الأخ الكريم الأسمر أرحب بك فى المنتدى ويسعدنى نشاطك من أول مشاركاتك
وبارك الله فيك وجعل عملك فى ميزان حسناتك
لا يتم الرد على الرسائل الخاصة المرسلة على هذا الحساب.
أسئلكم الدعاء وأرجو ان يسامحني الجميع
وجزاكم الله خيرا
نعم أخي الكريم من منتدى التوحيد
حياكم الله جميعاً و الله إني احبكم في الله و أتمنى أن أتفرغ للمشاركة في المنتدى قريباً
سأتابع نسخ الكتاب لاحقاً إن شاء الله و سيليه كتاب لغز الموت لنفس الكاتب بإذن الله تعالى
http://www.asmar.hajznet.com/
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ {44} فُصّلت
بارك الله فيك , كمل فانا نتابع
بارك الله بك ........
..................الــــروح
خطر لي ذات مساء أن أقوم ببحث في سراديب ذاكرتي ..فأرصد في ورقة كل ما أحفظه من أرقام ..رقم الباسبور ورقم العربة ورقم الشقة ورقم البطاقة العائلية وتليفونات من أعرف من الأصدقاء و الزملاء وتليفونات المصالح والجرائد وأرقام جدول الضرب التي أحفظها غيباً وعمليات الجمع والطرح والقسمة الأولية التي أعرفها بالبداهة وتواريخ ميلادي وميلاد أولادي وثوابت الرياضة والطبيعة مثل النسبة التقريبية وسرعة الضوء وسرعة الصوت ومجموع زوايا المثلث ودرجة غليان الماء وما تعلمته في كلية الطب عن نسبة سكر الدم وعدد الكريات الحمراء وعدد الكريات البيضاء وحجم الدم وسرعة النبض وسرعة التنفس وجرعات العقاقير ..وفي لحظات تجمعت تحت يدي عدة صفحات من مئات الأرقام ..تداعت في ذهني ولمعت كالبرق وكأني حاسب الكتروني وكان المشهد مذهلاً.
كيف أحفظ هذا الكم الهائل من الأعداد..كل عدد يبلغ طوله ستة أو سبعة أرقام ؟
وأين تختفي هذه الأرقام في تلافيف المخ ؟
وكيف يتم استدعاؤها فتلمع في الوعي كالبرق الخاطف ؟
وبأي أسلوب تصطف هذه الأرقام في أعداد متمايزة ..كل عدد له مذكرة تفسيرية ملحقة به تشرح
دلالته ومعناه ؟ وكيف تتراكم المئات والمئات من هذه الأرقام في ذاكرتنا ولا تختلط ولا يطمس بعضها بعضاً؟
وغير الأرقام ..هناك الأسماء والاصطلاحات والكلمات..والأشكال والوجوه..تزدحم بها رأسنا وهناك معالم الطبيعة التي طفنا بها والأماكن التي زرناها ..وهناك الروائح ..ومع كل رائحة صورة لامرأة عرفناها أو مشهد نذكره و لواعج وأشواق وقصص وسيناريو من آلاف اللقطات ..وهناك الطعوم ..والنكهات.يأتي الطعم في الفم فيسيل اللعاب شوقاً أو يتحرك الغثيان اشمئزازاً .. ومع كل طعم .. يجري شريط يحكي عن وليمة دسمة ذات يوم أو جرعة دواء مريرة و مرض طويل ممض و أوجاع أليمة .. حتى لمسة النسيم الحريرية و رائحة أصداف الشاطئ تحفظها لنا الذاكرة فتهب علينا لفحات الهواء الرطيب مع ذكراها و كأننا نعيشها من جديد .
حتى الأصوات و الهمسات و الوشوشات و الصخب و الصراخ و الضجيج و العويل و النشيج .
و فاصل من موسيقى .
و مقطع من أغنية ..
و لطمة على وجه ..
و قرقعة عصاً على الظهر .
و حشرجة ألم ..
كل هذا تحفظه الذاكرة و تسجله في دقة شديدة و أمانة و معه بطاقة بالتاريخ و المناسبة و أسماء الأشخاص و ظروف الواقعة و محضر بالأقوال .. معجزة .. اسمها الذاكرة .
إن معنا رقيباً حقيقياً يكتب بالورقة و القلم كل دبة نمل في قلوبنا ؟
و ما نتخيل أحياناً أننا نسيناه نكتشف أننا لم ننسه و أنه موجود يظهر لنا فجأة في لحظة استرخاء أو حلم أو بعد كأس أو في عيادة طبيب نفسي و أحياناً يظهر زلة لسان أو خطأ إملائي .
لا شيء ينسى أبداً .. و لا شيء يضيع .. و الماضي مكتوب بالفعل لحظة بلحظة و دقة قلب بدقة قلب .
و السؤال الكبير بل اللغز المحير هو .. أين توجد هذه الصور .. أين هذا الأرشيف السري ؟
و هو سؤال حاول أن يجيب عليه أكثر من عالم و أكثر من فيلسوف .
الفلاسفة الماديون قالوا إن الذاكرة في المخ .. و إنها ليست أكثر من تغيرات كيميائية كهربائية تحدث لمادة المخ نتيجة الفعل العصبي للحوادث تماماً كما يحدث لشريط ريكوردر عند التسجيل و إن هذه اللفائف المسجلة تحفظ بالمخ و إنها تدور تلقائياً لحظة محاولة التذكر فتعيد ما كان في أمانة و دقة .
الذاكرة مجرد نقش و حفر على مادة الخلايا .
و مصيرها أن تبلى و تتآكل كما تبلى النقوش و تتآكل و ينتهي شأنها حينما ينتهي الإنسان بالموت و تتآكل خلاياه .
رأي مريح و سهل و لكنه أوقع أصحابه في مطلب لم يستطيعوا الخروج منه . فإذا كانت الذاكرة هي مجرد طارئ مادي يطرأ على مادة الخلايا فينبغي أن تتلف الذاكرة لأي تلف مادي مناظر في الخلايا المخية .. و ينبغي أن يكون هناك توازٍ بين الحادثين .. كل نقص في الذاكرة معينة لا بد أن يقابله تلف في الخلايا المختصة المقابلة .. و هو أمر لا يشاهد في إصابات المخ و أمراضه .. بل ما يشاهد هو العكس .
يصاب مركز الكلمات فلا تصاب ذاكرة الكلمات بأي تلف , و إنما الذي يحدث هو عاهة في النطق .. في الأداء الحركي للعضلات التي تنطق الكلمات . إن الموتور هو الذي يتلف بتلف الخلايا .. أما الذاكرة .. أما صورة الكلمات في الذهن فتظل سليمة .
و هذا دليل على أن وظيفة المخ ليست الذاكرة و لا التذكر .
و إنما المخ هو مجرد سنترال يعطي التوصيلة . هو مجرد أداة تعبّر به الكلمة عن نفسها في وسط مادي فتصبح صوتاً مسموعاً .. كما يفعل الراديو حينما يحوّل الموجة اللاسلكية إلى نبض كهربائي مسموع .. فإذا أصيب الراديو بعطل فلا يكون معنى هذا العطل أن تتعطل موجة الأثير .. و إنما فقط يحدث شلل في جهاز النطق في الراديو . أما الموجة فتظل سليمة على حالها يمكن أن يلتقطها راديو آخر سليم.
و هذا حال الذاكرة .. فهي صور و أفكار و رؤى مستقلة مسكنها و مستقرها الروح و ليس المخ و لا الجسد بحال .. و ما المخ إلا وسيلة لنقل هذه الصور لتصبح كلمات منطوقة مسموعة في عالم ماديّ .
فإذا أصيب المخ بتلف .. يصاب النطق بالتلف و لا تصاب الذاكرة لأن الذاكرة حكمها حكم الروح و لا يجري عليها ما يجري على الجسد .
التوازي مفقود بين الاثنين مما يدل على أننا أمام مستويين (جسد و روح ) لا مستوى واحد اسمه المادة .
و في حوادث النسيان المرحلي .. الذي تنسى فيه مرحلة زمنية بعينها (و هو الموضوع المحبب عن مؤلفي السينما المصريين ) .. ينسى المصاب فترة زمنية بعينها فتمحى تماماً من وعيه و تكشط من ذاكرته .
و كان يتحتم تبعاً للنظرية المادية أن نعثر على تلف مخي جزئي مقابل و مناظر للفترة المنسية .
لكن من الملاحظ أن أغلب تلك الحالات هي حالات صدمة نفسية عامة و ليست تلفاً جزئياً محدداً .
مرة أخرى نجد أن التوازي مفقود بين حجم الحادث و بين حجم التلف المادي .
و في حالات التلف المادي الشديد للمخ نتيجة الكسور أو الالتهابات أو النمو السرطاني , حينما يبدأ النسيان الكامل يلاحظ دائماً أن هذا النسيان يتخذ نظاماً خاصّاً فتنسى في البداية أسماء الأعلام و آخر ما ينسى هي الكلمات الدالة على الأفعال .
و هذا التسلسل المنتظم في النسيان في مقابل إصابة غير منتظمة و في مقابل تلف مشوش أصاب المخ كيفما اتفق , هو مرة أخرى عدم توازٍ له معنى .. فهنا إصابة في الذاكرة لا علاقة لها من حيث المدى و الكم و النظام بالإصابة المادية للمخ .
و هكذا تتحطم النظرية المادية للذاكرة على حائط مسدود .
و نجد أنفسنا أمام ظاهرة متعالية على الجسد و على خلايا المخ .
و سوف تموت و تتعفن الخلايا المخية و تظل الذاكرة شاخصة حية بتفصيلاتها و دقائقها تذكرنا في حياتنا الروحية الثانية بكل ما فعلناه .
و لم يكن الجسد إلا جهازاً تنفيذيّاً للفعل و للإفصاح عن النوايا في عالم الدنيا المادي .. كان مجرد أداة للروح و مطية لها .
لم يكن المخ غلا سنترالاً .. و كابلات توصيل .
و كل دوره هو أن يعطي التوصيلة من عالم الروح إلى عالم المادة أو كما يقول برجسون DONNER LA COMMUNICATION ....... يعطي الخط .
كابلات الأعصاب تنقل مكنون الروح و تحوله إلى نبض إلكتروني لتنطق به عضلات اللسان على الطرف الآخر .. كما يفعل الراديو بالموجة اللاسلكية و هكذا نتبادل الكلام كأجساد في عالم مادي .. فإذا ماتت أجسادنا عدنا أرواحاً .. لنتذاكر ما فعلناه في دنيانا لحظة بلحظة حيث كل حرف و كل فعل مسجل .
بل إن هناك نظريات علمية تمضي لأكثر من هذا فترى أن التحصيل هو في ذاته عملية تذكر لعلم قديم مكنوز و مسطور في الروح .. و ليس تعلماً من السبورة .. فنحن لا نكتشف أن 2 × 2 = 4 من عدم , و إنما نولد بها .. و كل ما نفعله أننا نتذكرها .. و كذلك بداهات الرياضة و الهندسة و المنطق .. كلها بداهات نولد بها مكنوزة فينا .. و كل ما يحدث أننا نتذكرها تذكرنا بها الخبرة الدنيوية كل لحظة .
و بالمثل شخصيتنا .. نولد بها مسطورة في روحنا .. و كل ما يحدث أن الواقع الدنيوي يقدم المناسبات و الملابسات و القالب المادي لتفصح هذه الشخصية عن خيرها و شرها .. فيسجل عليها فعلها .
و التسجيل هو الأمر الجديد الذي يتم في الدنيا .
الانتقال من حالة النية إلى حالة التلبس .
و هذا ما تعبر عنه الأديان بأن يحق القول على المذنب بعد الابتلاء و الاختبار في الدنيا .. فتحق عليه الضلالة و تلزمه رتبته .
و هو أمر قد سبق إليه علم الله .. علم الحصر لا علم الإلزام .. فالله لا يلزم أحداً بخطيئة و لا يقهره على شر .. و إنما كل واحد يتصرف على وفاق طبيعته الداخلية فعله هو ذاته .. و ليس في ذلك أي معنى من معاني الجبر .. لأن هذه الطبيعة الداخلية هي التي نسميها أحياناً الضمير و أحياناً السريرة و أحياناً الفؤاد و يسميها الله (( السر )) .
(( يعلم السر و أخفى )) .
و نقول عنها في تعبيراتنا الشعبية عن الموت (( طلع السر الإلهي )) أي صعدت الروح إلى بارئها ..
هذا السر المطلسم هو ابتداء حر و مبادرة أعتقها الله من كل القيود ليكون فعلها هو ذاتها و ليكون هواها دالاً عليها .
و من هنا لا يصح القول بالحتميات في المجال الإنساني أمثال حتمية الصراع الطبقي و الجبرية التاريخية لأن الإنسان مجال حر و ليس مسماراً أو ترساً في ماكينة .
و كما لا يمكن التنبؤ بما يأتي به الغد في حياة فرد فإنه يستحيل القول بالحتم أو الجبر في مجال المجتمعات و التاريخ .. و كل ما يمكن القول به هو الترجيح و الاحتمال بناء على مقدمات إحصائية .. و هو ترجيح يخطئ و يصيب و يحدث فيه تفاوت في طرفيه .. فمعدل عمر الإنسان في انجلترا مثلاً هو ستون سنة .. و هذا المعدل معدل إحصائي مأخوذ من متوسطات أرقام .. و هو غير ملزم بالنسبة للفرد , فقد يعيش فرد مثل برناردشو في انجلترا أكثر من تسعين سنة و يتجاوز المعدل . و قد يموت في سن العشرين في حادثة . و قد يموت و هو طفل بمرضٍ معدٍ .. ثم إن المعدل ذاته قابل للتذبذب من طرفيه صعوداً و هبوطاً من سنة لأخرى .. فلا يصح القول بالحتمية و الجبر في هذا الموضوع .. و لا يجوز إخضاع المجال الإنساني سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو تاريخاً لقالب نظري أو معادلة أو حسبة إحصائية أو فرض فلسفي .
إنما تأتي فكرة الحتمية الخاطئة من التصور الخاطئ للإنسان على أنه جسد بلا نفس وبلا روح وبلا عقل ..واعتبار النفس والعقل مجرد مجموعة الوظائف العليا للجهاز العصبي.
ومن الواقع المشاهد من خضوع الجسم للقوانين الفسيولوجية يستنتج المفكر المادي أن الإنسان والإنسانية بأسرها مغلولة في القوانين المادية.
وهكذا يجعل من الإنسان كتلة مادية أشبه بكتلة القمر محكومة في دورانه حول الأرض والشمس بالحتميات الفلكية.
وينسى أن الإنسان يعيش في مستويين.
مستوى الزمن الخارجي الموضوعي المادي.. زمن الساعة..وفي هذا الزمن يرتبط بالمواعيد والضرورات الاجتماعية ويعيش في أسر القوانين والحتميات.
ومستوى زمنه الخاص الداخلي ..زمن الشعور وزمن الحلم ..وفي هذا المستوى يعيش حياة حرة بالفعل .. فيفكر و يحلم و يبتكر و يخترع و يقف من كل المجتمع و التاريخ موقف الثورة .. بل يستطيع أن ينقل هذه الثورة الداخلية إلى فعل خارجي فيقلب المجتمع و يغير التاريخ من أساسه كما حدث في كل الثورات التقدمية .
هذه الثنائية هي صفة ينفرد بها الإنسان .
وهذه الحياة الداخلية الحرة يختص بها الإنسان دون الجماد
وهذه النفس التي يملكها تتصف بصفات مختلفة مغايرة لصفت الجماد..فهنا نحن أمام وحدة لا امتداد لها في المكان..
هي الـ ((أنا)) تتصف بالحضور و الديمومة و الشخوص و الكينونة و المثول الدائم في الوعي .. ثم هي تفرض نفسها على الواقع الخارجي و تغيره .. و تفرض نفسها على الجسد و تحكمه و تقوده و تعلو على ضروراته .. فتفرض عليه الصوم و الحرمان اختياراً . بل قد تقوده إلى الموت فداء و تضحية .. مثل هذه النفس لا يمكن أن تكون مجرد ناتج ثانوي من نواتج الجسد و ذيلاً تابعاً له و مادة تطورت منه . مثل هذه النظريات المادية لا تفسر لنا شيئاً .. و إنما لا بد لنا أن نسلم (....) النفس عالية على الجسد متعالية عليه و أنها من جوهر مفارق لجوهر (....) فهي في واقع الأمر تستخدم الجسد كأداة لأغراضها و مطية لأهدافها كما يستخدم العقل المخ مجرد توصيلة أو سنترال .
و لا بد أن يتداعى إلى ذهننا الاحتمال البديهي من أن هذه النفس لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على الجسد من موت و تآكل و تعفن بحكم جوهرها الذي تشعر به متصفاً بالحضور و الديمومة و الشخوص في الوعي طوال الوقت .. فلا تتآكل كما يتآكل الجسد و لا هي تقع كما يقع الشعر و لا هي تبلى الأسنان .
و إنه لأمر بديهي تماماً أن نتصور بقاءها بعد الموت .
فإذا نحن تأملنا ما يصاحب أفعالنا من تردد قبل اختيار القرار ثم شعور بالمسئولية في أثناء العمل ثم ندم أو راحة بعد تمامه .. فنحن نستنتج أننا أمام حالة مراقبة فطرية و فكرة ملحة بالحساب و بأن هناك خطأ و صواباً . و إننا نعلم بداهةً و بالفطرة التي ولدنا بها أن العدل و النظام هو ناموس الوجود و أن المسئولية هي القاعدة .
و يفترض لنا هذا الشعور الفطري القهري أن الظالم الذي أفلت من عقاب الأرض و القاتل الذي أفلت من محاسبة القانون البري الأرضي .. لا بد أن يعاقب و يحاسب .. لأن العالم الذي نعيش فيه يفصح عن النظام و الانضباط من أصغر ذرة إلى أكبر فلك .. و العبث غير موجود إلا في عقولنا و أحكامنا المنحرفة .
و فكرة العدل و النظام و ضرورة العدل عالم آخر يتم فيه العدل و النظام و المحاسبة .
كل هذا علم نولد به .. و حقيقة تقول بها الفطرة و البداهة .
و لا غرابة في أن يعترف مفكر غربي ألماني و هو ((عمانويل كانت)) بهذه الحقيقة في كتابه ((نقد العقل العلمي)) .
و لا غرابة في أن يصل إلى هذه النتيجة السليمة دون أن يقرأ قرآناً .
إنها الفطرة و البداهة التي تقوم عليها جميع العلوم .
و لا حاجة لأن يقرأ العقل السليم الكتاب المقدس ليكتشف أن له روحاً و أن له حياة بعد الموت و أن هناك حساباًَ .. فالفطرة السليمة تضيء لصاحبها الطريق إلى هذه الحقائق .
و هذا العلم الذي نولد به .. و هذه البداهة التي نولد بها .. تقوم شاهدة على جميع العلوم المكتسبة و ملزمة لها .. فجميع العلوم المكتسبة يجوز فيها الخطأ و الصواب .. أما العلم الذي نولد به فهو جزء من نظام الكون المحكم .. وهو الحقيقة الأولى التي نعمل على ضوئها نرى جميع الحقائق الفرعية .. و هي المعيار و المقياس .. و إذا فسد المعيار فسد كل شيء و أصبح كل شيء عبثاً في عبث و هو أمر غير صحيح .
و إذا اتهمنا بالبداهة فإن جميع العلوم و المعارف سوف ينسحب عليها الاتهام و سوف تنهدم لأنها تقوم أصلاً على البداهات .
فنحن هنا أمام أصل من أصول المعرفة و مرجع لا يجوز الشك فيه ( لأن هذا المرجع شأنه شأن الحياة ذاتها ) نحن أمام متن هو لحم المعرفة و دمها . و كما نأتي إلى الحياة مزودين بعضلات لنتحرك بها و ندافع عن أنفسنا كذلك نولد مزودين بالبداهات الأولى لنحتكم إليها في إدراك الحق من الباطل و الصواب من الخطأ .
و أعلى درجات المعرفة هي ما يأتيك من داخلك , فأنت تستطيع أن تدرك وضعك ( هل أنت واقف أو جالس أو راقد ) دون أن تنظر إلى نفسك .. يأتيك هذا الإدراك و أنت مغمض العينين .. يأتيك من داخلك .. و تقوم هذه المعرفة حجة على أية مشاهدة .
و حينما تقول .. أنا سعيد .. أنا شقيّ .. أنا أتألم .. فكلامك يقوم حجة بالغة و لا يجوز تكذيبه بحجة منطقية .. بل إن تناول هذا الأمر بالمنطق هو تنطع و لجاجة لا معنى لها .. فلا أحد أعرف بحال نفسك من نفسك ذاتها .
و بالمثل شهادة الفطرة و حكم البداهة هي حجة على أعلى مستوى .. و حينما تقول الفطرة و البداهة مؤيدة بالعلم و الفكر و التأمل .. حينما تقول بوجود الروح و النفس و بالحرية و بالمسئولية و المحاسبة , و حينما توحي بالتصرف على أساس أن في الكون نظاماً .. فنحن هنا أمام حجة على أعلى مستوى من اليقين .
و هو يقين مثل يقين العيان أو أكثر .. فالفطرة عضو مثل العين نولد به . و هو يقين أعلى من يقين العلم .. لأن الصدق العلمي هو صدق إحصائي و النظريات العلمية تستنتج من متوسطات الأرقام .. أما حكم البداهة فله صفة القطع و الإطلاق 2 × 2 = 4 هي حقيقة مطلقة صادقة صدقاً مطلقاً , لا يجوز عليها ما يجوز من نسخ و تطور و تغير في نظريات العلم لأنها مقبولة بديهية .
1 + 1 = 2 مسألة لا تقبل الشك لأنها حقيقة ألقتها إلينا الفطرة من داخلنا و أوحت بها البداهة .
و هي معرفة أولى جاءت إلينا مع شهادة الميلاد .
لو أدرك الإنسان هذا لأراح و استراح .. و لوفّر على نفسه كثيراً من الجدل و الشقشقة و السفسطة و المكابرة في مسألة الروح و الجسد و العقل و المخ و الحرية و الجبر و المسئولية و الحساب و لاكتفى بالإصغاء إلى ما تهمس به فطرته و ما يفتي به قلبه و ما تشير به بصيرته .
و ذرة من الإخلاص أفضل من قناطير من الكتب .
لنصغي إلى صوت نفوسنا و همس بصائرنا في إخلاص شديد دون محاولة تشويه ذلك الصوت البكر بحبائل المنطق و شراك الحجج .
و على من يشك في كلامي .. و على هواة الجدل و النقاش و المقارعة المنطقية أن يعودوا فيقرأوا مقالي من أوله .
http://www.asmar.hajznet.com/
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ {44} فُصّلت
..................العدل الأزلي
الذي رأى قطة تتلصص على مائدة في خلسة من أصحابها ثم تمد فمها لتلقف قطعة سمك .
الذي رأى مثل تلك القطة و نظر إلى عينيها و هي تسرق لن ينسى أبداً تلك النظرة التي ملؤها الإحساس بالذنب .
إن القطة و هي الحيوان الأعجم تشعر شعوراً مبهماً أنها ترتكب إثماً .. فإذا لحقها العقاب و نالت ضربة على رأسها فإنها تغض من بصرها و تطأطئ رأسها و كأنها تدرك إدراكاً مبهماً أنها نالت ما تستحق .
هو إحساس الفطرة الأولى الذي ركبه الخالق في بنية المخلوق .. إنه الحاسة الأخلاقية البدائية نجد أثرها حتى في الحيوان الأعجم .
و القط إذ يتبرز ثم ينثني على ما فعل و يهيل عليه التراب حتى يخفيه عن الأنظار .
ذلك الفعل الغريزي يدل على إحساس بالقبح و على المبادرة بستر هذا القبح .
ذلك الفعل هو أيضاً فطرة أخلاقية لم تكتسب بالتعلم .. و إنما بهذه الفطرة ولد كل القطط .
و بالمثل غضبة الجمل بعد تكرار الإهانة من صاحبه و بعد طول الصبر و التحمل .. و كبرياء الأسد و ترفعه عن أن يهاجم فريسته غدراً من الخلف و إنما دائماً من الأمام و مواجهة .. و لا يفترس إلا ليأكل .. و لا يفكر في أكل أو افتراس إلا إذا جاع .
كل هذه أخلاق مفطورة في الحشوة الحية و في الحيوان .
ثم الوفاء الزوجي عند الحمام .
و الولاء للجماعة في الحيوانات التي تتحرك في قطعان .
نحن أمام الأسس الأولى للضمير .. نكتشفها تحت الجلد و في الدم لم يعلمها معلم و إنما هي في الخلقة.
و نحن إذ نتردد قبل الفعل نتيجة إحساس فطري بالمسئولية .. ثم نشعر بالعبء في أثناء الفعل نتيجة تحري الصواب .. و نشعر بالندم بعد الفعل نتيجة الخطأ .
هذه المشاعر الفطرية التي يشترك فيها المثقف و البدائي و الطفل هي دليل على شعور باطن بالقانون و النظام و أن هناك محاسبة .. و أن هناك عدالة .. و أن كل واحد فينا مطالب بالعدالة كما أن له الحق في أن يطلبها .. و أن هذا شعور مفطور فينا منذ الميلاد جاءنا من الخالق الذي خلقنا و من طبيعتنا ذاتها .
فإذا نظرنا إلى العالم المادي من الذرات المتناهية في الصغر إلى المجرات المتناهية في العظم وجدنا كل شيء يجري بقوانين و بحساب و انضباط .
حتى الإلكترون لا ينتقل من مدار إلى مدار في فلك النواة إلا إذا أعطى أو أخذ حزماً من الطاقة تساوي مقادير انتقاله و كأنه راكب في قطار لا يستطيع أن يستقل القطار إلا إذا دفع ثمن التذكرة .
و ميلاد النجوم و موتها له قوانين و أسباب.
و حركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة .
و تحول المادة إلى طاقة و تحول جسم الشمس إلى نور له معادلة .
و انتقال النور له سرعة .
و كل موجة لها طول و لها ذبذبة و لها سرعة .
كما أن كل معدن له طيف و له خطوط امتصاص مميزة يعرف بها في جهاز المطياف .
و كل معدن يتمدد بمقدار و يتقلص بمقدار بالحرارة و البرودة .. و كل معدن له كتلة و كثافة و وزن ذري جزيئي و ثوابت و خواص .
و أينشتين أثبت لنا أن هناك علاقة بين كتلة الجسم و سرعته .. و بين الزمن و نظام الحركة داخل مجموعة متحركة .. و بين الزمان و المكان .
و الذي يفرق المواد إلى جوامد و سوائل و غازات هو معدل السرعة بين جزيئاتها .
و لأن الحرارة تجعل من هذه السرعة فإنها تستطيع أن تصهر الجوامد و تحوّلها إلى سوائل ثم تبخر السوائل و تحوّلها إلى غازات .
كما أن الكهرباء تتولّد بقوانين .. كما يتحرك التيار الكهربائي و يفعل و يؤثر على أساس من فرق الجهد و الشدة .
كما تتوقف جاذبية كل نجم على مقدار جرمه و كتلته .
و الزلازل التي تبدو أنواعاً من الفوضى لها هي الأخرى نظام و أحزمة و خطوط تحدث فيها و يمكن رسم و تتبع الأحزمة الزلزالية بطول الكرة الأرضية و عرضها .
و الكون كلّه جدول من القوانين المنضبطة الصريحة التي لا غش فيها و لا خداع .
سوف يرتفع صوت ليقول : و ما رأيك فيما نحن فيه من الغش و الخداع و الحروب و المظالم و قتل بعضنا البعض بغياً و عدواناً .. أين النظام هنا ؟ و سوف أقول له : هذا شيء آخر .. فإن ما يحدث بيننا نحن دولة بني آدم يحدث لأن الله أخلفنا في الأرض و أقامنا ملوكاً نحكم و أعطانا الحرية .. و عرض علينا الأمانة فقبلناها .
و كان معنى إعطائنا الحرية أن تصبح لنا إمكانية الخطأ و الصواب .
و كان كل ما نرى حولنا في دنيانا البشرية هو نتيجة هذه الحرية التي أسأنا استعمالها .
إن الفوضى هي فعلنا نحن و هي النتيجة المترتبة على حريتنا .
أما العالم فهو بالغ الذروة في الانضباط و النظام .
و لو شاء الله لأخضعنا نحن أيضاً للنظام قهراً كما أخضع الجبال و البحار و النجوم و الفضاء .. و لكنه شاء أن يفنى عنا القهر لتكتمل بذلك عدالته .. و ليكون لكل منا فعله الخاص الحر الذي هو من جنس دخيلته .
أراد بذلك عدلاً ليكون بعثنا بعد ذلك على مقامات و درجات هو إحقاق الحق و وضع كل شيء في نصابه .
و الحياة مستمرة .
و ليس ما نحياه من الحياة في دنيانا هو كل الحياة .
و معنى هذا أن الفترة الاعتراضية من المظالم و الفوضى هي فترة لها حكمتها و أسبابها و أنها عين العدالة من حيث هي امتحان لما يلي من حياة مستمرة أبداً .
إن دنيانا هي فترة موضوعة بين قوسين بالنسبة لما بعدها و ما قبلها , و هي ليست كل الحقيقة و لا كل القصة .. و إنما هي فصل صغير من رواية سوف تتعدد فصولاً .
و قد أدرك الإنسان حقيقة البعث بالفطرة .
أدركها الإنسان البدائي .
و قال بها الأنبياء أخباراً عن الغيب .
و قال بها العقل و العلم الذي أدرك أن الإنسان جسد و روح كما ذكرنا في فصول سابقة .. و إن الإنسان يستشعر بروحه من إحساسه الداخلي العميق المستمر بالحضور برغم شلال التغيرات الزمنية من حوله . و هو إحساس ينبّئ بأنه يملك وجوداً داخلياً متعالياً على التغيرات متجاوزاً للزمن و الفناء و الموت .
و فلاسفة مثل عمانويل كانت و بروجسون و كير كجارد , لهم وزنهم في الفكر قالوا بحقيقة الروح و البعث .
و في كتاب جمهورية أفلاطون .. فصل رائع عن خلود الروح .
هي حقيقة كانت تفرض نفسها إذن على أكبر العقول و على أصغر العقول و كانت تقوم كبداهة يصعب إنكارها .
و لكن أهم برهان على البعث في نظري هو ذلك الإحساس الباطني العميق الفطري الذي نولد به جميعاً و نتصرف على أساسه . إن هناك نظاماًَ محكماً و قانوناً عادلاً .
و نحن نطالب أنفسنا و نطالب غيرنا فطريّاً و غريزيّاً بهذا العدل .
و تحترق صدورنا إذا لم يتحقق العدل .
و نحارب لنرسي دعائم ذلك العدل .
و هذا يعني أنه سوف يتحقق بصورة ما لا شك فيها .. لأنه حقيقة مطلقة فرضت نفسها على عقولنا و ضمائرنا طول الوقت .
و إذا كنا نرى ذلك العدل يتحقق في دنيانا فلأننا لا نرى كل الصورة و لأن دنيانا الظاهرة ليست هي كل الحقيقة .
وإلا فلماذا تحترق صدورنا لرؤية الظلم ولماذا نطالب غيرنا دائماً بأن يكون عادلاً .. لماذا نحرص كل الحرص ونشتغل غضباً على ما لا وجود له .
يقول لنا المفكر الهندي وحيد الدين خان :إذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء فكذلك الظمأ إلى العدل لا بد أنه يدل على وجود العدل ..
ولأنه لا عدل في الدنيا .. فهو دليل على وجود الآخرة مستقر العدل الحقيقي .
إن شعورنا الداخلي الفطري هو الدليل القطعي على أن العدل حق ..
وإن كنا لا نراه اليوم .. فإننا سوف نراه غداً .. هذا توكيد يأتينا دائماً من داخلنا ..وهو الصدق لأنه وحي البداهة .
والبداهة والفطرة جزء من الطبيعة المحكمة الخالية من الغش وهي قانون من ضمن القوانين العديدة التي ينضبط بها الوجود .
سوف يرتفع صوت ليقول : لندع عالم الآدميين ونسأل: لماذا خلق الله الخنزير خنزيراً والكلب كلباً ..و الحشرة حشرةً ..ما ذنب هذه المخلوقات لتخلق على تلك الصور المنحطة ..و أين العدل هنا؟
وإذا كان الله سوف يبعث كل ذي روح فلماذا لا يبعث القرد و الكلب والخنزير ؟
والسؤال وجيه ولكن يلقيه عقل لا يعرف إلا نصف القضية .. أو سطراً واحداً من ملف التحقيق .. ومع ذلك يتعجل معرفة الحكم و حيثياته .
و الواقع أن كل الكائنات الحيوانية نفوس .
و الله قد اختار لكل نفس القالب المادي الذي تستحقه .
و الله قد خلق الخنزير خنزيراً لأنه خنزير .
اختار للنفس الخنزيرية قالباً ماديّاً خنزيريّاً ...
و نحن لا نعلم شيئاً عن تلك النفس الخنزيريّة قبل أن يودعها الله في قالبها الخنزيري .. و لا نعلم لماذا و كيف كان الميلاد على تلك الصورة .
وما قبل الميلاد محجوب .
كما أن ما بعد الموت محجوب .
ولكن أهل المشاهدة يقولون كما يقول القرآن إننا كنا قبل الميلاد في عالم (يسمونه عالم الذر )ونكون
بعد الموت في عالم آخر .. والحياة أبدية ولا موت وإنما انتقال وارتقاء في معراج لا ينتهي . صعوداً وتطوراً وتسامياً وكدحاً إلى الله .
وهذا الاستمرار يقول به العقل أيضاً .
والعدل و هو الحقيقة الأزلية التي وقرها الله في الفطرة وفي الحشوة الآدمية .. وحتى الحشوة الحيوانية كما قدمت في بداية مقالي .
هذا العدل حقيقة مطلقة سوف تقول لنا إن جميع القوالب المادية والحيوانية هي استحقاقات مؤكدة لا ندري شيئاً عن تفاصيلها ولا كيف كانت ولكننا نستطيع أن نقول بداهة إنها استحقاقات .. و إن الله خلق الخنزير خنزيراً لأن نفسه كانت نفساً خنزيرية فكان هذا ثوبها و قالبها الملائم .
أما بعث الحيوانات فالقرآن يقول به .
((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ))
(الأنعام 38)
هي أمم من الأنفس يقول لنا القرآن إنها تحشر كما نحشر .. أما ما يجري عليها بعد ذلك و أين تكون و ما مصيرها .. فهو غيب .. و تطلع إلى محجوبات و فضول لن نجد له جواباً شافياً .
و العلم بكل شيء في داخل اللحظة المحدودة و في عمرنا الدنيوي هو طمع في مستحيل .
و لكن إذا كان نصيبنا من العلم و إذا كان ما غنمناه بالتأمل هو أن العدل حقيقة أزلية و أن الله وقرها و أودعها في الفطرة فقد علمناه الكثير و أدركنا كفايتنا .
و بالصورة التي أدركنا بها الله في مقالنا الأول على أنه العقل الكلي المحيط و أنه القادر المبدع الملهم المعتني بمخلوقاته , بهذه الصورة سوف نفهم كيف أودع الله هذه الفطرة الهادية المرشدة في مخلوقاته , فهذا مقتضى عنايته و عدله .. أن يخلق مخلوقاته و بخلق لها النور الذي تهتدي به . وسوف نصدق أيضاً أن الله أرسل الأنبياء وأوحى بالكتب ... فإن الله لا يكون ربّاً و لا إلهاً ملهماً مدبراً بغير ذلك .
و سوف يكون دليلنا على صدق الكتب السماوية هو ما تأتينا به من علم و غيب و حكمة و تشريع و حق مما لا يأتي لجهد فردي أن يهتدي إليه بالمحاولة الشخصية .
إن الله الخالق العادل الملهم الذي خلق مخلوقاته و ألهمها الطريق .. (و هو لباب الأديان كلها) .. هو مبدأ أولي يصل إليه العقل دون إجهاد . و توحي به الفطرة بداهة .
و إنما الافتعال كل الافتعال .. هو القول بغير ذلك .
و الإنكار يحتاج إلى الجهد كل الجهد و إلى الالتفاف و الدوران و اللجاجة و الجدل العقيم ثم نهايته إلى التهافت .. لأنه لا يقوم على أساس .. و لأنه يدخل في باب المكابرة و العناد أكثر مما يدخل في باب التأمل المحايد النزيه و الفطرة السوية .
و هذا ما قالته لي رحلتي الفكرية الطويلة .. من بدايتها المزهوة في كتاب ((الله و الإنسان)) إلى وقفتها الخاشعة على أبواب القرآن و التوراة و الإنجيل .
و ليس متديناً في نظري من تعصب و تحزب و تصور نبيه هو النبي الوحيد و إن الله لم يأت بغيره .. فإن هذا التصور لله هو تصور طفولي متخلف يظن أن اله أشبه بشيخ القبيلة .. و مثل هذا الإحساس هو عنصرية و ليس تديناً .
و إنما التصور الحق لله .. أنه الكريم الذي يعطي الكل و يرسل الرسل للكل .( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ )
(فاطر 24)
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً )
(النحل 36)
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً )
(القصص 59)
( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )
(النساء 164)
و معنى هذه الآية أن بوذا يمكن أن يكون رسولاً في عصره و إن لم يرد ذكره في القرآن .
و إخناتون يمكن أن يكون رسولاً في زمانه .. و يمكن أن يكون ما وصلنا من تعاليمهم قد خضع للتحريف ..
و الله يريد بهذا الوحي أن يوحي بالإيمان المنفتح الذي يحتضن كل الرسالات و كل الأنبياء و كل الكتب بلا تصب و لا تحيز .
و لهذا يأمرنا بالإسلام ديناً لأنه الدين الوحيد الذي يعترف بكل الرسالات و بكل الأنبياء و بكل الكتب و يختمها حكمة و تشريعاً , و يردها إلى نبعها و أصلها .. الإله الواحد الرحيم الملهم .. الذي أرسل الهداة جميعاً من آدم إلى الخاتم .
و أصدق مثل للوعي الديني المنفتح هو وعي رجل مثل غاندي .. هندوسي و مع ذلك يقرأ في صلاته فقرات من القرآن و التوراة و الإنجيل و كتاب (( الدامابادا )) لبوذا .. في خضوع و محبة .. مؤمناً بكل الكتب و كل الرسل .. و بالخالق الواحد الذي أرسلها .
و هو رجل في حياته مثل كلامه . أنفقها في الحب و السلام .
و الدين واجد من الناحية العقادية و إن اختلفت الشرائع في الأديان المتعددة .
كما أن الرب واحد .
و الفضلاء من جميع الأديان هم على دين واحد .
لأن المتدين الفاضل لا يتصور الله خالقاً له وحده و هادياً له وحده أو لفئة وحدها .. و إنما هو نور السموات و الأرض .. المتاح لكل من يجهد باحثاً عنه .. الرحمن الرحيم المرسل للهداة المنزل للوحي في جميع الأعصر و الدهور .. و هذا مقتضى عدله الأزلي .. و هذا هو المعنى الجدير بالمقام الإلهي .. و بدون هذا الإيمان المنفتح لا يكون المتدين متديناً .
أما الأديان التي تنقسم شيعاً يحارب بعضها بعضاً باسم الدين , فإنها ترفع راية الدين كذباً .. و ما الراية المرفوعة إلا راية العنصر و العرق و الجنس .. و هي مازالت في جاهلية الأوس و الخزرج و حماسيات عنترة .. تحارب للغرور .. و إن ظنت أنها تحارب لله .. و هي هالكة , الغالب فيها و المغلوب . مشركة .. كل منها عابد لتمثاله و لنفسه و لتصوره الشخصي و ليس عابداً لله و إنما تبدأ عبادة الله بمعرفة الله و مقامه الأسمى .
و تبدأ معرفة الله بمعرفة النفس و مكانها الأدنى .
و هذا هو الطريق .. و الصراط .. و المعراج الذي يبدأ منه عروج (...) في هجرتهم الكبرى إلى الحق
.
http://www.asmar.hajznet.com/
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ {44} فُصّلت
..................لماذا العذاب ؟
..................لماذا العذاب ؟
المثقفون لهم اعتراض تقليدي على مسألة البعث و العقاب , فهم يقولون : كيف يعذبنا الله و الله محبة ؟ و ينسى الواحد منهم أنه قد يحب ابنه كل الحب و مع ذلك يعاقبه بالضرب و الحرمان من المصروف و التأديب و التعنيف .. و كلما ازداد حبه لابنه كلما ازداد اهتمامه بتأديبه .. و لو أنه تهاون في تربيته لاتّهمه الناس في حبه لابنه و لقالوا عنه إنه أب مهمل لا يرعى أبناءه الرعاية الكافية .. فما بال الرب و هو المربي الأعظم .. و كلمة الرب مشتقة من التربية .
و الواقع أن عبارة ((الله محبة)) عبارة فضفاضة يسيء الكثيرون فهمها و يحملونها معنى مطلقاً .. و يتصورون أن الله محبة على الإطلاق .. و هذا غير صحيح .
فهل الله يحب الظلم مثلاً ؟
مستحيل ..
مستحيل أن يحب الله الظلم و الظالمين .. و أن يستوي في نظره ظالم و مظلوم .. و هذا التصور للقوة الإلهية .. هو فوضى فكرية ..
ويلزم فعلاً أن يكون لله العلو المطلق على كل الظالمين , و أن يكون جباراً مطلقاً يملك الجبروت على كل الجبارين .. و أن يكون متكبراً على المتكبرين مذلاً للمذلين قوياً على جميع الأقوياء .. و أن يكون الحكم العدل الذي يضع كل إنسان في رتبته و مقامه .
و بمقتضى ما نرى حولنا من انضباط القوانين في المادة و الفضاء و السماوات يكون استنتاجنا للعدل الإلهي استنتاجاً سليماً يعطي الصفة لموصوفها ..
و كل البينات تحت أيدينا تقوم لتؤكد صفة العدل الإلهي و النظام و الحكمة و التدبير .
و الذين ينكرون النظام و العدل هم الذين يحتاجون إلى إقامة البرهان و إلى تقديم الدليل على إنكارهم .. و ليس الذين يؤمنون بالنظام .
أما الذين ينكرون العذاب على إطلاقه و ينكرون أن الإنسان مربوب تعلو عليه قوة أعلى نته و قوانين أعلى منه ندعوهم إلى نظرة في أحوال عالمهم الأرضي .. نظرة في الدنيا دون حاجة إلى افتراض آخره .
و لا أحد لم يجرب ألم الضرس الذي يخرق الدماغ و يشق الرأس كالمنشار . و المغص الكلوي و الصداع الشقي و ألم الغضروف و سل العظام و هي ألوان من الجحيم يعرفها من ألقى به سوء حظه إلى تجربتها .
و زيارة لعنبر المحروقين في القصر العيني سوف تقنع المشاهد بأن هناك فارقاً كبيراً بين رجل محروق مشوه يصرخ في الضمادات , و بين حال رجل يرشف فنجان شاي في استرخاء و لذة على شاطئ النيل و إلى جواره حسناء تلاطفه .
إن العذاب حقيقة ملموسة .
و الإنسان مربوب بقوة أعلى منه و هو عديم الحيلة في قبضة تلك القوة . و يستوي الأمر أن يسمي المؤمن هذه القوة .. ((الله)) و أن يسميها الملحد ((الطبيعة)) أو ((القوانين الطبيعية)) أو ((قانون القوانين)) فما هذه إلا سفسطة لفظية .. المهم أنه لم يجد بدّاً من الاعتراف بأن هناك قوة تعلو على الإنسان و على الحوادث .. و أن هذه القوة تعذب و تنكل .
و أصحاب المشاعر الرقيقة الذين يتأففون من تصور الله جباراً معذباً علينا أن نذكرهم بما كان يفعله الخليفة التركي حينما يصدر حكم الإعدام بالخازوق على أعدائه .. و ما كان يفعله الجلاد المنوط به تنفيذ الحكم حينما كان يلقى بالضحية على بطنه ثم يدخل في الشرج خازوقاً ذا رأس حديدية مدببة يظل يدق ببطء حتى تتهتك جميع الأحشاء و يخرج الخازوق من الرقبة .. و كيف أنه كان من واجب الجلاد أن يحتفظ بضحيته حيّاً حتى يخرج الخازوق من رقبته ليشعر بجميع الآلام الضرورية .
و أفظع من ذلك أن تفقأ عيون الأسرى بالأسياخ المحمية في النار .
مثل هؤلاء الجبارين هل من المفروض أن يقدم لهم الله حفلة شاي لأن الله محبة ؟
بل إن جهنم هي منتهى المحبة ما دامت لا توجد وسيلة غيرها لتعريف هؤلاء بأن هناك إلهاً عادلاً .
و هي رحمة من حيث كونها تعريفاً و تعليماً لمن رفض أن يتعلم من جميع الكتب و الرسل , و للذين كذبوا حتى أوليات العقل و بداهات الإنسانية .
أيكون عدلاً أن يقتل هتلر عشرين مليوناً في حرب عالمية .. يسلخ فيها عماله الأسرى و يعدمون الألوف منهم في غرف الغاز و يحرقونهم في المحارق .. ثم عند الهزيمة ينتحر هتلر هارباً و فارّاً من مواجهة نتيجة أعماله .
إن العبث وحده و أن يكون العالم عبثاً في عبث هو الذي يمكن أن ينجي هذا القاتل الشامل من ذنبه .
و لا شيء حولنا في هذا العالم المنضبط الجميل يدل على العبث .. و كل شيء من أكبر النجوم إلى أدق الذرات ينطق بالنظام و الضبط و الإحكام . و لا يكون الله محبة .. و لا يكون عادلاً .. إلا إذا وضع هذا الرجل في هاوية أعماله .
عن العاقل الفطن المتأمل لن يحتاج إلى فلسفة ليدرك حقيقة العذاب فإنه سوف يكتشف نذر هذا العذاب في نفسه داخل ضميره .. و في عيون المذنبين و نظرات القتلة .. و في دموع المظلومين و آلام المكلومين و في ذل الأسرى و جبروت المنتصرين و في حشرجة المحتضرين .
و هو سوف يدرك العذاب و الحساب حينما يحتويه الندم .
و الندم هو صوت الفطرة لحظة الخطأ .
و هو القيامة الصغرى و الجحيم الأصغر و هو نموذج من الدينونة .
و هو إشارة الخطر التي تضيء في داخل النفس لتدل على أن هناك ميزاناً للأعمال .. و أن هناك حقّاً و باطلاً .. و من كان على الحق فهو على صراط و قلبه مطمئن .. و من كان على باطل فهو في هاوية الندم و قلبه كليم .
و عذاب الدنيا دائماً نوع من التقويم .. و كذلك على مستوى الفرد و على مستوى الأمم .. فهزيمة 67 في سيناء كانت درساً , كما أن رسوب الطالب يكون درساً – كما أن آلام المرض و اعتلال الصحة هي لمن عاش , حياة الإسراف و الترف و الرخاوة و المتعة درس .
و العذاب يجلو صدأ النفس و يصقل معدنها .
و لا نعرف نبيّاً أو مصلحاً أو فناناً أو عبقريّاً إل و قد ذاق أشد العذاب مرضاً أو فقراً أو اضطهاداً .
و العذاب من هذه الزاوية محبة .. و هو الضريبة التي يلزم دفعها للانتقال إلى درجة أعلى .
و إذا خفيت عنا الحكمة في العذاب أحياناً فلأننا لا ندرك كل شيء و لا نعرف كل شيء من القصة إلا تلك الرحلة المحدودة بين قوسين التي اسمها الدنيا .. أما ما قبل ذلك و ما بعد ذلك فهو بالنسبة لنا غيب محجوب , و لذا يجب أن نصمت في احترام و لا نطلق الأحكام .
أما كيفيات لعذاب بعد البعث فلا يمكن القطع فيها تفصيلاً لأن الآخرة كلها غيب .. و يمكن أن يكون ما ورد في الكتب المقدسة بهذا الشأن رموزاً و إشارات .. كما نقول للصبي الذي لم يدرك البلوغ حينما يسألنا عن اللذة الجنسية إنها مثل السكر أو العسل لأننا لا نجد في قاموس خبراته شيئاً غير ذلك .. ولأن تلك اللذة بالنسبة له غيب لا يمكن وصفه بكلمات من محصوله اللغوي فهي خبرة لم يجربها إطلاقاً , و بالمثل الجنة و الجحيم هي خبرات بالنسبة لنا غيب و لا يمكن وصفها بكلمات من قاموسنا الدنيوي .. و كل ما يمكن هو إيراد أوصاف على سبيل التقريب مثل النار أو الحدائق الغناء التي تجري من تحتها الأنهار .. أما ما سوف يحدث فهو شيء يفوق بكثير كل هذه الأوصاف التقريبية مما لم تره عين و لم يخطر على قلب بشر .
و يمكن أن يقال دون خطأ إن جهنم هي المقام الأسفل بكل ما يستتبع ذلك المقام من عذاب حسي و معنوي .. و أن الجنة هي المقام الأعلى بكل ما يستتبع ذلك المقام من نعيم حسي و معنوي .
و الصوفية يقولون إن جهنم هي مقام البعد (البعد عن الله) و الحجب عن الله .. والجنة هي مقام القرب بكل ما يتبع ذلك القرب من سعادة لا يمكن وصفها .
((و مَنْ كانَ في هَذِهِ أعمَْى فَهوَ في الآخرة أعْمى و أضَلُّ سبيلاً)) . و العمى هنا هو عمى البصيرة .
إنها إذن أشبه بما نرى من درجات و مقامات و تفاوت بين أعمى و بصير . و مهتد و ضال . و لكن في الآخرة سوف يكون التفاوت عظيماً .
((انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً))
(الإسراء – 21)
لدرجة أن من سيكون في المقام الأسفل سيكون حاله حال من في النار و أسوأ .. إنه قانون التفاضل الذي يحكم الوجود كله دنيا و آخره ملكاً و ملكوتاً غيباً و شهوداً .
لكل واحد رتبة و استحقاق و مقام و درجة .. و لا يستوي اثنان .
و لا يكون الانتقال من درجة إلى درجة إلا مقابل جهد و عمل و اختبار و ابتلاء .. و من كان في الدنيا في أحط الدرجات من عمى البصيرة فسيكون حاله في الآخرة في أحط الدرجات أيضاً .
و هذا عين العدل .. أن يوضع كل إنسان في مكانه و درجته و استحقاقه .. و هذا ما يحدث في الدنيا ظلماً و هو ما سوف يحدث في الآخرة عدلاً .
و العذاب بهذا المعنى عدل .
و الثواب عدل .
و كلاهما من مقتضيات الضرورة .
أن يكون الحديد الصلب غاية في الصلابة فيصنع منه الموتور .
و يكون الكاوتشوك رخواً فتصنع منه العجلات .
و يكون القش رخيصاً فتصنع منه رأس المكنسة .
و يكون القش رخيصاً فتصنع منه رأس المكنسة .
و أن يكون القطن الفاخر لصناعة الوسائد .. و القطن الرديء لتسليك البالوعات .
و هذه بداهات و أوليات تقول بها الفطرة و المنطق السوي و لا تحتاج إلى تدبيج مقالات في الفلسفة و لا إلى رص حيثيات و مسببات .
و لهذا كانت الأديان كلها مقولة فطرية .. لا تحتمل الجدل و لا تحتمل التكذيب .. و لهذا كانت حقيقة مطلقة تقبلها العقول السوية التي لم تفسدها لفلفات الفلسفة و السفسطة .. و التي احتفظت ببكارتها و نقاوتها و برئت من داء العناد و المكابرة .
و لهذا يقول الصوفي إن الله لا يحتاج إلى دليل بل إن الله هو الدليل الذي يستدل به على كل شيء .
هو الثابت الذي نعرف به المتغيرات .
و هو الجوهر الذي ندرك به اختلاف الظواهر .
و هو البرهان الذي ندرك به حكمة العالم الزائل .
أما العقل الذي يطلب برهاناً على وجود الله فهو عقل فقد التعقل .
فالنور يكشف لنا الأشياء و يدلنا عليها .
و لا يمكن أن تكون الأشياء هي دليلنا على النور و إلا نكون قد قلبنا الأوضاع .. كمن يسير في ضوء النهار ثم يقول .. أين دليلك على أن الدنيا نهار .. أثبت لي بالبرهان .
و من فقد سلامة الفطرة و بكارة القلب .. و لم يبق له إلا الجدل و تلافيف المنطق و علوم الكلام .. فقد فقدَ كل شيء و سوف يطول به المطاف .. و لن يصل أبداً .
و مثل الذي يحتج على العذاب الدنيوي و يتبرم و يتسخط و يلعن الحياة و يقول إنها حياة لا تحتمل و إنه يرفضها و إن أحداً لم يأخذ رأيه قبل أن يولد و إنه خلق قهراً و حكم عليه بالعذاب جبراً و إن هذا ظلم فادح .
مثل هذا الرفض الساخط مثل الفنان الذي يؤدي دوراً في مسرحية .. و يقتضي الدور أن يتلقى الضرب و الركل كل يوم أما المتفرجين .
لو أن هذا الممثل فقد الذاكرة و لم ير شريط حياته إلا أمام هذا الدور الذي يؤديه بين قوسين على خشبة المسرح كل يوم .. فإنه سوف يحتج .. رافضاً أن يتلقى العذاب .. و يقول إن أحداً لم يأخذ رأيه و إنه خلق قهراً و حكم عليه بالعذاب جبراً و قضى عليه بالإهانة أمام الناس بدون مبرر معقول و بدون اختيار منه منذ البداية .
و سوف ينسى هذا الممثل أنه كان هناك اتفاق قبل بدء الرواية .. و كان هناك تكليف من المخرج ثم قبول للتكليف من جانب الممثل .. ثم عهد و ميثاق على تنفيذ المطلوب .. كل هذا تم في حرية قبل أن يبدأ العرض .. و ارتضى الممثل دوره اختياراً .. بل إنه أحب دوره و سعى إليه .
و لكن الممثل قد نسي تماماً هذه الحقبة الزمنية قبل الوقوف على خشبة المسرح .. و من هنا تحولت حياته بما فيها من تكاليف و آلام على علامة استفهام و لغز غير مفهوم .
و هذا شأن الإنسان الذي تصور أن كل حياته هي وجوده بالجسد في هذه اللحظات الدنيوية و أنه هالك و مصيره التراب . و أنه ليس له وجود غير هذا الوجود الثلاثي الأبعاد على خشبة الحياة الدنيا.
نسي هذا الإنسان انه كان روحاً في الملكوت و انه جاء على الدنيا بتكليف و أنه قبل هذا التكليف و ارتضاه .. و أنه كانت بينه و بين خالقه (المخرج الأعظم لدراما الوجود) عهود و مواثيق .. و أنه بعد دراما الوجود الدنيوي يكون البعث و الحساب كما أنه بعد المسرحية يكون النقد من النقاد و النجاح و الفشل من الجمهور و السقوط في عين النظارة أو الارتفاع في نظرهم .
إنه النسيان و الغفلة .
و النظرة الضيقة المحدودة التي تتصور أن الدنيا كل شيء .. هي التي تؤدي على ضلال الفكر .. و هي التي تؤدي إلى الحيرة أمام العذاب و الشر و الألم ...
و من هنا جاءت تسمية القرآن بأنه .. ذكر .. و تذكير .. و تذكرة .. ليتذكر أولو الألباب .
و النبي هو مذكر .
((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ , لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ))
(الغاشية 21 – 22)
الدنيا كلها ليست كل القصة .
إنها فصل في الرواية .. كان لها بدء قبل الميلاد و سيكون لها استمرار بعد الموت .
و في داخل هذه الرؤية الشاملة يصبح للعذاب معنى ...
يصبح عذاب الدنيا رحمة من الرحيم الذي ينبهنا به حتى لا نغفل .. إنه محاولة إيقاظ لتتوتر الحواس و يتساءل العقل .. و هو تذكير دائم بأن الدنيا لن تكون و لا يمكن أن تكون جنة .. و إنها مجرد مرحلة .. و عن الإخلاد إلى ذاتها يؤدي بصاحبه إلى غفلة مهلكة .
إنه العقاب الذي ظاهره العذاب و باطنه الرحمة .
و أما عذاب لآخرة فهو الصحو على الحقيقة و على العدل المطلق الذي لا تفوته ذرة الخير و لا ذرة الشر و هو اليقين بنظام المنظم الذي أبدع كل شيء صنعاً .
((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))
و اليقين هنا هو الموت و ما وراءه .
* * *
http://www.asmar.hajznet.com/
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ {44} فُصّلت
................ماذا قالت لي الخلوة
.
.................ماذا قالت لي الخلوة
هل أنت صادق ؟
سؤال سوف يجيب عليه الكل بنعم .. فكل واحد يتصور أنه صادق و انه لا يكذب .. و قد يعترف أحدهم بكذبة أو بكذبتين و يعتبر نفسه بلغ الغاية من الدقة و الصراحة مع النفس و انه أدلى بحقيقة لا تقبل مراجعة .
و مع ذلك فدعونا نراجع معاً هذا الإدعاء العريض و سوف نكتشف أن الصدق شيء نادر جدّاً .. و أن الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود .
و أكثرنا في الواقع مغشوش في نفسه حينما يتصور انه من أهل الصدق .
بل إننا نبدأ في الكذب من لحظة أن نتيقظ في الصباح و قبل أن نفتح فمنا بكلمة .
