الرد على تدليس إلغاء محمد صلى الله عليه وسلم " النسيء " كى يبيح الغزو بالأشهر الحُرُم
طالعتنا إحدى المواقع التي تعلن أنها الحادية .. بتدليس ادعت فيه .. أنه لكي يبيح محمد صلى الله عليه وسلم الغزو بالأشهر الحُرُم .. ألغى النسيء .. وأفسد التقويم الهجري .. ولهذا يأتي ربيع الأول بالشتاء وجمادى بالصيف ورمضان بالخريف !!!
الرد على التدليس
بداية دعنا نعرف ما معنى " النسيء " الذي أشير إليه ؟؟؟ ... إن معناه هو تأخير حُرمة القتال في شهر و تأجيل هذه الحرمة إلى شهر آخر بدلا منه ... ولكي نفهم ذلك أكثر فإننا لابد وأن نستعرض الآيات القرآنية التي تتعلق بذلك ......
" إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " التوبة (36)
فما معنى ذلك ؟؟؟؟؟ معناه ...... أن عدد شهور السنة القمرية اثنا عشر شهراً ، في حكم الله وتقديره ، وفيما بَيَّنه في كتبه منذ بدء العالم .. ومن هذه الإثنى عشر شهراً أربعة أشهر يحرم القتال فيها وهى : رجب وذو القعدة وذو الحـجة والمحرم .... وهذا التحريم هو دين الله المستقيم ، الذي لا تبديل فيه ولا تغيير ..... فلا تظلموا في هذه الأشهر أنفسكم باستحلال القتال أو إمتناعكم عنه إذا أغار عليكم الأعداء فيها ....... وقاتلوا - أيها المؤمنون - جماعة المشركين دون إستثناء أحد منهم ، كما يقاتلونكم معادين لكم جميعاً ....... وكونوا على يقين من أن الله ناصر للذين يلتزمون بأوامره ويجتنبون نواهيه .
ثم نتابع الآية التي بعدها .. " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " التوبة (37) ........ ومعنى ذلك
أن تأخير هذه الأشهر الحرم أو بعضها عما رتَّبها الله عليه - كما كان يفعله أهل الجاهلية - إلا إمعان في الكـفر ، يزداد به الذين كفروا ضلالا فوق ضلالهم ... وقد كان العرب في الجاهلية يجعلون الشهر الحرام حلالا إذا إحتاجوا القتال فيه ويجعلون بدلا منه .. الشهر الحلال حراماً ... ويقولون : شهر بشهر ...... ليوافقوا عدد الأشهر التي حرمها الله .. أي ليكون العدد في النهاية أربعة أيضا ... هذا وقد زَيَّن لهم الشيطان أعمالهم السيئة هذه ... والله لا يهدى القوم المصرّين على كفرهم إلى طريق الخير .
وقال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع :..... « إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم .... ثلاثة متواليات : ذو القعدة، وذو الحجة،والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان » . الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم : 4662 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
ومن هنا فلا يحل للمسلمين البدء بالقتال في الأشهر الحرم .... إلا إذا بدأهم العدو بالقتال فيها .... ولم يستجب لقبول الموادعة فيها .. فحينئذ يجب القتال لرد العدوان .. وهذا أمر منطقي لأنه لا يعقل غير ذلك بالطبع ..
و بعد أن أوضحنا ما ورد في عقيدة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الصدد ... نرد منطقياً على ما ذكره السيد " ملحد " و هو ... أنه لكي يبيح محمد صلى الله عليه وسلم الغزو بالأشهر الحرم ... ألغى النسيء .... بمعنى انه أخـر حُرْمَة القتال في شهر و أجل هذه الحُرْمَة إلى شهر آخر بدلا منه !!!!! وهذا أمر لا يحتاجه المسلمون أصلا ... و لماذا ... لان القتال في الأشهر الحُرم لا يكون إلا بأحد احتمالين لا ثالث لهما :
الاحتمال الأول : حالة القتال الدفاعي
بالرغم من أن القتال الأصل فيه التحريم في هذه الأشهر.. ولكن قد يضطر إليه المسلمون في هذه الأشهر لدفع العدوان عليهم ورد الظلم .. وتحريمه حينئذ غير منطقي ولا يتفق مع الطبيعة العدوانية لأعداء الإسلام .... الذين يتربصون به الدوائر.
ومن ثم فإن القتال الدفاعي في الأشهر الحرم جائز .... بل واجب على رأي جميع الفقهاء، وقد دل على ذلك أيضا قوله تعالى ...... "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْعَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" {البقرة/194} ...... فمن اعتدى على المسلمين في الشهر الحرام، وجب على المسلمين دفع هذا العدوان .. فليس من المعقول أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي أمام اعتداء غيرهم عليهم بحجة أنهم في الشهر الحرام - لأن هذا قد يغري أعداءهم بالاعتداء عليهم دائماَ فى الأشهر الحرم، والفساد في الأرض ، وهذا ما لا يقبله عقل منصف ، ولا منطق سليم .
الاحتمال الثاني : حالة القتال الهجومي ( أى البدء بالقتال ) :
إن الأصل في علاقة المسلمين مع غيرهم طبقا لما ورد في شريعتهم هو السلام والموادعة .... لماذا .... يقول الله عز وجل " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " الممتحنة(8)
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثر السلم على الحرب ما وجد إلى ذلك سبيلا .. ولم يقاتل إلا مضطرا .. يقول
صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية » ... الراوي: +موقع+الدرر+السنية+-+الموسوعة+الحديثية+-+من+حديث+عبدالله+بن+أبي+أوفىعبد الله بن أبي أوفى المحدث:البخاري – المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم :7237 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
إن أهم ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان هو أنه دين الوسطية .. أي وسط بين المثالية والواقعية .. لهذا شرّع الله الحرب ودعا إلى الجهاد باعتباره ضرورة لا يلجأ إليها المسلمون إلا لدفع الظلم عن أنفسهم ومن ثم فليس من المنطق أن يحرّم الإسلام القتال حينئذ، يقول عز وجل: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" ( الحج (39)
ولكن السؤال .. هل يبدأ أو يبادر المسلمون بالقتال ... الإجابة لا بالطبع .. إذن و ما الدليل على ذلك .. الدليل هو قوله تعالى " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " البقرة 190 ولذلك يَحْرُم على المسلمين بدء القتال أو الاعتداء على أحد إطلاقا .. ولكن يحل لهم رد الاعتداء عليهم في أي وقت بالطبع .. وهذا أمر منطقي ..
لقد جاء الإسلام وكانت العرب قبل الإسلام تحرم القتال في الأشهر الحُرُم .... كما كان معروفا و محرماً في ملة إبراهيم عليه السلام .. وجاء الإسلام فأقر تحريمه ..... وأبقى لهذه الأشهر حرمتها لتكون هدنة يتمكن العرب معها من الســفر للتجارة وللحج والعمرة ولا يخافون أحداً .. يقول تعالى : "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَاعَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" {التوبة/36}
إن من الجدير بالذكر في هذا المقام ....... انه بالرغم من نص ميثاق باريس وميثاق الأمم المتحدة على تحريم الحرب فإنهما ما زالا يقران مشروعية الحرب التي تدخل فيها دولة دفعا لإعتداء واقع عليها - وهو بأن يدافع كل إنسان عن نفسه . المرجع : المعاهدات في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، د. محمود إبراهيم الديك، المكتبة الوطنية، مصر، ط2، 1997م، ص31:26 بتصرف.
وختاماً فإن ما ذكره السيد " ملحد " بأن محمد صلى الله عليه وسلم أفسد التقويم الهجري ..... ولهذا يأتي ربيع الأول بالشتاء وجمادى بالصيف ورمضان بالخريف !!!! فلا أدري من أين جاء سيادته بذلك .... فالكل يعلم أن شهور السنة عند المسلمين ترتبط بالقمر وليس بالشمس " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ "البقرة 189 - و بالتالي فان كافة شهور السنة عند المسلمين تتأرجح على مدار الأربعة فصول للسنة الشمسية .. هذا والأطفال يلاحظون ذلك مع شهر رمضان الذي تارة يأتي صيفاً و تارة يأتي شتاءاً أو غير ذلك ... وليس بالخريف فقط كما ذكر سيادته .
المفضلات