-
من الذى أحرق مكتبة الإسكندريه؟!!
مقالات أ.علاءأبو بكر: من الذى أحرق مكتبة الإسكندريه؟!!
أرسلت في 14-11-1424 هـ من قِبَل aljame3
من الاتهامات الشائعة التى يُرمى بها الإسلام والمسلمون هو إحراق عمرو بن العاص لمكتبة الأسكندرية. ويستشهدون ببعض النصوص التى ذكرت فى بعض المراجع التاريخية التى كتبها بعض المؤرخين من المسلمين والنصارى.
وحجتهم فى ذلك ما كتبه عبد اللطيف البغدادى (1231 م) فى كتابه “الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر” ، والمقريزى يكاد ينقل ماذكره البغدادى حرفياً ، وكذلك ابن القفطى (1248 م) فى كتابه “أخيار العلماء بأخبار الحكماء” ، وكذلك الكاتب النصرانى أبا الفرج الملطى (1277 م) فى كتابه “مختصر الدول”.
من المعروف أن عمرو بن العاص قد فتح مصر عام 642 م، وقد تلاحظ من التواريخ أعلاه أن أول من كتب عن هذا هو عبد اللطيف البغدادى بعد الفتح بزمن يبلغ تقريباً 600 عام. أضف إلى ذلك أن المؤرخين الذين سبقوه لم يشيروا إلى هذه التهمة أية إشارة مع أنهم قد تكلموا فى كتبهم بإسهاب عن الفتح العربى لمصر. ومن هؤلاء المؤرخين سعيد بن البطريق ( 905 م ) تقريباً والطبرى واليعقوبى والبلاذرى وابن عبد الحكم والكندى وغيرهم.
أضف إلى ذلك أن الكتاب فى القرنين السابقين للفتح العربى لم يذكروا شيئاً عن وجود مكتبة عامة فى الأسكندرية، وكذلك لم يشر إليها حنا النقيوس ولا إلى إحراقها مع أنه كتب عن الفتح العربى.
أكَّدَ لوبون جوستاف فى كتابه “حضارة العرب” المطبوع عام 1884 بباريس (صفحة 208 ): أن المكتبة لم تكن موجودة عند الفتح العربى ، إذ كانت قد أُحرِقَت عام 48 ق . م عند مجىء يوليوس قيصر إلى الأسكندرية.
وهذا ما أكده بطلر فى كتابه “فتح العرب لمصر” صفحة 303 - 307 وأضاف أن يوليوس قيصر كان محصوراً سنة 48 ق . م فى حى البروكيون يحيط به المصريون من كل جانب تحت قيادة أخيلاس ، فأحرق السفن التى فى الميناء لقطع خط الرجعة على يوليوس وقيل إن النيران امتدت إلى المكتبة (يقصد هنا مكتبة المتحف أو المكتبة الأم) وأحرقت المكتبة وأفنتها أو قد فنيت تماماً فى القرن الرابع الميلادى.
ويواصل بطلر دفاعه قائلاً: أما المكتبة الوليدة التى قامت فى السيرابيوم فإنها كانت فى حجرات متصلة ببناء معبد السيرابيوم وقد أحرق هذا المعبد فى عهد تيودوسيوس عام
391 م على يد المسيحيين الذين كان يقودهم رئيسهم تيوفيلوس.
أكَّدَ جيبون فى كتابه “إضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية” الجزء التاسع (صفحة 275 ): أن المكتبة قد أُحرِقَت عام 387 - 395 م فى عهد تيودوسيوس.
وقد يدل على صدق هذه الأقوال أن أحد الرحالة الرومان واسمه أورازيوس قد زار مصر فى أوائل القرن الخامس الميلادى وكتب عنها سنة 416 م وذكر أنه لم يجد سوى رفوف خالية من الكتب فى هذه المكتبة.
ذكر جرجى زيدان فى جزئه الثالث من كتابه التمدن الإسلامى (صفحة 42 – 43) نقلاً عن أبى الفرج الملطى (النصرانى) – وهذا مانقله المقريزى عنه بالحرف - أن يوحنا النحوى صرَّح أن المكتبة كان بها على عهد بطولماوس فيلادلفوس أكثر من 120 50 كتاباً وأن هذه الكتب تم احراقها فى ستة أشهر بعد أن وزعت على أربعة آلاف حمام.
ويعترض فريق من المؤرخين على رواية أبى الفرج لأسباب كثيرة لا يقرها العقل:
1- مات يوحنا النحوى قبل فتح العرب لمصر بحوالى 30 أو 40 سنة.
2- كيف يعمل عمرو بن العاص على إحراق الكتب ثم يسلمها إلى الحمَّامات التى يقوم على خدمتها نصارى مصر – مع العلم بوجود كتب ومقتنيات نفيسة فى هذه المكتبة؟
3- ألم يكن فى استطاعة أصحاب الحمامات أن يبيعونها ويتربحوا منها؟
4- ألم يكن فى استطاعة أحد الأثرياء من أمثال يوحنا النحوى أن يشتروها؟
5- كانت الكتب تصنع من ورق الكاغد الذى لا يصلح لإيقاد النار.
6- كان أول ما أنزله الله من القرآن هو الحث على العلم والمعرفة بالقراءة ، فكيف يتم ذلك لو أحرق المسلمون كتب العلم؟: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ، ) العلق 1-5
7- من الأوامر الربانية أن نطلب من الله بالدعاء أن يزيدنا علماً ، فلم يحرق المكتبة إلا من يعتبر العلم الدنيوى كفراً: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه 114
8- كذلك أعلمنا الله أن المتعلمون أرفع درجات ، وأكثر تقوى له من غير العالمين ، بل هى من أسباب رضى الله على عبده المتعلم ، كأداء الفروض تماماً: فكيف يتسنى لمسلم أن يحرق ويهدم أسباب رضى ربه ، وأسباب ارتقاء مكانته عند الله؟ فقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الزمر 9
وقال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) فاطر 28
وقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)المجادلة 11
9- كذلك وجود النصوص القرآنية التى تأمرنا بالبحث ودراسة سنن الأقدمين مثل:
(قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) آل عمران 137
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) آل عمران 186
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ) إبراهيم 9
بل إن آيات الله تعالى التى تحث المسلم على التفكر ، والتدبر ، والتعقل لتمنع المسلم من أن يقترف مثل هذه الجريمة. فقد قال تعالى:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الرعد 4
وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) النحل 11
وقال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ) الحجر 75
إضافة للآيات الأخرى الكثيرة التى تحث المسلم على البحث والدراسة ، والعلم ، والتأمل ، والمقارنة، فلم يتنكر المسلم لعلم مطلقاً ، وكان العلم والتمسك بالقرآن وسنة النبى هو سبب ارتفاع شأن المسلمين ، وعلى النقيض فقد كان سبب تأخر النصارى حتى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين هو تمسكهم بالكتاب المقدس ، فلما انفصلت الكنيسة عن الدولة ، تجرأ العلماء عندهم ، وأخذوا بأسباب العلم ، الذى توصل إليه المسلمون ، وقامت نهضتهم. ومن أمثال هذه الآيات: قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) فاطر 28
والآيات التى تُحثَّ المسلمين على البحث والتأمل ، مثل:
(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ، يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ، ) الطارق 5-7
ومثل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، )المؤمنون12-14
ومثل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) البقرة 189
ومثل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ، )يونس 5-6
ومثل: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأنعام 97
ومثل: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) النحل 16
10- من المعروف أن المسلمين كانوا يعملون على نشر العلم منذ غزوة بدر، ولذلك كانوا يطلقون سراح الأسير إذا قام بتعليم عشرة من المسلمين.
