران باب سورة اقتربت الساعة :
(( فإن قلت المسلمون متناول للجن والإنس فما فائدة ذكرهما قلت فائدته دفع وهم اختصاصه بالإنس. فإن قلت لم سجد المشركون قلت لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجدة لمعبودهم أو قع ذلك منهم بلا قصد أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم وما قيل كان ذلك بسبب ما ألقى الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلتلك الغرانيق العلا ... منها الشفاعة ترتجى فلا صحة له نقلاً وعقلاً في كتاب سجود القرآن، ))
وقال في نفس المصدر ابواب سجود القران باب من قرا السجدة و لم يسجد :
(( إن قلت لفظ الإنس مكرر بل لفظ الجن أيضاً. قلت هو إجمال بعد تفصيل نحو تلك عشرة كاملة فإن قلت لم سجد المشركون وهم لا يعتقدون القرآن. قلت قيل لأنهم سمعوا أسماء أصنامهم حيث قال: أفرأيتم اللات والعزى. قال القاضي عياض: كان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها أول سجدة نزلت وأما ما يزويه الإخباريون أن سببه ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على الأصنام بقوله تلك الغرانيق العلا فباطل لا يصح لا نقلاً ولا عقلاً لأن مدح إله غير الله كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يقوله الشيطان بلسانه حاشاه منه أقول وهذا هو الحق والصواب. ))
قال الامام ابن كثير في تفسيره :
((قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظنا منهم أن مشركي قريشقد أسلموا . ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .)) انتهى كلام بن كثير
قال الامام القرطبي رحمه الله في تفسيره :
(( الثالثة : الأحاديث المروية في نزول هذه الآية ، وليس منها شيء يصح . وكان مما تموه به الكفار على عوامهم قولهم : حق الأنبياء ألا يعجزوا عن شيء ، فلم لا يأتينا محمد بالعذاب وقد بالغنا في عداوته ؟ وكانوا يقولون أيضا : ينبغي ألا يجري عليهم سهو وغلط ؛ فبين الرب سبحانه أنهم بشر ، والآتي بالعذاب هو الله تعالى على ما يريد ، ويجوز على البشر السهو والنسيان والغلط إلى أن يحكم الله آياته وينسخ حيل الشيطان.... وقال القاضي عياض في كتاب الشفا بعد أن ذكر الدليل على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه ، لا قصدا ، ولا عمدا ، ولا سهوا ، وغلطا : اعلم أكرمك الله أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين : أحدهما : في توهين أصله ، والثاني على تسليمه . أما المأخذ الأول فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه بسند سليم متصل ثقة ؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب ، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم . قال أبو بكر البزار : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد متصل يجوز ذكره ؛ إلا ما رواه شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فيما أحسب ، الشك في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة . . . وذكر القصة . ولم يسنده عن شعبة إلاأمية بن خالد ، وغيره يرسله عن سعيد بن جبير . وإنما يعرف عنالكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ؛ فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا ، وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه الذي ذكرناه ، الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه . وأما حديث الكلبي فما لا تجوز الرواية عنه ، ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه ؛ كما أشار إليه البزار رحمه الله . والذي منه في الصحيح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ ( والنجم ) بمكة فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ؛ هذا توهينه من طريق النقل .
وأما المأخذ الثاني فهو مبني على تسليم الحديث لو صح . وقد أعاذنا الله من صحته ، ولكن على كل حال فقد أجاب أئمة المسلمين عنه بأجوبة ؛ منها الغث والسمين . والذي يظهر ويترجح في تأويله على تسليمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيلا ، ويفصل الآي تفصيلا في قراءته ؛ كما رواه الثقات عنه ، فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكنات ودسه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات ، محاكيا نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار ، فظنوها من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشاعوها . ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله ، وتحققهم من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذم الأوثان وعيبها ما عرف منه ؛ فيكون ما روي من حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه الإشاعة والشبهة وسبب هذه الفتنة ، وقد قال الله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الآية .
قلت : وهذا التأويل ، أحسن ما قيل في هذا . وقد قال سليمان بن حرب : إن ( في ) بمعنى عنده ؛ أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ كقوله - عز وجل - : ولبثت فينا أي عندنا . وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية ، عن أبيه ، عن علماء الشرق ، وإليه أشار القاضي أبو بكر بن العربي ، وقال قبله : إن هذه الآية نص في غرضنا ، دليل على صحة مذهبنا ، أصل في براءة النبي - صلى الله عليه وسلم - مما ينسب إليه أنه قاله ؛ وذلك أن الله تعالى قال : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته أي في تلاوته . فأخبر الله تعالى أن من سنته في رسله ، وسيرته في أنبيائه إذا قالوا عن الله تعالى قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه كما يفعل سائر المعاصي . تقول : ألقيت في دار كذا وألقيت في الكيس كذا ؛ فهذا نص في الشيطان أنه زاد في الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم به . ثم ذكر معنى كلام عياض إلى أن قال : وما هدي لهذا إلا الطبري لجلالة قدره ، وصفاء فكره ، وسعة باعه في العلم ، وشدة ساعده في النظر ؛ وكأنه أشار إلى هذا الغرض ، وصوب على هذا المرمى ، وقرطس بعدما ذكر في ذلك روايات كثيرة كلها باطل لا أصل لها ، ولو شاء ربك لما رواها أحد ولا سطرها ، ولكنه فعال لما يريد . ))
و قال الامام الشوكاني رحمه الله في فتح القدير :
((ولم يصح شيء من هذا ، ولا ثبت بوجه من الوجوه ، ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال الله : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين [ الحاقة : 44 - 46 ][ ص: 970 ] وقوله : وما ينطق عن الهوى [ النجم : 3 ] وقوله : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم [ الإسراء : 74 ] فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون .
قال البزار : هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بإسناد متصل .
وقال البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم .
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : إن هذه القصة من وضع الزنادقة .
قال القاضي عياض في الشفاء : إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه ، لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا
قال ابن كثير : قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرضالحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح))
و نقرا في تفسير البحر المحيط لاثير الدين الاندلسي رحمه الله :
(( وذكر المفسرون في كتبهم ابن عطية والزمخشري فمن قبلهما ومن بعدهما ما لا يجوز وقوعه من آحاد المؤمنين منسوبا إلى المعصوم صلوات الله عليه ، وأطالوا في ذلك وفي تقريره سؤالا وجوابا وهي قصة سئل عنها الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية ، فقال : هذا من وضع الزنادقة ، وصنف في ذلك كتابا . وقال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، وقال ما معناه : إن رواتها مطعون عليهم وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثية شيء مما ذكروه فوجب اطراحه ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه . والعجب من نقل هذا وهم يتلون في كتاب الله تعالى ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وقال الله تعالى آمرا لنبيه : ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) وقال تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) الآية وقال تعالى : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم ) الآية فالتثبيت واقع والمقاربة منفية . وقال تعالى : ( كذلك لنثبت به فؤادك ) وقال تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى ) وهذه نصوص تشهد بعصمته ، وأما من جهة المعقول فلا يمكن ذلك لأن تجويزه يطرق إلى تجويزه في جميع الأحكام والشريعة فلا يؤمن فيها التبديل والتغيير ، واستحالة ذلك معلومة . ))
و نقل الامام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب تفسير القران قول القاضي عياض رحمه الله :
(( قال الكرماني : سجد المشركون مع المسلمين لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم ، أو وقع ذلك منهم بلا قصد ، أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم قلت : والاحتمالات الثلاثة فيها نظر ، والأول منهالعياض ، .... ، قال : وما قيل من أن ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا صحة له عقلا ولا نقلا ، انتهى .))
وقال البيضاوي في تفسيره لسورة الحج
((إِلَّا إِذا تَمَنَّى زور في نفسه ما يهواه. أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما
قال عليه الصلاة والسلام «وإنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» .
فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه والإِرشاد إلى ما يزيحه. ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الناس. حَكِيمٌ فيما يفعله بهم، قيل حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت. وقيل تمنى لحرصه على إيمان قومه أن ينزل عليه ما يقربهم إليه واستمر به ذلك حتى كان في ناديهم فنزلت عليه سورة وَالنَّجْمِ فأخذ يقرؤها فلما بلغ وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى وسوس إليه الشيطان حتى سبق لسانه سهواً إلى أن قال: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لمَّا سجد في آخرها، بحيث لم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد، ثم نبهه جبريل عليه السلام فاغتم لذلك فعزاه الله بهذه الآية.
وهو مردود عند المحققين وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإِيمان عن المتزلزل فيه، وقيل تمنى قرأ كقوله:
تَمَنَّى كِتَابَ الله أَوَّلَ لَيْلِه ... تَمني دَاودَ الزبُورَ عَلَى رسلِ
وأمنيته قراءته وإلقاء الشيطان فيها أن تكلم بذلك رافعاً صوته بحيث ظن السامعون أنه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم. وقد رد أيضاً بأنه يخل بالوثوق على القرآن ولا يندفع بقوله فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ لأنه أيضاً يحتمله، والآية تدل على جواز السهو على الأنبياء وتطرق الوسوسة إليهم))
قال ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير
((قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ الآية.
قال المفسرون: سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما نزلت عليه سورة النجم قرأها حتى بلغ قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى فألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإِن شفاعتهن لترتجى فلما سمعت قريش بذلك فرحوا، فأتاه جبريل، فقال: ماذا صنعتَ؟
تلوتَ على الناس ما لم آتِكَ به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حزناً شديداً، فنزلت هذه الآية تطييباً لقلبه، وإِعلاماً له أن الأنبياء قد جرى لهم مثل هذا. قال العلماء المحققون: #وهذا #لا #يصحّ، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم معصوم عن مثل هذا، ولو صح، كان المعنى أن بعض شياطين الإِنس قال تلك الكلمات «2» ، فإنهم كانوا إِذا تلا لغطوا، كما قال الله عزّ وجلّ: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ «3» .
قال: وفي معنى «تمنّى» قولان «4» أحدهما: تلا، قاله الأكثرون، وأنشدوا:
تمنَّى كتابَ اللهِ أوّل ليلهِ ... وآخرَه لاقى حِمامَ المقادِرِ
وقال آخر:
تمنَّى كتابَ الله آخرَ ليلِه ... تمنِّيَ داودَ الزبورَ على رِسْلِ
والثاني: أنه من الأمنية، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم تمنى يوماً أن لا يأتيه من الله شيء ينفر عنه به قومُه، فألقى الشيطان على لسانه لِما كان قد تمناه، قاله محمد بن كعب القرظي.
قوله تعالى: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ أي: يُبطله ويُذهبه ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ قال مقاتل: يُحْكِمُها من الباطل. قوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللام متعلقة بقوله: أَلْقَى الشَّيْطانُ، والفتنة ها هنا بمعنى البلية والمحنة. والمرضُ: الشك والنفاق. وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني: الجافية عن الإِيمان. ثم أعلمه أنهم ظالمون وأنهم في شقاق دائم، والشقاق: غاية العداوة.))
قال الماتريدي في تفسيره تاويلات اهل السنة
((وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى ... (52) أي: تلا (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) قيل: في تلاوته، وقراءته الآية.
قال عامة أهل التأويل: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا تمنى - أي: تلا في صلاته - أو حدث نفسه، ألقى الشيطان على لسانه عند تلاوته بـ (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) حتى إذا انتهى إلى قوله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى). قال: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى ". ويذكرون أنه أتاه على صور جبريل، فألقى عليه ما ذكروا، ثم أتاه جبريل فأخبره النبي بذلك، فقال له: إنه لم ينزل عليه قط شيئًا مثله. وأمثال ما قالوا.
لكنه لو كان ما ذكر هَؤُلَاءِ كيف عرفه في المرة الثانية أنه جبريل، وأنه ليس بشيطان، ولا يؤمن أنه يلبس عليه في وقت آخر في أمثاله.
وقال قتادة: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يتمنى أن يذكر اللَّه آلهتهم بعيب، فلما قرأ تلك الآية (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)، قال: " إنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى عندهم "، يعني به: عند أُولَئِكَ الكفرة، وهم على ذلك كانوا يعبدونها.
وقال الحسن: إنه أراد بقوله: " تلك الغرانيق العلا وإن، شفاعتهن لترتجى " الملائكة؛ لأنهم كانوا يعبدون الملائكة؛ رجاء أن يشفعوا لهم يوم القيامة، فأخبر أن شفاعة الملائكة ترتجى.
وهذان التأويلان أشبه من الأول.
والأشبه - عندنا -: أن يكون على غير هذا الذي قالوا، وهو أن قوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي: عند تلاوته القرآن في قلوب الكفرة ما يجادلون به رسول اللَّه ويحاجونه؛ فيشبهون بذلك على الأتباع ليتبعوهم، وهو نحو قولهم: إنه يحرم ما ذبحه اللَّه، ويحل ما ذبح هو بنفسه. ونحو قولهم عند نزول قوله: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) فقالوا: إن عيسى وعزيرًا والملائكة عُبِدوا دون اللَّه فهم حصب جهنم إذن، ونحو صرفهم قوله: (الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ)، إلى حساب الجُمَّل، وأمثال هذا مما حاجوا رسول اللَّه وجادلوه به، فأخبر أنه ينسخ مجادلتهم ومحاجتهم رسوله، وأنه يُحكم آياته، حيث قال عند قولهم: إنه يحل ذبح نفسه ويحرم ذبح اللَّه، فبين أنه بم حرم هذا؟ وبم حل الآخر؟ وهو قوله: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)، ولكن كلوا مِمَّا ذكر اسم اللَّه عليه. فبيّن أنه إنما حلَّ هذا بذكر اسم اللَّه عليه، وحرم الآخر بترك ذكر اسم اللَّه عليه.
وبين في قولهم: إن عيسى عبد دون اللَّه والملائكة عبدوا دونه، فهم ليسوا بحصب جهنم، حيث استثنى أُولَئِكَ فقال: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى. . . الآية. وأبطل مجادلتهم ومحاجتهم، بصرفهم الآية إلى حساب الجُمَّل بقوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ. . .) الآية، فهذا - واللَّه أعلم - تأويل قوله -: (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ) نسخ ما ألقى الشيطان في قلوب أُولَئِكَ الكفرة ما به جادلوه، وأحكم آياته بما ذكرنا.))
و قال ابو السعود في تفسيره لسورة الحج
((المنامِ {إِلاَّ إِذَا تمنى} أي هيَّأ في نفسِه ما يهواه {أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ} في تشهِّيه ما يُوجب اشتغاله بالدنيا كماقال صلى الله عليه وسلم وإنَّه ليُغانُ على قَلبي فأستغفرُ الله في اليَّومِ سعين مَرَّة {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِى الشيطان} فيُبطله ويذهبُ به بعصمتِه عن الرُّكونِ إليه وإرشادِه إلى ما يُزيحه {ثُمَّ يُحْكِمُ الله آياته} أي يُثبت آياتِه الدَّاعية إلى الاستغراق في شئون الحقِّ وصيغةُ المضارعِ في الفعلينِ للدِّلالةِ على الاستمرار التَّجدُّدي وإظهارُ الجلالةِ في موقعِ الإضمار لزيادة التقرير والإيذانِ بأنَّ الأُلوهيَّةَ من موجباتِ أحكامِ آياتِه الباهرةِ {والله عَلِيمٌ} مبالِغٌ في العلمِ بكلِّ ما مِن شأنِه أنْ يُعلم ومن جُملتِه ما صدرَ عن العباد من قول وفصل عمداً أو خطأ {حَكِيمٌ} في كلِّ ما يفعلُ والإظهار ههنا أيضا لما كر مع ما فيه من تأكيد استقلال الاعتراض التذييلي قيل حدَّث نفسَه بزوال المسكنةِ فنزلتْ وقيل تمنَّى لحرصِه على إيمان قومِه أنْ ينزل عليه ما يُقرِّبهم إليه واستمرَّ به ذلك حتَّى كان في ناديهم فنزلتْ عليه سورةُ النَّجم فأخذَ يقرؤها فلمَّا بلغَ ومناةَ الثَّالثةَ الأُخرى وسوسَ إليه الشَّيطانُ حتَّى سبق لسانُه سهواً إلى أنْ قال تلكَ الغرانيقُ العُلا وإنَّ شفاعتهنَّ لتُرتجى ففرح به المشركون حتَّى شايعُوه بالسُّجودِ لمَّا سجدَ في آخرِها بحيث لم يبْقَ في المسجد مؤمنٌ ولا مشركٌ إلاَّ سجد ثم نبَّهه جَبريل عليه السلام فاغتنم به فعزَّاه الله عزَّ وجلَّ بهذه الآيةِ #وهو #مردودٌ عند المحقِّقين ولئن صحَّ فابتلاءٌ يتميَّز به الثَّابتُ على الإيمانِ عن المتزلزل فيه وقيل سورة الحج (53 55) تمنَّى بمعنى قرأ كقوله [تمنَّى كتابَ الله أولَ ليلة تمنِّيَ داودَ الزَّبورَ على رسلِ وأمنيَّتُه قراءتُه وإلقاءُ الشَّيطانِ فيها أنْ يتكلَّم بذلك رافعاً صوتَه بحيثُ ظنَّ السَّامعون أنَّه من قراءة النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وقد رُدَّ بأنه أيضاً يخلُّ بالوثوقِ بالقُرآنِ ولا يندفعُ بقولِه تعالى فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِى الشيطان ثم يحكم الله آياته لأنَّه أيضاً يحتملُه وفي الآيةِ دِلالةٌ على جوازِ السَّهو من الأنبياءِ عليهم السلام وتطرق الوسوسةِ إليهم))وقال ابن حزم رحمه الله في الفصل في الملل و النحل الجزء الرابع ، الكلام في موسى عليه السلام و امه :
(( وَأما الحَدِيث الَّذِي فِيهِ وأنهن الغرانيق العلى وَإِن شَفَاعَتهَا لترتجى فكذب بحت مَوْضُوع لِأَنَّهُ لم يَصح قطّ من طَرِيق النَّقْل وَلَا معنى للاشتغال بِهِ إِذْ وضع الْكَذِب لَا يعجز عَنهُ أحد وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى} ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقى الشَّيْطَان الْآيَة فَلَا حجَّة لَهُم فِيهَا لِأَن الْأَمَانِي الْوَاقِعَة فِي النَّفس لَا معنى لَهَا وَقد تمنى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِسْلَام عَمه أبي طَالب وَلم يرد الله عز وَجل كَون ذَلِك فَهَذِهِ الْأَمَانِي الَّتِي ذكرهَا الله عز وَجل لَا سواهَا وحاشا لله أَن يتَمَنَّى نَبِي مَعْصِيّة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا هُوَ ظَاهر الْآيَة دون مزِيد تكلّف وَلَا يحل خلاف الظَّاهِر إِلَّا بِظَاهِر آخر وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق ))
قال البقاعي في تفسيره لسورة الحج :
((إلا إذا تمنى} أي تلا على الناس ما أمره الله به أو حدثهم به واشتهى في نفسه أن يقبلوه حرصاً منه على إيمانهم شفقة عليهم {ألقى الشيطان في أمنيته} أي ما تلاه أو حدث به واشتهى أن يقبل، من الشبه والتخيلات ما يتلقفه منه أولياءه فيجادلون به أهل الطاعة ليضلوهم))
قال ابن عادل في تفسيره اللباب في علوم الكتاب لسورة الحج
((قال ابن الخطيب: وأما أهل التحقيق فقالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة لوجوه من القرآن والسنة والمعقول: أما القرآن فقوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: 44 - 46] ، وقوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} [يونس: 15] ، وقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} [النجم: 3 - 4] . فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية قوله: تلك الغرانيق العلى لكان قد ظهر كذب الله في الحال، وذلك لا يقوله مسلم. وقوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} [الإسراء: 73] وكلمة «كاد» عند بعضهم قريب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل، وقوله:
{وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} [الإسراء: 74] وكلمة «لَوْلاَ» لانتفاء الشيء لانتفاء غيره، فذلك دل على أن الركون القليل لم يحصل، وقوله: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32] ، وقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} [الأعلى: 6] وأما السنة: فروي عن محمد بن إسحاق أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة وصنف فيه كتاباً.
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم قال: رواة هذه القصة مطعونون. وروى البخاري في صحيحه أنه - عليه السلام - قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والجن والإنس وليس فيه ذكر الغرانيق وروي هذا الحديث من طرق كثيرة، وليس فيها البتة ذكر الغرانيق. وأما المعقول فمن وجوه:
أحدها: أن من جوَّز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
وثانيها: أنه - عليه السلام - ما كان عليه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة أمناً لأذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه، وإنما كان يصلي، إذا لم يحضروا ليلاً أو في أوقات خلوة، وذلك يبطل قولهم.
وثالثها: أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من غير أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سُجَّداً مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.
ورابعها: قوله: {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ} وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها، فإذا أراد الله تعالى إحكام الآيات لئلا يلتبس القرآن بغيره، فبأن يُمْنع الشيطان من ذلك أصلاً أولى.
وخامسها: أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل الشرائع أن يكون كذلك، ويبطل قوله تعالى: {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67] فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه.
فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة، أكثر ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة.))
نقرا في التفسير الكبير للأمام الرازي
((هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين ، أما أهل التحقيق فقد قالوا : هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول . أما القرآن فوجوه :
أحدها : قوله تعالى : ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) [ الحاقة : 44 - 46] ، وثانيها : قوله : ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) [ يونس : 15 ] . وثالثها : قوله : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) [ النجم : 3 - 4] فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلا لكان قد ظهر كذب الله تعالى في الحال وذلك لا يقوله مسلم . ورابعها : قوله تعالى : ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ) [ الإسراء : 73 ] وكلمة كاد عند بعضهم معناه قرب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل . وخامسها : قوله : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) [ الإسراء : 74 ] وكلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فدل على أن ذلك الركون القليل لم يحصل . وسادسها : قوله : ( كذلك لنثبت به فؤادك ) [ الفرقان : 32 ] . وسابعها : قوله : ( سنقرئك فلا تنسى ) [ الأعلى : 6 ] . وأما السنة فهي ما روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال : هذا وضع من الزنادقة وصنف فيه كتابا . وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم ، وأيضا فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي عليه السلام قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن وليس فيه حديث الغرانيق . وروي هذا الحديث من طرق كثيرة ، وليس فيها البتة حديث الغرانيق . وأما المعقول فمن وجوه :
أحدها : أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان فقد كفر ؛ لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان . وثانيها : أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة [ ص: 45 ] آمنا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه ، وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلا أو في أوقات خلوة ، وذلك يبطل قولهم . وثالثها : أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر ، فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجدا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم ؟ ورابعها : قوله : ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ) وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها ، فإذا أراد الله إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآنا ، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى . وخامسها : وهو أقوى الوجوه أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ، ويبطل قوله تعالى : ( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ] فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه ، فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة ، أكثر ما في الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر ، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة ))
ويقول الرازي ايضا :
(( (فهذه الوجوه المذكورة في قوله : " تلك الغرانيق العلا " قد ظهر على القطع كذبها ، فهذا كله إذا فسرنا التمني بالتلاوة . وأما إذا فسرناها بالخاطر وتمني القلب فالمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم متى تمنى بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس الشيطان إليه بالباطل ، ويدعوه إلى ما لا ينبغي ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله ويهديه إلى ترك الالتفات إلى وسوسته ، ثم اختلفوا في كيفية تلك الوسوسة على وجوه :......
المسألة الثالثة : يرجع حاصل البحث إلى أن الغرض من هذه الآية بيان أن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم ، فلم يعصمهم من جواز السهو ووسوسة الشيطان ، بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر ، فالواجب أن لا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم فذلك هو المحكم ))
يتبع
-
قال ابن عاشور رحمه الله في تفسيره التحرير و التنوير لسورة الحج
((وَمَعْنَى إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيَّةِ النَّبِيءِ وَالرَّسُولِ إِلْقَاءُ مَا يُضَادُّهَا، كَمَنْ يَمْكُرُ فَيُلْقِي السمّ فِي الدّسم، فَإِلْقَاءُ الشَّيْطَانِ بِوَسْوَسَتِهِ: أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالتَّكْذِيبِ وَالْعِصْيَانِ، وَيُلْقِيَ فِي قُلُوبِ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ مَطَاعِنَ يَبُثُّونَهَا فِي قَوْمِهِمْ، وَيُرَوِّجُ الشُّبُهَاتِ بِإِلْقَاءِ الشُّكُوكِ الَّتِي تَصْرِفُ نَظَرَ الْعَقْلِ عَنْ تَذَكُّرِ الْبُرْهَانِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُعِيدُ الْإِرْشَادَ وَيُكَرِّرُ الْهَدْيَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيءِ، وَيَفْضَحُ وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ وَسُوءَ فِعْلِهِِِِِ بِالْبَيَانِ الْوَاضِحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ
الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ
[الْأَعْرَاف: 27] وَقَوْلِهِ: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: 6] . فَاللَّهُ بِهَدْيِهِ وَبَيَانِهِ يَنْسَخُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ، أَيْ يُزِيلُ الشُّبُهَاتِ الَّتِي يُلْقِيهَا الشَّيْطَانُ بِبَيَانِ اللَّهِ الْوَاضِحِ، وَيَزِيدُ آيَاتِ دَعْوَةِ رُسُلِهِ بَيَانًا، وَذَلِكَ هُوَ إِحْكَامُ آيَاتِهِ، أَيْ تَحْقِيقُهَا وَتَثْبِيتُ مَدْلُولِهَا وَتَوْضِيحُهَا بِمَا لَا شُبْهَةَ بَعْدَهُ إِلَّا لِمَنْ رِينَ عَلَى قَلْبِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ فِي آلِ عِمْرَانَ.....وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيءِ إِذَا تَمَنَّى هَدْيَ قَوْمِهِ أَوْ حَرَصَ عَلَى ذَلِك فلقي مِنْهُم الْعِنَادَ، وَتَمَنَّى حُصُولَ هُدَاهُمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي نَفْسِ النَّبِيءِ خَاطِرَ الْيَأْسِ مَنْ هُدَاهُمْ عَسَى أَنْ يُقْصِرَ النَّبِيءَِِِِِِ مِنْ حِرْصِهِ أَوْ أَنْ يُضْجِرَهُ، وَهِيَ خَوَاطِرُ تَلُوحُ فِي النَّفْسِ وَلَكِنَّ الْعِصْمَةَ تَعْتَرِضُهَا فَلَا يَلْبَثُ ذَلِكَ الْخَاطِرُ أَنْ يَنْقَشِعَ وَيَرْسَخَ فِي نَفْسِ الرَّسُولِ مَا كُلِّفَ بِهِ مِنَ الدَّأْبِ عَلَى الدَّعْوَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى الرُّشْدِ. فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُلَوِّحًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ [الْأَنْعَام: 35] .......بِمَا تَلَقَّيْتَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الِانْتِظَامِ الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ الْمُسْتَقِلِّ بِدَلَالَتِهِ وَالْمُسْتَغْنَى بِنَهْلِهِ عَنْ عُلَالَتِهِ، وَالسَّالِمِ مِنَ التَّكَلُّفَاتِ وَالِاحْتِيَاجِ إِلَى ضَمِيمَةِ الْقَصَصِ تَرَى أَنَّ الْآيَةَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا أَلْصَقَهُ بِهَا الْمُلْصِقُونَ وَالضُّعَفَاءُ فِي عُلُومِ السُّنَّةِ، وَتَلَقَّاهُ مِنْهُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ حُبًّا فِي غَرَائِبِ النَّوَادِرِ دُونَ تَأَمُّلٍ وَلَا تَمْحِيصٍ، مِنْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِسُورَةِ النَّجْمِ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِمَا أَفْسَدُوا مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ حَتَّى تَجَاوَزُوا بِهَذَا الْإِلْصَاقِ إِلَى إِفْسَادِ مَعَانِي سُورَةِ النَّجْمِ، فَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرْطُبِيِّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالضَّحَّاكِ وَأَقْرَبُهَا رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ قَالُوا: إِنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ فِي نَادٍ... وَهِيَ قِصَّةٌ يَجِدُهَا السَّامِعُ ضِغْثًا عَلَى إِبَّالَةٍ، وَلَا يُلْقِي إِلَيْهَا النِّحْرِيرُ بَالَهُ. وَمَا رُوِيَتْ
إِلَّا بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ وَمُنْتَهَاهَا إِلَى ذِكْرِ قِصَّةٍ، وَلَيْسَ فِي أَحَدِ أَسَانِيدِهَا سَمَاعُ صَحَابِيٍّ لِشَيْءٍ فِي مَجْلِسِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَنَدُهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ سَنَدٌ مَطْعُونٌ. عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ نَزَلَتْ سُورَةُ النَّجْمِ كَانَ لَا يَحْضُرُ مَجَالِسَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ أَخْبَارُ آحَادٍ تُعَارِضُ أُصُولَ الدِّينِ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ أَصْلَ عصمَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا الْتِبَاسَ عَلَيْهِ فِي تَلَقِّي الْوَحْيِ. وَيَكْفِي تَكْذِيبًا لَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النَّجْم: 3] وَفِي مَعْرِفَةِ الْملك. فَلَو رووها الثِّقَاتُ لَوَجَبَ رَفْضُهَا وَتَأْوِيلُهَا فَكَيْفَ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ. وَكَيْفَ يَرُوجُ عَلَى ذِي مَسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ تَسْفِيهُ الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النَّجْم: 19] إِلَى قَوْلِهِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ [النَّجْم: 23] فَيَقَعُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مَدْحُهَا بِأَنَّهَا «الْغَرَانِيقُ العلى وَأَن شفاعتهن لَتُرْتَجَى» . وَهَلْ هَذَا إِلَّا كَلَامٌ يَلْعَنُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَاكُونَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ كُلَّهَا حَتَّى خَاتِمَتِهَا فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النَّجْم: 62] لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَجَدُوا حِينَ سَجَدَ الْمُسْلِمُونَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ سَمِعُوا السُّورَةَ كُلَّهَا وَمَا بَيْنَ آيَةِ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النَّجْم: 19] وَبَيْنَ آخِرِ السُّورَةِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي إِبْطَالِ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَعْبُودَاتِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَزْيِيفٌ كَثِيرٌ لِعَقَائِدِ الْمُشْرِكِينَ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَجَدُوا مِنْ أَجْلِ الثَّنَاءِ عَلَى آلِهَتِهِمْ))
قال القاسمي رحمه الله في تفسيره :
((وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أي رغب في انتشار دعوته، وسرعة علوّ شرعته أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أي بما يصدّ عنها، ويصرف المدعوّين عن إجابتها فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ أي يبطله ويمحقه ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ أي يثبتها فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17] ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ يعلم الإلقاءات الشيطانية، وطريق نسخها من وجه وحيه. حَكِيمٌ يحكم آياته بحكمته. ثم أشار إلى أن من مقتضيات حكمته أنه يجعل الإلقاء الشيطانىّ فتنة للشاكّين المنافقين والقاسية قلوبهم عن قبول الحق، ابتلاء لهم ليزدادوا إثما. ورحمة للمؤمنين ليزدادوا ثباتا واستقامة، .... والضمير للقرآن أو لله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي إلى طريق الحق والاستقامة، فلا تزلّ أقدامهم بقبول ما يلقي الشيطان، ولا تقبل قلوبهم إلا ما يلقي الرحمن، لصفائها. هذا هو الصواب في تفسير الآية. ولها نظائر تظهر المراد منها كما أشرنا إليه، لو احتاجت إلى نظير. ولكنها بيّنة بنفسها، غنية عن التطويل في التأويل، لولا ما أحوج المحققين إلى ردّ ما دسه بعض الرواة هنا من الأباطيل. ونحن نسوق ما قيل فيها من ذلك، ثم نتبعه بنقد المحققين، لئلا يبقى في نفس الواقف حاجة.))
قال السمين الحلبي في تفسيره الدر المصون
((وقوله تعالى: {إِذَا تمنى} : إنما أُفْرِد الضميرُ، وإن تقدَّمه شيئان معطوفٌ أحدُهما على الآخر بالواو؛ لأنَّ في الكلام حذفاً تقديرُه: وما أَرْسَلْنا مِنْ قبلِك مِنْ رسولٍ إلاَّ إذا تمنَّى ولا نبيٍّ إلاَّ إذا تمنَّى كقولِه: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] . والحذفُ: إمَّا من الأول أو من الثاني.
والضميرُ في» أُمْنِيَّتِه «فيه قولان، أحدُهما: وهو الذين ينبغي أن يكونَ أنه ضميرُ الشيطان. والثاني: أنه ضميرُ الرسولِ، ورَوَوْا في ذلك تفاسيرَ اللهُ أعلم بصحتها ))
قال الثعالبي رحمه الله في تفسيره لسورة الحج :
(( ((وقوله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِي أُمْنِيَّتِهِ... } الآية.
قلت: قال القاضي أبو الفضل عياض: وقد توجهت ها هنا لبعض الطاعنين سُؤَالاتٍ منها ما رُوِيَ مِنْ " أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة «والنجم» وقال: { أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } [النجم:19، 20] قال: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ العُلَىٰ، وإنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَىٰ ". قال عياض: اعلم (أكرمك اللّه) أَنَّ لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله.
والثاني: على تقدير تسليمه.
أما المأخذ الأَوَّلُ: فيكفيك أنَّ هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولاَ رَوَاهُ ثقة بسند مُتَّصِلٍ سليم؛ وإنما أولع به وبمثله المُفَسِّرُون والمؤرِّخُونَ المُولَعُونَ بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضي أبو بكر ابن العلاء المالكيُّ (رحمه اللّه تعالى) حيث يقول: لقد بُلِيَ الناسُ ببعض أهل الأهواء والتفسير، ثم قال عياض: قال أبو بكر البَزَّارُ: هذا الحديث لا نعلمه يُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد مُتَّصل يجوزُ ذكرُه؛ وإنَّما يُعْرَفُ عن الكلبيِّ، قال عياض: والكلبيُّ مِمَّنْ لا تجوز الرواية عنه ولا ذِكْرُهُ؛ لقوَّةِ ضعفه وكذبه، كما أشار إليه البَزَّارُ، وقد أجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذا، انتهى، ونحو هذا لابن عطية قال: وهذا الحديث الذي فيه: هن الغرانقة وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يُدْخِلْهُ البخاريُّ ولا مسلم، ولا ذكره ـــ في علمي ـــ مُصَنِّفٌ مشهور؛ بل يقتضي مذهبُ أهل الحديث أَنَّ الشيطان ألقى ولا يعينون هذا السَّبَبَ ولا غيره.
قال * ع *: وحدثني أَبي (رحمه اللّه تعالى) أَنَّهُ لَقِيَ بالمشرق من شيوخ العلماء والمتكلمين مَنْ قال: هذا لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم في التبليغ؛ وإنَّما الأمرُ يعني على تقدير صحَّته ـــ أَنَّ الشيطان نَطَقَ بلفظ أُسْمِعَهُ الكُفَّارُ عند قول النبي صلى الله عليه وسلم:{ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } [النجم:19، 20].
وقَرَّبَ صوته من صوتِ النبي صلى الله عليه وسلم حتى التبس الأمر على المشركين، وقالوا: محمد قرأها، هذا على تقدير صحته، وقد رُوِيَ نحوُ هذا التأويل عن الإمام أبي المعالي.
