المرأة مواقف ومعاناة على مر الأزمان
اتهموها بأنها مصدر للمصائب وسبب للنوائب وأصل لكل خطيئة
للمرأة مع المعاناة تاريخ طويل وقصص ومواقف، للمرأة مع المعاناة
على مرِّ الأزمان وكرّ الدهور علاقة من نوع خاص.
تاريخ المعاناة :
عانت المرأة منذ بَدء الخليقة، منذ آدم - عليه السلام - وحواء، وقابيل وهابيل،
قيل: إنها كانت سببًا في إخراج أبينا آدم - عليه السلام - من الجنة،
وإنها كانت سببًا في قتل قابيل هابيل.
حيث زعموا أنَّ حواء هي التي سوَّلت لآدم - عليه السلام - أن يأكل من
الشجرة التي نهاهما ربُّهما أن يأكلا منها؛ قال - تعالى -:
{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا
وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35].
ومن ثَمَّ عصى آدم ربَّه فغوى، وأُخرج من الجنة، واُهْبط إلى الأرض.
وعلى الأرض حدثت معاناة أخرى؛ إذ كانت توْءَمة قابيل أكثر جمالاً
من توْءَمة هابيل، فحسد قابيل أخاه هابيل في أن يتزوج توءمتة،
فأدى به هذا الحسد إلى قتل أخيه؛ قال - تعالى -:
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
[المائدة: 30].
قالوا عن المرأة: إنها أصل كل خطيئة، وأساس كل شر،
وقالوا عنها إبليس اللعين: أنت نصف جندي، وأنتِ سهمي الذي
أرمي به فلا أخطئ، وأنتِ موضع سرّي.
وقالوا: فتِّش عن المرأة، على أساس أنها عادة ما تكون مصدرًا
للمصائب، أو سببًا للنوائب أو دافعًا للشر والمعاصي،
أو عاملاً من عوامل الفساد والفجور.
ولأن المرأة عانت من الظلم والقهر والتحقير أزمانًا
عديدة، انعكس هذا عليها، فكانت سببًا لمعاناة أقرب الناس إليها،
عانى منها أبواها وعانى منها زوجها، عانى منها أولادها،
عانى منها قومها، عانى منها مجتمعها.
والنماذج القرآنية والشواهد التاريخية، والحكايات التراثية
والأمثال العربية والحكم المروية دلائل على صدق تلك الحقيقة،
وبراهين تؤكدها وتزيدها بيانًا وكشفًا للحقائق.
وقفة مع مجتمع الأنبياء والرُّسل :
كانت المرأة في مجتمع الأنبياء والرُّسل نموذجًا للتضحية والصبر والفداء،
وتحمُّل المصائب والمشاق في سبيل إيصال الدعوة إلى المدعوين، وفي سبيل إعادة
الحق إلى نصابه، وفي سبيل الدعوة إلى الدين الصحيح، والقيم الفاضلة، والحياة
الكريمة، والمجتمع السليم، ولنا في زوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الأسوة والقدوة والمثل الصالح.
وقبل زمن نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان هناك أنبياء ورسل،
وكانت لهم زوجات وأبناء وبنات، فهذه زوجة زكريا - عليه السلام - أم يحيى،
وهي أشياع بنت فاقوذ خالة مريم، وابنها يحيى، جاء في شأنها قوله - تعالى - على
لسان زوجها زكريا بن أذن:
{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} [آل عمران: 40]،
وقد رزقها الله بولد مع كونها عاقرًا، وفي هذا درس للنساء، وموعظة لهن.
وهذه زوجة إبراهيم - عليه السلام - سارة بنت عمِّه هاران، أم إسحاق،
جاء في شأنها قوله – تعالى -:
{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}
[هود: 71]،
وقد رزقها الله بولد بعد طول انتظار، وفي هذا عِبْرة ووقفة تأمُّل؛
لأن بعد العسر يُسْرًا، وعاقبة الصبر جميلة.
وهناك أيضًا زوجة موسى - عليه السلام - صفورا بنت شعيب،
وزوجة يونس - عليه السلام - أشياع بنت عمران، أخت مريم، وأخت موسى
- عليه السلام - مريم التي كانت أسّن من موسى ومن هارون، وأم موسى
- عليه السلام - يكابد، التي أمُرت بإلقاء ابنها في اليمِّ، وزوجة عزيز
مصر زليخا، وقصتها مع يوسف - عليه السلام - مشهورة، وغيرهنَّ.
