-
فضيلة الصدق
قال الله تعالى:
" رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ".
ويكفي في فضيلة الصدق أن الصديق مشتق منه والله تعالى وصف الأنبياء به في معرض المدح والثناء فقال تعالى:
" واذكروا في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً "
وقال تعالى:
"واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً ".
وقال تعالى:
" واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ".
وقال ابن عباس: أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر.
وقال رجل لحكيم: ما رأيت صادقاً! فقال له: لو كنت صادقاً لعرفت الصادقين.
وقال الثوري في قوله تعالى:
" ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة "
قال: هم الذين ادعوا محبة الله تعالى ولم يكونوا بها صادقين.
أولا: بيان حقيقة الصدق:
لفظ الصدق يستعمل في ستة معان:
1- صدق في القول.
2- وصدق في النية والإرادة.
3- وصدق في العزم.
4- وصدق في الوفاء بالعزم.
5- وصدق في العمل.
6- وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها.
فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صديق لأنه مبالغة في الصدق.
ثم هم أيضاً على درجات فمن كان له حظ في الصدق في شيء من الجملة فهو صادق بالإضافة إلى ما فيه صدقه.
الصدق الأول: صدق في القول (اللسان):
وذلك لا يكون إلا في الإخبار أو فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه ، والخبر إما أن يتعلق بالماضي أو بالمستقبل ، وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه. وحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه فلا يتكلم إلا بالصدق ، وهذا هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها ، فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق.
ولكن لهذا الصدق كمالان:
أحدهما: الاحتراز عن المعاريض: فقد قيل: في المعاريض مندوحة عن الكذب وذلك لأنها تقوم مقام الكذب ، إذ المحذور من الكذب تفهيم الشيء على خلاف ما هو في نفسه ، إلا أن ذلك مما تمس إليه الحاجة وتقتضيه المصلحة في الأحوال وفي تأديب الصبيان والنسوان ومن يجري مجراهم وفي الحذر عن الظلمة وفي قتال الأعداء والاحتراز عن إطلاعهم على أسرار الملك ، فمن اضطر إلى شيء من ذلك فصدقه فيه أن يكون نطقه فيه لله فيما يأمره الحق به ويقتضيه الدين ، فإذا نطق به فهو صادق وإن كان كلامه مفهماً غير ما هو عليه ، لأن الصدق ما أريد لذاته بل للدلالة على الحق والدعاء إليه فلا ينظر إلى صورته بل إلى معناه ، نعم في مثل هذا الموضع ينبغي أن يعدل إلى المعاريض ما وجد إليه سبيلاً ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توجه إلى سفر ورى بغيره ، وذلك كي لا ينتهي الخبر إلى الأعداء فيقصد ، وليس هذا من الكذب في شيء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيراً أو أنمى خيرا "
ورخص في النطق على وفق المصلحة في ثلاثة مواضع:
أ- من أصلح بين اثنين.
ب- ومن كان له زوجتان.
ج- ومن كان في مصالح الحرب.
والصدق ههنا يتحول إلى النية فلا يراعي فيه إلا صدق النية وإرادة الخير، فمهما صح قصده وصدقت نيته وتجردت للخير إرادته صار صادقاً وصديقاً كيفما كان لفظه ، ثم التعريض فيه أولى. فالكمال الأول في اللفظ أن يحترز عن صريح اللفظ وعن المعاريض أيضاً إلا عند الضرورة.
والكمال الثاني: أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه كقوله:
" وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض "
فإن قلبه إن كان منصرفاً عن الله تعالى مشغولاً بأماني الدنيا وشهواته فهو كذب.
وكقوله: " إياك نعبد "
وقوله: أنا عبد الله، فإنه إذا لم يتصف بحقيقة العبودية وكان له مطلب سوى الله لم يكن كلامه صدقاً ، ولو طولب يوم القيامة بالصدق في قوله: أنا عبد الله ، لعجز تحقيقه فإنه كان عبداً لنفسه أو عبداً لدنيا أو عبداً لشهواته لم يكن صادقاً في قوله.
وكل ما تقيد العبد به فهو عبد له كما قال عيسى عليه السلام: يا عبيد الدنيا! وقال نبينا صلى الله عليه وسلم:
" تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم وعبد الحلة وعبد الخميصة"
فسمى كل من تقيد بشيء عبداً له.
وإنما العبد الحق - لله عز وجل - من أعتق أولاً من غير الله تعالى فصار حراً مطلقاً ، فإذا تقدمت هذه الحرية صار القلب فارغاً فحلت فيه العبودية لله فتشغله بالله وبمحبته وتقيد باطنه وظاهره بطاعته فلا يكون له مراد إلا الله تعالى ، ثم تجاوز هذا إلى مقام آخر أسمى منه يسمى الحرية وهو أن يعتق أيضاً عن إرادته لله من حيث هو بل يقنع بما يريد الله له من تقريب أو إبعاد فتفنى إرادته في إرادة الله تعالى ، وهذا عبد عتق عن غير الله فصار حراً ، ثم عاد وعتق عن نفسه فصار حراً ، وصار مفقوداً لنفسه موجوداً لسيده ومولاه إن حركه تحرك وإن سكنه سكن وإن ابتلاه رضي ، لم يبق فيه متسع لطلب والتماس واعتراض ، بل هو بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل وهذا منتهى الصدق في العبودية لله تعالى ، فالعبد الحق هو الذي وجوده لمولاه لا لنفسه وهذه درجة الصديقين. وأما الحرية عن غير الله فدرجات الصادقين ، وبعدها تتحقق العبودية لله تعالى ، وما قبل هذا فلا يستحق صاحبه أن يسمى صادقاً ولا صديقاً ، فهذا هو معنى الصدق في القول.
الصدق الثاني: صدق في النية والإرادة:
ويرجع ذلك إلى الإخلاص وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى ، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية وصاحبه يجوز أن يسمى كاذباً. - كما في حديث الثلاثة حين يسأل العالم ما عملت فيما علمت؟ فقال: فعلت كذا وكذا ، فقال الله تعالى: كذبت بل أردت أن يقال فلان عالم- فإنه لم يكذبه ولم يقل له لم تعمل ولكنه كذبه في إرادته ونيته.
وقد قال بعضهم: الصدق صحة التوحيد في القصد.
وكذلك قول الله تعالى:
" والله يشهد إن المنافقين لكاذبون "
وقد قالوا إنك لرسول الله وهذا صدق ، ولكن كذبهم لا من حيث نطق اللسان بل من حيث ضمير القلب وكان التكذيب يتطرق إلى الخبر. وهذا القول يتضمن إخباراً بقرينة الحال إذ صاحبه يظهر من نفسه أن يعتقد ما يقول فكذب في دلالته بقرينة الحال على ما في قلبه ، فإنه كذب ولم يكذب فيما يلفظ به ، فيرجع أحد معاني الصدق إلى خلوص النية وهو الإخلاص فكل صادق فلا بد وأن يكون مخلصاً.
الصدق الثالث: صدق في العزم:
فإن الإنسان قد يقدم العزم على العمل فيقول في نفسه. إن رزقني الله مالاً تصدقت بجميعه - أو بشطره. أو إن لقيت عدواً في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبال وإن قتلت ، وإن أعطاني الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم أعص الله تعالى بظلم وميل إلى خلق. فهذه العزيمة قد يصادفها من نفسه وهي عزيمة جازمة صادقة ، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف يضاد الصدق في العزيمة ، فكان الصدق ههنا عبارة عن التمام والقوة كما يقال: لفلان شهوة صادقة. ويقال: هذا المريض شهوته كاذبة ، مهما لم تكن شهوته عن سبب ثابت قوي أو كانت ضعيفة ، فقد يطلق الصدق ويراد به هذا المعنى. والصادق والصديق هو الذي تصادف عزيمته في الخيرات كلها قوة تامة ليس فيها ميل ولا ضعف ولا تردد ، بل تسخو نفسه أبداً بالعزم المصمم الجازم على الخيرات وهو كما قال عمر رضي الله عنه: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر - رضي الله عنه - فإنه قد وجد من نفسه العزم الجازم ، والمحبة الصادقة بأنه لا يتأمر مع وجود أبي بكر رضي الله عنه ، وأكد ذلك بما ذكره من القتل.
ومراتب الصديقين في العزائم تختلف ، فقد يصادف العزم ولا ينتهي به إلى أن يرضى بالقتل فيه ولكن إذا خلي ورأيه لم يقدم ، ولو ذكر له حديث القتل لم ينقض عزمه ، بل في الصادقين والمؤمنين من لو خير بين أن يقتل هو أو أبو بكر كانت حياته أحب من حياة أبي بكر الصديق.