11- المدقق فى الحديث المنسوب ليوحنا النحوى عن عمرو بن العاص حيث ذكر أن هذه الكتب نفيسة ولا تُقدَّر بمال. وما كان لعمرو بن العاص أن يحرقها لأنها مال يخص أقباط مصر، والعهد الذى أخذه عمرو على نفسه يقتضى حماية الأقباط وأموالهم.
12- من المعروف فقهياً إذا أتلف أحد المسلمين شيئاً يملكها أحد النصارى ، كان لزاماً عليه أن يرد له ثمنها ولو كانت خمراً أو لحم خنزير ، فما بالك بأننا نتكلم عن كتب وعلم ، فما كان له أن يفنى هذا العلم، ولو كان مُخالفاً لدينه، طالما أنه ملك للنصارى.
13- دفع عمرو بن العاص للمصريين فى الوجه القبلى ثمن ما أتلفه الرومان فى هجومهم الثانى على مصر بسبب خطته التى كانت ترمى إلى سحب القوات الرومانية بعيداً عن الأسكندرية. فيستبعد أن يكون قد أتلف ممتلكاتهم وأموالهم إبراراً بعهده معهم.
14- رأى الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب رقوقا من الكتاب المقدس ولم يأمره بحرقه أو التخلص منه. كذلك سأل الرسول عليه الصلاة والسلام اليهود عن قول التوراة فى الزناة وقرأوا عليه من الكتاب الذى بأيديهم ، ولم يأمر أحداً بنزعه منهم أو حرقه.
15- على الرغم من أن الكتاب المقدس به بعض النصوص التى يراها المسلم شركاً بيناً أو كفراً صريحاً أو قذفاً لا مراء فيه فى حق الأنبياء ، وعلى الرغم من أن البعض قد يفهم النصوص التى تشير إلى زنا الأب ببناته ، أو زنا الحمى بكنته، أنها دعوة للإقتداء بهؤلاء الأنبياء وأفعالهم ، إلا أنه لم يقم أحد من المسلمين بحرق نسخة واحدة من الكتاب المقدس ولا توجد نصوص فى القرآن أو السنة تحض على ذلك.
16- أنشأ المأمون بتشجيع من وزرائه عام 830 م فى بغداد “بيت الحكمة” وهو عبارة عن مكتبة عامة ودار علم ومكتب ترجمة، ويُعد بيت الحكمة أعظم صرح ثقافى نشأ بعد مكتبة الأسكندرية. فيستبعد على مسلم أُمِرَ بالعلم والقراءة والبحث والتدبر أن يحرق كتاباً للعلم.
17- نمت دور الكتب فى كل مكان نمو العشب فى الأرض الطيبة ، ففى عام 891م يحصى مسافر عدد دور الكتب العامة فى بغداد بأكثر من مئة. وبدأت كل مدينة تبنى لها داراً للكتب يستطيع أى من الشعب استعارت أى كتاب منها ، أو أن يجلس فى قاعات المطالعة ليقرأ ما يريد.
18- كانت مكتبة النجف فى العراق ـ وهى مكتبة صغيرة ـ تحتوى فى القرن العاشر أربعين ألف مجلد ، بينما لم تحو أديرة الغرب سوى اثنى عشر كتاباً ربطت بالسلاسل ، خشية ضياعها. وكان لكل مسجد مكتبته الخاصة ، بل إنه كان لكل مستشفى يستقبل زواره قاعة فسيحة صُفَّت على رفوفها الكتب الطبية الحديثة الصدور ، تباع لطلبة العلم والأطباء ، ليقفوا منها على آخر ما وصل إليه العلم الحديث. ولقد جمع نصير الدين الطوسى لمرصده فى مراغة أربعين ألف مخطوطة.
19- حذا حذو الخليفة فى بغداد كل الأمراء العرب فى مختلف أنحاء العالم العربى. مثلاً مكتبة أمير عربى فى الجنوب كانت تحتوى على مئة ألف مجلد. ورُوِىَ أنه لما شُفِىَ سلطان بخارى محمد المنصور من مرضه العضال على يد ابن سينا ، وهو بعد فتى لم يتجاوز الثامنة عشر ، كافأه السلطان على ذلك بأن سمح له أن يختار من مكتبة قصره ما يحتاج إليه من الكتب لدراستها ، وكانت كتبها تشغل حيزاً كبيراً من القصر ، وقد رُتِّبَت حسب موضوعاتها. ويكتب ابن سينا عن ذلك الحديث فيقول: (وهناك رأيت كتباً لم يسمع أغلب الناس حتى بأسمائها).
20- ولا يستطيع أحد أن يقارن نفسه بالخليفة العزيز فى القاهرة. حتى خليفة قرطبة ، الذى بعث رجاله وسماسرته فى كل أنحاء الشرق ليجلبوا له الكتب فيزيد روائع مكتبته ، أنَّى له أن يصل إلى ما فعله العزيز؟! لقد حوت مكتبة العزيز على مليون وستمائة ألف (000 600 1) ، فكانت بذلك أجمل وأكمل دار للكتب ضمَّت 6500 مخطوطة فى الرياضيات و 18000 مخطوطة فى الفلسفة ، ولم يمنع هذا قط ابنه من بعده ، حين اعتلى العرش ، من أن يبنى مكتبة ضخمة فيها ثمانى عشرة قاعة للمطالعة إلى جوار المكتبة القديمة.
21- ترك ابن الجزار (الطبيب والرحالة القيروانى) عند وفاته 250 طنا من لفائف جلد الغزال التى كتبها بنفسه. ويُحكى أن طبيباً آخر ـ ولم يكن أحد فى ذلك العصر يشك فى صدق هذه الرواية ـ لم يستطع أن يقبل دعوة سلطان بخارى لزيارة قصره لأنه كان مشغولاً بتحميل 400 جمل لنقل مكتبته التى بلغ وزن كتبها 10000 كيلو جرام إلى مسكنه الجديد. وعرف الناس عند وفاة أحد العلماء أنه ترك 600 صندوقاً متخم بالكتب فى كل فروع العلم ، وأن كل صندوق منها بلغ من الثقل حداً جعل عددا من الرجال يعجزون عن نقله إلى خارج المنزل.
22- وحذا الوزراء ورجال الدولة حذو الخلفاء والأمراء ، فلقد ترك الوزير المهلبى عند وفاته 963 م مجموعة من 117000 مجلد ، واستطاع زميله الشاب ابن عبَّاد أن يجمع فى مكتبته 206000 كتاب ، وجمع أحد قضاته 000 050 1 مجلداً.
ولما كانت هذه الأرقام الضخمة قد حسبت بالتقريب وبولغ فى بعضها ، فإن هذه المبالغة نفسها لهى أكبر دليل على مفاخرتهم بذلك وسرورهم بكل جهد يُبذل فى هذا السبيل ، وليس أدل على هذا مما نقرأه من أن بعض الوزراء لم يكن يخرج إلى رحلة إلا ومعه حمولة ثلاثين جملاً من الكتب تصحب ركبه.
23- لقد تقاضى ابن الهيثم 75 درهماً أجراً لنسخ مجلد من مجلدات أقليدس ، وهو مبلغ لا يستهان به ، فقد عاش منه ابن الهيثم ستة أشهر. لقد كان إذن اقتناء كتب العلماء اليونانيين والقدماء غير المسلمين ليس بالكفر ، وليس بالهرطقة ، بل كان من الأمور التى يتباهى بها العلماء والخلفاء والوزراء وكبار رجال الدولة ، ويبحثون عنها ويدفعون كل نفيس فى سبيل اقتنائها. فليست إذن من أخلاق المسلم أن يحرق كتاباً.
24- سافر أحد الدلالين (كانت مهمتهم شراء الكتب النادرة وبيعها) من بغداد إلى القاهرة ليشترى من مصر النادر من الكتب ، وكان قد سمع بأخبار طبيبها الشهير إبراهيم بن الصوفان الذى كان يوظف عدداً من النسَّاخ ويشرف عليهم ، حتى صار له كنز من الكتب الطبية وغيرها ، وقدم التاجر للطبيب عرضاً مغريا لشراء عشرة آلاف مجلد من مكتبته ، ووافق الطبيب ، ولكن أخبار الصفقة وصلت إلى آذان الوزير الأفضل ، الذى كان بدوره من عشاق العلم الذين يقدرون قيمته وقدسيته ، فثارت فيه نزعة حبه للكتاب وتقديسه إياه ، كما ثارت فيه النزعة الوطنية ، وأقنع الطبيب بالإبقاء على هذا الكنز داخل البلد ، ودفع له من ماله الخاص الثمن الذى عرضه التاجر العراقى ثمناً لتلك الكتب.
25- هناك الكثير جداً من الكتب أنقذها المترجمون العرب ، ولولا مجهوداتهم فى الترجمة لضاعت هى الأخرى ، منها كتب جالينوس فى علم التشريح ، ومخطوطات هيرون وفيلون ومينلاوس فى الميكانيكا والرياضيات ، وبطلميوس فى البصريات ، ومخطوطة لأقليدس فى علم التوازن ، ومخطوطة فى (ساعة الماء) ، وقانون الطفو لأرشميدس.
وثمة ثلاثة كتب علمية لأبولونوس أنقذها ثابت بن قرة الطبيب وعالم الرياضيات الكبير الذى عمل مع ولد حنين بن اسحق وابن أخيه المرَّز النبيه فى مدرسة الأستاذ بين تلاميذه التسعين. ولم يمت حنين إلا وقد أتم ترجمة أغلب أعمال الكلاسيين.
26- كان حنين هذا من العلماء المترجمين الذين لم يدخروا وسعاً فى البحث عن كتاب معين ، وقد تمتع بمعرفة واسعة فى كل فروع المعرفة ، فكان سيّد المادة التى يترجمها ، يضيف على مواضع الضعف أو الغموض من عنده نورا يجلوها. خرج حنين ذات مرة بنفسه للبحث عن نسخة من أعمال جالينوس ، وكانت نادرة الوجود ، فسافر بحثاً عنها من العراق إلى سورية وفلسطين ومصر حتى وصل الأسكندرية ، ولكنه لم يوفق فى العثور عليها ، اللهم نصف كتاب منها وجده فى دمشق فرجع به إلى بغداد وبعدد ضخم آخر من الأعمال العلمية النادرة القيمة ليقدم لنا أكبر دليل على مدى اهتمام العرب بالكتب والترجمة.
27- قيام الكثيرين من العرب بدراسة اللغات الأجنبية وترجمة كتب بعض مشاهير العلوم فى العصر الأغريقى، وإرسال العلماء العرب (على نفقاتهم الخاصة) التجار إلى بلاد الهند وبيزنطة للبحث عن كتب العلم وشرائها، أنقل بعضاً منهم من كتاب “شمس العرب [أصل الترجمة شمس الله] تسطع على الغرب” للكاتبة زيجريد هونكه مثل:
1) كان العلماء المسلمين حريصين على اقتناء كتب العلم اليونانية و الرومانية ودراسة ما فيها. ومن أمثال ذلك رجل العلم العظيم موسى بن شاكر وأولاده الثلاث محمد وأحمد وحسن فى عصر الخليفة المأمون. وقد برعوا فى علم الفلك ودراسة طبقات الجو والرياضة. وكانوا يرسلون أتباعهم إلى بلاد البيزنطيين على نفقاتهم لشراء الكتب وترجمتها والاستفادة من علومهم. ولو كان فى الإسلام نص ينهى عن ذلك لما اقترفوا إثم البحث عن العلم وترجمة الكتب وتعليم الغرب.
2) حرص العلماء أمثال الخوارزمى على اقتناء كتب العلم الهندية وغيرها. فقد كان على علم بكتب بطلميوس عن جداول الحساب والجبر وهو من قام بتصحيحها.
3) ترجم ثابت بن قرة لبنى موسى عدداً كبيراً من الأعمال الفلكية والرياضية والطبية لأبولونيوس وأرشميدس وإقليدس وتيودوسيوس وأرستوطاليس وأفلاطون وجالينوس وأبوقراط وبطلميوس. كما أنه صحح ترجمات حنين بن اسحق وولده ثم شرع فى وضع مؤلفات ضخمة له، فوضع 150 مؤلفاً عربياً و 10 مؤلفات باللغة السريانية فى الفلك والرياضيات والطب. فهذا نموذجاً من النماذج المشرقة فى صفحات علم العرب وتقديسهم للعلم. فهل يصدق أحد العقلاء أن المسلمين قاموا بإحراق مكتبة عظيمة مثل مكتبة الأسكندرية ثم بعد ذلك يتكبد علماؤهم مشقة البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين حُرِقت كتبهم؟!!!
28- وتقول الدكتورة الألمانية العالمة (زيجريد هونكه): (إن العرب لم ينقذوا الحضارة الإغريقية من الزوال ونظموها ورتبوها ثم أهدوها إلى الغرب فحسب ، إنهم مؤسسو الطرق التجريبية فى الكيمياء والطبيعة والحساب والجبر والجيولوجيا وحساب المثلثات وعلم الاجتماع. بالإضافة إلى عدد لا يُحصى من الاكتشافات والاختراعات الفردية فى مختلف فروع العلوم والتى سُرِقَ أغلبها ونُسِبَ لآخرين ، قدَّمَ العرب أثمن هدية وهى طريقة البحث العلمى الصحيح التى مهدت أمام الغرب طريقه لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم.
29- أحرقت الكنيسة ورجالها مكتبة الأسكندرية التى كانت تحتوى على كتب البطالسة والمصريين القدماء على عهد جول قيصر ، وكانت قسمين أحدهما مكتبة البروخيوم وتحتوى على 400 ألف مجلد ، والأخرى السرابيوم وتضم 200 ألف مجلد ، لأسباب عديدة منها:
1- انتحال بطريرك الإسكندرية أدنى الأسباب لإثارة ثورة فى المدينة لإتلاف ما بقى فى مكتبة البطالسة بعضه بالإحراق وبعضه بالتبديد ، ولقد قال أوروسيوس المؤرخ إنه رأى أدراج المكتبة خالية من الكتب ، بعد أن نال تيوفيل بطريرك الإسكندرية الأمر الإمبراطورى من قيصر الرومان بإتلافها بنحو عشرين سنة.
2- جاء بعد تيوفيل ابن أخته سيريل بطريركاً على الإسكندرية ، وكان خطيباً مفوَّهاً ، له على الشعب سلطان بفصاحته ، وكان فى الإسكندرية فتاة تسمى هيباتى الرياضية ، تشتغل بالعلوم والفلسفة ، وكان يجتمع إليها كثير من أهل النظر فى العلوم الرياضية ، وكان لا يخلو مجلسها من البحث فى الفلسفة ، فلم يحتمل سيريل السماع بها وبعلومها ، مع أن الفتاة لم تكن مسيحية ، بل كانت على دين آبائها المصريين القدماء ، فأخذ يثير الشعب عليها حتى قعدوا لها وقبضوا عليها فى الطريق سائرة إلى دار ندوتها. فقبضوا عليها وفعلوا بها الآتى:
أولاً : جردوها من ملابسها كلية.
ثانياً : أخذوها إلى كنيسة الإسكندرية مكشوفة العورة.
