-
المقصود من " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان "
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) ۞ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) ) الحجر
المقصود بسلطان الشيطان هنا هو سلطان الغواية و الإضلال بحجة أو دليل أو برهان فقط و هو سلطان مقيد و غير مطلق و ذلك يتضح من الآية السابقة عندما قال الشيطان " رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " فرد الله عليه أنه ليس لك عليهم سلطان أن تغويهم و نظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [إبراهيم : 22] وقال تعالى في آية أخرى : ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) [النحل : 100] و سيتضح ذلك من التفاسير التالية
" عِبَادَهُ الْمُخْلَصِينَ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ . [ ص: 4089 ]
عِبَادٌ جَمْعُ عَبْدٍ، وَالْعِبَادُ جَمِيعًا مُضَافُونَ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَأَنْشَأَهُمْ، فَهُمْ فِي قَبْضَةِ يَدِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ أَيْ لَيْسَ عِنْدَكَ قُدْرَةُ إِضْلَالِهِمْ، وَلَا حَجَّةَ تُسَوِّغُ ضَلَالَهُمْ إِلَّا أَنْ يَسْبِقُوكَ بِالضَّلَالِ فَيَتَّبِعُوكَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، كَمَا قَالَ هُوَ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَهُمْ ضَالُّونَ لَمْ يَنْهَجُوا سَبِيلَ الرَّشَادِ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ أَيِ الضَّالِّينَ ابْتِدَاءً. " من تفسير زهرة التفاسير
" إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)
والمعنى أن الله وضع سنّة في نفوس البشر أن الشيطان لا يتسلّط إلا على من كان غاوياً ، أي مائلاً للغواية مكتسباً لها دون مَن كبحَ نفسه عن الشر . فإن العاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان عَلم ما فيه من إضلال وعلم أن الهدى في خلافه فإذا توفّق وحمل نفسه على اختيار الهُدى وصرف إليه عزمه قوي على الشيطان فلم يكن له عليه سلطان ، وإذا مَال إلى الضلال واستحسنه واختار إرضاء شهوته صار متهيئاً إلى الغواية فأغواه الشيطان فغوَى . فالاتباع مجاز بمعنى الطاعة واستحسان الرأي كقوله : { فاتبعوني يحببكم الله } [ سورة آل عمران : 31 ].
وإطلاق { الغاوين } من باب إطلاق اسم الفاعل على الحصول في المستقبل بالقرينة لأنه لو كان غاوياً بالفعل لم يكن لسلطان الشيطان عليه فائدة . وقد دلّ على هذا المعنى تعلّق نفي السلطان بجميع العباد ، ثم استثناء من كان غاوياً .
فلما كان سلطان الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاوياً علمنا أن ثمّة وصفاً بالغواية هو مهيَىءُ تسلطِ سلطان الشيطان على موصوفه . وذلك هو الموصوف بالغواية بالقوة لا بالفعل ، أي بالاستعداد للغواية لا بوقوعها .
فالإضافة في قوله تعالى : { عبادي } للعموم كما هو شأن الجمع المعرّف بالإضافة ، والاستثناء حقيقي ولا حَيرة في ذلك . " من تفسير التحرير و التنوير
( قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 22 ) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ( 23 ) ) سورة ابراهيم
" يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا خَطَبَ بِهِ إِبْلِيسُ [ لَعَنَهُ اللَّهُ ] أَتْبَاعَهُ ، بَعْدَمَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ ، فَأَدْخَلَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّاتِ ، وَأَسْكَنَ الْكَافِرِينَ الدَّرَكَاتِ ، فَقَامَ فِيهِمْ إِبْلِيسُ - لَعَنَهُ اللَّهُ - حِينَئِذٍ خَطِيبًا لِيَزِيدَهُمْ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ وَغَبْنًا إِلَى غَبْنِهِمْ ، وَحَسْرَةً إِلَى حَسْرَتِهِمْ ، فَقَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ) أَيْ : عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ ، وَوَعَدَكُمْ فِي اتِّبَاعِهِمُ النَّجَاةَ وَالسَّلَامَةَ ، وَكَانَ وَعْدًا حَقًّا ، وَخَبَرًا صِدْقًا ، وَأَمَّا أَنَا فَوَعَدْتُكُمْ وَأَخْلَفْتُكُمْ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ) [ النِّسَاءِ : 120 ] .
ثُمَّ قَالَ : ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ) أَيْ : مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا حُجَّةٍ عَلَى صِدْقٍ مَا وَعَدْتُكُمْ بِهِ ، ( إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ، هَذَا وَقَدْ أَقَامَتْ عَلَيْكُمُ الرُّسُلُ الْحُجَجَ وَالْأَدِلَّةَ الصَّحِيحَةَ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءُوكُمْ بِهِ ، فَخَالَفْتُمُوهُمْ فَصِرْتُمْ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ ، ( فَلَا تَلُومُونِي ) الْيَوْمَ ، ( وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) فَإِنَّ الذَّنْبَ لَكُمْ ، لِكَوْنِكُمْ خَالَفْتُمُ الْحُجَجَ وَاتَّبَعْتُمُونِي بِمُجَرَّدِ [ ص: 490 ] مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْبَاطِلِ ، ( مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ ) أَيْ : بِنَافِعِكُمْ وَمُنْقِذِكُمْ وَمُخَلِّصِكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ، ( وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ) أَيْ : بِنَافِعِيَّ بِإِنْقَاذِي مِمَّا أَنَا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ ، ( إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) قَالَ قَتَادَةُ : أَيْ بِسَبَبِ مَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ . " من تفسير ابن كثير
( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100) ) سورة النحل
" وأما قوله ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) فإنه يعني بذلك: أن الشيطان ليست له حجة على الذين آمنوا بالله ورسوله ، وعملوا بما أمر الله به وانتهوا عما نهاهم الله عنه ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) يقول: وعلى ربهم يتوكلون فيما نابهم من مهمات أمورهم. " من تفسير الطبري
التعديل الأخير تم بواسطة الشهاب الثاقب. ; 11-05-2018 الساعة 08:34 PM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة محمد عادل امين في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-04-2017, 10:10 AM
-
بواسطة gardanyah في المنتدى المنتدى التاريخي
مشاركات: 29
آخر مشاركة: 05-05-2015, 03:35 PM
-
بواسطة muad في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 25-05-2007, 01:30 AM
-
بواسطة جمال البليدي في المنتدى العقيدة والتوحيد
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 04-02-2007, 12:55 PM
-
بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 18-10-2005, 01:36 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات