بقلم عبدالله بن عبدالرحمن النديم
"...فرحةُ بعضِ المسلمينَ بما حصلَ وأنّهُ جاءَ ردّاً لاعتبارِ العراقيينَ وغيرِهم ، سيجعلُهم في حماسةِ ذلكَ يغفلونَ عن السيناريوهاتِ المُعدّةِ سلفاً لأعمالِ قمعٍ واستبدادٍ باتتْ قرارتُها ساريةَ المفعولِ ، وتعليقِ الديمقراطيّةِ إلى أجلٍ غيرٍ مُسمّى ..."
تبقى الدولُ الكُبرى هادئةً وادعةً ما لم تُصبْ بضربةٍ في داخلِها ، فإنَّ ذلك يُفقدُها صوابَها ، ويحوّلها إلى قوّةٍ كاسرةٍ لخصومِها ، هذا ما قالهُ أحدُ الرؤساءِ الأمريكيينَ السابقينَ عن أمريكا ، وهو ما تحتذيهِ الآنَ الدولُ العُظمى .
لسانُ حالِ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن ضرباتِ لندنَ هو : حبيبٌ أتى على فاقةٍ ، ولم آمرْ بها وقد سرّتني جداً وما ساءتني ، وهذا ما قد يدفعهُ إلى الإسراعِ في تطبيقِ الأنظمةِ الاستثنائيةِ لمحاربةِ الإرهابِ ، وقد بدأتْ قبلهُ دولٌ أخرى في ذلك ، كانَ على رأسِها الولاياتُ المُتحدةُ الأمريكيّةُ حينَ سنّتْ قوانينَ وشرائعَ غايةً في الدناءةِ لتصفيةِ الحركاتِ والجماعاتِ والشخصيّاتِ الإسلاميّةِ في أمريكا ، بحُجّةِ الحربِ على الإرهابِ ، وما كانَ لبلير أن يخرجَ عن عباءةِ أمريكا وهو خادمها الطيّعُ .
وبلغَ من صلفِ وزيرِ العدلِ الأمريكيِّ السابق جون آشكروفتْ أنّهُ صرّحَ تصريحاً فظيعاً قالَ فيهِ : لقد شرعنا أنظمةً بعد أحداثِ 11/9 تسمحُ لنا باعتقالِ من يبصقُ في الشارعِ بتهمةِ القضاءِ على الإرهابِ ، وهذا ما يفتحُ البابَ أمامَ نقاشٍ طويلٍ قد لا ينتهي إلا بعد عقودٍ من الزمنِ ، حولَ الجهاتِ المغذّيةِ للجماعاتِ الإرهابيّةِ ، أو من يقفُ وراءها ، لأنَّ النتائجَ دائماً في صفِّ الدولِ المُستهدفةِ ، وتبقى المجموعاتُ المنفذّةُ مجرّدَ أشخاصٍ يَفنونَ ويتبخّرونَ بانتهاءِ العمليّةِ ، لتبدأ فيما بعدُ لعبةُ العليّاتِ المعقّدةِ وتصفيةِ الحساباتِ وتوزيعِ الأرباحِ ذاتِ الأرقامِ الفلكيّةِ .
الحديثُ عن تفجيراتِ لندنَ هو نفسُ الحديثِ المكرورِ عن أحداثِ نيويورك ، هناكَ تمّتْ عملياتٌ مفاجئةٌ ، عاشَ العالمُ بعدها على حمّى الحربِ الإرهابِ ، وامتدتْ هذه الحمّى لتنالَ وتطالَ من كلِّ ما هو إسلاميٌّ في أمريكا ، حتّى خرجتْ مؤسّسةُ راند — ذاتِ التأييدِ الكبيرِ في البنتاغون - مناديةً بوجوبِ ضربِ المملكةِ لكونِها معقلَ الإرهابِ ، وخرجَ من السيناتوراتِ الأمريكان من نادى باحتلالِ مكّةَ وضربِ الكعبةِ ، وجرتْ محاكماتٌ مارثونيّةٌ - أعادت للأذهان محاكمَ التفتيشِ - للدعاةِ إلى اللهِ وللشبابِ المسلمِ — آخرها محاكماتُ الشيخ علي التميمي والأخ حميدان التركي فرّجَ اللهُ عنهما - ، وكانتِ التهمُ مضحكةً والشهاداتُ والذممُ مشتراةً باعترافِ الشهودِ أنفسهم مُقابلَ تخفيفِ الأحكامِ ضدّهم وعلى مرأى ومسمعٍ من القضاةِ والمُحلّفينَ ، وأصدروا أحكامهم كأنَّ شيئاً لم يكنْ !! ، ونتجَ عن ذلكَ أحكامٌ خرافيّةٌ بالسجنِ إلى مددٍ لم تسبقْ لها نظائرُ في تأريخِ أمريكا الحديثِ .