ثالثاً : قتلوها فى مقر الكنيسة.
رابعاً : قطعوا جسمها تقطيعاً.
خامساً : ثم فصلوا اللحم عن العظم.
سادساً : ألقوا ما بقى منها فى النار.
ويقول مؤرخ هذه القصة وراويها ، ولم تسأل الدولة القديس سيريل بطريرك الإسكندرية عما صنع بالفتاة هيباتى ، ولم تنظر الحكومة الرومانية فيما وقع عليها.
3- حرق العلماء وكتبهم إذا تعارض علمهم مع جهل الكنيسة ورجالها ، فقد كانت الكنيسة تصف السبب العلمى لقوس قزح بأنه قوساً حربياً بيد الرب ينتقم بها من عباده إذا أراد ، فأثبت العالم دى رومنيس أن هذا القوس هو من إنعكاس ضوء الشمس فى نقطة الماء ، فقبض عليه وأحضروه إلى روما ، وحُبِسَ حتى مات ، ثم حوكمت جثته وكتبه فحكم عليها وألقيت فى النار.
4- بعد انحسار الإسلام عن بلاد الأندلس فى إسبانيا ، قام الكاردينال اكسيهنيس بإحراق ثمانية آلاف كتاب عربى مخطوطة فى غرناطة ، فيها كثير من ترجمة الكتب المعول عليها عند علماء أوروبا وقتئذ.
5- المراقبة على المطبوعات: فقد حتم على كل مؤلف وكل طابع أن يعرض مؤلفاته على القسيس ، أو المجلس الذى عين للمراقبة ، وصدرت أحكام المجمع المقدس بحرمان من يطبع شيئاً لم يعرض على المراقبة ، أو بدون إذنها ، ووضعت غرامات ثقيلة على أرباب المطابع ، يعاقبون بها فوق الحرمان من الكنيسة.
6- إنشاء محاكم التفتيش لتتبع الآراء العلمية الحرة التى لا ترضى عنها الكنيسة ، ففى مدة 18 سنة (من 1481 إلى 1499) حكمت على 10220 شخصاً بالحرق أحياءً ، وحكمت على 6860 شخصاً بالشنق بعد التشهير بهم ، وحكمت على 97320 شخصاً بعقوبات مختلفة ، كما أمرت بإحراق كل توراة باللسان العبرى.
نتيجة لأقوال بولس عن العلم ، الذى وصفه بالغباوة: (27بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ) كورنثوس الأولى 1: 27 ، وقوله: (إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بَيْنَكُمْ فِي هَذَا الدَّهْرِ فَلْيَصِرْ جَاهِلاً لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيماً! 19لأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «الآخِذُ الْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ». 20وَأَيْضاً: «الرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ الْحُكَمَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ».) كورنثوس الأولى 3: 18-20
ونتيجة للسلطة المطلقة التى أُتيحت للكنيسة ـ فى العصور الوسطى ـ فقد رأت أن أى مصدر من مصادر العلوم والمعرفة ، لا بد أن يكون صادراً عنها، وأن أى رأى يُخالِف رأيها فهو باطل يجب مقاومته بكل ما يُستطاع.
لهذا فقد أخذت تراقب المطبوعات (وحُتِّمَ على كل مؤلف وكل طابع أن يعرض مؤلفه أو ما يريد طبعه على القسيس أو المجلس الذى عُيِّنَ للمراقبة ، وصدرت أحكام المجمع المقدس بحرمان من يطبع شيئاً لم يُعرَض على المراقب أو ينشر شيئاً لم يأذن المراقب بنشره ، وأوعز إلى هذا المراقب أن يدقق النظر حتى لا ينشر ما فيه شىء يومىء إلى مخالفة العقيدة الكاثوليكية.)
وإلى جانب ذلك فقد زعم رجال الكنيسة أن الكتب المقدسة تحتوى على كل ما يحتاج إليه البشر من علوم الدين والدنيا، وعلى الإنسان المؤمن أن يُصدِّق كل ما فيه أولاً، ثم يجتهد ثانيا فى حمل نفسه على فهمه وتأويل فهمه ليصل إلى النتائج التى أتى بها الكتاب المقدس مهما عارض ذلك العقل أو خالف شاهد الحس ، كما صرَّحَ بذلك ترتوليان.
بالإضافة إلى ذلك فقد احتجزت الكنيسة لنفسها حق فهم وتفسير الكتاب المقدس ، وحظَّرت على أى عقل ـ خارج جهازها الكهنوتى ـ أن يحاول فهمه أو تفسيره أو مناقشة أى مسألة فيه ، ومثال ذلك "مسألة العشاء الربانى" التى لا يستسيغها العقل ، حيث فرضتها الكنيسة على الناس ، وحذَّرت عليهم مناقشتها ، وإلا عرضوا أنفسهم للطرد والحرمان ، ناهيك عن محاكم التفتيش.
فعلى سبيل المثال عندما انتشرت فكرة كروية الأرض ، هاجمها رجال الكنيسة هجوماً عنيفاً ، وبرر القديس أوغسطين نقضه لهذه النظرية بقوله: (إن التبشير بالإنجيل طالما لم يصل لإلى الجهة المقابلة من الأرض ، فلا يمكن أن يكون هناك من السلالة البشرية أثر ما.)
كما هاجم (برو كوبيوس الغزى) كل من يقول بوجود بشر فى الجهة المقابلة للأرض ، مستنداً إلى (إذا كان على الجهة المقابلة فى الأرض أناس ، لوجب أن يذهب المسيح إليهم ، وأن يقضى صلباً فى سبيل خلاصهم مرة ثانية).
وتساءل معلم الكنيسة لاكتانتيوس مستنكراً: (هل هذا معقول؟ أيعقل أن يُجَن الناس إلى هذا الحد ، فيدخل فى عقولهم أن البلدان والأشجارتتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم؟)
-
فعلى سبيل المثال عندما انتشرت فكرة كروية الأرض ، هاجمها رجال الكنيسة هجوماً عنيفاً ، وبرر القديس أوغسطين نقضه لهذه النظرية بقوله: (إن التبشير بالإنجيل طالما لم يصل لإلى الجهة المقابلة من الأرض ، فلا يمكن أن يكون هناك من السلالة البشرية أثر ما.)
كما هاجم (برو كوبيوس الغزى) كل من يقول بوجود بشر فى الجهة المقابلة للأرض ، مستنداً إلى (إذا كان على الجهة المقابلة فى الأرض أناس ، لوجب أن يذهب المسيح إليهم ، وأن يقضى صلباً فى سبيل خلاصهم مرة ثانية).
وتساءل معلم الكنيسة لاكتانتيوس مستنكراً: (هل هذا معقول؟ أيعقل أن يُجَن الناس إلى هذا الحد ، فيدخل فى عقولهم أن البلدان والأشجارتتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم؟)
لقد كانت الأرض بالنسبة إلى بعض الناس منهم تلاً تدور الشمس حوله ما بين الشروق
والغروب ، وبالنسبة إلى الآخرين مسطحاً تحيط به المحيطات.
ورأت الكنيسة أن الأمر لن يُحل إلا باستخدام القوة ، فأنشأت محاكم التفتيش: ففى سنة 1316 م أفلت الطبيب (بطرس ألبانو) من أيدى محكمة التفتيش حيث أدركته الوفاة قبل أن تمتد يدها إليه ، جزاء ما روَّجَ إليه من مذهب الأنتيبود (وجود بشر يقطنون فى الجهة الأخرى من الأرض) وغيره من مذاهب العلم.
وفى سنة 1327 م طردت الكنيسة العالم الفلكى (شيكودا سكولى) ثم أحرقته حيا فى فلورنسا، وكان أستاذاً بجامعة كولونيا، لأنه عَلَّم مذهب الأنتيبود وغيره من حقائق العلم
ولاذ آخرون بالصمت خوفاً من عقاب الكنيسة لهم ، مثل:
آبيان الذى كان أستاذاً فى جامعة أنجلو ستاد فى عصر شارل الخامس.
وريتيكوس الذى كان أستاذاً فى ويتنبرج.
كما قامت حملة عنيفة ضد (جاليليو) لأنه اكتشف بمنظاره أن هناك سيَّارات أخرى تزيد عن السبعة التى ذكرها سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى بقوله: (19فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هَذَا. 20سِرُّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ: السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ، وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ».) رؤيا يوحنا 1: 19- 20
واتهمت الكنيسة هذا الفكر وصاحبه بالكفر والإلحاد ، وعللت رأيها المناهض لهذه النظرية قائلة: إن حكمة الله تقتضى أن لا يخلق شيئاً عبثاً ، وتبعا لكلام جاليليو ، فلا بد من وجود بشر يقطنون هذه السيارات ، فكيف يمكن لأهلها أن يكونوا قد تناسلوا من آدم؟ وكيف خرجوا من سفينة نوح (يقول الكتاب المقدس إن الطوفان امتد لك الأرض ، فغرق كل من عليها)؟ وكيف نعتقد أن المسيح منقذ النوع الإنسانى قد كفر عنهم؟
أما بالنسبة للمدارس ، فقد كانت الكنيسة هى التى تشرف عليها ، وترسم سياستها التعليمية ، مما طبع الثقافة بطابع لاهوتى ، فمثلاً المدارس التى أمر (شارلمان) سنة 789 م بتعميمها فى الأديرة والكاتدرائيات ، كان التعليم فيها يقتصر على الترانيم والموسيقى الدينية.
أما بالنسبة لتعليم النساء، فقد ذكر بطرس البستانى أنه كان فى غاية الإنحطاط، حيث لم
يكن لهنَّ مدارس ـ إلا ما ندر وفى المدن الكبيرة فقط ـ وكن يتعلمن القراءة فقط وكانت بعض الأديرة تعلم النساء تلاوة الصلاة ، وصناعة التطريز وغيرها من أعمال الأديرة.
ولم يقتصر الأمر على هذا الحد من منع العلم ونشر الجهل ، بل اعتبرت الكنيسة بعض الهرطقات والخرافات من العلوم العقلية بمثابة النصوص المقدسة التى يجب على كل اتباعها الإيمان بها. نذكر فى علم الجغرافيا:
وضع الراهب (قوزماس إنديكوبليوستيس) نظاماً خرافياً عن الكون والأرض ، واستطاع أن يقنع به الكنيسة. وكان مما قاله (نقلا عن موقف الإسلام والكنيسة من العلم ص 132 وما بعدها): (إن الأرض عبارة عن معين منبسط تحيط به أربعة بحار!) ولم يقتصر الأمر على ذلك بل حدد مساحتها فقال: (ويبلغ ـ معين الأرض ـ أربعمائة يوم سفراً طويلاً ، ومائتى يوم عرضاً!)
أما بالنسبة لكيفية وضع السماء فقال: (وفى حدود هذه البحار الأربعة الخارجية تقوم جدران عظيمة القدر ، هائلة الحجم ، تحوى كل ذلك البناء الكبير ، وتحمل من فوقها تلك القبة السماوية ، وقد ثبتت أطرافها إلى أعلى الجدران بمادة فيها صفة الإلتصاق.)
كما علل ظاهرة غروب الشمس بقوله: (إن عند طرف الأرض الشمالى يقع جبل عظيم، خلفه يكون مقر الشمس أثناء الليل!)
ولم يكتفى بهذه الهرطقة ، بل صبغ عليها المسحة الإلهية ، واعتبرها من وحى الله فقال: (إنه ليس موسى والأنبياء وحدهم ، بل الملائكة والحواريين أيضاً متفقون على أن ما فى هذا مذهبه ، وأن الله فى اليوم الآخر سوف ينزل غضبه على كل من لم يُسلِّم به أو يتشكك فيه).
وقبلت أراء قوزماس فى العالم المسيحى على أنها وحى مقدس أنزل على قلبه! بل إن كثيرا من رجال الكنيسة توسعوا فى شرح نظرياته ، وظل الاعتقاد بها سارياً حتى نهاية القرون الوسطى.
أما بالنسبة لطبيعة الرياح ، وكيفية هبوبها ، فقد ظهرت رموزها على الخرائط الجغرافية فى صورة أدمغة عظيمة الحجم منتفخة الوجنات ترسلها فى اتجاه أورشليم!
كما أنهم عللوا احمرار الشمس عند الغروب نتيجة مواجهتها لجهنم ، حيث حدد بعض رجال الكنيسة ، ومن بينهم (دانتى) موقع جهنم فقال: (إنها تقع عرض المحيط الأطلنطى ، وعلى مسافة غير معروفة من شاطىء أوربا.)
وبالنسبة لنشأة الضفادع والهوام والبعوض فقد قال القديس (باسيل الكبير) الذى عاش فى القرن الرابع الميلادى: (قدخُصَّت المياه بقوة انتاجية ، وأنه من الطمى والطين اللازب نشأت الضفادع والهوام والبعوض.)
تبنى هذا الرأى كذلك القديس (أوغسطين) ، حيث قال: (إن مواد ما قد خصَّها الله بقوة تستطيع أن توجد صوراً خاصة من الحيوانات والنباتات.)
وفى القرن السابع للميلاد ظهر قديس اسمه (ايزيدور الأشبيلى) اهتم بقضية الخلق ، وسجَّل أفكاره ، والتى استعان فيها بآراء القديس (باسيل) و (أوغسطين) فى مؤلفه المسمَّى (الإنسيكلوبيدى الكبير) ، تعرض فيه لنشأة بعض الحيوانات وكيف تُخلَق ، وكان مما قاله: (إن النحل إنما يحدث من لحم الثور المنحل ، والخنافس من لحم الحصان ، والجراد من البغال ، والعقارب من السراطين.)
والعجيب أن هذا الكتاب ظل مرجعاً أساسياً لطلاب العلم فى خصائص الحيوانات وحقيقة الطبيعة لأجيال طويلة.
ولم يقتص الأمر على ذلك ، بل تطرق رجال الكنيسة ‘لى وصف بعض المخلوقات ، وما تقوم به من أفعال ، فهذا (نيدر) عضو محكمة التفتيش يصف فى كتابه المسمى (تل النمل) خصائص بعض المخلوقات ، ومما قاله عن نمل (أثيوبيا): (إن له قروناً ، وإنه ينمو حتى يصير فى حجم الكلب!)
وقالوا عن الثعابين: (إنها تلقى سمها بعيداً قبل أن ترد الماء.)
ومما قالوه عن السبع: (إنه لكى يضلل من يقوم بمطاردته ، فإنه يمحو بطرف ذنبه آثاره.)
ولعل أكثر من تطرق إلى خصائص الحيوانات وطباعها (بارثولوميو) فى كتابه المسمى (خصائص الأشياء)، حيث ذكر فيه خصائص بعض الحيوانات ، وما تقوم به من أفعال ، ومما قاله عن التمساح: (أنه إذا عثر على إنسان على حافة المياه فإنه يقتله ، ثم يبكى عليه ، ثم يأكله!
وقال عن التنين: (بأنه أعظم الأفاعى ، ويطير فى الجو فيحرك الهواء! وإذا دخل الماء ، فإن البحر يهيج ويطغى .. .. إلى غير ذلك من الأوصاف.)