وفي المقابل كانت المرأة أيضًا مثالاً للغَدْر والخيانة والكيد والمؤامرة،
فهذه زوجة لوط والهة، وزوجة نوح والغة؛ إذ كانت الأولى تدل قومها على
أضياف زوجها؛ ليفعلوا فيهم فاحشة اللواط، مشاركة لقومها، ورضًا بما يفعلون،
والأخرى كانت تسخر من زوجها حين كان يصنع نوح السفينة، مشاركة لقومها
في السخرية من نوح - عليه السلام - كما أورد ذلك المفسِّرون.
أمّا مريم البتول مريم بنت عمران، فهي قدوة للنساء،
وأُسْوة ينبغي أن يؤخذ من قصتها الدروس والعِبر والعظات،
أبوها عمران بن ماثان، وأمها حنَّة بنت فاقوذ، وابنها عيسى،
نزل في شأنها ولشرفها آيات قرآنية، وسُمِّيت باسمها سورة
مريم؛, قال - تعالى -:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا}
[مريم: 16]،
وقال - سبحانه -:
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12]،
وفي قصة مريم درس عظيم؛
حيث رزقت بولد من غير أبٍ، وهذه معجزة إلهية.
وقفة مع مجتمع الجاهلية :
قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانت المرأة في جاهلية العرب،
مظلومة ومقهورة ومضطهدة، كانت تعاني أشد ما تكون المعاناة، وكانت تتألم
وتتحمَّل أقصى أنواع الظلم، وأمرّ صنوف القهر، كانت تعتبر من سقط المتاع،
وكان العرب يتشاءمون من البنات، بل يئدونها إذا وُلدت؛ يقول - تعالى -:
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ
فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58- 59].
ومن عادات العرب في جاهليتهم ما يُعرف بعضل النساء، فإذا
مات زوج المرأة، ألقي عليها رداء أسود، فَورِّثت مع ما يُورَّث من المال؛
إذ يرث الابن الأكبر زواجها، وإن لم يرد أن يتزوجها يُزوّجها لأحد إخوته
بمهر جديد، ويأخذ هو المهر، أو تفتدي نفسها،
أو تحبس في بيتها حتى تموت.
ومن تقاليد الجاهلية أن بعض الأشراف ممن يملك فتيات كان يتاجر بعرضهنَّ
مقابل أجر يقبضه، ومن هؤلاء الأشراف عبدالله بن أبي سلول رأس المنافقين.
وقد انتشرت في مكة في العهد الجاهلي بيوت للدعارة، وحانات للبغاء،
كانت النساء في ذلك العهد تُباع وتُشترى، فهي سلعة لمن أراد شراءها،
فعليه أن يدفع الثمن وما أحقر السلعة عندهم،
وما أرخص الثمن المدفوع.
وقفة مع مجتمعات رومانية وفارسية :
عند الرومان، لاحقَّ للمرأة في شيء، وللرجل كل شيء،
حتى أنه يستطيع أن يحكم على زوجته بالإعدام في بعض التُّهم، وليس
ملزمًا بضمِّ أبنائه إلى أُسْرته، وقد يضمّ غير بنيه من الأجانب إلى الأسرة،
والزوجة وما ملكت ملك لزوجها يتصرف في كل أمورها بما شاء؛
ولذا كان عقد الزواج عند الرومان عقد رق بالنسبة للمرأة،
بعد أن كانت في رقِّ أبيها.
وأما المرأة الفارسية، فقد خضعت لتيارات ثلاثة :
الزرادشتية، والمانوية، والمزدكية، وقد تركت كل ديانة من هذه الديانات
بصماتها على كيان الأسرة والمجتمع فوضى ودمار؛ حتى كان الرجل يدخل
على الرجل في داره، فيغلبه على منزله ونسائه، وكان ذلك من أسباب
انهيار دولة فارس وترديها.
ومن ثَمَّ فلم تكن المرأة في المجتمعات الرومانية والفارسية أكثر حرية،
أو أوفر حظًّا، أو أسعد من أخواتها في مكة عند قريش الجاهلية، فقد كانت
المرأة الرومانية والفارسية تعاني من الظلم والاضطهاد واغتصاب
الحريات وانتهاك الأعراض.
وقفة مع مجتمع الإسلام في عصره الزاهي :
وبعد هذه الأزمان والدهور جاء الإسلام وبُعث محمد الرسول الكريم
خاتم الأنبياء والمرسلين، بعث في مكة لجميع الناس، وإلى قيام الساعة،
بُعث بالدين المصحِّح لأوضاع العرب والرومان والفرس وغيرهم، فنزل
القرآن يعيد الحق إلى نصابه، ويأمر بالعدل والإحسان، ويعطي لكل ذي حق
حقَّه، ويدعو للمعروف، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ويحذر من
الإسراف والترف والفساد، ويأمر بالتواصي والمحبة والمودة
والتعاون والتكافل.
فأعطى الإسلام للرجل حقوقًا، وأعاد للمرأة مكانها،
ومنحها حقوقًا خاصة؛ قال - تعالى -:
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]،
يُلزم الرجل بالوفاء بما لها، ويُسأل عن التقصير فيها، ويحاسب إن أهمل
القيام بها، فأخذت المرأة دورها الحقيقي، وأصبح للمرأة شأن كبير، فكان
الاحتفاء بالمرأة في القرآن واضحًا، الاحتفاء بها أُمًّا وزوجًا وبنتًا وأختًا،
ومهما كانت علاقتها بالرجل؛ عمَّة أو خالة أو زوجة أب أو جَدَّة.
وأصبح للمرأة حق في النفقة والسكن والميراث،
والبيع والشراء والعمل والكسب؛قال - تعالى -:
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ}
[النساء: 7]،
وقال - سبحانه -:
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]،
في حدود شرعية ضابطة، ووفق قواعد حاكمة، وضمن شروط معينة
تحافظ على المجتمع كله عامة، والمجتمع النسائي خاصة.
وقفة مع مجتمع القرن العشرين والألفية الجديدة :
وبعد استقرار الدين الإسلامي، وانتشار الدعوة، ودخول الناس في دين الله
أفواجًا استمر للمرأة مواقفها العادلة، وفي الوقت ذاته معاناتها من الرجال إلى أن
وصلنا إلى حدود القرن العشرين مختصرين الزمن، فرأينا المرأة المسلمة تقارن
نفسها بالمرأة الغربية، الأوروبية على وجه الخصوص، وتزعم أن المرأة في
الغرب تتمتع بالحرية والاستقلالية ولم تعلم، وإن كانت تعلم، فربَّما تتناسى ما
هي عليه وما كانت عليه تلك الأوروبية من استعباد واسترقاق، واضطهاد
وإرغام على أعمال لا تتناسب مع قدراتها وأنثوتها، وأن تلك الحرية زعمٌ،
وذلك الاستقلال وهمٌ، وأن الحرية المضبوطة، والاستقلالية الراشدة
تأخذ قواعدها، وتستمد أصولها من الشريعة الإسلامية.
فأصبحت المرأة المسلمة في هذا القرن - في معظم أحوالها - مقلِّدة للغرب،
ومعجبة بنسائهم، ومفتتنة بأخلاقهم، وتحاول اللحوق بركابهم، وتزعم أن التقدُّم
في اتِّباع حضارتهم، والأخذ بثقافتهم، فأنتجت تلك النظرة وذلك الموقف نتائج مريرة،
وثمار سيئة على مجتمعنا الإسلامي، وأصبحنا نسمع بدعاوى زائفة وبصيحات فاسدة،
وبأفكار هدَّامة تدعو لتنازل المرأة عن مكانتها، وتسوِّل للمرأة الفجور، وتأمرها
بالمعاصي وتنهاها عن المعروف؛ لتشارك الرجال وتزاحمهم، ولتسرح وتمرح
دون وازع من دين أو رادع من خُلُق وأدب.
يقول تعالى -:
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ}،
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}،
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}
[التحريم: 10-12].
أختي المسلمة، احذري مما اقترفته امرأة نوح وامرأة لوط،
حذرًا مما آلتا إليه من عقاب.
واعتبري من قصة آسية بنت مزاحم زوجة فرعون، والتي آثرت ربَّها
وآخرتها على زوجها ودنياها؛ رغبة فيما نعمت به.
وتأسّي واقتدي بمريم بنت عمران، وليكن شعارك الحصانة والرزانة
والحجاب والآداب، لتكوني - بإذن الله - من القانتين.
وأختم بقوله - صلى الله عليه وسلم -:
((ثلاث من السعادة، وثلاث من الشقاوة، فمن السعادة:
المرأة تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون
وطيئة فتُلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة:
المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على
نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفًا، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم
تُلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقةً قليلة المرافق))؛ حديث صحيح.
منقول
المفضلات