ولو لم يكنْ من وحْي تلكَ التداعياتِ إلا إزالةُ حكومتينِ عريقتينِ ومن ثمَّ الزجُّ بخيرةِ شبابِ الأمّةِ في معتقلاتٍ أشبهَ بحظائرِ الغنمِ في غوانتنامو ، وتصفيةُ الحركاتِ الإسلاميّةِ الفعّالةِ بما فيها الحركاتُ المُجاهدةُ والجمعياتُ الخيريّةُ ، ومُلاحقةُ الدعاةِ وأهلِ العلمِ وإصدارُ مذكراتِ توقيفٍ خاصّةٍ بهم ، واستعمارُ القيمِ والمفاهيمِ الشرعيّةِ وتغييرِ معانيها ، وتفعيلُ ما باتَ يُعرفُ بالإسلامِ السكوني — وهو التديّنُ الساكنُ الذي لا يرتبطُ بالواقعِ أو يتفاعلُ مع الأحداثِ - ، وتقويةُ نفوذِ العلمانيينَ والعصرانيينَ ودعاةِ التغريبِ وتحريرِ المرأةِ في البلادِ الإسلاميّةِ ودعمهم بالمالِ والغطاءِ القانونيِّ ، هذا غيرَ التدخّلِ السافرِ في الشئونِ الداخليّةِ للدولِ المُسلمةِ ، والنّيلِ من قيمها ومقدّساتِها وفرضِ التغييراتِ عليها بالقوّةِ ، لو لم يكنْ من وحْي تلكَ التداعياتِ إلا هذا لكفى ! ، فكيفَ والعالمُ يشهدُ تمرّداً لا مثيلَ لهُ لإمبراطوريةٍ تحكمُ العالمَ بسياسةِ الحديدِ والنّارِ ، جرّأها على ذلك افتعالُها لبعضِ الصراعاتِ هنا وهناكَ وتسهيلُها لبعضِ العملياتِ على أراضيها .
لا أريدُ أن أستغرقَ في التعاطي والانسياقِ وراءَ نظريّةِ المؤامرةِ ، ولكنَّ هناكَ حدّاً أدنى من الحقائقِ مُتفقاً عليهِ بينَ العقلاءِ ، وهو أنَّ الرابحَ من الأحداثِ كالمُتسبّبِ فيها ، وسواءً فعلها وسهّلَ لها ، أو كانَ مُفاجَئاً بها ، إلا أنّهُ أفادَ منها وجيّرها لخدمةِ مصالحهِ المتعطّلةِ ، والتي كانتْ تنتظرُ زلّةً مثلَ هذه ليجهزَ حينها على خصومهِ ومناوئيهِ ويقومَ بتصفيتهم تِباعاً دون أن يجدَ أدنى غضاضةٍ ، ولهذا فإنَّ الفاعلَ ولو قصدَ المناوئةَ إلا أنّهُ صارَ سيفاً في خاصرةِ أمّتهِ يطعنُها بهِ العدوُّ الخارجيُّ ، وعادَ عملهُ وبالاً على الأمّةِ .
الملفاتُ السرّيةُ القذرةُ لوكالةِ المُخابراتِ الأمريكيّةِ وللموسادِ تكشفُ عن حقائقَ مغيّبةٍ عن الجمهورِ ، مفادُها أنَّ تلكَ الأجهزةَ لا تتوانى عن التضحيةِ ببعضِ مصالحِها وقيَمها بل وحتّى شعبِها لتحقّقَ عائداً أكبرَ ، والأخلاقُ في الغربِ تمَّ تفريغُها من قيمها الحقّةِ لتبقى أموراً محكومةً بالمنفعةِ والفائدةِ ، كما هو رأي دُعاةِ المنهجِ الوضعي ، ولهذا نجدُ سلوكيّاتٍ قذرةً لدى عملاءِ ورجالِ تلكَ الأجهزةِ ، من قتلٍ وتصفيةٍ واغتيالٍ واتجارٍ بالمخدراتِ وتعاونٍ مع أبشعِ الأنظمةِ الشموليّةِ ديكتاتوريّةً وقمعاً ومع المافيا وتشجيعِ الدعارةِ وإغراءِ المُخبرينَ بالنساءِ والمالِ ، ومن أقلِّ تلكَ الأمورِ خسّةً هو الغضُّ المتعمدُ للطرفِ عن ضرباتٍ مُبيّتةً للعدوِّ — وربّما المُشاركةُ في إعدادِها - لتحقيقِ مكاسبَ أعظمَ ، ولعلَّ أحداثَ بيرل هاربر ونيويورك شاهداتٌ على ذلك .
ولمن أرادَ المزيدَ فلْيُراجعْ كتاب : التحالفِ الأسودِ : وكالةُ الاستخباراتِ المركزيّةِ والمُخدّراتُ والصحافةُ ، من تأليفِ الكسندر كوكبرن و جيفري سانت كلير ، ففيهِ العديدُ من الوثائقِ والتقاريرِ المروّعةِ لطريقةِ عملِ تلكَ الأجهزةِ الإجراميّةِ .
دائماً يحولُ دونَ الوقوفِ على الحقيقةِ أمرانِ : كثرةُ المعطياتِ ممّا يجعلُ أمرَ تحليلِها شاقّاً على مُتتبعي المعلوماتِ وراصديها ، وقلّةُ المعلوماتِ وشحّةُ مصادرِها ، ويزيدُ الأمورَ غموضاً الحديثُ العاطفيُّ عن الأحداثِ وتغييبُ العقلِ والقراءةِ الاستشرافيّةِ بفعلِ الحديثِ الارتجاليِّ أو الانفعاليِّ وهو ما يتناسبُ مع مستوى الجرائدِ والصحفِ ولا يجدُ له مكاناً في الخطابِ العقلانيِّ المُستبصرِ .
أحداثُ لندنَ يجبُ أن تُستنكرَ ، وسواءً وقعَ الاستنكارُ لذاتِ الفعلِ ، لكونهِ فعلاً لا تقرّهُ الشريعةُ من استقصادِ الآمنينَ من غيرِ المُحاربينَ ، وسلوكِ مسلكِ الغدرِ ، وهو طبعٌ مشينٌ لا تقرّهُ الشريعةُ ولو كانَ على سبيلِ المقابلةِ ، لأنّهُ في ذاتهِ أمرٌ مُستقبحٌ وتنفرُ منهُ الطباعُ السليمةُ ، ولهذا لم يصفِ اللهُ — تباركَ وتعالى — ذاتهُ بهِ ، مع أنّهُ وصفَ نفسهُ بالمكرِ والاستهزاءِ والسخريّةِ على وجهِ المقابلةِ ، لكنّهُ لم يصفْ نفسهُ بالغدرِ مع معاملةِ عدوّهِ لأوليائهِ بهِ ، وذلك لأنَّ الغدرَ قبيحٌ على كلِّ حالاتهِ ، سواءً كانَ تحريمُ الفعلِ لذاتهِ ، أو لمآلاتهِ وعواقبهِ ، وهي كثيرةٌ جداً ولا تغيبُ عن الحصيفِ العاقلِ ، إلا أنّنا يجبُ أن نقفَ ضدّهُ وننبّهَ إلى خطورتهِ على مسيرةِ العملِ الإسلاميِّ المتنامي في أوروبا ، حيثُ تشهدُ أوروبا صحوةً إسلاميّةً قويّةً جداً وارتفاعاً في نسبةِ المسلمينَ المُتدينينَ ، كما أنَّ أوروبا مأوى لكثيرٍ من المسلمينَ الذين ضاقتْ بهم البلادُ الإسلاميّةُ ورفضتِ استقبالهم على أرضها .
وفي مقابلِ هذا الاستنكارِ يجبُ على عقلاءِ البريطانيينَ أن ينتصفوا من رئيسِ وزراءهم وهو الذي زجَّ بهم وببلادِهم في حربٍ جائرةٍ ضدَّ الشعبِ العراقيَّ راحَ ضحيّتها عشراتُ الآلافِ من القتلى والجرحى والمشرّدينَ ، ولم تحملْ تلكَ الحربُ أيَّ معنى للعدالةِ والنّزاهةِ ، وهي القيَمُ التي جاءَ بليرُ ليؤكّدَ عليها بعدَ حدوثِ التفجيراتِ في لندنَ ! ليتذكّرَ هنا ما نسيهُ في العراقِ ، ويشربَ من ذاتِ الكأسِ المرّةِ التي أذاقها العراقيينَ .
إنَّ أحداثَ لندنَ — بغضِّ النظرِ عن من وراءها - جاءتْ فرصةً سانحةً لحكومةِ بريطانيا لتصفّي من تبقى فيها من رموزِ الحركاتِ الإسلاميّةِ ، وكذلكَ الجماعاتِ المهاجرةِ ، والذين يعيشونَ وضعاً اجتماعياً لا نظيرَ لهُ ، خاصّةً لو علمنا أنَّ كثيراً منهم لو رجعَ لبلدهِ لما قوبلَ إلا بمقاصلِ الإعدامِ وأحكامِ السجنِ المؤبّدةِ ، ولا ننسى هنا ما نشرتهُ جريدةُ واشنطن بوست قبل أيامٍ ، من أنَّ وكالةِ المخابراتِ الأمريكيّةِ نسّقتْ مع المخابراتِ الإيطاليّةِ في خطفِ أحدِ أئمّةِ المساجدِ المصريينَ وتسليمهِ إلى مصرَ ، مع أنّهُ كانَ لاجئاً سياسياً فيها ، وهذا النقلُ يبيّنُ لنا مدى حرصِ أولئكَ الكفرةِ على تصفيةِ العاملينَ في المجالِ الإسلاميِّ ، حتى لو لم يجدوا المبرّرَ لتلكَ الفعلةِ الشنيعةِ ، وحتى لو سلكوا طريقةَ المجرمينَ في الخطفِ والسرقةِ والنّقلِ في طائرةٍ أمريكيّةٍ خاصّةٍ جاءتْ إلى مطارِ روما ، فكيفَ لو قُدّمَ لهم المبرّرُ على طبقٍ من الذهبِ ! .
إنَّ هذا العصرَ هو عصرُ سماسرةِ الحروبِ بلا مُدافعٍ ، والسياسةُ الرائجةُ هي سياسة الميكافيلليةِ دونَ اعتبارٍ للقيمِ ومراعاةٍ للضمائرِ .
لا شكَّ أنَّ الأحداثَ السياسيّةَ مُتشابكةٌ بطريقةٍ معقّدةٍ ، وتشابُكها هذا يؤدّي إلى التسلسلِ السريعِ لأثرِ أي عملٍ جماعيّاً كانَ أو فرديّاً ، واتحادُ العالمِ وتضائلُ حدودهِ واقترابهِ بعجائبِ الأثيرِ يجعلُ الحدثَ قابلاً للتدويلِ ولو كانَ هامشياً لا يؤبهُ لمثلهِ ، وهذا ما يجعلُنا نوصي المسلمينَ بضرورةِ ضبطِ النفسِ والتحلّي بالصبرِ ، وعدمِ استعمالِ العنفِ والسلاحِ سواءً بالخروجِ على الحكوماتِ في داخلِ البلدانِ الإسلاميّةِ أو مع الدولِ الخارجيّةِ ، وتأثيمِ فاعلِ ذلكَ وضرورةِ كشفِ الخللِ الفكريِّ والمنهجيِّ لديهِ، فالعنفُ الداخليُّ يُشقّقُ البلادَ ويفتحُ البابَ أمامَ العدوِّ الخارجيِّ ليُنفّذَ ما يراهُ من مشاريعَ ويفرضَ ما يُريدُ من تغييراتٍ أو يوقعُ البلادَ في دوّامةٍ من الحربِ الأهليّةِ لا ينتهي طرفٌ منها حتّى يلوحَ آخرُ ، والعنفُ الخارجيُّ يجعلُ الحركاتِ الإسلاميّةَ على وشكِ التصفيةِ والمُلاحقةِ ، في الوقتِ الذي تبحثُ هي فيهِ عن مناخاتٍ آمنةٍ لمواصلةِ العملِ الدعوي والخيريِّ بعد نبذِ الكثيرِ من الدولِ لهم ، ويُفسدُ كذلكَ على الدعاةِ إلى اللهِ أعمالهم في دعوةِ النّاسِ إلى الإسلامِ بتشويهِ معالمهِ بأحداثِ العنفِ ، وقد راعى النبيُّ — صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ — جانبَ التشويهِ للإسلامِ فسدَّ منافذهُ ولو كانتْ في نفسِها محبوبةً للهِ تعالى ، لما في التجافي عنها من خيرٍ أعظمَ .
وأمّا الجهادُ والمقاومةُ المشروعةُ ضدَّ المحتلِّ الأجنبيِّ فهذا لا يدخلُ في حديثي السابقِ ، لأنّهُ حقٌّ للشعوبِ إذا أرادتْ ذلك بإجماعِ الأعرافِ الدينيّةِ والدوليّةِ أن تُدافعَ عن أرضها وعرضها ضدَّ أي أجنبيٍّ يتدخلُ في شئونهم سواءً كانَ بالقوّةِ أو بالرأي ، ونصّتْ عليهِ اتفاقياتُ الأممِ المُتحدةِ وقراراتُ المؤتمرِ الإسلاميِّ ووزاراتِ الداخليّةِ العربِ .
يجبُ على مفكّرينا وحكمائنا أن يتصدّوا لبيانِ هذه الأخطارِ ، وأن يكاشفوا الشبابَ المسلمَ المتحمّسَ بضرورةِ مراجعةِ العقلِ والتحلّي بالصبرِ وضبطِ النفسِ والانضواءِ تحتَ رايةِ الجماعةِ ، وتوحيدِ المرجعيّةِ ما أمكنَ ذلكَ ، وقد يتطلّبُ ذلكَ زمناً إلا أنّهُ سيؤتي ثمارهُ مع مرورِ الوقتِ إن شاء اللهُ تعالى ، لاسيّما حينَ يرى أولئكَ الأثرَ البالغَ لتهوّرِ بعضِ المسلمينَ ، وما يعقبهُ من حرجٍ وضيقٍ وعنتٍ لا مُبرّرَ لهُ ، والنّفوسُ إن وجدتِ الآنَ سلوةً في المغامرةِ وركوبِ الأخطارِ إلا أنّها لن تستديمَ ذلكَ ، وهذا مشاهدٌ لدى الحركاتِ اليساريّةِ التي كانت تستخدمُ العنفَ مطيّةً للوصولِ لأهدافها .
فرحةُ بعضِ المسلمينَ بما حصلَ وأنّهُ جاءَ ردّاً لاعتبارِ العراقيينَ وغيرِهم ، سيجعلُهم في حماسةِ ذلكَ يغفلونَ عن السيناريوهاتِ المُعدّةِ سلفاً لأعمالِ قمعٍ واستبدادٍ باتتْ قرارتُها ساريةَ المفعولِ ، وتعليقِ الديمقراطيّةِ إلى أجلٍ غيرٍ مُسمّى بحُجةِ التصدّي لإرهابٍ تلظّى منهُ المُجتمعُ البريطانيُّ داخليّاً وهو الذي ظنَّ نفسهُ بمعزلٍ عنها لما يتملكهُ من مدخراتِ الحرّيةِ والديمقراطيّةِ وقوّةِ القضاءِ ، لتتحوّلَ الفرحةُ — لا قدّرَ اللهُ - إلى حزنٍ عميمٍ قد يطالُ إخواننا وأحبابنا من مسلمي لندنَ .
وفقَ اللهُ الجميعَ لما فيهِ الخيرُ والصلاحُ ، وحمى البلادَ والعبادَ من الفسادِ والإفسادِ ، ووقى إخواننا المسلمينَ في بريطانيا وأوربا من تبعاتِ هذه الأحداثِ المؤلمةِ.
المفضلات