بالإضافة إلى ما ذُكِرَ ، فقد علل بعض رجال الكنيسة سبب وجود الحيوانات الضارة
نتيجة لأخطاء الإنسان ، حيث ذكر ذلك (بطرس لومبارد) فى كتابه المسمى (الجمل) فقال: (إنما أصبحت الحيوانات مضرة مؤذية ، لتزعج الإنسان وتعاقبه على رذائله! ولتحضه على الفضيلة وتكملها فى نفسه ، لقد خلقت العجماوات غير مؤذية ، فلما أن وقعت المعصية ، انقلبت مضرة أبلغ الضرر!)
وفى مجال الطب: لقد اختلط الطب عندخم فى أوروبا فى العصور الوسطى بالتعاويذ الدينية والتنجيم ، ولم يعرفوا علم التشريح ، فضلاً عن البساطة والسذاجة فى ممارسة المهنة التى كان يقوم بها الرهبان.
وعلى الرغم من ذلك فقد أخذت الكنيسة تعارض اشتغال الرهبان والراهبات فى تلك المهنة ، وذلك لكى يتفرغوا للقضايا الروحية!
وعلاوة على ذلك فقد كانت الكنيسة تقوم بعزل المرضى بصورة وحشية ، فقد كان المريض بداء الجذام يمنح قداسا من قِبَلِ الكنيسة ، كان يذهب بمقتضاه إلى حفرة فى فسحة الكنيسة ، وبقذفه الكاهن بالتراب ثلاث مرات ، ثم يُنفَى إلى بقاع نائية مُخصَّصة لمرضى البرص!
كما علل أحد أساتذة جامعة (مونبليه) سنة 1348 م أن أسباب انتشار مرض الطاعون ناتج عن نظر المريض! لهذا فقد نصح الطبيب أو الكاهن أن يطلبا من المريض اغماض عينيه أو وضع خرقة عليها قبل أن يَعْمَد إلى معاينته!
ويحكى لنا الأمير أسامة بن منقذ (1095 - 1188)، ابن أخت حاكم قلعى شيزر نادرة من نوادر علاج الغرب للأمراض فيقول: (ومن عجيب طبهم أن صاحب المنيطرة كتب إلى عمى يطلب منه إنفاد طبيب يداوى مرضى من أصحابه. فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا له: ما أسرع ما داويت المرضى! قال: إنهم أحضروا عندى فارساً قد طلعت فى رجله دمَّلة ، وامرأة قد لحقها نشاف. فعملتُ لُبَيْخَة ففتحت الدملة وصلحت. وحميت المرأة ورطبت مزاجها. فجاءهم طبيب إفرنجى فقال لهم: هذا ما يعرف شيئاً يداويهم ؛ وقالللفارس: أيُّما أحب إليك: تعيش برجل واحدة أم تموت برجلين؟ قال أعيش برجل واحدة. قال احضروا لى فارساً قوياً وفأساً قاطعة ؛ فحضر الفارس والفأس ، وأنا حاضر ، فحطَّ ساقه على قرمة خشب وقال للفارس: اضرب رجله بالفأس ضربة واحدة! اقطعها! فضربه ، وأنا أراه ، ضربة
واحدة ما انقطعت. ضربه ضربة ثانية فسال مخ الساق ، ومات الرجل من ساعته.
وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة فى رأسها شيطان قد عشقها ، احلقوا شعرها. فحلقوه. وعادت تأكل من مآكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النشاف ، فقال: الشيطان قد دخل فى رأسها. فأخذ الموسى وشقَّ رأسها صليباً وسلخَ وسطه ، حتى ظهر عظام الرأس ، وحكه بالملح ، فماتت فى وقتها. فقلت لهم: بقى لكم إلىَّ حاجة؟ قالوا: لا. فجئت وقد تعلمت من طبِّهم ما لم أكن أعرفه.)
ونادرة أخرى حدثت للأمير (ديدو الثانى فون روشيليتز وغويز) الذى كان يشكو قِصَراً فى نفسه ، وسمنة فى بدنه ، وذهب إلى الطبيب ليستشيره إذا كانت السمنة هذه ستزعجه وتتعبه فى الرحلة التى ينوى القيام بها بصحبة الإمبراطور هاينريش السادس إلى (أبولين) الإيطالية. فتناول الطبيب موسى حادة شقَّ بها بطن الأمير الصغير المسكين ببساطة ، فنزع الشحم الزائد منه ، وانتزع روحه معه كذلك.
وفى أثناء رحلة الأمير أسامة بن منقذ من عكا إلى بحيرة طبرية حكى له السيد فيلهلم فون بورن كما سمعها رفاقه فى السفر هذه الأقصوصة: (كان عندنا فى بلادنا فارس كبير القدر ، فمرض وأشرف على الموت. فجئنا إلى قسٍكبير مو قسوسنا وقلنا: تجىء معنا حتى تبصر الفارس فلان؟ قال: نعم. ومشى معنا ونحن نتحقق أنه إذا حطَّ يده عليه عوفى. فلما رآه ، قال: اعطونى شمعاً! فأحضرنا له قليل من الشمع ، فليَّنه وعمله مثل عُقَد الإصبع. وعمل كل واحدة فى جانب أنفه ، فمات الفارس. فقلنا له: قد مات ، قال: نعم ، كان يتعذَّب ، سددت أنفه حتى يموت ويستريح.)
هكذا كان العلاج عندهم: أيد توضع ، وشيطان يطرد ، وصلاة تقام .. .. تلك كانت الوسائل المفضَّلة فى المعالجة التى حاول بها أطباء اوروبا ـ عن طريق مسوح الكهنوت والرهبان ـ إنقاذ الإنسانية المريضة ، وتخليصها من براثن الداء والألم.
عملاً بما نسبوه للسيد المسيح أنه قاله لتلاميذه ، ثم سحبوا الكلام على كل طاقم رجال الكهنوت: (8اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصاً. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّاناً أَخَذْتُمْ مَجَّاناً أَعْطُوا.) متى 10: 8
أما فى علم الكيمياء: فقد كانت الكنيسة تقوم بحملة عنيفة على بعض الذين أوتوا نصيباً من العلم فيها ، فهذا (لينيوس) استطاع أن يتوصل إلى معرفة سبب احمرار المياه ، ومما قاله: (إن احمرار المياه راجع إلى تكاثر نوع من الجوينيات فيه).
ولما علم رجال الكنيسة بأقواله جاهروه العداء ، وأوَّلوا هذه الظاهرة بأنها خارقة من
الخوارق الربانية ، تحدث عند غضب الله! ونتيجة لحملة العداء التى قامت بها الكنيسة اضطر (لينيوس) إلى التراجع عن رأيه.
أما فى مجال العلوم الرياضية والفلك ، فقد كانت دراسة الحساب والهندسة والفلك تسير فى غاية البداوة ، واستمرت على هذا الحال حتى أوائل القرن الثانى عشر.
فمثلاً الحساب كان يتم بطريقة بدائية للغاية ، حيث كان يتم بطريقة رسم خطوط طولية على الألواح ، ثم توضع الأرقام فى الخانات ، وفى هذه الخانات كانوا يضعون قطعاً صغيرة من الحجر أو الزجاج أو المعدن ، وبواسطتها استطاعوا أن يجروا عمليات الجمع والطرح. (كما تقول الدكتورة زيجريد هونكه)
هذه هى الأفكار والنظريات التى كانت الكنيسة تفرضها على الناس وتحاكم ، وتعاقب ، بل وتعذِّب كل من يخالفها أو يبين زيفها وبطلانها ، وكان ذلك فى كل العلوم التى يقبلها العقل السوى.
أما علم الفلك فقد حاربوا أفكار (كوبرنيكوس) و (جاليليو) وفرضوا على طلاب العلم بعض الآراء التى تهدف إلى دحض أراء (كوبرنيكوس) وبيان أنها مناقضة للنصوص المقدسة ، ومن ذللك ما قام به الكاهن (هسل) حيث وضع لطلاب العلم مختصراً فى علم الفلك أسماه: (الرجوع إلى الأصل الموسوى فى أصل الكون).
وقضى هذا التفكير الضيق على كل موهبة ، وعاق كل بحث علمى ، وأجبر كل المفكرين الذين لا تتفق أعمالهم ومعتقدات الكنيسة هذه على إنكار ما قالوه من النظريات العلمية ، وإلا كان مصيرهم الحرق العلنى بالنار ، لكفرهم وخروجهم على المعتقدات الإلهية.
أما ما فعلته الكنيسة فى كل من خالف جهلها ، وأتى بعلم يبين أخطاء الكتاب المقدس ، ويثبت أنه بهذا ليس من وحى الله ، فقد قامت قيامة الكنيسة ولم تقعد ، وقام رجالها بهجمة وحشية عليهم ، وكفروهم ، واستحلوا دماءهم ، وأنشأوا لهم محاكم التفتيش: فقد حكمت محكمة التفتيش فى مدة لا تزيد على ثمانية عشر عاماً (1481 - 1499) على عشرة آلاف ومائتين وعشرين شخصاً بأن يُحرَقوا وهم أحياء ، فأحرقوهم! وعلى ستة آلاف وثمانمائة وستين بالشنق ، فشنقوا ، وعاى سبعة وتسعين ألفاً وثلاثة وعشرين شخصاً بعقوبات مختلفة ، فنفذت.
وينقل الدكتور توفيق الطويل قول المؤرخ (لورنتى) الذى أتيح له البحث بمطلق الحرية فى أرشيفات محكمة التفتيش الإسبانية فيقول: (إن المحكمة وحدها قدمت إلى النار أكثر من واحد وثلاثين ألف نفس ، وأصلت أكثر من مائتين وتسعين ألفاً بعقوبات أخرى تلى الإعدام فى صرامتها ، وهذا الرقم لا يشمل الذين أودت بحياتهم فروع هذه المحكمة الإسبانية فى مكسيكو ، وليما بأمريكا الجنوبية ، وقرطاجة ، وجزر الهند الغربية ، وصقلية ، وسردينيا ، وأوران ، ومالطة)
ومن هؤلاء العلماء:
جاليليو: الذى عوقب فى سنة 1615 م ووقف أمام محكمة التفتيش فى روما وصدر الحكم بسجنه ، وهنا عُذِّبَ عذاباً شديداً ، مما اضطره إلى التراجع عن آرائه ، وأُقسِرَ أخيراً على أن يُعلِن وهو جاث على ركبتيه أمام البابا (أوربان الثامن) الاعتراف الآتى: (أنا جاليليو ، وفى السبعين من عمرى ، سجين جاث على ركبتى ، وبحضور فخامتك ، وأمامى الكتاب المقدس ، الذى ألمسه الآن بيدى ، أعلن أنى لا أشايع ، بل ألعن وأحتقر خطأ القول وهرطقة الاعتقاد بأن الأرض تدور!)
وكوبرنيكوس: الذى نفد من قبضة زبانية الكنيسة بموته ، إلا أنها صادرت كتبه وأحرقتها ، وحرم على أتباع الكنيسة الاطلاع عليها.
وبافون: الذى ظهر فى القرن الخامس عشر واشتغل بالتاريخ الطبيعى ، وتحت التعذيب تراجع واعتذر علناً ونشر اعتذاره على الناس وتبرأ من كتبه وأفكاره قائلاً: (أعلن إقلاعى عن كل ما جاء فى كتابى خاصاً بتكوين الأرض ، وجملة عن كل ما جاء به مخالفاً لقصة موسى.)
ونيوتن: الذى تبنى نظرية الجاذبية الأرضية ، فقد عوقب من قبل الكنيسة لأن هذا القول معناه ـ من وجهة نظر الكنيسة ـ انتزاع قوة التأثير من الله وتحولها إلى قوة مادية.
وجيور دانو برونو: قامت الكنيسة بإحراقه حياً ، ثم ذرت بقاياه الترابية مع الريح!
وتراجع الكثير من العلماء عن البحث أو تأييد أبحاث غيرهم خوفاً على حياتهم أمثال:
آبيان: الذى كان معلما فى علم الفلك ، وكان يُدرِّس فى جامعة (أنجلوستاد) ، فلم يستطع تأييد آراء كوبرنيكوس.
وكذلك رينولد الذى لم يستطع تأييد آراء كوبرنيكوس ، بل كان يدافع عن آراء الكنيسة الفاسدة ويلقنها للطلبة.
وكذلك كان ريتيكوس الذى كان أستاذاً فى (ويتنبرج) فقد آثر الصمت تجاه بعض الحقائق العلمية خشية الإصطدام مع الكنيسة.
وكذلك كان العالم دى رومنيس الذى أثبت أن قوس القزح هو من إنعكاس ضوء الشمس فى نقطة الماء ، فقبض عليه وأحضروه إلى روما ، وحُبِسَ حتى مات ، ثم حوكمت جثته وكتبه فحكم عليها وألقيت فى النار
وكذلك كان ديكارت الذى تبنى المنهج التجريبى من أجل الوصول للمعرفة.
ولا يمكنك أن تقول إن هؤلاء قوم ضلوا فأضلوا! إنهم استندوا للكتاب المقدس فى كل
أفعالهم ، فى رفضهم العلوم الفلكية ، والجغرافية ، والطبيعية ، وفى كل الإتجاهات العلمية ، الأمر الذى يؤكد اليوم بعد اعتراف العلم بهذه النظريات أن هذا الكلام الذى استندوا إليه فى الكتاب المقدس ليس من وحى الله.
بل ارتكنوا إلى جرائمهم الوحشية إلى نصوص الكتاب المقدس:
(6«وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ أَوْ صَاحِبُكَ الذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلاً: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلا آبَاؤُكَ 7مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الذِينَ حَوْلكَ القَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ البَعِيدِينَ عَنْكَ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلى أَقْصَائِهَا 8فَلا تَرْضَ مِنْهُ وَلا تَسْمَعْ لهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَليْهِ وَلا تَرِقَّ لهُ وَلا تَسْتُرْهُ 9بَل قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَليْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيراً. 10تَرْجُمُهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ لأَنَّهُ التَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ.) تثنية 13: 6-10
(6إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجاً كَالْغُصْنِ فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ فَيَحْتَرِقُ. 7إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ. 8بِهَذَا
يَتَمَجَّدُ أَبِي أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تلاَمِيذِي.) يوحنا 15: 6-8
ونحن هنا لا نعارض قتل المرتد ، فهى عقوبة المرتد فى الإسلام أيضاً ، ولكننى أعارض أن يكون الله قد أمر بتعذيب النفس غير المؤمنة لأن هذا يتعارض مع رحمة الله الأبدية: (5أَمَّا أَنَا فَعَلَى رَحْمَتِكَ تَوَكَّلْتُ.) مزامير 13: 5
(1اِرْحَمْنِي يَا اللهُ ارْحَمْنِي لأَنَّهُ بِكَ احْتَمَتْ نَفْسِي وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَحْتَمِي إِلَى أَنْ تَعْبُرَ الْمَصَائِبُ.) مزامير57: 1
(1اِرْحَمْنِي يَا اللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ.) مزامير 51: 1
(10لأَنَّ رَحْمَتَكَ قَدْ عَظُمَتْ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَإِلَى الْغَمَامِ حَقُّكَ.) مزامير 57: 10
فما وصلت إليه الكنيسة وكهنتها فى المجال الدينى ، لم يكن عاملاً منقذاً للحضارة ، بل كان عائقاً لها. لقد كانت أمامهم الفرصة ، تماماً كالعرب ، بل إن فرصتهم كانت أكبر فى أن يأخذوا التراث العظيم ، ويتطوروا به ويرتقوا.
وظل الفكر الإغريقى بالنسبة لهم غريباً على الدوام. فحوالى عام 300 م علل أسقف قيصرية أويزيبيوس ذلك المسلك لعلماء الطبيعة من الأسكندرية ، قائلاً: (إن موقفنا هذا ليس جهلاً بالأشياء التى تعطونها أنتم كل هذه القيمة ، وإنما لاحتقارنا لهذه الأعمال التى لا فائدة منها. لهذا فإننا نشغل أنفسنا بالتفكير فيما هو أجدى وأنفع).
وظل هذا التفكير العقيم سائداً لا يتغير ، فيتحدث بمثل هذا فى القرن الثالث عشر القديس توما الأكوينى فيقول: (إن المعرفة القليلة لأمور سامية أجل قدراً من معرفة كبيرة موضوعها أمور حقيرة).
ولقد بدت للسادة المهيمنين على الأمور ضرورة تحريم الكتب التى تهتم بالأمور الحقيرة الدنيوية على المتعلمين ورجال الدين. ففى عام 1206 م نبه مجمع رؤساء الكنائس المنعقد فى باريس رجال الدين بشدة إلى عدم قراءة كتب العلوم الطبيعية ، واعتبر ذلك خطيئة لا تُغتَفَر.
كل هذا على الرغم من أن المرأة كانت تسأل عيسى عليه السلام ، وكانت تحضر معه الإحتفالات ، وكانت معه قبل العشاء الأخير ، إلا أنك ترى بولس فى رسائله قد أنزلها منزلة حقيرة ، فمن ناحية العلم ليس لها أن تسأل داخل الكنيسة ، حتى لو لم يحضر
زوجها ، وحتى لو لم تفهم ، وحتى لو لم يوضح ويفصح المتكلم.
ولو أردنا دليلاً آخر على مدى الهوة العميقة التى كانت تفصل الشرق عن الغرب ، لكفانا أن نسبة 95% على الأقل من سكان الغرب فى القرون من التاسع إلى الثانى عشر ، كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة.
بينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه فى شيخوخته لتعلم القراءة والكتابة ، وبينما أمراء الغرب يعترفون بعجزهم عن الكتابة والقراءة ، وفى الأديرة يندر بين الكهنة من يستطيع مسك القلم ، لدرجة أنه عام 1291م لم يكن فى دير جالينوس من الكهنة والرهبان من يستطيع حل الخط.
بينما كان هذا كله يحدث فى الغرب ، كان آلاف مؤلفة من المدارس فى القرى والمدن تستقبل ملايين البنين والبنات ، وكان الدافع إلى كل هذا هو رغبتهم الصادقة فى أن يكونوا مسلمين حقاً ، كما يجب أن يكون المسلم ، ولم يجبرهم أحد على ذلك ، بل اندفعوا إليه عن رغبة وإيمان ، لأن من واجب كل مسلم أن يقرأ القرآن، ويتدبر آياته، ويعمل بها ، فعليه الوقوف على أسباب غضب الله على الأمم السابقة وتجنبه، وعليه البحث عن العلم أينما كان ، والإستفادة منه.
ولم يجد الناس للكتاب المقدس سبيلا ، إذا استثنينا الكهنة ورجال الدين ، فهم وحدهم يستطيعون قراءته وفهم لغته. ومنذ عام 800 م لم يعد الشعب يفهم المواعظ الملقاة باللاتينية، حتى إن مجلس رؤساء الكنائس المنعقد فى مدينة تور أوصى بوعظ الناس باللغة التى يتكلمون بها. ولم تكن هناك حاجة تدعو الشعب فى تلك العصور إلى تعلم اللاتينية ، بل لم تكن هناك أية رغبة فى تعليم الشعب أو تثقيفه.
ولم تكن المساجد لتدريس علوم القرآن فقط ، بل كان التلاميذ يتعلمون فيها إضافة إلى القرآن قواعد اللغة والديانة والخطابة والأدب والتاريخ والجغرافيا والمنطق والفلك والرياضة. وبذلك لم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب ، بل أصبحت منبراً للعلوم والمعارف ، يتساوى فى ذلك الولد مثل البنت.
وبهذا نعلم أن الكنيسة ورجالها هم الذين كانوا وراء طمس حقائق العلم ، وإطفاء نور المعرفة ، وإشعال وهج الجهل ونيرانه بين أتباعها ، فهم كانوا الوحيدون أصحاب المنفعة فى إحراق الكتب العلمية ، التى من شأنها فضح كتابهم ، وإثبات بشرية منشأه. وقد رأينا أدلة عملية على ذلك من إحراق مكتبة الأندلس بما فيها من مخطوطات ، كما أحرقوا مكتبة الأسكندرية من قبل باعتراف المؤرخ أوروسيوس.
ولم تتقدم أوروبا ، ولم تزدهر حضارتها إلا بعد أن فصلوا الدين عن الدولة ، وتراجعت الكنيسة ورجالها بأفكارهم الهدامة إلى الصفوف الخلفية ، بل وتخلت عن كتابها المقدس ومغالطاته العلمية، التى عانت منها أوروبا حكومة وشعباً.
فهل قابل الغرب علم العرب بالشكر؟ لا.
فقد طمسوا الهوية العربية حتى لا يظهر الإسلام متلألأً وسط الظلام الذى فرضه قساوسة وأساقفة وباباوات الدين النصرانى على كل من أتى بحقيقة علمية تخالف الكتاب المقدس وتُظهر جهل من ألَّفوه.
فقد أسموْ الخوارزمى “ألجوريزموس” Algorizmus وأسموْ ابن سينا “أريستوفوليس” Aristofolis أو Avicienne وأسموْ ابن رشد “أفيروس” Averoes ، فى محاولة منهم لطمس الهوية الإسلامية ، وأصحاب الفضل على علمهم وحضارتهم.
ونختتم هذا الرد بقول ألدوميلى Aldo Mieli فى كتابه القيِّم: “العلم عند العرب”:
“فى القرن الأول من خلافة العباسيين [بداية القرن الثامن] كان المترجمون (من الأغريقية إلى السريانية ، ومن السريانية إلى ********* هم الذين يحتلون المرتبة الأولى – على وجه الخصوص – من النشاط العلمى” وكان من بين هؤلاء العلماء والمترجمين نصارى ويهود احتضنتهم قصور الخلافة نفسها. فلا يُعقل أن نحرق كتبهم ونبيد علومهم ثم نحتضن علماءهم. ومن أمثال هؤلاء العلماء تيوفيل بن توما الرهاوى وهو مسيحى مارونى توفى عام 785 م، وجرجس بن جبريل بن بختيشوع المتوفى عام 771 م ، وكذلك أبى يحيى البطريق المتوفى عام 800 م ، (صفحة 184 من شمس العرب تشرق على الغرب).
abubakr_3
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة مجاهد في الله في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 18
آخر مشاركة: 03-02-2016, 04:20 PM
-
بواسطة شبكة بن مريم الإسلامية في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 7
آخر مشاركة: 29-03-2007, 02:35 AM
-
بواسطة فلوجه في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 23-02-2007, 11:46 PM
-
بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 28-11-2005, 09:40 PM
-
بواسطة وليد في المنتدى حقائق حول الكتاب المقدس
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 21-08-2005, 01:52 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات