مكانة المرأة في الإسلام
حمدون داغر
مقدمة
مكانة المرأة في الإسلام من أكثر المواضيع خلافاً وخطورة، ليس فقط لدى المسلمات ومن يمثل حقوقهن في إطار حقوق المرأة في العالم الإسلامي، بل إنها مادة اهتمام ودراسة عند المسلمين الأصوليين أيضاً. قد يجد القارئ العادي نفسه في ارتباك نظراً للمؤلفات الكثيرة التي عالجت وما تزال تُعالج هذا الموضوع بسطحية وانحيازية. فهناك من يتحدث عما أنجز الإسلام بحق المرأة ويدعي أن الإسلام هو الذي منح المرأة حقوقها وكرامتها. وهناك من ينسب جميع السلبيات في وضع المرأة المسلمة إلى الإسلام.
وبما أننا نعني بالإسلام في هذا الكتاب القرآن والحديث، فإننا نريد أن نعالج وضع المرأة بالدرجة الأولى في هذين المصدرين، لكي نرى ما منح الإسلام المرأة من حقوق، وما أتى به من سلبيات بالنسبة لها. وعلاوة على ذلك سنراجع بعض التفاسير الهامة، كما نذكر آراء المتكلمين والفقهاء القدامى، وتعليقات الأصوليين المعاصرين ومواقفهم تجاه النقاد الغربيين والشرقيين من دعاة حقوق المرأة.
وكما سيتضح في الأبواب القادمة، فإنه ليس بوسعنا دائماً ذكر الشواهد القرآنية لدى معالجتنا وضع المرأة في الشريعة، إذ كثيراً ما يسكت القرآن عن هذا الموضوع أو ذاك، وإن كان الموضوع مما يعود إلى صلب الشريعة. وهناك أمور يتطرق إليها القرآن دون أن يصفها بالتفصيل.
الفصل الأول
المرأة في القرآن
تظهر المرأة في القرآن في ثلاثة جوانب: أولاً: ككائن بيولوجي واجتماعي. ثانياً: كمؤمنة. وثالثاً: بكونها من شخصيات القصص القرآنية عن سير الأنبياء ومصير نسائهم.
وبغض النظر عن زوجة أبي لهب عم محمد، وزينب إحدى زوجات محمد التي يشير إليها القرآن تلميحاً، فإن مريم أهم شخصية أنثوية في القرآن، حيث يُطلق اسمها على السورة التاسعة عشرة، ولا يذكر القرآن امرأة قط باسمها سوى مريم. أما النساء الأخريات التي ترد قصصهن في القرآن فلا يذكر أسماءهن، بل يضيفهن إلى أزواجهن، وهن: حواء، وامرأة عمران (آل عمران 3: 53) وامرأة العزيز (يوسف 21: 03) وامرأة فرعون (القصص 82: 9) وامرأة لوط (التحريم 66: 10) وامرأة إبراهيم (هود 11: 17) وامرأة نوح (التحريم 66: 10).
إن ما يقوله القرآن عن المرأة ككائن بيولوجي واجتماعي يمكن اعتباره موضوعياً، وليس من شأنه أن يبخسها حقوقها، رغم أن الشعار السائد في هذا الباب هو: "الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم" (النساء 4: 43). ويجعل القرآن في السورة الثالثة أم مريم المكتئبة لولادتها "أنثى" تتكلم: "رب إني وضعتها أنثى، والله أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى" (آل عمران 3: 63). نجد في مثل هذه الآيات القرآنية محاولة محمد "إسقاط" التصوُّر البدوي عن المرأة على حادث في التوراة والإنجيل (4).
أما فيما يتعلق بالخلق فإننا لا نجد في القرآن أي تمييز في الرُّتبة بين الرجل والمرأة، وإن كان آدم هنا هو الإنسان الأول، كما ذكر الكتاب المقدس "إنه خلق الزوجين الذكر والأنثى" (النجم 35: 54). و"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. إن الله عليم خبير" (الحجرات 94: 31). يخاطب الله في أوامره ونواهيه وما فرضه من تشريعات كلا الجنسين.