قلت: قال عياض: وقد أعادنا اللّه من صِحَّتِهِ، وقد حكى موسى بن عقبة في «مغازيه» نحوَ هذا، وقال: إنَّ المسلمين لم يسمعوها، وإنما ألقى الشيطانُ ذلك في أسماع المشركين، ومعنى قوله تعالى: { تَمَنَّىٰ } أي: تلا ومنه قوله تعالى:{ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } [البقرة:78]. أي: تلاوة، { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي: يُذْهِبُهُ، ويزيل اللبس به ويُحكمُ آياته، وعبارة البخاريِّ: وقال ابن عباس: { إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِي أُمْنِيَّتِهِ } ، أي: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه، فيبطل اللّه ما يلقى الشيطان ويحكم آياته، ويقال: { أُمْنِيَّتِهِ }: قراءته انتهى.
قال عياض: وقيل: معنى الآية هو ما يقع للنبي صلى الله عليه وسلم من السهو إذا قرأ فيتنبه لذلك، ويرجعُ عنه، انتهى))
قال النيسابوري في تفسيره غرائب القران ، سورة الحج :
((واعترض المحققون على هذه الرواية بالقرآن والسنة وبالمعقول. أما القرآن فكقوله{ ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين } [الحاقة: 44 - 46] وقوله{ وما ينطق عن الهوى } [النجم: 3] وقوله{ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن } [الإسراء: 74] نفى القرب من الركون فكيف به؟ وأما السنة فهي ما روي عن ابن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة، وقد صنف فيه كتاباً وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وقد روى البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون الإنس والجن وليس فيه حديث الغرانيق. وأما المعقول فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لنفي الأوثان فكيف يثبتها؟ وأيضاً إنه بمكة لم يتمكن من القراءة والصلاة عند الكعبة ولا سيما في محفل غاص. وايضاً إن معاداتهم إياه كانت أكثر من أن يغتروا بهذا القدر فيخروا سجداً قبل أن يقفوا على حقيقة الأمر. وأيضاً منع الشيطان من اصله أولى من تمكنه من الإلقاء ثم نسخه. وايضاً لوجوزنا ذلك لارتفع الأمان من الشرع، ولناقض قوله{ بلغ ما أنزل إليك } [المائدة: 67] وحال الزيادة في الوحي كحال النقصان منه. إذا عرفت هذا فللأئمة في تأويل الآية قولان: الأول أن التمني بمعنى القراءة كما سلف في البقرة في قوله{ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } [الآية: 78] وما المراد بهذه القراءة فيه وجهان: أحدهما أنه يجوز أن يسهو النبي فيه ويشتبه على القارئ دون ما رووه من قوله " تلك الغرانيق العلى ". وثانيهما أنه قراءة هذه الكلمة وإنها قد وقعت بعينها.))
قال ابو حيان الاندلسي في تفسيره البحر المحيط لسورة الحج :
(( وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي كُتُبِهِمُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالزَّمَخْشَرِيُّ فَمَنْ قَبْلَهُمَا وَمَنْ بَعْدَهُمَا مَا لَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ مِنْ آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْسُوبًا إِلَى الْمَعْصُومِ صَلَوَاتِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَطَالُوا فِي ذَلِكَ وَفِي تَقْرِيرِهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا وَهِيَ قِصَّةٌ سُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ جَامِعُ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابًا. وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ الْقِصَّةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ رُوَاتَهَا مَطْعُونٌ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ فِي الصِّحَاحِ وَلَا فِي التَّصَانِيفِ الحديثة شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرُوهُ فَوَجَبَ اطِّرَاحُهُ وَلِذَلِكَ نَزَّهْتُ كِتَابِي عَنْ ذِكْرِهِ فِيهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ نَقْلِ هَذَا وَهُمْ يَتْلُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّجْمِ إِذا هَوى مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «1» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى آمِرًا لِنَبِيِّهِ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ «2» وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ «3» الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى:
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ «4» الْآيَةَ فَالتَّثْبِيتُ وَاقِعٌ وَالْمُقَارَبَةُ مَنْفِيَّةٌ. وَقَالَ تَعَالَى كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ «5» وَقَالَ تَعَالَى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى «6» وَهَذِهِ نُصُوصٌ تَشْهَدُ بِعِصْمَتِهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّ تَجْوِيزَهُ يَطْرُقُ إِلَى تَجْوِيزِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَالشَّرِيعَةِ فَلَا يُؤْمَنُ فِيهَا التَّبْدِيلُ وَالتَّغْيِيرُ، وَاسْتِحَالَةُ ذَلِكَ مَعْلُومَةٌ. ))
قال الخازن في تفسيره لسورة الحج :
((((فإن قلت: قد قامت الدلائل على صدقه وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا قصداً ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً قال الله تعالى:{ وما ينطق عن الهوى } [النجم: 3] وقال تعالى:{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } [فصلت: 42] فكيف يجوز الغلط على النبيّ صلى الله عليه وسلم في التلاوة وهو معصوم منه؟. قلت ذكر العلماء عن هذا الإشكال أجوبة: أحدها: توهين أصل هذه القصة وذلك أنه لم يروها أحد من أهل الصحة ولا أسندها ثقة بسند صحيح أو سليم متصل وإنما رواها المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب الملفقون من الصحف كل صحيح وسقيم والذي يدل على ضعيف هذه القصة اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها فقائل يقول إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في الصلاة وآخر يقول قرأها وهو في نادي قومه وأخر يقول قرأها وقد أصابته سنة وآخر يقول بل حدث نفسه بها فجرى ذلك على لسانه وآخر يقول إن الشيطان قالها على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا عرضها على جبريل قال ما هكذا أقرأتك إلى غير ذلك من اختلاف ألفاظها والذي جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرآ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخاً من قريش أخذ كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته قال عبد الله فلقد رأيته بعد قتل كافراً ")))
يتبع
-
وقال الالوسي في تفسيره روح المعاني ، سورة الحج :
(( والواحد منا وإن لم يكن من البلاغة بمكان إذا ألف شعر شاعر وتكرر على سمعه يعلم إذا دس بيت أو شطر في قصيدة له إن ذلك ليس له وقد يطالب بالدليل فلا يزيد على قوله: لأن النفس مختلف، وهذا البعد متحقق عندي على تقدير كون الملقى ما في الرواية الشائعة وهو تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى أيضا لا سيما على قول جماعة: إن الإعجاز يتعلق بقليل القرآن وكثيره من الجمل المفيدة لقوله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ والقول بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم خفي عليه ذلك للتأديب فيه ما فيه، ولا يبعد استحقاق قائله للتأنيب.
وما ذكره في الجواب عن الثالث من أنه لا بد من حمل الكلام على الاستفهام أو حذف القول وهو دون الأول إذا صح الخبر صحيح لكن إثبات صحة الخبر أشد من خرط القتاد فإن الطاعنين فيه من حيث النقل علماء أجلّاء عارفون بالغث والسمين من الأخبار وقد بذلوا الوسع في تحقيق الحق فيه فلم يرووه إلا مردودا وما ألقى الشيطان إلى أوليائه معدودا وهم أكثر ممن قال بقبوله ومنهم من هو أعلم منه، ويغلب على الظن أنهم وقفوا على رواته في سائر الطرق فرأوهم مجروحين وفات ذلك القائل بالقبول، ولعمري إن القول بأن هذا الخبر مما ألقاه الشيطان على بعض ألسنة الرواة ثم وفق الله تعالى جمعا من خاصته لإبطاله أهون من القول بأن حديث الغرانيق مما ألقاه الشيطان على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم نسخه سبحانه وتعالى لا سيما وهو مما لم يتوقف على صحته أمر ديني ولا معنى آية ولا ولا سوى أنها يتوقف عليها حصول شبه في قلوب كثير من ضعفاء المؤمنين لا تكاد تدفع إلا بجهد جهيد، ويؤيد عدم الثبوت مخالفته لظواهر الآيات فقد قال سبحانه في وصف القرآن: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42] والمراد بالباطل كان باطلا في نفسه وذلك الملقى كذلك وإن سوغ نطق النبي صلّى الله عليه وسلّم به تأويله بأحد التأويلين، والمراد بلا يأتيه استمرار النفي لا نفي الاستمرار.
وقال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] فجيء بالجملة الاسمية مؤكدة بتأكيدين ونسب فيها الحفظ المحذوف متعلقة إفادة للعموم إلى ضمير العظمة وفي ذلك من الدلالة على الاعتناء بأمر القرآن ما فيه. ))
نقرا من تفسير الوسيط لطنطاوي سورة الحج :
(( قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات: قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق «1» ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة، ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا. ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح. ثم قال- رحمه الله-: قال ابن أبى حاتم: حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة سورة النجم، فلما بلغ هذا الموضع: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى.قال: فألقى الشيطان على لسانه: «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن ترتجى» .
قالوا: - أى المشركون-: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ.. «1» .
وجمع- سبحانه- بين الرسول والنبي، لأن المقصود بالرسول من بعث بكتاب، وبالنبي من بعث بغير كتاب، أو المقصود بالرسول من بعث بشرع جديد، وبالنبي من بعث لتقرير شرع من قبله.
ولفظة تَمَنَّى هنا: فسره العلماء بتفسيرين:
أولهما: أنه من التّمنّى، بمعنى محبة الشيء، وشدة الرغبة في الحصول عليه، ومفعول «ألقى» محذوف والمراد بإلقاء الشيطان في أمنيته: محاولته صرف الناس عن دعوة الحق، عن طريق إلقاء الأباطيل في نفوسهم، وتثبيتهم على ما هم فيه من ضلال.
والمعنى: وما أرسلنا من قبلك- يا محمد- من رسول ولا نبي، إلا إذا تمنى هداية قومه إلى الدين الحق الذي جاءهم به من عند ربه، ألقى الشيطان الوساوس والشبهات في طريق أمنيته لكي لا تتحقق هذه الأمنية، بأن يوهم الشيطان الناس بأن هذا الرسول أو النبي ساحر أو مجنون، أو غير ذلك من الصفات القبيحة التي برأ الله- تعالى- منها رسله وأنبياءه.
قال- تعالى-: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ «2» .
والآية الكريمة على هذا التفسير واضحة المعنى، ويؤيدها الواقع، إذ أن كل رسول أو نبي بعثه الله- تعالى- كان حريصا على هداية قومه، وكان يتمنى أن يؤمنوا جميعا، بل إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كاد يهلك نفسه هما وغما بسبب إصرار قومه على الكفر.))
و نقرا من تفسير الشيخ الشعراوي رحمه الله لسورة الحج :
(( أثارت هذه الآية جَدلاً طويلاً بين العلماء، ودخل فيه كثير من الحشْو والإسرائيليات، خاصة حول معنى {تَمَنَّى} [الحج: 52] وهي تَرد في اللغة بمعنيين، وما دام اللفظ يحتمل معنيين فليس أحدهما أَوَْلَى من الآخر إلا بمدى استعماله وشيوعه بين جمهور العربية، ويأتي التمني في اللغة بمعنى القراءة، كما ورد في قول حسان بن ثابت في رثاء عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما:
تمنَّى كِتابَ الله أوَّلَ لَيْلةٍ ... وآخِرَهَا وَافَاهُ حَتْم المقَادِرِ
يعني: قُتِل عثمان وهو يقرأ القرآن، وهذا المعنى غريب في حمَلْ القرآن عليه لعدم شيوعه.
وتأتي تمنى بمعنى: أحب أن يكون الشيء، وهذا هو القول المشهور في لغة العرب. أما بمعنى قرأ فهو غير شائع، ويُردّ هذا القول، وينقضه نَقْضاً أولياً مبدئياً قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ. .} [الحج: 52] .
ومعلوم أن الرسول ينزل عليه كتاب يمكن أن يقرأه، أمّا النبي فلا ينزل عليه كتاب، بل يعمل بشرع مَنْ سبقه من الرسل. إذن: فما دام الرسول والنبي مشتركْين في إلقاء الشيطان، فلا بُدَّ أن تكون الأمنية هنا بمعنى: أحب أن يكون الشيء، لا بمعنى قرأ، فأيُّ شيء سيقرأ النبي وَليس معه كتاب؟
والذين فهموا التمني في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان في أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] أنه بمعنى: قرأ، سواء أكانوا من العلماء المتعمِّقين أو السطحيين، قالوا: المعنى إذا قرأ رسولُ الله القرآنَ تدخّل الشيطان في القراءة، حتى يُدخِل فيها ما ليس منها.
وذكروا دليلاً على ذلك في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} [النجم: 19 - 20] ثم أضافوا: والغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى. وكأن الشيطان أدخل في القرآن هذا الكلام، ثم نسخه الله بعد ذلك، وأحكم الله آياته.
لكن هذا القول يُشكِّك في قضية القرآن، وكيف نقول به بعد أن قال تعالى في القرآن: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين} [الشعراء: 193 - 194] .
وقال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44 - 47] .
إذن: الحق سبحانه وتعالى حفظ قرآنه وكلامه من أمثال هذا العبث، وكيف نُدخِل في القرآن هذه الكفريات؟ وكيف تستقيم عبارتهم: والغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى مع قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} [النجم: 19 - 22] كيف ينسجم هذا وذاك؟ فهذا الفهم في تفسير الآية لا يستقيم، ولا يمكن للشيطان أنْ يُدخِل في القرآن ما ليس منه، لكن يحتمل تدخُّل الشيطان على وجه آخر: فحين يقرأ رسول الله القرآن، وفيه هداية للناس، وفيه مواعظ وأحكام ومعجزات، أتنتظر من عدو الله أنْ يُخلِي الجو للناس حتى يسمعوا هذا الكلام دون أنْ يُشوِّش عليهم، ويُبلبل أفكارهم، ويَحُول بينهم وبين سماعه؟
فإذا تمنّى الرسول يعني: قرأ ألقى الشيطان في أُمنيته، وسلَّط أتباعه من البشر يقولون في القرآن: سِحْر وشِعْر وإفْك وأساطير الأولين: فدَوْر الشيطان - إذن - لا أنْ يُدخِلَ في كلام الله ما ليس منه، فهذا أمر لا يقدر عليه ولا يُمكِّنه الله من كتابه أبداً، إنما يمكن أنْ يُلقِي في طريق القرآن وفَهْمه والتأثر به العقبات والعراقيل التي تصدُّ الناس عن فَهْمه والتأثر به، وتُفسِد القرآن في نظر مَنْ يريد أن يؤمن به.
لكن، هل محاولة تشويه القرآن هذه وصَدّ الناس عنه جاءت بنتيجة، وصرفتْ الناس فعلاَ عن كتاب الله؟
لقد خيَّبَ الله سَعيْه، ولم تقف محاولاته عقبة في سبيل الإيمان بالقرآن والتأثر به؛ لأن القرآن وجد قلوباً وآذاناً استمعتْ وتأملتْ فآمنت وانهارتْ لجلاله وعظمته وخضعتْ لأسلوبه وبلاغته، فآمنوا به واحداً بعد الآخر.
ثم يقول تعالى: {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52] يعني: ألغى وأبطل ما ألقاه الشيطان من الأباطيل والعقبات التي أراد بها أنْ يصدَّ الناس عن القرآن، وأحكمَ الله آياته، وأوضح أنها منه سبحانه، وأنه كلام الله المعْجز ))
يتبع
-
قال الشنقيطي رحمه الله في تفسيره اضواء البيان لسورة الحج :
(( قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، مَعْنَى قَوْلِهِ تَمَنَّى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ تَمَنَّى بِمَعْنَى: قَرَأَ وَتَلَا وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرَهَا لَاقَى حِمَامَ الْمَقَادِرِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ آخِرَ لَيْلِهِ ... تَمَنِّيَ دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رُسُلِ
فَمَعْنَى تَمَنَّى فِي الْبَيْتَيْنِ قَرَأَ وَتَلَا.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ: إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، وَكَوْنُ تَمَنَّى بِمَعْنَى: قَرَأَ وَتَلَا، هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ تَمَنَّى فِي الْآيَةِ مِنَ التَّمَنِّي الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ تَمَنِّيهِ إِسْلَامَ أُمَّتِهِ وَطَاعَتَهُمْ لِلَّهِ وَلِرُسُلِهِ، وَمَفْعُولُ أَلْقَى مَحْذُوفٌ فَعَلَى أَنْ تَمَنَّى بِمَعْنَى: أَحَبَّ إِيمَانَ امته وَعَلَّقَ أَمَلَهُ بِذَلِكَ، فَمَفْعُولُ أَلْقَى يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْوَسَاوِسِ، وَالصَّدِّ عَنْ دِينِ اللَّهِ حَتَّى لَا يَتِمَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ الرَّسُولِ مَا تَمَنَّى.
وَمَعْنَى كَوْنِ الْإِلْقَاءِ فِي أُمْنِيَّتِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِي وَسَاوِسَهُ وَشُبَهَهُ لِيَصُدَّ بِهَا عَمَّا تَمَنَّاهُ الرَّسُولُ أَوِ النَّبِيُّ، فَصَارَ الْإِلْقَاءُ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ فِيهَا بِالصَّدِّ عَنْ تَمَامِهَا وَالْحَيْلُولَةِ دُونَ ذَلِكَ.
وَعَلَى أَنَّ تَمَنَّى بِمَعْنَى: قَرَأَ، فَفِي مَفْعُولِ أَلْقَى تَقْدِيرَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ أَيْ: أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قِرَاءَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ النَّبِيِّ الشُّبَهَ وَالْوَسَاوِسَ لِيَصُدَّ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ مَا يَقْرَؤُهُ، وَيَتْلُوهُ الرَّسُولُ أَوِ النَّبِيُّ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا إِشْكَالَ.
وَأَمَّا التَّقْدِيرُ الثَّانِي: فَهُوَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أَيْ قِرَاءَتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا لِيَظُنَّ الْكُفَّارُ أَنَّهُ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِهَذَا التَّقْدِيرِ.
وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قِصَّةَ الْغَرَانِيقِ قَالُوا: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [53 \ 19 - 20] أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى، فَلَمَّا بَلَغَ آخِرَ السُّورَةِ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ. وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَشَاعَ فِي النَّاسِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَسْلَمُوا بِسَبَبِ سُجُودِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَتَّى رَجَعَ الْمُهَاجِرُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ قَوْمَهُمْ أَسْلَمُوا، فَوَجَدُوهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ قَوْلًا، وَيَكُونُ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَمَثَّلْنَا لِذَلِكَ: بِأَمْثِلَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي زَعَمَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: وَهُوَ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَلْقَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَذَا الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ وَالْكُفْرَ الْبَوَاحَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُمْ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى، يَعْنُونَ: اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، الَّذِي لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ فِي نَفْسِ سِيَاقِ آيَاتِ «النَّجْمِ» الَّتِي تَخَلَّلَهَا إِلْقَاءُ الشَّيْطَانِ الْمَزْعُومِ قَرِينَةً قُرْآنِيَّةً وَاضِحَةً عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْقَوْلِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بَعْدَ مَوْضِعِ الْإِلْقَاءِ الْمَزْعُومِ بِقَلِيلٍ قَوْلَهُ تَعَالَى، فِي اللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [53 \ 23] وَلَيْسَ مِنَ الْمَعْقُولِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسُبُّ آلِهَتَهُمْ هَذَا السَّبَّ الْعَظِيمَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذِكْرِهِ لَهَا بِخَيْرٍ الْمَزْعُومِ، إِلَّا وَغَضِبُوا، وَلَمْ يَسْجُدُوا ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْكَلَامِ الْأَخِيرِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْقَوْلِ، وَهِيَ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلشَّيْطَانِ سُلْطَانًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِخْوَانِهِ مِنَ الرُّسُلِ، وَأَتْبَاعِهِمُ الْمُخْلِصِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [16 \ 99 - 100] وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [15 \ 42] وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ الْآيَةَ [34 \ 21] وَقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ الْآيَةَ [14 \ 22] ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْمَزْعُومِ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الْكُفْرَ الْبَوَاحَ، فَأَيُّ سُلْطَانٍ لَهُ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْمَزْعُومِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [53 \ 3 - 4] وَقَوْلُهُ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [26 \ 221 - 222] ، وَقَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [15 \ 9] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [41 \ 41 - 42] فَهَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْقَوْلِ الْمَزْعُومِ.
مَسْأَلَةٌ.
اعْلَمْ: أَنَّ مَسْأَلَةَ الْغَرَانِيقِ مَعَ اسْتِحَالَتِهَا شَرْعًا، وَدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى بُطْلَانِهَا لَمْ تَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ، وَصَرَّحَ بِعَدَمِ ثُبُوتِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ الصَّوَابُ، وَالْمُفَسِّرُونَ يَرْوُونَ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلْبِيَّ مَتْرُوكٌ، وَقَدْ بَيَّنَ الْبَزَّارُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا لَا تُعْرَفُ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ ذِكْرُهُ إِلَّا طَرِيقَ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَعَ الشَّكِّ الَّذِي وَقَعَ فِي وَصْلِهِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ مَعَ انْتِصَارِهِ، لِثُبُوتِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَنَّ طُرُقَهَا كُلَّهَا إِمَّا مُنْقَطِعَةٌ أَوْ ضَعِيفَةٌ إِلَّا طَرِيقَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ طَرِيقَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، لَمْ يَرْوِهَا بِهَا أَحَدٌ مُتَّصِلَةً إِلَّا أُمَيَّةَ بْنَ خَالِدٍ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَقَدْ شَكَّ فِي وَصْلِهَا.
فَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا أَحْسَبُ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرَى مُتَّصِلًا إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: وَإِنَّمَا يُرْوَى مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّ قِصَّةَ الْغَرَانِيقِ، لَمْ تَرِدْ مُتَّصِلَةً إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي شَكَّ رَاوِيهِ فِي الْوَصْلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِظُهُورِ ضَعْفِهِ، وَلِذَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّهُ لَمْ يَرَهَا مُسْنَدَةً مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: وَلَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَلَا يَثْبُتُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَمَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ، بَلْ بُطْلَانِهِ فَقَدْ دَفَعَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ الْآيَةَ [69 \ 44] وَقَوْلِهِ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى الْآيَةَ [53 \ 3] ، وَقَوْلِهِ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [17 \ 74] فَنَفَى الْمُقَارَبَةَ لِلرُّكُونِ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الْبَزَّارِ أَنَّهَا لَا تُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ، وَعَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَذَكَرَ عَنْ إِمَامِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ وَأَبْطَلَهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ، وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَجَمَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَقِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُورَةَ النَّجْمِ وَسُجُودُ الْمُشْرِكِينَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قِصَّةِ الْغَرَانِيقِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ فَلَا إِشْكَالَ.
وَأَمَّا عَلَى ثُبُوتِ الْقِصَّةِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي:
إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ ثَابِتَةٌ بِثَلَاثَةِ أَسَانِيدَ كُلُّهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَهِيَ مَرَاسِيلُ يَحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِاعْتِضَادِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ; لِأَنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا، فَلِلْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ كَثِيرَةٌ أَحْسَنُهَا، وَأَقْرَبُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَتِّلُ السُّورَةَ تَرْتِيلًا تَتَخَلَّلُهُ سَكَتَاتٌ، فَلَمَّا قَرَأَ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [53 \ 20] قَالَ الشَّيْطَانُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - مُحَاكِيًا لِصَوْتِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى. . . الْخَ فَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الصَّوْتَ صَوْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ بَرِئٌ مِنْ ذَلِكَ بَرَاءَةَ الشَّمْسِ مِنَ اللَّمْسِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي رِحْلَتِنَا إِيضَاحًا وَافِيًا، وَاخْتَصَرْنَاهَا هُنَا، وَفِي كِتَابِنَا: «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» .وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، مَعَ اسْتِحَالَةِ الْإِلْقَاءِ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا ذُكِرَ شَرْعًا، وَمَنْ أَثْبَتَهَا نَسَبَ التَّلَفُّظَ بِذَلِكَ الْكُفْرِ لِلشَّيْطَانِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ نُطْقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ الْكُفْرِ، وَلَوْ سَهْوًا مُسْتَحِيلٌ شَرْعًا، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْغَرَانِيقُ: الطَّيْرُ الْبِيضُ الْمَعْرُوفَةُ وَاحِدُهَا: غُرْنُوقٌ كَزُنْبُورٍ وَفِرْدَوْسٍ، وَفِيهِ لُغَاتٌ غَيْرُ ذَلِكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَرْتَفِعُ إِلَى اللَّهِ كَالطَّيْرِ الْبِيضِ، فَتَشْفَعُ عِنْدَهُ لِعَابِدِيهَا قَبَّحَهُمُ اللَّهُ مَا أَكْفَرَهُمْ! وَنَحْنُ وَإِنْ ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَفْعُولَ الْإِلْقَاءِ الْمَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ:
أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قِرَاءَتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا ; لِأَنَّ النَّسْخَ هُنَا هُوَ النَّسْخُ اللُّغَوِيُّ، وَمَعْنَاهُ الْإِبْطَالُ وَالْإِزَالَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَنَسَخَتِ الرِّيحُ الْأَثَرَ، وَهَذَا كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَنْسَخُ شَيْئًا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ، لَيْسَ مِمَّا يَقْرَؤُهُ الرَّسُولُ أَوِ النَّبِيُّ، فَالَّذِي يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ لَهُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْآيَةِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ أَنَّ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي قِرَاءَةِ النَّبِيِّ: الشُّكُوكُ وَالْوَسَاوِسُ الْمَانِعَةُ مِنْ تَصْدِيقِهَا وَقَبُولِهَا، كَإِلْقَائِهِ عَلَيْهِمْ أَنَّهَا سِحْرٌ أَوْ شِعْرٌ، أَوْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَأَنَّهَا مُفْتَرَاةٌ عَلَى اللَّهِ لَيْسَتْ مُنَزَّلَةً مِنْ عِنْدِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْإِلْقَاءِ الْمَذْكُورِ امْتِحَانُ الْخَلْقِ، لِأَنَّهُ قَالَ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ 2 \ 53] ثُمَّ قَالَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ [22 \ 54] فَقَوْلُهُ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِي عَلَيْهِمْ، أَنَّ الَّذِي يَقْرَؤُهُ النَّبِيُّ لَيْسَ بِحَقٍّ فَيُصَدِّقُهُ الْأَشْقِيَاءُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِتْنَةً لَهُمْ، وَيُكَذِّبُهُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ لَا الْكَذِبُ ; كَمَا يَزْعُمُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي إِلْقَائِهِ: فَهَذَا الِامْتِحَانُ لَا يُنَاسِبُ شَيْئًا زَادَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَمَعْنَى نَسْخِ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ: إِزَالَتُهُ وَإِبْطَالُهُ، وَعَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.
وَمَعْنَى يُحْكِمُ آيَاتِهِ: يُتْقِنُهَا بِالْإِحْكَامِ، فَيُظْهِرُ أَنَّهَا وَحْيٌ مُنَزَّلٌ مِنْهُ بِحَقٍّ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ مُحَاوَلَةُ الشَّيْطَانِ صَدَّ النَّاسِ عَنْهَا بِإِلْقَائِهِ الْمَذْكُورِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يُسَلِّطُ الشَّيْطَانَ فَيَلْقَى فِي قِرَاءَةِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ، فِتْنَةً لِلنَّاسِ لِيَظْهَرَ مُؤْمِنُهُمْ مِنْ كَافِرِهِمْبِذَلِكَ الِامْتِحَانِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ قَدَّمْنَاهَا مِرَارًا كَقَوْلِهِ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ الْآيَةَ [74 \ 31] وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ الْآيَةَ [2 \ 143] وَقَوْلِهِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ أَيْ: لِأَنَّهَا فِتْنَةٌ، كَمَا قَالَ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ الْآيَةَ [37 \ 62 - 64] ; لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: ظَهَرَ كَذِبُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَنْبُتُ فِي الْمَوْضِعِ الْيَابِسِ، فَكَيْفَ تَنْبُتُ شَجَرَةٌ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ مِرَارًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.))
و نقرا من فتح البيان في مقاصد القران لصديق حسن خان سورة الحج :
(( (والنجم إذا هوى) فأخذها يقرأها عليهم حتى بلغ قوله: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. وكان ذلك التمني في نفسه، فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه: تلك الغرانيق (1) العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد معه جميع من في النادي من المسلمين والمشركين فتفرقت قريش مسرورين بذلك وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل فقال ما صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف خوفاً شديداً فأنزل الله هذه الآية، هكذا قالوا.ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه؛ ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، حيث قال الله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين)، وقوله: (وما ينطق عن الهوى).وقوله: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم) فنفى المقاربة للركون فضلاً عن الركون.
قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي (- صلى الله عليه وسلم -) بإسناد متصل وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة، قال القاضي عياض في الشفاء: إن الأمة أجمعت -فيما طريقه البلاغ- أنه معصوم فيه من الأخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه قصداً ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً.
قال الرازي: هذه القصة باطلة موضوعة، لا يجوز القول بها، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وقال تعالى: (سنقرئك فلا تنسى) ولا شك أن من جوز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان، ولو جوزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك أي مما ألقاه الشيطان على لسانه، ويبطل قوله تعالى: (بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) فإنه لا فرق عند العقل بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه.
فبهذه الوجوه النقلية والعقلية عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة انتهى ملخصاً، قال ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والحاصل أن جميع الروايات في هذا الباب إما مرسلة أو منقطعة لا تقوم الحجة بشيء منها، وقد أسلفنا عن الحفاظ في هذا البحث ما فيه كفاية.
وفي الباب روايات من أحب الوقوف على جميعها فلينظرها في الدر المنثور للسيوطي، ولا يأتي التطويل بذكرها هنا بفائدة فقد عرّفناك أنها جميعها لا تقوم بها الحجة، لأنه لم يروها أحد من أهل الصحة، ولا أسندها ثقة بسند صحيح، أو سليم متصل، وإنما رواها المفسرون، والمؤرخون المولعون بكل غريب؛ الملفقون من الصحف كل صحيح وسقيم، وقد دل على ضعف هذه القصة اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها.والذي جاء في الصحيح من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخاً من قريش أخذ كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته، قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافراً، أخرجه البخاري ومسلم (1).
وصح من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس رواه البخاري، فهذا الذي جاء في الصحيح لم يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تلك الألفاظ ولا قرأها والذي ذكره الفسرون عن ابن عباس في هذه القصة فقد رواه عنه الكلبي وهو ضعيف جداً، بل متروك لا يعتمد عليه، وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي فهذا توهين هذه القصة.))
و قال الشيخ احمد شاكر رحمه الله في تعليقه على الجزء الثاني من جامع الترمذي :
(( وهي قصة باطلة مردودة كما قال القاضي عياض والنووي رحمه الله وقد جاءت باسانيد باطلة ضعيفة أو مرسلة ليس لها اسناد متصل صحيح وقد أشار الحافظ في الفتح الى أسانيدها ولكنه حاول أن يدعي ان للقصة أصلا لتعدد طرقها وان كانت مرسلة أو واهية وقد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له ولكل عالم زلة وعفا الله عنه ))
وقال الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين لسورة الحج :
(( وله: (وقد قرأ النبي) أشار بذلك إلى أن سبب نزول هذه الآية، قراءة النبي سورة النجم، وذلك كان في رمضان سنة خمس من البعثة، وكانت الهجرة إلى الحبشة في رجب من تلك السنة، وقدوم المهاجرين إلى مكة كان في شوال من تلك السنة. قوله: (بإلقاء الشيطان) متعلق يقرأ. قوله: (تلك الغرانيق) معمول (قرأ) والغرانيق في الأصل الذكور من طير الماء واحدها غرنوق كفردوس، أو غرنوق كعصفور، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله وتشفع لهم، فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع. قوله: (ففرحوا بذلك) أي بما سمعوه وقالوا: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم. قوله: (يبطل) أي يزيل، فالنسخ في اللغة معناه الإزالة، وما ذكره المفسر من قصة الغرانيق، رواية عامة للمفسرين الظاهريين. قال الرازي: أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجوا على البطلان بالقرآن والسنة والمعقول، أما القرآن فبوجوه: أحدها قوله تعالى:{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } [الحاقة: 44] الآية. ثانيها{ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } [يونس: 15] الآية: ثالثها قوله تعالى:{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [النجم: 3]. وأما السنة فمنها ما روي عن محمد بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هي من وضع الزنادقة، وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، فقد روى البخاري في صحيحه، أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم، وسجد فيها المسلمون والكفار والإنس والجن، وليس في حديث الغرانيق. وأما المعقول فمن أوجه: أحدها: أن من جوز على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً للأوثان فقد كفر ثانيها: لو كان الإلقاء على الرسول ثم الإزالة عنه، لكانت عصمته من أول الأمر أولى، وهو الذي يجب علينا اعتقاده في كل نبي. ثالثها، وهو أقوى الأوجه: أنا لو جوزنا ذلك، لارتفع الأمان عن شرعه. ثم قال الرازي: وقد عرفنا أن هذه القصة موضوعة، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة، قاله الخطيب، ثم قال: وهذا هو الذي يطمئن إليه القلب، وإن أطنب ابن حجر العسقلاني في صحتها، انتهى. ويكون معنى الآية على هذا التحقيق، ألقى الشيطان في أمنيته أي تلاوته شبهاً وتخيلات في قلوب الأمم، بأن يقول لهم الشيطان: هذا سحر وكهانة، فينسخ الله تلك الشبه من قلوب من أراد لهم الهدى، ويحكم الله آياته في قلوبهم، والله عليم بما ألقاه الشيطان في قلوبهم، وحكيم في تسليطه عليهم، ليميز المفسد من المصلح. قوله: وَ { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } متعلق بيحكم أي ثم يحكم الله آياته ليجعل، الخ. قوله: { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } عطف على الذين، أي فتنة للقاسية قلوبهم. قوله: (حيث جرى على لسانه) الخ، قد علمت أن هذا خلاف الصواب، والصواب أن يقول حيث سلط الشيطان عليهم بالوسوسة والطعن في القرآن. قوله: { وَلِيَعْلَمَ } عطف على ليجعل. قوله: { فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي بالقرآن. قوله: (أي دين الإسلام) أي وسمي صراطاً لأنه يوصل لمرضاة الله، كما أن الصراط يوصل لدار النعيم))
يتبع
التعديل الأخير تم بواسطة الشهاب الثاقب. ; 27-11-2020 الساعة 02:02 PM
-
و اضع لكم ما ذكره الامام الالباني رحمه الله في مقدمة كتابه نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق مبينا ضعف القصة بجميع طرقها :
(( بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اصطفى نبينا على سائر البشر وعصمه من الشيطان أن يوحي إليه بشر فقال تعالى مخاطبا إبليس اللعين : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) [ الحجر : 42 ] بل جعل تعالى له السلطة على شيطانه القرين فكيف من كان عنه من المبعدين ؟ . كما أشار إلى ذلك قول رسوله الكريم : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن " قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : " وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " ( 1 ) وصلى الله على محمد الذي مكنه الله تعالى من إبليس حتى كاد أن يخنقه وهم أن يربطه بسارية من سواري مسجد المدينة ( 2 ) وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين
وبعد فقد كتب إلى بتاريخ 14 / 7 / 1952 م بعض الأستاذة من الإخوان الأعزة من الباكستان حيث أوفد إليها لغاية علمية يسألني عن رأيي في حديث الغرانيق الذي اختلف فيه قول حافظين كبيرين هما : ابن كثير الدمشقي وابن حجر المصري فقد أنكره الأول وقواه الآخر . وطلب مني أن لا أضن بالجواب عليه فلبثت بعض الأشهر أترقب فرصة أستطيع فيها إجابة طلبه . ثم لقيني أحد الأحبة عقب صلاة عيد الأضحى لهذه السنة 1371 ه فسألني أيضا عن حديث الغرانيق فأجبته بأنه لا يصح بل هوباطل موضوع فذكر لي أن أحد الشباب ممن في قلوبهم مرض احتج به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وحاشاه يتكلم بما يرضي المشركين جذبا لهم إليه لأنه بزعمه الباطل لم يكن نبيا صادقا وإنما كان يتظاهر بذلك ترؤسا عليهم كما يهرف بذلك بعض الملاحدة قديما وحديثا فحملني ذلك على أن اغتنم فرصة العيد المذكور فشرعت متوكلا على الله الغفور في جمع طرق تلك القصة من كتب التفسير والحديث وبينت عللها متنا وسندا ثم ذكرت قول الحافظ ابن حجر في تقويتها وتعقبته بما يبين وهي ما ذهب إليه ثم عقبت على ذلك بذكر بعض البحوث والنقول عن بعض الأئمة الفحول ذوي التحقيق في الفروع والأصول تؤيد ما ذهبنا إليه من نكارة القصة وبطلانها ووجوب رفضها وعدم قبولها تصديقا لقوله تعالى : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ) [ الفتح : 9 ] ))
و رسالة الامام الالباني هذه قيمة جدا فقد اورد جميع الروايات الذاكرة لقصة الغرانيق و اظهر علل ضعفها سندا و متنا في كل رواية على حدة و فيها ما يمكن للطالب في علم الحديث و التفسير ان يستفيد منه
و الاروع منه ما خصصه في رسالته هذه في الرد على مسالة تصحيح ابن حجر رحمه الله لاصل القصة
واستنادا على هذا اضربت عن ذكر اسباب تضعيف روايات الغرانيق واكتفيت بتضعيف اهل العلم لها و من اراد ان يعرف سبب ضعف كل رواية على حدة فليراجع رسالة الامام الالباني رحمه الله و ليقراها
رابط كتاب الامام الالباني رحمه الله: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق
http://islamport.com/d/1/alb/1/84/681.html#
و كما قال الامام الالباني رحمه الله في نصب المجانيق ان الرواية لا يصح منها طريقا واحدا و ان مراسيلها كلها لا تصح الى الراوي الا مرسل ابي العالية و مرسل ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و مرسل سعيد بن جبير و قتادة و كلهم من طبقة واحد توفو في نفس الفترة تقريبا فلا يبعد ان يكونوا كلهم اخذوا الرواية من مصدر واحد مجهول او عن جمع مجهول فلا يمكن اذا الجزم بصحة الرواية
قال الامام الالباني رحمه الله في نصب المجانيق :
((إننا لو ألقينا النظر على روايات هذه القصة لألفيناها كلها مرسلة حاشا حديث ابن عباس ولكن طرقه كلها واهية شديدة الضعف لا تنجبر بها تلك المراسيل فيبقى النظر في هذه المراسيل وهي كما علمت سبعة صح إسناد أربعة منها وهي مرسل سعيد بن جبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبي العالية ( رقم 1 - 3 ) ومرسل قتادة رقم ( 5 ) وهي مراسيل يرد عليها أحد الاحتمالين السابقين لأنهم من طبقة واحدة : فوفاة سعيد بن جبير سنة ( 95 ) وأبي بكر بن عبد الرحمن سنة ( 94 ) وأبي العالية - واسمه رفيع مصغرا - سنة ( 90 ) وقتادة سنة بضع عشرة ومائة والأول كوفي والثاني مدني والأخيران بصريان فجائز أن يكون مصدرهم الذي أخذوا منه هذه القصة ورووها عنه واحدا لا غير وهومجهول وجائز أن يكون جمعا ولكنهم ضعفاء جميعا فمع هذه الاحتمالات لا يمكن أن تطمئن النفس لقبول حديثهم هذا لا سيما في مثل هذا الحدث العظيم الذي يمس المقام الكريم فلا جرم تتابع العلماء على إنكارها بل التنديد ببطلانها ولا وجه لذلك من جهة الرواية إلا ما ذكرنا وإن كنت لم أقف على من صرح بذلك كما ذكرت آنفا .))
و اما من تشبث بهذه المراسيل من الطاعنين فهو ملزم باخذ مرسل عروة بن الزبير رحمه الله اذ و ان كان مرسلا ضعيفا الا ان مرسله اقل ضعفا اذ ان عروة و ان كان في نفس طبقة الاربعة السابقين الا انه امام في المغازي و السير و قد تكلم رحمه الله في رسالته الى عبد الملك بن مروان عن بدء دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة و الهجرة الى الحبشة ورجوع بعض المهاجرين الى الحبشة و لم يذكر قصة الغرانيق ابدا مما يوهن القصة و يزيد في ضعفها اذ ان عدم ذكره للقصة مع امامته في المغازي و احتجاجهم علينا بالمرسل كفيل برد القصة واثبات وهن من يحتج بمثلها .
نقرا من تفسير الطبري رحمه الله لسورة الانفال :
((16083 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبان العطار قال: حدثنا هشام بن عروة, عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان كتبَ إليه يسأله عن أشياء, فكتب إليه عروة: " سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنك كتبت إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة, وسأخبرك به, ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة, أن الله أعطاه النبوة, فنعم النبيُّ ! ونعم السيد! ونعم العشيرة! فجزاه الله خيرًا، وعرّفنا وجهه في الجنة, وأحيانَا على ملته, وأماتنا عليها, وبعثنا عليها. وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنـزل عليه, لم يَبْعُدوا منه أوّلَ ما دعاهم إليه, (57) وكادوا يسمعون له، (58) حتى ذكر طواغيتهم. وقدم ناس من الطائف من قريش، لهم أموال, أنكر ذلك ناسٌ, واشتدّوا عليه, (59) وكرهوا ما قال, وأغروا به من أطاعهم, فانصفق عنه عامة الناس فتركوه, (60) إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل. فمكث بذلك ما قدّر الله أن يمكث, ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم, فكانت فتنةً شديدة الزلزال (61) , فافتتن من افتتن, وعصم الله من شاء منهم. فلما فُعِل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة. وكان بالحبشة ملك صالح يقال له " النجاشي"، لا يُظلم أحد بأرضه, (62) وكان يُثْنَى عليه مع ذلك [صلاح] ، (63) وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش، يَتْجَرون فيها, ومساكن لتِجَارهم (64) يجدون فيها رَفاغًا من الرزق وأمنًا ومَتْجَرًا حسنًا، (65) فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قُهِروا بمكة, وخاف عليهم الفتن. (66) ومكث هو فلم يبرح. فمكث ذلك سنوات يشتدُّون على من أسلم منهم. (67) ثم إنه فشا الإسلام فيها, ودخل فيه رجال من أشرافهم ومَنَعتهم. (68) فلما رأوا ذلك، استرخوْا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. (69) وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل أرض الحبشة، مخافتَها، وفرارًا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال. فلما استُرْخي عنهم، ودخل في الإسلام من دخل منهم, تُحُدِّث باسترخائهم عنهم. (70) فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قد استُرْخِيَ عمن كان منهم بمكة، وأنهم لا يفتنون. فرجعوا إلى مكة، وكادوا يأمنون بها, (71) وجعلوا يزدادون، ويكثرون. وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير, وفشا بالمدينة الإسلام, وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. فلما رأت ذلك قريش , تذامرَتْ على أن يفتنوهم ويشتدّوا عليهم, (72) فأخذوهم، وحرصوا على أن يفتنوهم, فأصابهم جَهْدٌ شديد. وكانت الفتنة الآخرة. فكانت ثنتين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وأذن لهم في الخروج إليها= وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثم إنه جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيبًا، (73) رؤوس الذين أسلموا, فوافوه بالحج, فبايعوه بالعقبة, وأعطوه عهودهم على أنّا منك وأنت منا, (74) وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا، فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فاشتدت عليهم قريش عند ذلك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة, وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وخرج هو, وهي التي أنـزل الله فيها: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ))
صححها الشيخ احمد شاكر رحمه الله في تحقيقه لتفسير الطبري رحمه الله وقال :
(((75) الأثر : 16083 - " أبان العطار " ، هو " أبان بن يزيد العطار " ، وقد سلف شرح هذا الإسناد : 15719 ، 15821 ، وغيرهماإسناد صحيح .
وكتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان قد رواه أبو جعفر مفرقًا في تفسيره ، وفي تاريخه ، فما رواه في تفسيره آنفًا رقم : 15719 ، 15821 أما في تاريخه ، فقد رواه مفرقًا في مواضع ، هذه هي 2 : 220 ، 221 ، 240 ، 241 ، 245 ، 267 - 269 ثم 3 : 117 ، 125 ، 132 ، وعسى أن أستطيع أن ألم شتات هذا الكتاب من التفسير والتاريخ ، حتى أخرج منه كتاب عروة إلى عبد الملك كاملا ، فهو من أوائل الكتب التي كتبت عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا الخبر نفسه ، مفرق في موضعين من التاريخ 2 : 220 ، 221 كما أشرت إليه في ص : 443 تعليق : 1 ثم 2 : 240 ، 241.
ونقله ابن كثير عن هذا الموضع من التفسير في تفسيره 4 : 61 ، 62 . ))
و كما قلت سابقا فاننا لا نستشهد بالمراسيل و لكننا نلزم من اراد ان يحتج بها علينا بمرسل عروة رحمه الله . و اما سبب عدم احتجاجنا بمرسل عروة رحمه الله( كغيرها من المراسيل) رغم ان بعض اهل العلم قواه فهو ما ذكره الشيخ عبد الله الجديع
في كتابه تحرير علوم الحديث الجزء الثاني الباب الثاني الحديث المردود الفصل الأول ألقاب الحديث الضعيف بسبب عدم الاتصال المبحث الرابع: مسائل في الانقطاع والإرسال المسألة الثانية: المفاضلة بين المراسيل :
((ومما قواه طائفة من الأئمة من المراسيل: مراسيل عروة بن الزبير، وذلك من أجل أنه قال: " إني لأسمع الحديث فأستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به، أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به حدثه عمن لا أثق به " (1).
قال ابن عبد البر: " كيف ترى في مرسل عروة بن الزبير، وقد صح عنه ما ذكرنا؟ أليس قد كفاك المؤنة؟ " (2).
قلت: لا ريب أن هذا النص عن عروة يفيد شدة تحريه واحتياطه، لكن العلم بتحري التابعي وحده لا يكفي للاحتجاج بمرسله دون عاضد؛ لجواز أن يكون حمله عن غير ثقة عند غيره، وحسن الظن بالمتروك ذكره من الإسناد لا يكفي لصحة النقل ما لم يشهد له شاهد. ))
يتبع
-
ملاحظة :
وجدت سندا للقصة يصل الى ابن عباس رضي الله عنه لم يذكره الامام الالباني رحمه الله في نصب المجانيق، و هذا السند لا يخلو من ضعف كما سنبين و لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه
نقرا من تفسير السمرقندي بحر العلوم سورة الحج :
(( قال: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدّثنا جعفر بن زيد الطيالسي قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد قال: حدّثنا أبو عاصم، عن عمار بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: «قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ثم قال: تلك الغرانيق العلى، وإن الشفاعة منها ترتجى، فقال المشركون: قد ذكر آلهتنا في أحسن الذكر فنزلت الآية))
التحقيق :
الرواية ضعيفة لعلة :
جعفر بن زيد الطيالسي مجهول و لا ترجمة له .
و الغريب ان الراوي عنه هو ابراهيم بن محمد و هو ابراهيم بن محمد بن عمارة بن حمزة .
نقرا من طبقات المحدثين باصبهان و الواردين عليها لابي الشيخ الاصبهاني الجزء الرابع الطبقة التاسعة :
((631 - إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عُمَارَةَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ وَمَنْ عُنِيَ بِالْمُسْنَدِ وَالشُّيُوخِ، لَمْ يُرَ بَعْدَ ابْنِ مُظَاهِرٍ مِثْلُهُ، وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. ))
و هو نفسه ابراهيم بن محمد الذي روى عن ابي بكر المقري محمد بن علي بن الحسن المجهول رواية الغرانيق كما اخرجها الضياء المقدسي في كتابه الاحاديث المختارة نقلا عن ابن مردويه :
((247 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْخَبَّازُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ مُحَمَّدَ بْنَ رَجَاءِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَهُمْ أبنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أبنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ المقرىء الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَشَفَاعَتهنَّ ترتجا فَفَرِحَ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ وَقَالُوا قَدْ ذَكَرَ آلِهَتَنَا فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ اقْرَأْ عَلَيَّ مَا جِئْتُكَ بِهِ قَالَ فَقَرَأَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَشَفَاعَتهنَّ ترتجا فَقَالَ مَا أَتَيْتُكَ بِهَذَا هَذَا عَنِ الشَّيْطَانِ أَوْ قَالَ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ لَمْ آتِكَ بِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} إِلَى آخِرِ الآيَةِ ))
و هذا يفتح احتمالية كون جعفر بن زيد الطيالسي هو نفسه جعفر بن محمد بن جعفر ابي عثمان الطيالسي !!!! و هذا يضعنا بين خيارين :
الاول : ان جعفر بن زيد ليس هو جعفر بن محمد بن ابي عثمان الطيالسي و هذا يعني ان السند ضعيف لجهالة جعفر بن زيد
الثاني: ان جعفر بن زيد هو نفسه جعفر بن محمد بن ابي عثمان الطيالسي و هذا يعني ان السند وقع فيه اضطارب من ناحيتين :
1. التصحيف الذي جعل جعفر بن محمد هو جعفر بن زيد !!!
2. وقوع الوهم في السند بسقوط ابو بكر المقري و هو الواسطة بين جعفر بن محمد الطيالسي و ابراهيم بن محمد!!!
فعلى الاحتمال الاول السند ضعيف بجهالة جعفر بن زيد الطيالسي اذ لا ترجمة له
و على الاحتمال الثاني السند ايضا ضعيف بجهالة ابو بكر المقري اذ ليس فيه جرح و لا تعديل فقد ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد و لم يذكر له جرحا و لا تعديلا .
نقرا من تاريخ بغداد للخطيب ذكر من اسمه محمد ، حرف العين :
(([1294 - محمد بن علي بن الحسن أبو حرب المقرئ]
حدث عن محمود بن خداش، ومحمد بن عمرو بن أبي مذعور.
روى عنه أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن أحمد بن يحيى العطشي.
(875) -[4: 116] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بن أحمد بْنُ يَحْيَى الْعَطَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَرْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي مَذْعُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سمعت حُمَيْدًا ذَكَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَالَ: " سَلامٌ عَلَيْكُمْ " قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ لَنَا الْعَطَشِيُّ: تُوُفِّي أَبُو حَرْبٍ هَذَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاثِ مِائَةٍ. ))
و هذا ما قاله الامام الالباني رحمه الله في نصب المجانيق لنسف شبهة الغرانيق :
((قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات وكلهم من رجال "التهذيب" إلا من دون ابن عرعرة، ليس فيهم من ينبغي النظر فيه غير أبي بكر محمد بن علي المقري البغدادي، وقد أورده الخطيب في "تاريخ بغداد" فقال "3/ 68–69": "محمد بن علي بن الحسن أبو بكر المقرىء، حدث عن محمود بن خداش، ومحمد بن عمرو، وابن أبي مذعور. روى عنه أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن أحمد بن يحي العطشي" ثم ساق له حديثًا واحدًا وقع فيه مكنًا بـ "أبي حرب"، فلا أدري أهي كنية أخرى له، أم تحرفت على الناسخ أو الطابع، ثم حكى الخطيب عن العطشي أنه قال: "توفي سنة ثلاثمائة"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مجهول الحال، وهو علة هذا الإسناد الموصول، وهو غير أبي بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم الأصبهاني المشهور بابن المقرىء، الحافظ الثقة، فإنه متأخر عن هذا نحو قرن من الزمان، وهو من شيوخ ابن مردويه مات سنة "381" إحدى وثمانين وثلاثمائة، ووقع في "التذكرة: 3/ 172" "ومائتين" وهو خطأ.
فثبت مما تقدم صواب ما كنا جزمنا به قبل الاطلاع على إسناد ابن مردويه "أن العلة فيه فيمن دون أبي عاصم النبيل" ))
اضف الى هذا ان الرواية رويت مرسلة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في مصادر اخرى و من نفس طريق عثمان بن الاسود :
1. نقرا من تفسير الطبري رحمه الله سورة الحج :
(( حدثنا ابن بشار, قال: ثنا محمد بن جعفر, قال: ثنا شعبة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جُبير, قال: لما نـزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتهن لترتجى. فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال المشركون: أنه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه, فأنـزل الله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )... إلى قوله: عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ . حدثنا ابن المثنى, قال: ثنى عبد الصمد, قال: ثنا شعبة, قال: ثنا أبو بشر, عن سعيد بن جُبير قال: لما نـزلت: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى ثم ذكر نحوه.))
2. نقرا من اسباب النزول للواحدي سورة الحج :
(((1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَهْلٌ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... ))
قال الامام الالباني رحمه الله في نصب المجانيق :
((قلت: هذا مع العلم أن القدر المذكور من إسناد ابن مردويه الموصول رجاله ثقات رجال الشيخين، لكن لا بد أن تكون العلة فيمن دون أبي عاصم النبيل، ويقوي ذلك، أعني كون إسناده مُعَلًا أنني رأيت هذه الرواية أخرجها الواحدي في "أسباب النزول": ص 233" من طريق سهل العسكري قال: أخبرني يحيى "قلت: هو القطان" عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19-20] ، فألقى الشيطان على لسانه: "تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى" ففرح بذلك المشركون، وقالوا: قد ذكر آلهتنا، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إعرض علّي كلام الله، فلما عرض عليه، قال: أما هذا فلم آتك به، هذا من الشيطان، فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} الآية [الحج: 52] .فرجع الحديث إلى أنه -عن عثمان بن الأسود عن سعيد- مرسل، وهو الصحيح، لموافقته رواية عثمان هذه، رواية أبي بشر عن سعيد. ))
و الثابت عن ابن عباس رضي الله عنه هو سجود المسلمين و المشركين في اخر النجم و لم يذكر شيئا عن قصة الغرانيق
نقرا من صحيح البخاري كتاب تفسير القران 4581 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنستابعه إبراهيم بن طهمان عن أيوب ولم يذكر ابن علية ابن عباس
وقد وافق الطبراني رحمه الله البخاري في اخراجه للرواية مختصرة في معجمه الكبير باب العين
11866 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْجُدِّيُّ، ح، وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ السَّمَّاكُ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَجَدَ وَهُوَ بِمَكَّةَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ» ، وَقَالَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَجَدَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ مَعَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ»
وقد وافق ما قاله ابن عباس رضي الله عنه هنا ايضا ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه و هو شاهد عيان
نقرا من صحيح البخاري ابواب سجود القران باب سجدة النجم :
1070 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ، فَسَجَدَ بِهَا فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ إِلَّا سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى - أَوْ تُرَابٍ - فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ، وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا "، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا
وقد ضعف الرواية محقق كتاب تفسير السمرقندي
يتبع
-
ملاحظة 2 :
ذكر البعض ان شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله اثبت رواية الغرانيق و هذا غير صحيح فشيخ الاسلام رحمه الله لم يثبت و لم ينفي الواقعة و انما نقل اراء من اثبت و من نفى و حجة كل منهما .
و لتوضيح هذه النقطة ساقوم بنقل ما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه الحادثة و نقله لاراء الفريقين في كتابه منهاج السنة و في مجموع الفتاوى ثم اشير الى الجزئية التي تثبت انه -رحمه الله - مجرد ناقل .
نقرا من منهاج السنة النبوية الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع فصل كلام ابن المطهر بعد المقدمة وجوب اتباع مذهب الإمامية لوجوه الرد على قوله عن الإمامية إنهم يقولون إن الله قادر على جميع المقدورات التعليق على قوله وأن الأنبياء معصومون من الخطأ والسهو التعليق على قوله إن هذا ينفي الوثوق ويوجب التنفير
(( [وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَحَدٌ طَعَنَ فِي نُبُوَّةِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا قَدَحَ فِي الثِّقَةِ بِهِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الَّتِي تِيبَ مِنْهَا، وَلَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى تَأْوِيلِ النُّصُوصِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ التَّحْرِيفِ لَهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَالتَّوْرَاةُ فِيهَا قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا، وَمَا أَعْلَمُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدَحُوا فِي نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِتَوْبَتِهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقْدَحُونَ فِيهِمْ بِالِافْتِرَاءِ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانُوا يُؤْذُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَّا فَمُوسَى قَدْ قَتَلَ الْقِبْطِيَّ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَتَابَ مِنْ سُؤَالِ الرُّؤْيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُدِحَ فِيهِ بِمِثْلِ هَذَا.
وَمَا جَرَى فِي سُورَةِ " النَّجْمِ " مِنْ قَوْلِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَى، عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ وَأَبْطَلَهُ ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُفْتَرَيَاتِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُكَذِّبُ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُجَوِّزًا عَلَيْهِمْ غَيْرَهُ: إِمَّا قَبْلَ النُّبُوةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا، لِظَنِّهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ خَطَأً فِي التَّبْلِيغِ، وَهُوَ مَعْصُومٌ فِي التَّبْلِيغِ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْعِصْمَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي التَّبْلِيغِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِنْ هَذَا فَلَمْ يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ نَفَرَ بِرُجُوعِهِ عَنْ هَذَا، وَقَوْلُهُ: إِنَّ هَذَا مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ، وَلَكِنْ رَوَى أَنَّهُمْ نَفَرُوا لَمَّا رَجَعَ إِلَى ذَمِّ آلِهَتِهِمْ بَعْدَ ظَنِّهِمْ أَنَّهُ مَدَحَهَا، فَكَانَ رُجُوعُهُمْ لِدَوَامِهِ عَلَى ذَمِّهَا، لَا لِأَنَّهُ قَالَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَلْقَاهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يُنَفِّرْ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُنَفِّرَ ))
و من نفس المصدر الفصل الأول من منهاج الكرامة عرض عام لرأي الإمامية وأهل السنة في الإمامة استمرار مناقشة مزاعم ابن المطهر فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن الأنبياء غير معصومين:
(( وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَخَبَرَهُ (2) ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ (3) بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْخَطَأِ.
وَتَنَازَعُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يَسْتَدْرِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُبَيِّنُهُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يُقِرُّهُ عَلَى الْخَطَأِ. كَمَا نُقِلَ أَنَّهُ أُلْقِيَ عَلَى لِسَانِهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (4) : تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ (5) لَتُرْتَجَى؛ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ إِذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (6) يَنْسَخُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 53] (7) ))
و نقرا من مجموع الفتاوى الجزء 21 كتاب الطهارة باب نواقض الوضوء:
(( وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى احْتِجَاجِ الْبُخَارِيِّ بِجَوَازِ السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ النَّجْمَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ} وَهَذَا السُّجُودُ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: {قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ النَّجْمَ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا قَالَ: فَرَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا} . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ سُجُودَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ لِمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ فِي قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} فَقَالَ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ قَدْ تُرْتَجَى فَسَجَدُوا لَمَّا سَمِعُوا مِنْ تَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ. فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ ذَلِكَ أَشْفَقَ وَحَزِنَ لَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْنِيسًا لَهُ وَتَسْلِيَةً عَمَّا عَرَضَ لَهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إلَّا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَيْ إذَا تَلَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي تِلَاوَتِهِ. فَلَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ سُجُودِ الْمُشْرِكِينَ جَوَازُ السُّجُودِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ نَجَسٌ لَا يَصِحُّ لَهُ وُضُوءٌ وَلَا سُجُودٌ إلَّا بَعْدَ عِقْدِ الْإِسْلَامِ. فَيُقَالُ: هَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا سَجَدُوا لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} {وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} فَسَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ امْتِثَالًا لِهَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ السُّجُودُ لِلَّهِ وَالْمُشْرِكُونَ تَابَعُوهُ فِي السُّجُودِ لِلَّهِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّمَنِّي إذَا كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّهُ هُوَ كَانَ سَبَبَ مُوَافَقَتِهِمْ لَهُ فِي السُّجُودِ لِلَّهِ وَلِهَذَا لَمَّا جَرَى هَذَا بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَبَشَةِ ذَلِكَ فَرَجَعَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ إلَى مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَتَعْظِيمَهُ وَلَكِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فَكَانَ هَذَا السُّجُودُ مِنْ عِبَادَتِهِمْ لِلَّهِ وَقَدْ قَالَ: سَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ. ))
و هذا الاقتباس الاخير يدل صراحة على ان شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله لم يصحح القصة اذ نقل قول ابن بطال رحمه الله ثم اتبعه ب" و ما ذكر من التمني اذا كان صحيحا " و هذه عبارة تدل على عدم جزمه بصحة الرواية بل انها تشير الى توقفه فلا هو صححها و لا هو انكرها انما توقف في ثبوتها من عدمه .
و نقرا من مجموع الفتاوى الجزء 10 فصل علم السلوك باب ثبوت العصمة للأنبياء يحصل بها مقصود الرسالة:
(( وَلَكِنْ هَلْ يَصْدُرُ مَا يَسْتَدْرِكُهُ اللَّهُ فَيَنْسَخُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ. وَالْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ بِذَلِكَ. وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ طَعَنُوا فِيمَا يُنْقَلُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي سُورَةِ النَّجْمِ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى وَقَالُوا: إنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ ثَبَتَ: قَالَ هَذَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ فِي مَسَامِعِهِمْ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ السُّؤَالَ وَارِدٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا. وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ: {إلَّا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَّرُوا مَا نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ فَقَالُوا هَذَا مَنْقُولٌ نَقْلًا ثَابِتًا لَا يُمْكِنُ الْقَدْحُ فِيهِ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إلَّا إذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَقَالُوا الْآثَارُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَعْرُوفَةٌ ثَابِتَةٌ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْقُرْآنُ يُوَافِقُ ذَلِكَ فَإِنَّ نَسْخَ اللَّهِ لِمَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَإِحْكَامَهُ آيَاتِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِرَفْعِ مَا وَقَعَ فِي آيَاتِهِ وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنْ الْبَاطِلِ حَتَّى لَا تَخْتَلِطَ آيَاتُهُ بِغَيْرِهَا. وَجَعْلُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا يَسْمَعُهُ النَّاسُ لَا بَاطِنًا فِي النَّفْسِ وَالْفِتْنَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ النَّسْخِ مِنْ جِنْسِ الْفِتْنَةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ مِنْ النَّسْخِ. ))
لاحظوا كيف نقل شيخ الاسلام بن تيمية حجج الفريقين و اكتفى بالرد على هذه الشبهة على فرض صحة القصة و هذا يؤيد ما قلناه سابقا ان موقفه من هذه القصة ليس التاكيد او النفي بل هو الوقف .
يتبع
-
ثانيا : مخالفة روايات الغرانيق للرواية الصحيحة الثابتة في الصحيحين متنا :
في صحيح البخاري كتاب تفسير القران
4581 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس تابعه إبراهيم بن طهمان عن أيوب ولم يذكر ابن علية ابن عباس
وفي صحيح مسلم كتاب المساجد و مواضع الصلاة
4582 حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم قال فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من ترابفسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهوأمية بن خلف
الاختلافات بين رواية الغرانيق و بين الرواية الصحيحة في صحيح البخاري رحمه الله
1. ان سجود المشركين في الصحيحين كان في اخر سورة النجم بينما في رواية الغرانيق كان سجودهم في بداياتها بعد قوله تعالى ((و مناة الثالثة الاخرى))
2. سبب سجود المشركين في الصحيحين هو وقع الايات في سورة النجم عليهم و ما سمعوه من قوة البيان و بلاغة الكلام
بينما في رواية الغرانيق ان سبب السجود هو مدح النبي صلى الله عليه وسلم لالهتهم و العياذ بالله و حاشاه بابي هو و امي
3. ان الرواية في الصحيحين لا تذكر ان النبي عليه الصلاة و السلام ذكر الغرانيق اصلا في قراءته و لا انه طلب الشفاعة منها بعكس رواية الغرانيق الضعيفة
ثالثا: الرد على نصراني يحتج علينا بتقوية القصة بمجموع طرق الرواية ويدعي ان كل المتقدمين عملوا بالحديث المرسل .
النصراني الذي يحتج بالمرسل و انها ترتقي الى الحسن وقع في مغالطات كثيرة
اولا : من المتقدمين الذين ضعفوا المرسل و اشاروا على عدم العمل به
الامام مسلم في الجزء الاول من صحيحه في المقدمة يقول :
(( فَإِنِ ادَّعَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ ، بِمَا زَعَمَ مِنْ إِدْخَالِ الشَّرِيطَةِ فِي تَثْبِيتِ الْخَبَرِ طُولِبَ بِهِ ، وَلَنْ يَجِدَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ إِلَى إِيجَادِهِ سَبِيلًا ، وَإِنْ هُوَ ادَّعَى فِيمَا زَعَمَ دَلِيلًا يَحْتَجُّ بِهِ ، قِيلَ لَهُ : وَمَا ذَاكَ الدَّلِيلُ ؟ فَإِنْ ، قَالَ : قُلْتُهُ لِأَنِّي وَجَدْتُ رُوَاةَ الأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، يَرْوِي أَحَدُهُمْ عَنِ الآخَرِ الْحَدِيثَ ، وَلَمَّا يُعَايِنْهُ ، وَلَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمُ اسْتَجَازُوا رِوَايَةَ الْحَدِيثِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا عَلَى الإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ ، وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا ، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ احْتَجْتُ ، لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ سَمَاعِ رَاوِي كُلِّ خَبَرٍ ، عَنْ رَاوِيهِ ، فَإِذَا أَنَا ، هَجَمْتُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ لِأَدْنَى شَيْءٍ ثَبَتَ عَنْهُ عِنْدِي بِذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرْوِي عَنْهُ بَعْدُ ، فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي مَعْرِفَةُ ذَلِك أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَوْضِعَ حُجَّةٍ لِإِمْكَانِ الإِرْسَالِ فِيهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي تَضْعِيفِكَ الْخَبَرَ وَتَرْكِكَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ ، إِمْكَانَ الْإِرْسَالِ فِيهِ ، لَزِمَكَ أَنْ لَا تُثْبِتَ إِسْنَادًا مُعَنْعَنًا ، حَتَّى تَرَى فِيهِ السَّمَاعَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ))
والامامان ابو زرعة الرازي و ابو حاتم في كتاب المراسيل الجزء الاول الصفحة السابعة باب ما ذكر في الأسانيد المرسلة أنها لا تثبت بها الحجة:
(( - سَمِعْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ يَقُولَانِ لَا يُحْتَجُّ بِالْمَرَاسِيلِ وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ إِلَّا بِالْأَسَانِيدِ الْصِّحَاحِ الْمُتَّصِلَةِ وَكَذَا أَقُولُ أَنَا))
و كذلك ذكر النووي رحمه الله ذلك ان المرسل عند جمهور المحدثين ليس بحجة في كتاب تقريب النووي الجزء الاول النوع التاسع :
(( ثُمَّ الْمُرْسَلُ #حَدِيثٌ #ضَعِيفٌ #عِنْدَ #جَمَاهِيرِ #الْمُحَدِّثِينَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي طَائِفَةٍ: صَحِيحٌ، فَإِنْ صَحَّ مُخْرَجُ الْمُرْسَلِ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُسْنَدًا أَوْ مُرْسَلًا أَرْسَلَهُ مَنْ أَخَذَ عَنْ غَيْرِ رِجَالِ الْأَوَّلِ كَانَ صَحِيحًا، وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ صِحَّةُ الْمُرْسَلِ وَأَنَّهُمَا صَحِيحَانِ لَوْ عَارَضَهُمَا صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقٍ رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ، أَمَّا مُرْسَلُهُ فَمَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَمُرْسَلِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الرِّوَايَةَ عَنْ صَحَابِيٍّ))
ثانيا : من جعل المرسل حجة من المحدثين اشترط شروطا لذلك و من اولئك الامام الشافعي رحمه الله
حيث نقرا في كتاب مقدمة ابن الصلاح الجزء الاول النوع الثاني : معرفة الحسن من الحديث :
(( وَإِذَا اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ مُسْتَبْعِدٌ ذَكَرْنَا لَهُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ: أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهَا الْمُرْسَلُ الَّذِي جَاءَ نَحْوُهُ مُسْنَدًا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ آخَرُ، أَرْسَلَهُ مَنْ خَذَ الْعِلْمَ عَنْ غَيْرِ رِجَالِ التَّابِعِيِّ الْأَوَّلِ فِي كَلَامٍ لَهُ ذَكَرَ فِيهِ وُجُوهًا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّةِ مُخْرَجِ الْمُرْسَلِ لِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ))
وقد علق ابن الصلاح قائلا ان هذه القاعدة ليست عامة و لا تنطبق في كل الاحوال حيث قال في نفس المصدر :
(( لثَّانِي: لَعَلَّ الْبَاحِثَ الْفَهِمَ يَقُولُ: إِنَّا نَجِدُ أَحَادِيثَ مَحْكُومًا بِضَعْفِهَا مَعَ كَوْنِهَا قَدْ رُوِيَتْ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةٍ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ مِثْلَ حَدِيثِ: " الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ " وَنَحْوِهِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ ذَلِكَ وَأَمْثَالَهُ مِنْ نَوْعِ الْحَسَنِ، لِأَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ عَضَّدَ بَعْضًا، كَمَا قُلْتُمْ فِي نَوْعِ الْحَسَنِ عَلَى مَا سَبَقَ آنِفًا.
وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ ضَعْفٍ فِي الْحَدِيثِ يَزُولُ بِمَجِيئِهِ مِنْ وُجُوهٍ، بَلْ ذَلِكَ يَتَفَاوَتُ:
فَمِنْهُ ضَعْفٌ يُزِيلُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ ضَعْفُهُ نَاشِئًا مِنْ ضَعْفِ حِفْظِ رَاوِيهِ، مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ. فَإِذَا رَأَيْنَا مَا رَوَاهُ قَدْ جَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِمَّا قَدْ حَفِظَهُ، وَلَمْ يَخْتَلَّ فِيهِ ضَبْطُهُ لَهُ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ ضَعْفُهُ مِنْ حَيْثُ الْإِرْسَالُ زَالَ بِنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْمُرْسَلِ الَّذِي يُرْسِلُهُ إِمَامٌ حَافِظٌ، إِذْ فِيهِ ضَعْفٌ قَلِيلٌ، يَزُولُ بِرِوَايَتِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَمِنْ ذَلِكَ ضَعْفٌ لَا يَزُولُ بِنَحْوِ ذَلِكَ، لِقُوَّةٍ الضَّعْفِ وَتَقَاعُدِ هَذَا الْجَابِرِ عَنْ جَبْرِهِ وَمُقَاوَمَتِهِ. وَذَلِكَ كَالضَّعْفِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ كَوْنِ الرَّاوِي مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ، أَوْ كَوْنِ الْحَدِيثِ شَاذًّا.
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ تَفَاصِيلُهَا تُدْرَكُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْبَحْثِ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنَ النَّفَائِسِ الْعَزِيزَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ))
فلاحظ قول ابن الصلاح رحمه الله :
(( وَمِنْ ذَلِكَ ضَعْفٌ لَا يَزُولُ بِنَحْوِ ذَلِكَ، لِقُوَّةٍ الضَّعْفِ وَتَقَاعُدِ هَذَا الْجَابِرِ عَنْ جَبْرِهِ وَمُقَاوَمَتِهِ. وَذَلِكَ كَالضَّعْفِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ كَوْنِ الرَّاوِي مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ، أَوْ #كَوْنِ #الْحَدِيثِ #شَاذًّا.))
و بلا شك فان حديث الغرانيق من هذا الصنف حيث قال الامام الالباني رحمه الله في الصفحة 38 ردا على من توهم ان الحديث حسن بتعدد طرقه :
(( أولًا: أن القاعدة التى أشار إليها، وهي تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وقد نبّه على ذلك غير واحد من علماء الحديث المحققين، منهم الحافظ أبو عمر بن الصلاح حيث قال رحمه الله في "مقدمة علوم الحديث: ص36- 37":..... لت: ولقد صدق رحمه الله تعالى، فإن الغَفَلَةَ عن هذه النفيسة قد أوقعت كثيرًا من العلماء، لا سيّما المشتغلين منهم بالفقه في خطأ فاضح، ألا وهو تصحيح كثير من الأحاديث الضعيفة اغترارًا بكَثرة طُرقها، وذهولًا منهم عن كون ضعفها من النوع الذي لا ينجبر الحديث بضعفها، بل لا تزيده إلا وَهنًا على وهن، ومن هذا القبيل حديث ابن عباس في هذه القصة، فإن طرقه كلها ضعيفة جدًا كما تقدم، فلا يتقوى بها أصلًا.
لكن يبقى النظر في طرق الحديث الأخرى، هل يَتَقَوّى الحديث بها، أم لا؟
فاعلم أنها كلها مرسلة، وهي على إرسالها معلة بالضعف والجهالة كما سبق تفصيلها، سوى الطرق الأربعة الألى منها "رقم 1 و 2 و 3 و 5" فهي التي تستحق النظر، لأن الحافظ رحمه الله جعلها عمدته في تصحيحه هذه القصة، وتقويته لها بها، وهذا مما نخالفه فيه، ولا نوافقه عليه، وبيان ذلك يحتاج إلى مقدمة وجيزه مفيدة إن شاء الله تعالى، وهي..... الأمر الثاني: معرفة سبب عدم احتجاج المحدثيين بالمُرسَل من الحديث، فاعلم أن سبب ذلك إنما هو جَهالة الوساطة التي روى عنها المُرسِل الحديث، وقد بيّن ذلك الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" حيث قال "ص 287" بعد أن حكى الخلاف بالعمل المرسل:
"والذي نختاره سقوط فرض العمل بالمراسيل، وأن المرسل غير مقبول، والذي يدل على ذلك أن إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بيّنا من قبل أنه لا يجوز قبول الخبر إلا ممن عرفت عدالته ...قلت: فإذا عرف أن الحديث المُرسَل لا يقبل، وأن السبب هو الجهل بحال المحذوف فيرد عليه أن القول بأنه يقوى بمرسل آخر غير قوي #لاحتمال #أن #يكون #كل #من #أرسله #إنما #أخذه #عن #راوٍ #واحد، وحينئذ ترد الاحتمالات الذي ذكرها الحافظ، وكأن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قد لاحظ ورود هذا الاحتمال وقوته، فاشترط في المرسل الآخر أن يكون مُرسِله أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول، كما حكاه ابن الصلاح "ص35" وكأن ذلك لَيغلب على الظن أن المحذوف في أحد المرسَلين هو غيره في المرسَل الآخر))
ثالثا : مذهب اهل الحديث الذي استقر عليه هو كما قلت عدم العمل بالمرسل الا ان اعتضد و هذا لا يتم الا بشروط فهي ليست قاعدة عامة بل خاصة بل و ان البعض حصرها في ان يعتضد المرسل بمسند و هذا بحد ذاته يجعل الحجة من الحديث في كونه مسندا و ليس مرسلا و هذا لا ينطبق على حديث الغرانيق
نقرا من مقدمة ابن الصلاح الجزء الاول النوع التاسع في معرفة المرسل :
(( ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْسَلِ حُكْمُ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، إِلَّا أَنْ يَصِحَّ مُخْرَجُهُ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي نَوْعِ الْحَسَنِ. وَلِهَذَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمُرْسَلَاتِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهَا وُجِدَتْ مَسَانِيدَ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِإِرْسَالِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، كَمَا سَبَقَ.
وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّ الِاعْتِمَادَ حِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَى الْمُسْنَدِ دُونَ الْمُرْسَلِ، فَيَقَعُ لَغْوًا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَالُ، حَتَّى يُحْكَمَ لَهُ مَعَ إِرْسَالِهِ بِأَنَّهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ، عَلَى مَا مَهَّدْنَا سَبِيلَهُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي. وَإِنَّمَا يُنْكِرُ هَذَا مَنْ لَا مَذَاقَ لَهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَالْحُكْمِ بِضَعْفِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ آرَاءُ جَمَاهِيرِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِ الْأَثَرِ، وَقَدْ تَدَاوَلُوهُ فِي تَصَانِيفِهِمْ.
وَفِي صَدْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: " الْمُرْسَلُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ "
وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - حَافِظُ الْمَغْرِبِ - مِمَّنْ حَكَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا [رَحِمَهُمُ اللَّهُ] فِي طَائِفَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.))
رابعا : ما نقله النصراني عن الامام السيوطي رحمه الله في الفيته فيه تدليس و بتر ( وقد نقل جزءا منه ليظهر ان الاحتجاج بالمرسل هو مذهب السيوطي )
يقول الامام السيوطي رحمه الله في الفيته عن المرسل :
138 - الْمُرْسَلُ الْمَرْفُوعُ بِالتَّابِعِ، أَوْ ... ذِي كِبَرٍ، أَوْ سَقْطُ رَاوٍ قَدْ حَكَوْا
139 - أَشْهَرُهَا الأَوَّلُ، ثُمَّ الْحُجَّةُ ... بِهِ رَأَى الأَئِمَّةُ الثَّلاثَةُ
140 - وَرَدُّهُ الأَقْوَى، وَقَوْلُ الأَكْثَرُ ... كَالشَّافِعِيْ، وَأَهْلِ عِلْمِ الْخَبَرِ
141 - نَعَمْ بِهِ يُحْتَجُّ إِنْ يَعْتَضِدِ ... بِمُرْسَلٍ آخَرَ أَوْ بِمُسْنَدِ
142 - أَوْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَوْالْجُمْهُورِ أَوْ ... قَيْسٍ وَمِنْ شُرُوطِهِ كَمَا رَأَوْا
143 - كَوْنُ الَّذِي أَرْسَلَ مِنْ كِبَارِ ... وَإِنْ مَشَى مَعْ حَافِظٍ يُجَارِي
144 - وَلَيْسَ مِنْ شُيُوخِهِ مَنْ ضُعَّفَا ... كَنَهْيِّ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالأَصْلِ وَفَا
الامام السيوطي رحمه الله يميل الى ضعف ورد المرسل في قوله :
(( وَرَدُّهُ الأَقْوَى، وَقَوْلُ الأَكْثَرُ ... كَالشَّافِعِيْ، وَأَهْلِ عِلْمِ الْخَبَرِ))
قال الاثيوبي في شرحه لالفية السيوطي في الجزء الاول :
(( (ورده الأقوى) مبتدأ وخبر أي رد الاحتجاج بالمرسل هو الرأي الأقوى لقوة دليله (و) هو (قول الأكثر) من العلماء المحققين وذلك (كـ) الإمام القدوة رأس الفقهاء والمحدثين أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع (الشافعي) فإنه - رضي الله عنه - أول من رد المرسل على ما قيل إلا أنه يرد بما نُقِل عن سعيد بن المسيب ومالك في رواية عنه، وإن كان المشهور خلافها وبما نقل عن الزهري وابن سيرين وابن مهدي ويحيى القطان، إلا أن يقال أن اختصاص الشافعي به لمزيد التحقيق فيه، (وأهل علم الخبر) بالجر عطف على الشافعي، أي وكأهل علم الحديث كما حكاه عنهم مسلم في صدر صحيحه وابنُ عبد البر في التمهيد، وحكاه الحاكم عن ابن المسيب ومالك وهو قول كثير من الفقهاء والأصوليين وأهل النظر.
واستدلوا بجهل حال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون غير صحابي، وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون ضعيفاً، ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حَمَلَ عن تابعي آخر وهكذا فيعود الاحتمال))
و يقول الامام السيوطي رحمه الله نفسه في كتابه تدريب الراوي في شرح تقريب النووي النوع التاسع المرسل :
(((فَإِنْ صَحَّ مُخْرَجُ الْمُرْسَلِ بِمَجِيئِهِ) ، أَوْ نَحْوِهِ (مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُسْنَدًا أَوْ مُرْسَلًا أَرْسَلَهُ مَنْ أَخَذَ) الْعِلْمَ، (، عَنْ غَيْرِ رِجَالِ) الْمُرْسَلِ (الْأَوَّلِ كَانَ صَحِيحًا) هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ، مُقَيِّدًا لَهُ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَمَنْ إِذَا سَمَّى مَنْ أَرْسَلَ عَنْهُ سَمَّى ثِقَةً، وَإِذَا شَارَكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ لَمْ يُخَالِفُوهُ، وَزَادَ فِي الِاعْتِضَادِ أَنْ يُوَافِقَ قَوْلَ صَحَابِيٍّ، أَوْ يُفْتِيَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يُقْبَلْ مُرْسَلُهُ.
فَإِنْ وُجِدَتْ قَبْلُ، (وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ صِحَّةُ الْمُرْسَلِ) ، (وَأَنَّهُمَا) أَيِ الْمُرْسَلُ، وَمَا عَضَّدَهُ، (صَحِيحَانِ لَوْ عَارَضَهُمَا صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقٍ) وَاحِدَةٍ، (رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ) بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ، (إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا.))
و السؤال لهذا النصراني و هو تحدي :
1. كيف تعلم ان من اخذ منه سعيد ليس نفسه ابو العالية بمعنى ان مصدر المرسل الاول هو نفسه مصدر المرسل الثاني ؟؟؟ طبقا للشرط ( (، عَنْ غَيْرِ رِجَالِ) الْمُرْسَلِ )
2. حديث عبد الله بن مسعود و ابن عباس رضي الله عنهما لم تذكر الغرانيق بل ان رواية ابن مسعود رضي الله عنه تذكر ان السجود كان باخر النجم و ليس في بدايته
نقرا من صحيح البخاري باب سجدة النجم قاله ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
1020 حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل من القوم كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال يكفيني هذا قال عبد الله فلقد رأيته بعد قتل كافرا.
صحيح البخاري كتاب تفسير القران
4581 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس تابعه إبراهيم بن طهمان عن أيوب ولم يذكر ابن علية ابن عباس
و هذا يخالف الشرط الثاني ( وَإِذَا شَارَكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ لَمْ يُخَالِفُوهُ، )
3. هل صحت رواية الغرانيق عن اي من الصحابة اصلا ؟؟ لا اذا هذا يخالف الشرط الثالث ( وَزَادَ فِي الِاعْتِضَادِ أَنْ يُوَافِقَ قَوْلَ صَحَابِيٍّ، أَوْ يُفْتِيَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِمُقْتَضَاهُ)
اذا حسب شروط الامام السيوطي رحمه الله فان هذه المراسيل لا تقوم بها حجة
و اضيف علتين :
1. تصارب المتن في الروايات كما بينه الامام الالباني رحمه الله و غيره
2. اتفاق جمع من اهل العلم على تضعيف هذا الاثر
و كذلك اضيف هدية اخيرة للنصراني الذي كان فرحا جدا بمرسل ابي العالية مع ان مرسله في مقياس من كان يقارن بين المراسيل لا شيء
نقرا في جامع التحصيل الباب الرابع الصفحة 89 :
(( قلت تقدم عن ابن سيرين أنه ضعف مراسيل الحسين وأبي العالية وقال كانا يصدقان كل من حدثهما رواه عنه ابن عون))
ولذلك فهذا يخالف الشرط الذي وضعه البعض ان يعرف عن التابعي انه لا يرسل الا عن ثقة
و انهي بتضعيف جماعة من اهل العلم للهذه القصة الباطلة :
ابن كثير رحمه الله في تفسيره لسورة الحج
((قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظنا منهم أن مشركي قريشقد أسلموا . ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .))
القرطبي رحمه الله في تفسيره لسورة الحج و نقل معه تضعيف القاضي ابو بكر بن العربي و القاضي عياض :
(( الثالثة : الأحاديث المروية في نزول هذه الآية ، وليس منها شيء يصح . وكان مما تموه به الكفار على عوامهم قولهم : حق الأنبياء ألا يعجزوا عن شيء ، فلم لا يأتينا محمد بالعذاب وقد بالغنا في عداوته ؟ وكانوا يقولون أيضا : ينبغي ألا يجري عليهم سهو وغلط ؛ فبين الرب سبحانه أنهم بشر ، والآتي بالعذاب هو الله تعالى على ما يريد ، ويجوز على البشر السهو والنسيان والغلط إلى أن يحكم الله آياته وينسخ حيل الشيطان.... وقال القاضي عياض في كتاب الشفا بعد أن ذكر الدليل على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه ، لا قصدا ، ولا عمدا ، ولا سهوا ، وغلطا : اعلم أكرمك الله أن لنا في الكلام على مشكل هذا الحديث مأخذين : أحدهما : في توهين أصله ، والثاني على تسليمه . أما المأخذ الأول فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه بسند سليم متصل ثقة ؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب ، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم . قال أبو بكر البزار : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد متصل يجوز ذكره ؛ إلا ما رواه شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس فيما أحسب ، الشك في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة . . . وذكر القصة . ولم يسنده عن شعبة إلاأمية بن خالد ، وغيره يرسله عن سعيد بن جبير . وإنما يعرف عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ؛ فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا ، وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه الذي ذكرناه ، الذي لا يوثق به ولا حقيقة معه . وأما حديث الكلبي فما لا تجوز الرواية عنه ، ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه ؛ كما أشار إليه البزار رحمه الله .والذي منه في الصحيح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ ( والنجم ) بمكة فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ؛ هذا توهينه من طريق النقل . ))
وضعفه الشوكاني رحمه الله ونقل تضعيف البيهقي و البزار و ابن خزيمة في فتح القدير سورة الحج :
((ولم يصح شيء من هذا ، ولا ثبت بوجه من الوجوه ، ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه ، قال الله : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين [ الحاقة : 44 - 46 ] وقوله : وما ينطق عن الهوى [ النجم : 3 ] وقوله : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم [ الإسراء : 74 ] فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون .
قال البزار : هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بإسناد متصل
وقال البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم .
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة : إن هذه القصة من وضع الزنادقة ))
وقد ضعفها الامام الالباني رحمه الله في كتابه نصف المجانيق في نسف قصة الغرانيق ورد على ابن حجر رحمه الله الذي حسن الرواية بمجموع طرقها وبين خطاه
http://islamport.com/d/1/alb/1/84/681.html#
ملاحظة :
ضعف الامام السيوطي رحمه الله #جميع المراسيل في هذه القصة الا مرسل سعيد بن جبير رحمه و اتبعه بتعليق ابن حجر رحمه الله عليه في لباب النقول في سورة الحج حيث قال :
(( كلهم بمعنى واحد وكلها إما ضعيفة أو منقطعة سوى طريق سعيد بن جبير الأولى، قال الحافظ ابن حجر لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طريقين صحيحين مرسلين أخرجهما ابن جرير أحدهما من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والآخر من طريق داود بن هند عن أبي العالية ولا عبرة بقول ابن العربي وعياض: إن هذه الروايات باطلة لا أصل لها. انتهى))
و لاحظوا عبارة السيوطي رحمه الله قبل ان يورد قول ابن حجر رحمه الله :
(( كلهم بمعنى واحد وكلها إما ضعيفة أو منقطعة سوى طريق سعيد بن جبير الأولى))
وقد سبق اننا ذكرنا رد الامام الالباني رحمه الله على بن حجر رحمه الله ونتبعه بتعليق الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين الجزء الرابع و قال بعد ان نقل قول ابن حجر رحمه الله :
(( الحق مع عياض و ابن العربي و غيرهم من المحققين في قولهم ببطلان هذه الرواية لان العقيدة تعتمد اليقين او ما يقاربه في السند ))
يتبع
-
رابعا : التفسير الصحيح للاية على ما يبدو من سياقها هو القاء الشيطان الوساوس فيما يتمناه النبي صلى الله عليه وسلم فينسخ الله عز وجل ذلك اي يذهبه عن قلب نبيه عليه الصلاة و السلام و عن قلوب المؤمنين واما الكفار فوساوس الشيطان تكون فتنة لهم .
نقرا من تفسير القرطبي رحمه الله
(قال الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ) وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا ، ( ولا نبي ) وهو الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما ، وكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ( إلا إذا تمنى ) قال بعضهم : أي : أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه ما لم يؤمر به . ( ألقى الشيطان في أمنيته )أي : مراده .
وعن ابن عباس قال : إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ووجد إليه سبيلا وما من نبي إلا تمنىأن يؤمن به قومه ولم يتمن ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضى به قومه ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان .))
و نقرا من تفسير ابو حيان الاندلسي البحر المحيط :
((((لما ذكر تعالى أنه يدافع عنالذين آمنوا وأنه تعالى أذن للمؤمنين في القتال وأنهم كانوا أخرجوا من ديارهم وذكر مسلاة رسوله صلى الله عليه وسلم بتكذيب من تقدم من الأمم لأنبيائهم وما آل إليه أمرهم من الإهلاك إثر التكذيب وبعد الإمهال ، وأمره أن ينادي الناس ويخبرهم أنه نذير لهم بعد أن استعجلوا بالعذاب ، وأنه ليس له تقديم العذاب ولا تأخيره ، ذكر له تعالى مسلاة ثانية باعتبار من مضى من الرسل والأنبياء وهو أنهم كانوا حريصين على إيمان قومهم متمنين لذلك مثابرين عليه ، وأنه ما منهم أحد إلا وكان الشيطان يراغمه بتزيين الكفر لقومه وبث ذلك إليهم وإلقائه في نفوسهم ، كما أنه صلى الله عليه وسلم كان من أحرص الناس على هدى قومه وكان فيهم شياطين كالنضر بن الحارث يلقون لقومه وللوافدين عليه شبها يثبطون بها عن الإسلام ، ولذلك جاء قبل هذه الآية (والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) وسعيهم بإلقاء الشبه في قلوب من استمالوه ، ونسب ذلك إلى الشيطان لأنه هو المغوي والمحرك شياطين الإنس للإغواء كما قال ( لأغوينهم ) وقيل : إن ( الشيطان ) هنا هو جنس يراد به شياطين الإنس . والضمير في ( أمنيته ) عائد على ( الشيطان ) أي في أمنية نفسه ، أي بسبب أمنية نفسه . ومفعول ( ألقى ) محذوف لفهم المعنى وهو الشر والكفر ، ومخالفة ذلك الرسول أو النبي لأن الشيطان ليس يلقي الخير .ومعنى ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) أي يزيل تلك الشبه شيئا فشيئا حتى يسلم الناس ، كما قال ( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) و ( يحكم الله آياته ) أي معجزاته يظهرها محكمة لا لبس فيها ( ليجعل ما يلقي الشيطان ) من تلك الشبه وزخارف القول ( فتنة ) لمريض القلب ولقاسيه ( وليعلم ) من أوتي العلم أن ما تمنى الرسول والنبي من هداية قومه وإيمانهم هو الحق .وهذه الآية ليس فيها إسناد شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما تضمنت حالة من كان قبله من الرسل والأنبياء إذا تمنوا ))
و نقرا من تفسير البيضاوي رحمه الله :
(((إِلَّا إِذا تَمَنَّى زور في نفسه ما يهواه. أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما
قال عليه الصلاة والسلام «وإنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» .
فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه والإِرشاد إلى ما يزيحه. ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الناس. حَكِيمٌ فيما يفعله بهم، قيل حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت. ))
خامسا :سياق الايات في سورة النجم تكذب القصة .
قال تعالى (( ألكم الذكر وله الأنثى ( 21 ) تلك إذا قسمة ضيزى ( 22 ) إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (23) ))
كيف نصدق ان المشركين يسمعون النبي عليه الصلاة و السلام و هو يقول تلك الغرانيق العلى و ان شفاعتهن لترتجى ثم يتبعه بقوله عز وجل (( ألكم الذكر وله الأنثى ( 21 ) تلك إذا قسمة ضيزى ( 22 ) إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (23) ))
ويعتبرون هذا مديحا لالهتهم ؟؟؟؟ لا بل يفرحون لهذا و يطرون بها فرحا و لا يسال احدهم و هم من هم من اوسط العرب و افصحهم و ابلغهم بلسانها : كيف ناقض صدر الكلام ذيله ؟؟؟؟؟ و الانكى انهم يسجدون مع المسلمين فرحا و ابتهاجا !!!!! و الايات التي بعدها تصرح بان اللات و العزى و مناة لا شيء انما مجرد اسماء لا اقل و لا اكثر !!!
سادسا : سيرته عليه الصلاة و السلام قبل البعثة و بعدها التي تدل على نبذه للاصنام وكرهه لها بما فيها اللات و العزى .
اما قبل البعثة :
نقرا من مسند الامام احمد مسند الشاميين حَدِيثُ جَارٍ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ
17947 - حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَارٌ، لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ: " أَيْ خَدِيجَةُ، وَاللهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ ، وَاللهِ لَا أَعْبُدُ الْعُزَّى أَبَدًا " قَالَ: فَتَقُولُ خَدِيجَةُ: خَلِّ اللَّاتَ، خَلِّ الْعُزَّى، قَالَ: كَانَتْ صَنَمَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ ثُمَّ يَضْطَجِعُونَ (2)
علق المحقق شعيب الارنؤوط رحمه الله على الحديث في تحقيقه لمسند الامام احمد رحمه الله :
((إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير جار خديجة فلم يرو له غير المصنف هذا الحديث الواحد، وهو صحابي، وجهالته لا تضر.))
اما بعد البعثة :
نقرا من مسند الامام احمد مسند المدنيين حَدِيثُ شَيْخٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ
16603 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا "، قَالَ: وَأَبُو جَهْلٍ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ وَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ لِتَتْرُكُوا آلِهَتَكُمْ، وَتَتْرُكُوا (1) اللَّاتَ وَالْعُزَّى، قَالَ: وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْنَا: انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، مَرْبُوعٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، سَابِغُ الشَّعْرِ " (2)
علق المحقق شعيب الارنؤوط رحمه الله على الحديث في تحقيقه لمسند الامام احمد رحمه الله:
(( (2) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. أبو النضر: هو هاشم ابن القاسم، وشيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي، وأشعث: هو ابن أبي الشعثاء سُلَيْم بن الأسود.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/21-22، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
وسيأتي نحوه مختصراً 5/371، وسيكرر 5/376 سنداً ومتناً، وانظر (16020) ))
و لذا فقد انكر القصة الاديب المشهور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم و ارجع سبب رجوع بعض مهاجرة الحبشة الى مكة الى اسلام عمر بن الخطاب و حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما (اكتفي بعرض الصور)
وفي كلام محمد حسين هيكل نكتة جميلة لا يتفطن اليها الا الحاذق البصير اذ احال سبب رجوع المهاجرة من الحبشة الى اسلام عمر بن الخطاب وحمزة رضي الله عنهما و لا عجب فهذا يوافق ما ثبت من السنة اذ ما زاد المسلمون من بعدها الا عزا بعد عز.
نقرا من صحيح البخاري كتاب مناقب الانصار باب اسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
3863 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ»
و نقرا في الطبقات الكبرى لابن سعد الجزء الثالث الطبقة الاولى :
(( قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَيَعْلَى وَمُحَمَّدُ ابْنَا عُبَيْدٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ قيس بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ.قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ. فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا نُصَلِّي ))
صححه الدكتور محمد الصويان في كتابه الصحيح من احاديث السيرة النبوية باب اسلام عمر
و نقرا من سيرة ابن هشام الجزء الاول :
(( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ أَبِي عُمَرُ قَالَ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ فَقِيلَ [4] لَهُ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ لْجُمَحِيُّ. قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَغَدَوْتُ أَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ، وَأَنَا غُلَامٌ أَعْقِلُ كُلَّ مَا رَأَيْتُ، حَتَّى جَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَعَلِمْتَ يَا جَمِيلُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ: وَدَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّد؟ قَالَ: فو الله مَا رَاجَعَهُ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَاتَّبَعَهُ عُمَرُ، وَاتَّبَعْتُ أَبِي، حَتَّى إذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ [1] ، أَلَا إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ.
قَالَ: (و) [2] يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَثَارُوا إلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ. قَالَ: وَطَلِحَ [3] ، فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ باللَّه أَنْ لَوْ قَدْ كُنَّا ثَلَاثَ ماِئَةِ رَجُلٍ (لَقَدْ) [2] تَرَكْنَاهَا لَكُمْ، أَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبْرَةٌ [4] ، وَقَمِيصٌ مُوَشًّى، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَا عُمَرُ، فَقَالَ: فَمَهْ، رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ يُسْلِمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا! خَلُّوا عَنْ الرجل. قَالَ:فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ: يَا أَبَتْ، مَنْ الرَّجُلُ: الَّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْكَ بِمَكَّةَ يَوْمَ أَسْلَمْتُ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَكَ؟فَقَالَ: ذَاكَ، أَيْ بُنَيَّ، الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ.))
و نقل الرواية ابن كثير رحمه الله في البداية و النهاية الجزء الثالث باب هجرة من هاجر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى ارض الحبشة فرارا بدينهم :
(( وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ إِسْلَامِ عُمَرَ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ أُحُدٌ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَدْ كَانَ مُمَيِّزًا يَوْمَ أَسْلَمَ أَبُوهُ، فَيَكُونُ إِسْلَامُهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَذَلِكَ بَعْدَ البعثة بنحو تِسْعِ سِنِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ))
و من هنا نستطيع ان نقول ان هذا التحليل - في سبب رجوع بعض من مهاجرة الحبشة - اقرب الى الواقع و هو موافق لسياق كلام عروة بن الزبير رحمه الله في رسالته الى عبد الملك بن مروان اذ لما سمعوا باسلام حمزة و عمر رضي الله عنهما و ما وقع للمسلمين من تمكنهم من الصلاة في الحرم علنا و قتال عمر رضي الله عنه لهم ، تشجعوا على العودة الى مكة
يتبع
-
سابعا : نلزم النصارى بما نسبه الكتاب المقدس الى بعض الانبياء من عبادة الاصنام و الاوثان و الشرك بالله وحاشاهم
1. هارون عليه الصلاة و السلام يصنع عجل الذهب ليعبده بنو اسرائيل و العياذ بالله و حاشا هارون عليه الصلاة و السلام من ذلك بابي هو و امي !!!!
نقرا في سفر الخروج 32
1 وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ».
2 فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: «انْزِعُوا أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَاتُونِي بِهَا».
3 فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ.
4 فَأَخَذَ ذلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالإِزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلاً مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».
5 فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: «غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ».
6 فَبَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ.
2. سليمان عليه الصلاة و السلام يعبد الاصنام و يصنع المذابح لها و العياذ بالله و حاشاه بابيه هو و امي !!!!
نقرا في سفر الملوك الاول الاصحاح 11
4 وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ.
5 فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ.
6 وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ.
7 حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ.
8 وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ.
9 فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ،
10 وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ.
3. بولس معلمهم يصف ابليس انه اله هذا الدهر!!!!! لا حول و لا قوة الا بالله
رسالة كورنثوس الثانية الاصحاح 4:
4 الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ.
4. يعقوب عليه الصلاة و السلام ، حاشاه حسب الكتاب المقدس يشارط الله عز وجل ان يحميه من المكروه حتى يعبده و يتخذه الها !!! و هذا يعني انه قبل هذا لم يكن الله عز وجل له الها حسب الكتاب المقدس !!!
نقرا من سفر التكوين 28 :
(( 10 فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ.
11 وَصَادَفَ مَكَانًا وَبَاتَ هُنَاكَ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَاضْطَجَعَ فِي ذلِكَ الْمَكَانِ.
12 وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا.
13 وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ.
14 وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالاً وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ.
15 وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ».
16 فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!».
17 وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ».
18 وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ.
19 وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»، وَلكِنِ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلاً كَانَ لُوزَ.
20 وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي هذَا الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لآكُلَ وَثِيَابًا لأَلْبَسَ،
21 وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا،
22 وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ». ))
5. الرب يسمح لروح الضلال بان يتكلم الكذب على لسان الانبياء !!!
نقرا من سفر الملوك الاول الاصحاح 22
18 فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: «أَمَا قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ لاَ يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا؟»19 وَقَالَ: «فَاسْمَعْ إِذًا كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ.
20 فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هذَا هكَذَا، وَقَالَ ذَاكَ هكَذَا.
21 ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟
22 فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ، فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هكَذَا.
23 وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ».
24 فَتَقَدَّمَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ وَضَرَبَ مِيخَا عَلَى الْفَكِّ وَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ عَبَرَ رُوحُ الرَّبِّ مِنِّي لِيُكَلِّمَكَ؟»
25 فَقَالَ مِيخَا: «إِنَّكَ سَتَرَى فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَدْخُلُ فِيهِ مِنْ مِخْدَعٍ إِلَى مِخْدَعٍ لِتَخْتَبِئَ».
6. نبي يخدع نبي اخر عن طريق تلفيق وحي من عنده و حاشا لانبياء الله مثل هذا !!!
نقرا من سفر الملوك الاول الاصحاح 13 :
((8 فَقَالَ رَجُلُ اللهِ لِلْمَلِكِ: «لَوْ أَعْطَيْتَنِي نِصْفَ بَيْتِكَ لاَ أَدْخُلُ مَعَكَ وَلاَ آكُلُ خُبْزًا وَلاَ أَشْرَبُ مَاءً فِي هذَا الْمَوْضِعِ.
9 لأَنِّي هكَذَا أُوصِيتُ بِكَلاَمِ الرَّبِّ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً وَلاَ تَرْجعْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتَ فِيهِ».
10 فَذَهَبَ فِي طَرِيق آخَرَ، وَلَمْ يَرْجعْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ إِلَى بَيْتِ إِيلَ.
11 وَكَانَ نَبِيٌّ شَيْخٌ سَاكِنًا فِي بَيْتِ إِيلَ، فَأَتَى بَنُوهُ وَقَصُّوا عَلَيْهِ كُلَّ الْعَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ رَجُلُ اللهِ ذلِكَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِ إِيلَ، وَقَصُّوا عَلَى أَبِيهِمِ الْكَلاَمَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ.
12 فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: «مِنْ أَيِّ طَرِيق ذَهَبَ؟» وَكَانَ بَنُوهُ قَدْ رَأَوْا الطَّرِيقَ الَّذِي سَارَ فِيهِ رَجُلُ اللهِ الذَّي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا.
13 فَقَالَ لِبَنِيهِ: «شُدُّوا لِي عَلَى الْحِمَارِ». فَشَدُّوا لَهُ عَلَى الْحِمَارِ فَرَكِبَ عَلَيْهِ
14 وَسَارَ وَرَاءَ رَجُلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ، فَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ رَجُلُ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ».
15 فَقَالَ لَهُ: «سِرْ مَعِي إِلَى الْبَيْتِ وَكُلْ خُبْزًا».
16 فَقَالَ: «لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَرْجعَ مَعَكَ وَلاَ أَدْخُلُ مَعَكَ وَلاَ آكُلُ خُبْزًا وَلاَ أَشْرَبُ مَعَكَ مَاءً فِي هذَا الْمَوْضِعِ،
17 لأَنَّهُ قِيلَ لِي بِكَلاَمِ الرَّبِّ: لاَ تَأْكُلْ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ هُنَاكَ مَاءً. وَلاَ تَرْجعْ سَائِرًا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتَ فِيهِ».
18 فَقَالَ لَهُ: «أَنَا أَيْضًا نَبِيٌّ مِثْلُكَ، وَقَدْ كَلَّمَنِي مَلاَكٌ بِكَلاَمِ الرَّبِّ قَائِلاً: ارْجعْ بِهِ مَعَكَ إِلَى بَيْتِكَ فَيَأْكُلَ خُبْزًا وَيَشْرَبَ مَاءً». كَذَبَ عَلَيْهِ.
19 فَرَجَعَ مَعَهُ وَأَكَلَ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ وَشَرِبَ مَاءً.
20 وَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عَلَى الْمَائِدَةِ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى النَّبِيِّ الَّذِي أَرْجَعَهُ،
21 فَصَاحَ إِلَى رَجُلِ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا قَائِلاً: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ خَالَفْتَ قَوْلَ الرَّبِّ وَلَمْ تَحْفَظِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ،
22 فَرَجَعْتَ وَأَكَلْتَ خُبْزًا وَشَرِبْتَ مَاءً فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَكَ: لاَ تَأْكُلْ فِيهِ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً، لاَ تَدْخُلُ جُثَّتُكَ قَبْرَ آبَائِكَ».
23 ثُمَّ بَعْدَمَا أَكَلَ خُبْزًا وَبَعْدَ أَنْ شَرِبَ شَدَّ لَهُ عَلَى الْحِمَار،ِ أَيْ لِلنَّبِيِّ الَّذِي أَرْجَعَهُ،
24 وَانْطَلَقَ. فَصَادَفَهُ أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ وَقَتَلَهُ. وَكَانَتْ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ وَالْحِمَارُ وَاقِفٌ بِجَانِبِهَا وَالأَسَدُ وَاقِفٌ بِجَانِبِ الْجُثَّةِ
25 وَإِذَا بِقَوْمٍ يَعْبُرُونَ فَرَأَوْا الْجُثَّةَ، مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ وَالأَسَدُ وَاقِفٌ بِجَانِبِ الْجُثَّةِ. فَأَتَوْا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ الشَّيْخُ سَاكِنًا بِهَا
26 وَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ الَّذِي أَرْجَعَهُ عَنِ الطَّرِيقِ قَالَ: «هُوَ رَجُلُ اللهِ الَّذِي خَالَفَ قَوْلَ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُ الرَّبُّ لِلأَسَدِ فَافْتَرَسَهُ وَقَتَلَهُ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ»
27 وَكَلَّمَ بَنِيهِ قَائِلاً: «شُدُّوا لِي عَلَى الْحِمَارِ». فَشَدُّوا.
28 فَذَهَبَ وَوَجَدَ جُثَّتَهُ مَطْرُوحَةً فِي الطَّرِيقِ، وَالْحِمَارَ وَالأَسَدَ وَاقِفَيْنِ بِجَانِبِ الْجُثَّةِ، وَلَمْ يَأْكُلِ الأَسَدُ الْجُثَّةَ وَلاَ افْتَرَسَ الْحِمَارَ.
29 فَرَفَعَ النَّبِيُّ جُثَّةَ رَجُلِ اللهِ وَوَضَعَهَا عَلَى الْحِمَارِ وَرَجَعَ بِهَا، وَدَخَلَ النَّبِيُّ الشَّيْخُ الْمَدِينَةَ لِيَنْدُبَهُ وَيَدْفِنَهُ
30 فَوَضَعَ جُثَّتَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَاحُوا عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «آهُ يَا أَخِي». ))
هذا وصلى الله على سيدنا محمد و على اله وصحبه وسلم
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة محمد سني 1989 في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 30-06-2023, 02:22 AM
-
بواسطة محمد سني 1989 في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 19-11-2020, 09:11 PM
-
بواسطة محمد سني 1989 في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 10-01-2019, 02:54 PM
-
بواسطة المسلم الناصح في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 20-07-2009, 01:53 PM
-
بواسطة الاصيل في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 19-05-2007, 01:33 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات