في قول الله عز وجل:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "
ثلاث طرائق للدعوة الى الله، حيث أبانت الآية أن الناس على ثلاثة أنحاء:
1-أهل الحكمة
2- وأهل المواعظ
3- وأهل الجدل
فأهل"الحكمة": هم اهل برهان يبحثون عن الحق بغير عناد ولو وجد من يدعوهم بالمنطق السليم والعقل السديدوالرأي المبني على أطر علمية منضبطة لهدي كثير منهم بإذن الله الى الطريق القويم.
ولذلك ترى كثيرا من أهل العلوم الدنيوية -من اهل الغرب_-حين يواجهون بالبرهان عن حقيقة علمية في كتاب الله لا يسع كثيرا منهم الا أن يتشهد، او ينحني اجلالا واكبارا واعظاما لكلام الله إن لم يسلم ولا ينال الاسلام بسوء.
وقد أودعت في غضون ما سبق من كلامي جملة اعتراضية بعد قولي
من أهل العلوم الدنيوية وهي قولي:من أهل دول الغرب، لأن كثيرا ممن يسبحون بحمد الغرب في ديار الاسلام أكثرهم جهال ومقلدة لا يفقهون شيئا، وانما سر تغنجهم بهذه الحضارة يرجع الى عدة اسباب منها:
1-أن كثيرا منهم من أصول فقيرة فلما سافر الى هناك افتتن بثراء القوم وزينتهم فظن ان ماعليه القوم من افكاروانحلال هو سبب تقدمهم ثم انتهى الى بلاده يدعوا الى عادات وافكار وانحلال لا الى العلم الذي عند القوم الذي ينهض بأمته فأعيا عقله ان يحمل العلم وقوي ان يحمل الشهوات والانحلال فرجع هؤلاء الينا يظنون أنهم أبطال قد حملوا حضارة في صدورهم زعموا.
2-ويرجع أيضا الى الجاه والشرف الاعلامي الذي يضفى على كل من تمسح بهذه الحضارة الغربية فترى أقواما لا يفقهون في الكبير والصغير يتصدرون صهوة الاعلام ولعل طويلب علم نازلهم على صغار المسائل العلمية في اي مجال لعرقلهم ولعثمهم.
3-ويرجع أيضا الى الاموال والشهادات التي تصك لمن ينشر الفكر الغربي.
4- ويرجع أيضا الى أن الحضارة الغربية هي أوسع باب يدخل منه أهل الخنا ليعاقروا فحشهم ويتجرعوا شرابهم بعد أن أوصد الاسلام عليهم الباب.
فالقضية عند مغتربي ديار الاسلام لا قضية علم ونهضة وانما الذي ذكرت.
وبعد فأستأنف الحديث عن الصنف الثاني:
" أهل المواعظ": وهم عوام الناس الذين لا دراية لهم بالمعقول ولا بالأدلة والبراهين التي تنبو على ادراكهم، فكثير من هؤلاء يأتي معك ويلين إذا وعظته وذكرته بالجنة والنار، لأن كثيرا منهم على الفطرة لم يجتل الشيطان عقولهم بالامور الفلسفية والميتافيزيقية التي خربت عقول من لم يعصم الله وأنكست فطر من اتبع الشيطان.
أما"أهل الجدل":فهؤلاء كل معاند متكبر اتبع هواه وزين له الشيطان عمله فرآه حسنا فهو يجادل عن دين آباءه وحضارات أعراقه وعادات أقوامه بحق أو بغير حق فهؤلاء الصنف الذين فيهم:"وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"
وقال فيهم" إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) "
وقال:"وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا "
ومع هذا فقد أمرنا الله تعالى شأنه أن نجادلهم عن ديننا بالتي هي أحسن.
وبعد فأختم وأقول إن داء الامم في التقليد على غير بصيرة بل ما أهلك الحضارات من قبلنا الا ذلك وما اعترضوا على الرسل وما كانت لهم حجة الاذلك"وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23
وقد شبه الشاعر المقلد بالحيوان أعزكم الله فقال:
لا فرق بين مقلد وبهيمة تنقاد بين دعاثر وجنادل
المفضلات