بعد هذا البحث المقتضب عن المرأة ككائن بيولوجي واجتماعي وشخصية من شخصيات القصص القرآنية، نريد الآن أن ندرس "المؤمنة" في القرآن. وتشكل الآيات القرآنية التي تتعلق بالمرأة كمؤمنة الركن والقاعدة لوضع المرأة التشريعي والاجتماعي. وكما سنرى في الأبواب القادمة، يمكن إدراك هذا الموضوع بدراسة مكانة المرأة بالمقارنة بالرجل في الزواج والطلاق والشهادة والميراث والحجاب واتخاذ الإماء. إن عدم المساواة بين الرجل والمرأة، على حساب المرأة، تبرز في هذه الأبواب بشكل واضح رغم محاولات المسلمين الغيارى والمستشرقين الأوروبيين في تأويل وتعطيل النصوص، التي تُظهر أحياناً عكس ما يقصده القرآن وما يفهمه المسلم العادي. وسنذكر كلما سنحت الفرصة آراء وحجج المتكلمين والفقهاء ممن يلوذون بالتأويل والتعطيل للقرآن والحديث.
كل من اهتم بالإسلام وتصفَّح القرآن يعرف أن الأحكام الواردة فيه بحق المرأة تشكل جزءاً لا بأس به من القرآن. وكما هو معروف فإن السورة الرابعة تُدعى "سورة النساء" وهي من السور الطوال. قبل أن نبدأ في بحث وضع المرأة التشريعي نود التطرق مرة أخرى إلى مكانة المرأة بالنسبة للرجل.
الفصل الثاني
مقام المرأة
فيما يتعلق بمقام المرأة ككائن بيولوجي واجتماعي لا يوجد تمييز قرآني بين المرأة المسلمة وغير المسلمة، لأن الرجال قوامون على النساء، سواء كن مسلمات أو غير مسلمات، ولأن الذكر ليس كالأنثى (آل عمران 3: 63). ومما يساعدنا على فهم العقلية السائدة ما نقرأه في انتقاد القرآن لعادات مشركي مكة: "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذاً قسمة ضيزى" (النجم 35: 19-22). إن القرآن الذي يدين وأد البنات عند العرب المشركين يحيطنا في نفس الوقت علماً بالتصور السائد حينذاك عن المرأة: "وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هُون أم يدسه في التراب. ألا ساء ما يحكمون" (النحل 61: 85 و95).
إن سلمنا بما ورد في القرآن بحق المرأة في المجتمع الجاهلي، وبما سجله المؤرخون المسلمون وهم يبذلون قصارى جهدهم في إثبات أن الإسلام حسّن وضع المرأة ونقلها من قعر الهاوية إلى حياة كريمة، يجب أن نعترف بأن الإسلام لم يستطع تحقيق إصلاح كبير في هذا الميدان، لوجود نفس التصورات عن المرأة في معظم البقاع الإسلامية. إن من أهم الأسباب لهذه الظاهرة كان "المنهج الذرائعي" الذي اتَّبعه محمد، وهو الذي تبنى حتى التقاليد الجاهلية. لانتصار دعوته. ولم تكن غايته القصوى تأسيس نظام أخلاقي جديد، بل تحقيق النصر النهائي له "لا إله إلا الله. محمد رسول الله" وإرغام البدو على الاعتراف بسيادة الله على الآلهة جمعاء.
كما ذكرنا في السطور السابقة فإن أهم آية قرآنية يوردها الفقهاء برهاناً على أن المرأة دون الرجل هي: "الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وما أنفقوا من أموالهم" (النساء 4: 43).
يقول الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه (الرجال قوامون على النساء) الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم". ويذكر عدة روايات نورد بعضها: رعن ابن عباس قال هم (أي الرجال) أمراء، عليها أن تطيعه فيما يأمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله. وعن الضحاك قال: الرجل قائم على المرأة يأمرها بطاعة الله، فإن أبت فله أن يضربها ضرباً غير مبرحٍ، وله عليها الفضل بنفقته وسعيه" وقال السدي: "يأخذون على أيديهن ويؤدبونهن".
أما سبب نزول هذه الآية فيُذكر أن رجلاً لطم امرأة فأتت النبي تلتمس القصاص، فجعل النبي بينهما القصاص فنزلت "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه" (طه 02: 411). ونزلت "الرجال قوامون على النساء". يذكر ابن عباس في رواية عما يعنيه القرآن ب ربما فضل الله بعضهم على بعض" فيقول "إن الله فضل الرجال على النساء بالعقل والقسمة في الغنائم والميراث"(6).
والشيخ محمد عبده (5091-9491) الشهير بموقفه المعادي للتقليد الأعمى والملقَّب ب "المصلح" يكتشف في هذه الآية مظاهر جديدة لتفوُّق الرجل على المرأة: روما به الفضل قسمان فطري وكسبي، فالفطري هو أن مزاج الرجل أقوى وأكمل وأتم وأجمل، وإنكم لتجدون من الغرابة أن أقول إن الرجل أجمل من المرأة، وإنما الجمال تابع لتمام الخلقة وكمالها، وما الإنسان في جسمه الحي إلا نوع من أنواع الحيوانات، فنظام الخلقة فيها واحد. وإننا نرى ذكور جميع الحيوانات أكمل وأجمل من إناثها كما ترون في الديك والدجاجة والكبش والنعجة والأسد واللبوة. ومن كمال خلقة الرجال وجمالها شعر اللحية والشاربين، ولذلك يُعد الأجرد ناقص الخلقة ويتمنى لو يجد دواء ينبت الشعر وإن كان ممن اعتادوا حلق اللحية. ويتبع قوة المزاج وكمال الخلقة وقوة العقل وصحة النظر في مبادئ الأمور وغاياتها، ومن أمثال الأطباء والعلماء: "العقل السليم في الجسم السليم". ويتبع ذلك الكمال في الأعمال الكسبية، فالرجال أقدر على الكسب والاختراع والتصرف في الأمور. فلأجل هذا كانوا هم المكلفين أن يقفوا على النساء وأن يحموهن، ويقوموا بأمر الرئاسة العامة في مجتمع العشيرة التي يضعها المنزل، إذ لا بد في كل مجتمع من رئيس يرجع إليه في توحيد المصلحة العامة".
ويحرز عباس محمود العقاد (9881-4691) وهو من أشهر الأدباء العرب في القرن العشرين، في هجماته على المرأة، عداءً "قياسياً" فيقول: "فالمرأة تشتغل بإعداد الطعام منذ طبخ الناس طعاماً قبل فجر التاريخ، وتتعلمه منذ طفولتها في مساكن الأسرة والقبيلة، وتحب الطعام وتشتهيه. ولكنها بعد توارث هذه الصناعة آلاف السنين لا تبلغ فيها مبلغ الرجل الذي يتفرغ لها بضع سنوات، ولا تجاريه في إجادة الأصناف المعروفة ولا في ابتداع الأصناف والافتنان في تنويعها وتحسينها، ولا تقدر على إدارة مطبخ يتعدد العاملون فيه من بنات جنسها أو من الرجال. كذلك الأمر بالنسبة لصناعة التطريز وعمل الملابس، إنها من صناعات النساء القديمة في البيوت، ولكنها تعول على الرجال في أزيائها ولا تعول فيها على نفسها". إن المرأة في زعم العقاد ليس لها نصيب من العلم أو التفكير العلمي، حتى النساء الشهيرات في ميدان العلم لم يكن بوسعهن إحراز أي نجاح في العلوم لو لم يكن هناك إرشاد وتأييد رجالهن: "إن اسم السيدة ماري كوري، أول الأسماء التي يذكرها القائلون بالمساواة التامة بين الجنسين، ولو صح أن هذه السيدة تضارع علماء الطبقة الأولى من الرجال، لما كان في هذا الاستثناء النادر ما ينفي أنه استثناء نادر. إلا أن الواقع في حالة هذه السيدة خاصة بعيدة من أن تُحسب بين حالات الاستثناء في مباحث العلم، لأنها لم تعمل مستقلة بعيدة عن زوجها، ولم يكن عملها من قبيل الاختراع والابتداء". أما الرياء والكيد فهما صفتان أصليتان للمرأة: "إن الرياء الأنثوي الذي يصح أن يُقال فيه إنه رياء المرأة خاصة، إنما يرجع إلى طبيعة في الأنوثة تلزمها في كل مجتمع ولا تفرضها عليها الآداب والشرائع، ولا تفارقها باختيارها أو بغير اختيارها، بل لعلها هي تأبى أن تفارقها لو وُكل إليها الاختيار فيه .. فارق أساسي بين الرجل والمرأة يوجد في العلاقة الجنسية. إن الرغبة الجنسية عندها تنفصل عن الغريزة النوعية في معظم أيامها، فليست الرغبة الجنسية بحكم الطبيعة عبثاً في وقت من الأوقات عند الرجل".
هذا هو العقاد الذي يراه الكثيرون في الشرق والغرب مفكراً عبقرياً، والذي يعتقد أن المرأة شر لا بد منه، وهي لا تملك موهبة ولا فضيلة أبداً: "وليس في أخلاق المرأة المحمودة خلق أخص بها وألصق بأنوثتها من هذه الخلائق الثلاث وهي: الحياء والحنان والنظافة، ومعوَّلها فيها على وحي الطبع أو على وحي الرجل، وأحرى أن يكون ذلك ديدنها في جملة الصفات التي تولاها الرجال منذ القدم .. فليس الحنان الطبيعي بصالح التقدير خلق الرحمة في المرأة حين يتصل بإملاء الوجدان الأدبي وسلطان الضمير، وإنما يصلح لتقدير هذا الخلق فيها أن تقارن بين عطف الرجال وعطف النساء على الأطفال من أبناء الآخرين، فربما شوهد الرجل وهو يعطف على أبناء زوجته من غيره كما يعطف على أبنائه، ويسوّي بينهم في البر والمعاملة ولو من قبيل التجمل ورعاية الشعور. وتملك المرأة غير هذا السلوك في معاملة أبناء الزوج من غيرها، فلا ينجو الأبناء أحياناً من التعذيب والتشفي وتعمد الإذلال والإيذاء. "ومساك الأخلاق الأول عند المرأة هو الاحتجاز الجنسي، وهو من الغريزة التي يتساوى فيها إناث الحيوان، وليس من الإرادة التي يتميز بها نوع الإنسان بجنسه، والبون بعيد جداً بين هذا الاحتجاز الجنسي وبين فضيلة الحياء التي تُعد من فضائل الأخلاق الإنسانية".ويقول أحمد شلبي في ما تفوَّق به الرجل على المرأة: "إنه أطول منها، وعظامه أضخم من عظامها، وهو أثقل وزناً منها، وعضلاته أقوى، ومخه أكبر من مخها وكذلك قلبه".وما نجده في مجموعات الأحاديث عن المرأة ليس إيجابياً بحقها: هناك آثار مروية عن محمد يصف فيها النساء كمن ينقصهنَّ العقل والفهم: "عن أبي سعيد الجندي قال: خرج رسول الله ص في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال (يا معشر النساء تصدَّقن فإني أُريتكن أكثر أهل النار) فقلن: فيم يا رسول الله: قال (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير. ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبّ الرجل الحازم من إحداكن) فقلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) فقلن بلى. قال (فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُم؟) قلن: بلى. قال: (فذلك من نقصان دينها). في المصادر الكلامية يذكر كدليل على نقصان عقل المرأة أنه لا يوجد بينهن من اشتهرت بالعلم والمعرفة "وأما نقصان العقل فمعلوم أن النساء أندر عقولاً من الرجال؟ أن النجابة واللُّبانة إنما يوجدان فيهن في النادر الشاذ، وعقلاء النساء وذوات الحزم والفطنة منهن معدودات. ومن بهذه الصفة من الرجال لا تحصى كثرة". كان بإمكان الفقيه والعلامة الذي أتى بهذه الحجة الباهرة على نقصان العقل لدى المرأة أن يجد السبب الأساسي في الأخبار المروية عن محمد: "لا تنزلوهن في الغرف ولا تعلموهن الكتابة (يعني النساء) وعلموهن الغزل وسورة النور" أو: "لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب، واستعينوا عليهن بالعرى وأكثروا لهن من قول "لا" فإن "نعم" تغريهن على المسألة".
والذي يدرس الأحاديث المتصلة بالنساء لا يسعه إلا طرح السؤال عن الحكمة من وراء خلق المرأة إذ: "من تسعٍ وتسعين امرأة واحدة في الجنة وبقيتهن في النار" "إلا أن النار خُلقت للسفهاء وهن النساء، إلا التي أطاعت بعلها". "هلكت الرجال حين أطاعت النساء" و"ما تزال الرجال بخير ما لم يطيعوا النساء".
ويخبرنا محمد بسبب آخر يدفع الرجل إلى أن يخاف ويحترز من المرأة: "إياكم والنساء، فإن أول فتنة بين بني إسرائيل كانت بسببهن" و"ما أخاف على أمتي فتنة أخوف عليها من النساء والخمر" "لولا المرأة لدخل الرجل الجنة".
وليس للمرأة أن تتصرف وكأن لها بجانب الرجال ما يوحي بنفوذ أو قدرة، فإن محمداً "نهى النساء أن يتكلمن إلا بإذن أزواجهن". و"ليس للنساء نصيب في الخروج إلا مضطرة، إلا في العيدين: الأضحى والفطر. وليس لهن نصيب في الطرق إلا الحواشي" و"ليس للنساء وسط الطريق". و"ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام" "المرأة المؤمنة في النساء كالغراب الأعصم في الغربان. فإن النار خُلقت للسفهاء، وإن النساء أسفه السفهاء" وإذا أرادت المرأة أن تبرئ نفسها من هذه التهمة عليها أن تخدم زوجها.
وصف محمد المرأة (في روايات مختلفة عنه) بأنها خلق "نجس". وفي حديث عند مسلم أنه "ثلاث يفسدن الصلاة: المرأة والكلب والحمار" "قال رسول الله: يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرجل، الحمار والكلب الأسود والمرأة. فقلتُ: ما بال الأسود من الأحمر والأصفر والأبيض؟ فقال: يا أخي سألت رسول الله كما سألتَني فقال: الكلب الأسود شيطان". في رواية لابن عباس يُذكَر المجوسي واليهودي والخنزير بجانب المرأة من مفسدات الصلاة، وصلاة المسلم تفسد "إذا مروا بين يديه على قذفة حجر".
ولدينا عدة أحاديث حيث يذكر محمد النساء مع الحيوانات في نفس السياق "إن المرأة دابة سوء" "ولا أحسب النساء خُلقن إلا للشر". ويبدو أن المرأة مصدر الشرور والشؤم فكرة متأصلة عند محمد، وهي الفكرة المعادية للمرأة والتي ترجع جذورها إلى التقاليد اليهودية ترافقنا في مصنفات الحديث بوجوه مختلفة: "الشؤم في ثلاث: الفرس والمرأة والبيت". "للمرأة ستران: القبر والزوج. قيل: فأيهما أفضل؟ قال: القبر".
بعد هذه الآثار والأخبار عن المرأة، والتي تشكل جزءاً يسيراً نظراً لغِنى الروايات الصحيحة منها والمنكرة، يبدو كلام الشيخ محمود شلتوت استهزاءً ساخراً بالقارئ إذ يقول عن مكانة المرأة في الإسلام: "إنها مكانة لم تحظَ المرأة بمثلها في شرع سماوي سابق، ولا في اجتماع إنساني تواضع الناس فيما بينهم" ويضيف: "إن الإسلام منح المرأة كل خير وصانها عن كل شر، ولم يأبَ عليها سوى ما دفعتها إليه هذه المدنية الكاذبة (يعني الغرب) من حرية جعلت المرأة الغربية إذا ما خلت إلى ضميرها الإنساني، تبكي دماً على الكرامة المفقودة والعرض المبتذل والسعادة الضائعة".
الفصل الثالث
صورة المرأة في الأدب العربي
أثَّرت تصورات محمد والفقهاء القدامى عن المرأة في الأدب العربي، وشاركت في تكوين صورة خيالية للمرأة في أدب المسامرة. قد يسأل القارئ: "أَمَا كان بالإمكان أن نترك هذا الموضوع جانباً؟". غير أننا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى أن ننقل ما ورد في مؤلفات الأدباء بحق النساء، لأنها وخاصة ما يعود إلى العهد العباسي وما بعده لم يفقد من "شعبيته" شيئاً. فلا مفرَّ إذاً من دراسة الأدب إذا أردنا تقديم صورة واقعية عن المرأة في الإسلام.
يُنسَب إلى علي بن أبي طالب قوله: "المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لا بد منها". وأما مشورة النساء فهي من "علامات الساعة" "لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها. وإياك والتغاير في غير موضع غيرة". ويذهب الجاحظ (المتوفي 868) إلى ما ذهب إليه محمد فيما يتعلق بنقصان عقل النساء فيقول: "وقد رأينا النساء، والنساء أضعف من الرجال عقولاً، والصبيان أضعف عقولاً منهم، وهم أبخل من النساء، والنساء أضعف عقولاً من الرجال. ولا نعلم في الأرض شراً من صبى: هو أكذب الناس وأنمّ الناس وأشرّ الناس وأبخل الناس وأقل الناس خيراً وأقسى الناس قسوة". ويقارن الشاعر الأموي الفرزدق النساء بالحيات:يأنسن عند بعولهن إذا خلوا وإذا هُمُ خرجوا فهن خفارُوفي "البيان والتبيين" للجاحظ تذكر النساء، في نفس الباب مع النوكى (الحمقى) وأصحاب العي والحمق والصبيان وينقل ابن عبد ربه من "عبدة" الخبير في أمور النساء الأبيات التالية:فإن تسألوني بالنساء فإنني عليم بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأسُ المرء أو قلَّ مالُه فليس له في ودّهن نصيب
يردن ثراء المال حيث علمته وشر خ الشباب عندهن حجيب
ولا يكتفي ابن عبد ربه بنقل ما ورد في أشعار العرب وأخبارهم، بل يورد أيضاً من حِكم الأنبياء: "في حكمة داود عليه السلام. وجدت من الرجال واحداً في ألف ولم أجد واحدة في النساء جميعاً". بالرغم من غدرها ومكرها وما إليه من الصفات المذمومة تبقى المرأة: النساء والإماء منهن على وجه الخصوص متاعاً لا يمكن للرجال التخلي عنه. وصف الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (586-507) الأمَة المفضلة بقوله: "من أراد أن يتخذ جارية للخدمة فليتخذها رومية" ونختبر من "حِكَم" الأدباء أن المرأة تزداد شراً في شيخوختها: "وقالوا: آخر عمر الرجل خير من أوله، يثوب حلمه، وتثقل حصاته، وتخمد شرارته، وتكمل تجارته. وآخر عمر المرأة شر من أوله، يذهب جمالها، ويندب لسانها، ويعقم رحمها، ويسوء خلقها". وأما جمالها فقالوا: "إن الجارية الحسناء تتلوَّن بلون الشمس، فهي بالضحى بيضاء وبالعشي صفراء" غير أن الجمال وحده لا يكفي، بل يجب أن تكون حليمة مبتسمة، عزيزة في قومها ذليلة عند زوجها وولوداً". وأما من أراد إنجاب صبي قوي البنية فعليه أن يُغضبها فثمَّ يقع عليها.
إلى هنا رأينا ما ورد في آثار القدامى عن المرأة. وكان من الطبيعي أن يظن الإنسان أن علماء الإسلام والكتاب المسلمين في العصر الحديث لهم معايير أخرى وتصورات مختلفة عن "الجنس اللطيف" ولكن الواقع يخيب الأمل، إذ هناك عدد غفير ممن يدافعون عما قيل عن المرأة من سخافات ويبررونها بشتى الوسائل. يعتبر عباس محمود العقاد الذي لا يمكن نسبته إلى الدوائر الأصولية ممن تطرفوا في الهجوم على المرأة وجعلوا احتقارها متعة لأنفسهم: يدعي العقاد أن آراءه الشاذة عن المرأة تؤيدها نتائج العلوم الحديثة وينقل من Christian E قوله في سياق الدفاع عن تعدد الأزواج: "التعدد ضروري للمحافظة على السلالة الآرية". وسننقل آراء العقاد بشأن المرأة في الأبواب القادمة، ولكن نورد هنا تحليل العقاد "الفيلسوف" لظاهرة قلة الحياء لدى المرأة: "هذا الحياء الذي تمليه الآداب تدين به المرأة على قدر اتصاله بشعور الرجل نحوها ونظرته إليها، فإذا اجتمع النساء معاً بعيداً عن أعين الرجال نسينه ولم يكترثن له، ولم يبالين شيئاً مما يبالينه وهنَّ بأعين الرجل في المحضر والمغيب. فالمرأة لا تتوارى عن المرأة في الحمام، ولا يعنيها أن تستر عضواً من أعضائها، إلا أن تستره مداراة لعيب وخوفاً من منافسة النظائر والأتراب".
وإذا غضضنا طرفاً عن قصص الحب المذكورة في الأدب العربي، والتي تظهر المرأة فيها في مساواة كاملة لحبيبها أو زوجها، فهناك صورة سلبية للغاية لها عند الأدباء القدامى والمحدثين. لقد انتقد هذا الموضوع المستنكر والمقلق المفكر الإسلامي جمال الدين الأفغاني (8381-7981) والكاتب المصري قاسم أمين (3681-8091) الذي أوقف جل حياته على الكفاح ضد الظلم المرتكب بشأن المرأة. إن قضية المرأة في نظر قاسم أمين (كانت) من قضايا الحضارة، ومشكلة اجتماعية يجب حلها، وإلا فإنه يبقى مجرد حلم، لا يمكن تحقيق أي تقدم فيه في المجتمع المصري. يقول قاسم أمين: "المرأة تساوي الرجل، وظروفها البائسة ترجع إلى ظلم الرجال الذين لم يمنحوها فرصة التصرف في الحرية وروح المسؤولية، بل أرغموها على الجهل المطبق بمختلف الذرائع. وتكمن جذور هذا الظلم في جهل العلماء (المسلمين) بكيان المرأة: "من الغرابة بمكان أن العلماء تسابقوا في تكبيل وتقييد المرأة بكل ما يمكن تصوره من شرائع وقوانين غير إنسانية وكأنها شيطان يجب حبسها، وهم أجهل الناس بظروفها".
المفضلات