أبعدت الاستخبارات السويدية قبطان طائرة مدنية اعتنق الإسلام من مهنته لكونه هدفا مهما لتنظيم القاعدة لتجنيده نظرا لمهنته الحساسة ولخلوه سجله من أي أعمال إرهابية أو إجرامية.
وقال الطيار السابق "مرشد" إن جهاز الاستخبارات السويدية المعروف باسم "موست" حاول تجنيده أيضا في الاتجاه المعاكس بين المجموعات الإسلامية في السويد لأنه من السهل استخدامه في مهمات صعبة ومعقدة تتعلــــق بالتنظيمات الإسلامية.
وأضاف أن عقيدته وقناعاته تمنعه من خدمة أي من الطرفين، فكان ثمن رفض العرض الاستخباراتي أن خسر وظيفته التي تعب سنوات طويلة من أجلها. ومرشد هو سويدي الجنسية من أب مسلم ينتمي لإحدى الدول الإفريقية وأم سويدية، لكنه نشأ مسيحيا إلا أنه لم يكن متدينا وعاش حياة الملذات والنساء على حد قوله لصحيفة "الحياة" اللندنية.
وفي تقرير نشرته الصحيفة تقدم وصفا لحياة "مرشد" بعد إسلامه فهو يدخل إلى المصلى المتواضع في إحدى ضواحي العاصمة السويدية استوكهولم حيث معظم السكان من المهاجرين ويبتسم عن بعد لـ "إخوانه في الدين". هم نحو عشرين شاباً منهم سويديو الأصل اعتنقوا الإسلام قبل سنوات ومنهم أجانب يقيمون في السويد منذ مدة طويلة.
ومنهم من هم مثل مرشد، والدته سويدية ووالده من القارة الإفريقية. فبعد نهار طويل من الدراسة والعمل كسائق باص، يأتي مرشد إلى المصلى كي يجتمع مع أصدقائه ويتبادل معهم الحديث في الأمور الدينية. لكن ما يميز مرشد عن بقية رفاقه أن مهنته الأصلية ليست سائق باص، بل قبطان طائرة.
منع مرشد من ممارسة مهنته الحقيقية لأنه من المسلمين الذين يوصفون بالتشدد والمعروفة اسماؤهم لدى جهاز الاستخبارات السويدي (سابو). بابتسامة بسيطة، ترتسم على محياه يتحدث عن حلمه الذي تحطم بسبب أحداث 11 سبتمبر/أيلول ويقول بهدوء: "كنت منذ الصغر احلم بأن أصبح قبطاناً. اجتهدت في المدرسة وحصلت على علامات خولتني دخول كلية الطيران الحربي".
ويضيف: "خدمت في جنوب السويد في إحدى القواعد العسكرية. هناك حصلت على تدريب مميز من ضباط خبراء في الطيران، وبعد الخدمة العسكرية، أكملت دراستي وأصبح في إمكاني قيادة طائرات مدنية كبيرة الحجم".
قبل أن يدخل مرشد كلية الطيران الحربي، كان من الموسيقيين الشباب المعروفين في السويد. يتذكر تلك المرحلة من حياته من دون أن يترحم عليها، ويقول: "بالفعل، كنت أقيم مع فرقتي الحفلات الموسيقية الصاخبة. نحن نتكلم على مرحلة في حياتي قبل اعتناق الإسلام. جربت حياة الملذات والمال والنساء، لكن كل ذلك العالم انتهى عند تعرفي إلى الدين الإسلامي".
كان مرشد بحسب مفهوم "إخوانه" الحاليين شاباً تائهاً لا يعرف قيمة الحياة الآخرة وينغمس كثيراً في ملذات الحياة الدنيوية التي لها مكانة كبيرة في المجتمعات الغربية. لكن في أحد الأيام وبعد أن تعرف إلى شاب من شباب الدعوة الإسلامية، اكتشف أن الإسلام هو الدين الذي كان يبحث عنه.
ويشرح: "فجأة انتبهت إلى أن أصل والدي مسلم وأن الإسلام هو الدين الذي يعطيك أجوبة عن الأسئلة التي يطرحها كل البشر. دخلت الدين الحنيف من أوسع أبوابه. ومنذ ذلك الوقت وأنا مستمر على النهج الإسلامي". ترك مرشد عالم الغناء والملذات واتجه نحو الإسلام، ونحو تعزيز حلمه الكبير في أن يصبح قائد طيران.
من المعروف أن كل جيوش العالم تخضع العناصر الذين يريدون دراسة اختصاص حساس ومهم في الشؤون العسكرية إلى رقابة شديدة. ولم يكن من الصعب على قيادة الجيش اكتشاف أن مرشد مسلم ملتزم ومن التيار "المتشدد".
لم تمنع قيادة الجيش مرشد من الدخول إلى كلية الطيران.. "وأصبحت أقود طائرات حربية من النوع المعقد والأكثر حداثة في الجيش. لكن بعدما اكتشفت الدين الإسلامي أكثر أصبحت لا أؤمن بفكرة الخدمة في جيش اعتبره أنا أجنبياً لأنه ليس جيشاً إسلاميا، فقررت التخلي عن مهماتي في الجيش والتوجه إلى إتمام دراستي في الطيران المدني".
وبالفعل تخرج مرشد وأصبح قبطاناً بعد تفوقه في المواد الأكاديمية والتطبيقية. توقف حلم مرشد عند ذلك الحد، علامات ممتازة مطبوعة على شهادة تخرجه في كلية الطيران. لكن يمنع عليه أن يمارس مهنته لأنه يشكل خطراً على الأمن القومي في السويد.
يقول مرشد: "طبعاً هم ينظرون إلي على أنني من الأشخاص الخطرين في السويد. هم يعرفون أن لا علاقة لي بتنظيم القاعدة أو بالحركات التي توصف بأنها "إرهابية" ولدى الاستخبارات معلومات كاملة عن الأشخاص الذين اجتمع معهم ويعرفون توجهنا الإسلامي".
لمرشد أصدقاء تعتقد السلطات السويدية أن لهم علاقة بتنظيمات "إرهابية" ومنهم من اعتقل بتهمة محاولة خطف طائرة كانت متجهة من السويد إلى لندن. واعتقل ذلك الشاب أثناء محاولته الصعود على متن تلك الطائرة وكان يوجد في حقيبته الصغيرة مسدس.
بعد أشهر من التحقيقات المكثفة، أطلق سراح الشاب بعد ثبوت براءته من تهم الإرهاب لكنه أدين بتهمة حيازة سلاح من دون ترخيص. كل هذه الأمور تضع مرشد في دائرة الشك من السلطات السويدية.
لكن لمرشد تفسيراً آخر لمنعه من ممارسة مهنته الأصلية "فأنا من الشباب الذين ولدوا وترعرعوا في السويد. والدتي سويدية ووالدي مسلم وسجلي العدلي نظيف مئة في المئة. لذا تعتقد (الاستخبارات السويدية) انني هدف تجنيد مهم من تنظيم القاعدة. فهم يعتقدون أن القاعدة تريد تجنيد أشخاص مسلمين لهم سجلات خالية من الإجرام إضافة إلى امتلاكهم مهنة حساسة مثل مهنتي".
بما أن مرشد، وبحسب اعتقاده واعتقاد الاستخبارات السويدية، هدف مهم لتنظيم القاعدة، حاول جهاز الاستخبارات العسكرية السويدية (موست) "تجنيدي لمصلحته من اجل اختراق الحركات الإسلامية في السويد. فأنا قد أكون مهماً بالنسبة إلى القاعدة لكنني أهم بالنسبة إلى الاستخبارات السويدية، لأن من السهل استخدامي في مهمات صعبة ومعقدة تتعلــــق بالتنظيمات الإسلامية، لكن عقيدتي وقناعاتي تمنعني من خدمة أي من الطرفين، فقررت الاستغناء عن المهنــة التي تعبت سنوات طويلة من أجلها".
يصلي مرشد صلاة العشاء مع "إخوانه" في المصلى الصغير في إحدى ضواحي العاصمة استوكهولم، يلقي تحية الإسلام عليهم ويخرج في عتمة استوكهولم، فهو على عجلة من أمره إلى البيت: "أريد أن اخلد إلى النوم كي أرتاح لأنني سأستيقظ في الصباح الباكر"، كي يقود باص المواصلات العامــة في استوكهولم، تلك المهنة التي اختارها من أجل ضمان استمرارية العيش.
لكن مرشد المقتنع بنصيبه لا يزال يعتقد انه "سيأتي يوم وتنفرج الأمور وتصبح الأوضاع الأمنية والسياسية أفضل وأعود إلى مهنتي الأصلية".
المصدر
http://www.alarabiya.net/Articles/2005/08/22/16117.htm
المفضلات