الصدق الرابع: صدق في الوفاء بالعزم:
فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمؤنة فيه خفيفة ، فإذا حقت الحقائق وحصل التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم ، وهذا يضاد الصدق فيه ، ولذلك قال الله تعالى:
"رجال صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه "
فقد روي عن أنس أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك على قلبه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه أما والله لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع! قال: فشهد أحداً في العام القابل فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو إلى أين؟ فقال: واها لريح الجنة! إني أجد ريحها دون أحد. فقاتل حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة فقالت أخته بنت النضر: ما عرفت أخي إلا بثيابه ، فنزلت هذه الآية:
" رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ".
ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير - وقد سقط على وجهه يوم أحد شهيداً وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام:
" رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ".
وقال فضالة بن عبيد: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" الشهداء أربعة: رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته ، قال الراوي: فلا أدري قلنسوة عمر أو قلنسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجل جيد الإيمان إذا لقي العدو فكأنما يضرب وجهه بشوك الطلح أتاه سهم عاثر فقتله فهو في الدرجة الثانية ، ورجل مؤمن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك في الدرجة الثالثة ، ورجل أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الرابعة ".
وقال مجاهد: رجلان خرجا على ملأ من الناس قعود فقالا: إن رزقنا الله تعالى لنتصدقن فبخلوا به فنزلت:
" ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ".
وقال بعضهم: إنما هو شيء نووه في أنفسهم لم يتكلموا به فقال:
" ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضين فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "
فجعل العزم عهداً وجعل الخلف فيه كذباً والوفاء به صدقاً. وهذا الصدق أشد من الصدق الثالث، فإن الناس قد تسخو بالعزم ثم تكيع عند الوفاء لشدته عليها ولهيجان الشهوة عند التمكن وحصول الأسباب. ولذلك استثنى عمر رضي الله عنه فقال: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند القتل شيئاً لا أجده الآن لأني لا آمن أن يثقل عليها ذلك فتتغير عن عزمها. أشار بذلك إلى شدة الوفاء بالعزم.
الصدق الخامس: صدق في الأعمال:
وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به ، لا بأن يترك الأعمال ولكن بأن يستجر الباطن إلى تصديق الظاهر، وهذا يخالف من ترك الرياء لأن المرائي هو الذي يقصد ذلك ، ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن الصلاة ، فمن ينظر إليه يراه قائماً بين يدي الله تعالى وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته فهذه أعمال تعرب بلسان الحال عن الباطن إعراباً هو فيه كاذب وهو مطالب بالصدق في الأعمال وكذلك قد يمشي الرجل على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفاً بذلك الوقار، فهذا غير صادق في عمله وإن لم يكن ملتفتاً إلى الخلق ولا مرائياً إياهم ، ولا ينجو من هذا إلا باستواء السريرة والعلانية بأن يكون باطنه مثل ظاهره أو خيراً من ظاهره.
إذن مخالفة الظاهر للباطن إن كانت عن قصد سميت رياء ويفوت بها الإخلاص ، وإن كانت عن غير قصد فيفوت بها الصدق ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اللهم اجعل سريرتي خيراً من علانيتي واجعل علانيتي صالحة".
الصدق السادس: وهو أعلى الدرجات وأعزها ، الصدق في مقامات الدين:
كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب وسائر هذه الأمور. فإن هذه الأمور لها مباد ينطلق الاسم بظهورها ، ثم لها غايات وحقائق والصادق المحقق من نال حقيقتها ، وإذا غلب الشيء وتمت حقيقته سمي صاحبه صادقاً فيه ، كما يقال: فلان صدق القتال. ويقال: هذا هو الخوف الصادق ، وهذه هي الشهوة الصادقة. وقال الله تعالى:
" إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا "
إلى قوله:
" أولئك هم الصادقون ".
وقال تعالى:
" ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر "
إلى قوله:
" أولئك الذين صدقوا ".
وسئل أبو ذر عن الإيمان فقرأ هذه الآية فقيل له: سألناك عن الإيمان؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقرأ هذه الآية.
ولنضرب للخوف مثلاً: فما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو خائف من الله خوفاً ينطلق عليه الاسم ، ولكنه خوف غير صادق أي غير بالغ درجة الحقيقة ، أما تراه إذا خاف ، سلطاناً أو قاطع طريق في سفره كيف يصفر لونه وترتعد فرائصه ويتنغص عليه عيشه ويتعذر عليه أكله ونومه وينقسم عليه فكره ، حتى لا ينتفع به أهله وولده ، وقد ينزعج عن الوطن فيستبدل بالأنس الوحشة ، وبالراحة التعب والمشقة والتعرض للأخطار، كل ذلك خوفاً من درك المحذور. ثم إنه يخاف النار ولا يظهر عليه شيء من ذلك عند جريان معصية عليه.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
" لم أر مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها "
فالتحقيق في هذه الأمور عزيز جداً ولا غاية لهذه المقامات حتى ينال تمامها ، ولكن لكل عبد منه حفظ يحسب حاله إما ضعيف وإما قوي ، فإذا قوي سمي صادقاً فيه. فمعرفة الله تعالى وتعظيمه والخوف منه لا نهاية لها ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام:
" أحب أن أراك في صورتك التي هي صورتك " فقال: لا تطيق ذلك ، قال: " بل أرني " فواعده بالبقيع في ليلة مقمرة فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو به قد سد الأفق - يعني جوانب السماء - فوقع النبي صلى الله عليه وسلم مغشياً عليه فأفاق وقد عاد جبريل لصورته الأولى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما ظننت أن أحداً من خلق الله هكذا " قال: وكيف لو رأيت إسرافيل؟ إن العرش لعلى كاهله ، وإن رجليه قد مرقتا تخوم الأرض السفلى وإنه ليتصاغر من عظمة الله حتى يصير كالوصع ، يعني العصفور الصغير"
فانظر ما الذي يغشاه من العظمة والهيبة حتى يرجع إلى ذلك الحد؟ وسائر الملائكة ليسوا كذلك لتفاوتهم في المعرفة فهذا هو الصدق في التعظيم.
وقال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" مررت ليلة أسري بي وجبريل بالملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله تعالى"
يعني الكساء الذي يلقى على ظهر البعير، وكذلك الصحابة كانوا خائفين وما كانوا بلغوا خوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: لن تبلغ حقيقة الإيمان حتى تنظر الناس كلهم حمقى في دين الله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى ينظر إلى الناس كالأباعر في جنب الله ثم يرجع إلى نفسه فيجدها أحقر حقير".
فالصادق إذن في جميع هذه المقامات عزيز، ثم درجات الصدق لا نهاية لها وقد يكون للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض ، فإن كان صادقاً في الجميع فهو الصديق حقاً.
قال سعد بن معاذ: ثلاثة أنا فيهن قوي وفيما سواهن ضعيف: ما صليت صلاة منذ أسلمت فحدثت نفسي حتى أفرغ منها ، ولا شيعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هي قائلة وما هو مقول لها حتى يفرغ من دفنها ، وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قولاً إلا علمت أنه حق ، فقال ابن المسيب: ما ظننت أن هذه الخصال تجتمع إلا في النبي عليه السلام.
فهذا صدق في هذه الأمور، وكم قوم من جلة الصحابة قد أدوا الصلاة واتبعوا الجنائز ولم يبلغوا هذا المبلغ؟ فهذه هي درجات الصدق ومعانيه.
وقال جعفر الصادق: الصدق هو المجاهدة وأن لا تختار على الله غيره كما لم يختر عليك غيرك فقال تعالى:
" هو اجتباكم "
وقيل أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: إني إذا أحببت عبداً ابتليته ببلايا لا تقوم لها الجبال لأنظر كيف صدقه ، فإن وجدته صابراً اتخذته ولياً وحبيباً ، وإن وجدته جزوعاً يشكوني إلى خلقي خذلته ولا أبالي.
فإذن من علامات الصدق كتمان المصائب والطاعات جميعاً وكراهة إطلاع الخلق عليها.
والله أعلم.
( إقتباس مع تصرف )
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة عبد الله المصرى في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 76
آخر مشاركة: 20-03-2010, 07:45 AM
-
بواسطة نوران في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 9
آخر مشاركة: 19-07-2008, 12:52 PM
-
بواسطة downtown في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 08-03-2008, 01:53 PM
-
بواسطة د/احمد السيد المصرى في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 07-03-2008, 11:27 AM
-
بواسطة islamsun في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 01-10-2006, 06:42 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات