ثانيازمن يوسف صلى الله عليه وسلم
كان زمن يوسف صلى الله عليه وسلم بعد زمن ابراهيم صلى الله عليه وسلم بثلاثة قرون على الاقل ولا غرابة نظرا لتواتر الاخبار عن امتداد اعمار كل من ابراهيم واسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام لعشرات طويلة من السنين وقد حاول بعض المبشرين انتصارا لرواية العهد القديم القول بأن ابراهيم ويوسف عليهما الصلاة والسلام كانا مزامنين للهكسوس وهذا باطل لان معناه ان يوسف صلى الله عليه وسلم كان اخر ايام الهكسوس ومعروف ان بنى اسرائيل ترعرعوا بعد وفاة يوسف صلى الله عليه وسلم فكيف ستنمو قبيلة بنى اسرائيل بكل هذا العدد تحت قهر الفراعنة الذين طردوا الساميين؟اضافة الى ان الاحداث التى فى التوراة لم تحدث فى هذا الزمن فكل الاسماء والشخصيات والمدن المرتبطة بأبراهيم التوراتى تكاد تكون اسطورية.وفى مقدمة سريعة نقول لقد تصور البعض ان زمن يوسف صلى الله عليه وسلم هو زمن الهكسوس وهذا غير صحيح فقد اثبتت النقوش والاثار غير ذلك وقد اورد المهندس زهدى جمال الدين بحثا معمقا فى ها الامر موجود على موقع ابن مريم وغيره واضيف انا لكلام استاذنا الفاضل نعم لقد اكد القرأن الكريم ان زمن يوسف كان فى غير زمن الهكسوس او زمن الفراعنة(ملوك الدولة الحديثة فقط هم من تلقبوابالفراعنة صراحةوقد اعجز القرأن الكريم فى ذلك حينما فرق بين الملك والفرعون)بل كان نبيا الى المصريين قبل ظهور بنى اسرائيل كقبيلة اصلا وقد شك المصريون فى دعوته وفرحوا بموته صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى على لسان مؤمن ال فرعون للمصريين فى سورة غافر:
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
هذه حقيقة تاريخية وهى ان زمن الهكسوس متأخر عن زمن يوسف صلى الله عليه وسلم لاسباب عديدة ترتبط بالمظاهر الاقتصادية والاجتماعية التى نقلها العهد القديم والقرأن الكريم لا مجال لها هنا ولكنى اسئل من اخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا؟
والله الذى لا اله غيره لو كان لاعداء الاسلام ذرة عقل ما القوا انفسهم فى اعماق جهنم!
يذهب المهندس زهدى جمال الدين الى رأى مفاده ان ملك مصر زمن سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم هو امنمحات الثالث وانا اكاد اتفق معه فى هذا الرأى واضيف الى كلامه المحترم الذى اتمنى ان يطلع عليه الباحثون ادلة اخرى :
1- التأثر الشديد لنساء مصر بهيئة يوسف صلى الله عليه وسلم الوسيمة يرجح كونه اجنبيا عنهم فمهما كان الرجل جميلا لا يدفع المرأة الى الخيانة بدافع العشق الا الرجل المختلف ويبدو ان النسوة لم ترى مثل الهيئة البيضاء ليوسف صلى الله عليه وسلم بينما كان الهكسوس من نفس الجنس كما انه من الصعب تقبل فكرة استعباد الهكسوس لبنى جلدتهم ووطنهم كما حدث مع يوسف صلى الله عليه وسلم.كما ان القراءة المتعمقة لنصوص سفر التكوين توجد تواتر فى الشواهد على ان يوسف صلى الله عليه وسلم كان اجنبيا بالنسبة للمصريين وكذلك قومه مما ينفى كونه فى زمن الهكسوس ويرجح الرأى الاخر بأنه كان على عهد مصرى واخذ الجنسية المصرية بحكم النشأةوالتربية.
2- وجدت قصة يوسف صلى الله عليه وسلم منحولة على ملك سابق هو زوسر وطبعا القصص المنحولة امر طبيعى مع الحروب وضياع التوثيق.المهم ان الكهنة المصريين كتبوا القصة فى عهد البطالمة دليل على ان يوسف عليه الصلاة والسلام كان نبيا الى المصريين فمن المستحيل ان يمجد الكهنة المصريون رجلا من الهكسوس الاعداء ويجعلونه مصريا حكيما مقدسافى زمن فيه احتلال البطالمة الذى كان المصريون يكرهونه.وما يزيد من تأكيد نبوة يوسف صلى الله عليه وسلم للمصريين هو التطابق بين العمر المثالى عند القدماء المصريين وعمر يوسف فى العهد القديم وهو مائة وعشرة سنة(كتاب مصر فى القرأن والسنة)وهناك اشارات اخرى فهناك قصة مقدسة عند المصريين القدماء عن اخوين فى بيت واحد احبت زوجة احدهما الاخ الاصغر وهى تشبه قصة امرأة العزيز مع يوسف صلى الله عليه وسلم.
3-صاحب كتاب مصر فى القرأن والسنة الدكتور احمد عبد الحميد يوسف برغم انحيازه للرؤية الاستشراقية التوراتية ان عصر يوسف صلى الله عليه وسلم هو عصر الهكسوس الا انه اعترف ان اسماء فوطيفار وزليخا فى العهد القديم هى من الدولة الوسطى وان فوطيفار هو كاهن رع-رمز الشمس- لعاصمة الاسرة الثانية عشرة وبالمناسبة الهكسوس لم يعبدوا رع بل عبدوا ست –رمز الشيطان والشر عند المصريين القدماء-(واضيف بأن لقب العزيز كان يقال للحاكم الاقليمى فى ذلك العصر ايضا وهناك شواهد اخرى).
4- برغم اعتقاد صاحب كتاب مصر فى القرأن والسنة بصحة الرواية التوراتية الاسطورية الا انه اعترف بأن تجارة الرقيق كانت نشطة قبل زمن الهكسوس.
5- يعترف اعترافا هاما جدا صاحب المصدر السابق فينقل ص65 كلاما لاحد حكام الاقاليم المصرية فى الاسرة الثانية عشرة ويبدو من كلامه انه نجح فى تنفيذ الخطة العبقرية التى اقترحها سيدنا يوسف صلى الله عليه وسلم على الملك بالتخزين ونجح الحاكم الاقليمى فى هزيمة المجاعة فى الصعيد ويفتخر بنجاح الخطة.بل ان الاهم من ذلك ان المصريين -وفقا لما اورده صاحب الكتاب -اخذوا خطة يوسف صلى الله عليه وسلم باستمرار ونفذوها بشكل مستمر عند كل مجاعة فحتى فى الاسرة الثالثة عشرة قبل الهكسوس هجمت المجاعة لتجد المصريين ينفذون خطة يوسف صلى الله عليه وسلم ويهزمونها(نفس المصدر السابق) وهذا دليل قاطع على اسبقية زمانه للهكسوس بل للاسرة الثالثة عشرة لانه وفقا للقرأن الكريم لم يكن المصريون يعرفون فكرة التخزين.
6- كان زمن امنمحات الثالث فى اطار القرن الثامن عشر قبل الميلاد الذى كان مسموحا للساميين بالاستيطان فى مصر.واهم اعمال هذا الرجل على الاطلاق هى استغلال منخفض الفيوم حيث بحريوسف وكان هذا الملك عادلا رغم كفره ولم يتم تأليهه الا بعد موته لذكراه الطيبة.وهو اول من بدء التجهيزات لمحاربة المجاعة ونقص المياه.
7-.طول فترة حكم امنمحات بين اربعين وخمسين سنة يتناسب مع القصة القرأنية وهناك اشارة الى تغير نظام الحكم فمثلا فى نهاية القصةالملك اصبح اكثر سطوة والعزيز اقل سلطة (فلم يستطع يوسف صلى الله عليه سلم ان يسجن اخيه مباشرة كما فعل العزيز معه واضطر ان يلفق له تهمة)وهذا يتناسب مع التغيرات التاريخية بين سنوسرت الثالث وامنمحات الثالثوكذلك صفاته الشخصية كالحكمة والذكاءوالعدل وعدم الميل الى الفتوحات العدوانية ولم تكن له فتوحات تذكر فى اسيا بعكس سلفه بما يتناسب مع الرواية القرأنية التى قدمته فى صورة محترمة رغم كفره
ويبدو ان للمرأة كان لها دور كبير فى عهده بدليل بناء هرم هوارة المخصص لدفن النساء الملكيات وهو ما نستشفه من دور المرأة فى قصة يوسف صلى الله عليه وسلم
اخيرا المسجد الاقصى وقبة الصخرة فى التاريخ:ظهر فى الادبيات اليهودية والمسيحيةان ملكى صادق هو اول من بنى القدس (تاريخ مختصر الدول لابن العبرى نقلا عن يوسفيوس وفيلو وغيرهم من مؤرخى اليهود)وهذا الكلام فى ظاهره يتناقض مع حديث النبى صلى الله عليه وسلم عند الشيخين عن التقارب الزمنى بين بناء المسجد الحرام والمسجد الاقصى
قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال : ( المسجد الحرام ) . قال : قلت : ثم أي ؟ قال : ( المسجد الأقصى ) . قلت : كم كان بينهما ؟ قال : ( أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله ، فإن الفضل فيه ) . الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث:
البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3366
خلاصة حكم المحدث: [صحيح
الاعجاز التاريخى فى هذا الحديث يؤكد الدكتور خزعل الماجدى فى كتابه تاريخ القدس منذ اقدم العصور ان منطقة قبة الصخرة كانت مقدسة منذ زمن الاموريين –اول من استعمر القدس-واستمرت الى الان وكانت تقدم عليها الذبائح بل الصخرة المقدسة نفسها التى منها عرج صلى الله عليه وسلم الى السماء هى التى كانت مقدسة منذ زمن غير محدد.وبالعودة الى التاريخ نجد الدكتور خزعل الماجدى فى كتابه تاريخ القدس منذ اقدم العصور يؤكد وجود اثار حياة فى حيز المدينةمنذ العصر الحجرى ويؤكد فى ص65 من الكتاب أن المدينة نفسها تأسست بالقرب من عام3200ق.م بل وقبل مجىء اليبوسيين او الكنعانيين اصلا وان أول من بنى القدس هم الامورين وهم شعب سامى على الارجح وان كانوا مجهولى البداية وان دور اليبوسيين تجديد المدينة بعد هجر السكان لاسباب مناخية.
المفضلات