أحياناً تكون مجرد تسريحة الشعر التي نختارها كذبة .
الكهل الذي يسرح شعره خنافس ليبدو أصغر من سنه يكذب , و المرأة العجوز التي تصبغ شعرها لتبدو أصغر من سنها تكذب .
و الباروكة على رأس الأصلع كذبة .
و طقم الأسنان في فم الأهتم كذبة .
و البدلة السبور الخفيفة التي تخفي تحتها فانلة صوف كذبة .
و الكورسيه و المشدات حول البطن المترهلة كذبة .
و النهد الكاوتشوك على الصدر المنهك من الرضاع كذبة .
و المكياج الذي يحاول صاحبه إن يخفي به التجاعيد هو نوع آخر من الكذب الصامت .
و البودرة و الأحمر و الكحل و الريميل والرموش الصناعية .. كلها أكاذيب ينطق بها لسان الحال قبل أن يفتح الواحد منا فمه و يتكلم .
بل إن مجرد ضفيرة المدارس على رأس بنت الثلاثين كذبة .
و اللبانة في فم رجل كهل هي كذبة أكثر وقاحة .
كل هذا و لم يبدأ اللسان ينطق و لم يفتح الفم بعد .
فإذا فتح الواحد منا فمه و قال صباح الخير .. فإنه يقولها على سبيل العرف و العادة .. لم ينوي له الخير و لم ينوي له الشر .. فهو يكذب .. و هو يقرأ السلام على من يبيت له العدوان .. فهو يكذب .
فإذا رفع سماعة التلفون مضى يطلب ما لا يريد من الأشياء لمجرد أنها مظاهر و مجاملات .. فهو يكذب .. و قد يرفض ما يريد خجلاً و ادعاء .. فهو يكذب .
و الولد و البنت يتكلمان طوال ساعتين في كل شيء إلا ما يتحرقان شوقاً إلى أن يتصارحا به .. فهما يكذبان .
و فتاة البار تبدؤك الحديث بالحب و هو لا يخطر لها على بال و لا تشغلها سوى حافظة نقودك . و كم زجاجة من الشمبانيا ستفتح لها .
و الإعلان الذي يصف لك نكهة السيجارة و فوائدها الصحية يكذب عليك .
و الإعلان الذي يقول لك إن قرص الإسبرين يشفي من الإنفلونزا كذب حتى بالقياس إلى علم الأدوية ذاته .
و كل ما يدور في عالم البيع و الشراء يبدأ بالكذب .
و صورة لاعب التنس في يده زجاجة ويسمي و صورة الأسد الذي يحتضن زجاجة الكينا .. و بطل الجري الذي يدخن سيجارة فرجينيا كلها صنوف من الأكاذيب الظريفة التي تراها ملصقة على الجدران و على أغلفة الصحف و في إعلانات السينما و التلفزيون و كأنما أصبح الكذب عرفاً تجارياً لا لوم عليه .
و في عالم السياسة و السياسيين و في أروقة الأمم المتحدة و على أفواه الدبلوماسيين نجد أن الكذب هو القاعدة .
بل إن فن الدبلوماسية الرفيع هو كيف تستطيع أن تجعل الكذب يبدو كالصدق .. و كيف تقول ما لا تعني .. و كيف تخفي ما تريد .. و كيف تحب ما تكره .. و كيف تكره ما تحب .
و أذكر بهذه المناسبة النكتة التي رويت عن تشرشل حينما رأى شاهدة مقبة مكتوباً عليها ..
((هنا يرقد الرجل الصادق و السياسي العظيم)) .
فقال ضاحكاً :
هذه أول مرة أرى فيها رجلين يدفنان في تابوت واحد .
فلم يكن من الممكن إطلاقاً في نظر تشرشل أن يكون الرجل الصادق و السياسي العظيم رجلاً واحداً .. إذ أن أول مؤهلات العظمة السياسية في نظر تشرشل هو الكذب .
و شرط السياسة هو أن تخفي الحقيقة لحساب المصلحة .. و تتأخر العاطفة لتتقدم الحيلة .. و الفطنة .. و الذكاء .. و المراوغة .
و الدبلوماسي الذي يجاهر بعاطفته هو دبلوماسي أبله .. بل إنه لا يكون دبلوماسيّاً على الإطلاق .
و في عالم الدين و دنيا العبادات يطل الكذب الخفي من وراء الطقوس و المراسيم .
شهر الصيام الذي هو امتناع عن الأكل يتحول إلى شهر أكل فتظهر المشهيات و الحلويات و المخللات و المتبلات .. من كنافة إلى مشمشية إلى قطايف إلى مكسرات و يرتفع استهلاك اللحم في شهر رمضان فتقول لنا الإحصاءات بالأرقام إنه يصل إلى الضعف و يصبح شهر رمضان هو شهر الصواني و الطواجن .
و بين كل مائة مصل أكثر من تسعين يقفون بين يدي الله و هم شاردون مشغولون بصوالحهم الدنيوية يعبدون الله وهم في الحقيقة يعبدون مصالحهم و أغراضهم و يركعون الركعة لتقضى لهم هذه المصالح و الأغراض .
و قد عاش بابوات القرون الوسطى في ترف الملوك و السلاطين و سبحوا في الذهب و الحرير و السلطة و النفوذ , و امتلكوا الإقطاعيات و القصور باسم الدين و باسم الإنجيل الذي يقول إن الغنى لن يدخل ملكوت الله إلا إذا دخل الجمل في ثقب الإبرة .
بنهم تصوروا أنهم امتلكوا الجنة فباعوها صكوكاً لطالبي الغفران .
و في دولة الحب نجد أن مخادعة النفس هي الأسلوب المتعارف عليه .. يخدع كل واحد نفسه و يخدع الآخر أحياناً بوعي و أحياناً بدون وعي .. فيتحدث العاشقان عن الحب و هما يريدان أن يقدما مبرراً شريفاً مقبولاً للوصول إلى الفراش .. و يخيل للحبيب أنه قد جن حبّاً و هو في الواقع يلتمس لنفسه وسيلة للهرب من واقع مرير .
كنوع من إظهار البراعة و المهارة أو كمظهر من مظاهر النجاح .
و أحياناً تكون كلمة الحب كذبة معسولة تخفي وراءها رغبة شريرة في الامتلاك و الاستحواذ و السيطرة .
و أحياناً تكون كلمة الحب خطة محبوكة و شركاً للوصول إلى ميراث .
و هي في أكثر صورها شيوعاً وسيلة للوصول إلى لذة سريعة و طريقة لتدليك الضمير و التغلب على الخجل و رفع الكلفة .
و هي ذريعتنا الدائمة للتغلب على عقدة الذنب فتخلع المرأة آخر قطعة ثياب و هي تطمئن نفسها بأنها ضحية الحب .. و أن الحب إحساس طاهر و انه أمر الله و أنه قضاء و قدر .. و أنها ليست أول من أحبت و لا آخر من أعطت .
و لا توجد شبكة حريرية من الأكاذيب كما توجد في الحب .. ففي كل كلمة كذبة .. و في كل لمسة كذبة .. و الغريزة الجنسية ذاتها تكذب فما أسرع ما تشتعل و ما أسرع ما تنطفئ . و ما أسرع ما تضجر و تمل و تطالب بتغيير الطعام .
و الصدق في الحب و قصص الحب نادر أندر من الماس في الصحارى .. و هو من أخلاق الصديقين و ليس من أخلاق الغمر العادي من الناس .
و تتواطأ أغاني الحب و قصص الحب و تتآمر هي الأخرى لتنصب شراكاً من الأكاذيب المنمقة الجميلة و ترسي دعامات ساحرة من الأوهام و الأحلام الوردية و الصور البراقة الخادعة عن القبلة و الضمة و لقاء الفراش و لذة العذاب و عذاب اللذة و لسعة الحرمان و دموع الوسادة و إغماء السعادة و صحوة الفراق .. و ضباب و ضباب .. و عطور و صور خلابة مرسومة بريشة فنانين كذابين عظام .
و الكذب في الفن عادة قديمة بدأها الشعراء من زمن طويل .
و قصائد المديح و قصائد الهجاء في شعرنا العربي شاهد على انتشار هذه العادة السيئة .
و الفن وليد الهوى و الخاطر و المزاج .. و المزاج متقلب .
ما أكثر الكذب حقّاً !
إننا لنكذب حتى في الأكل فنأكل حتى و نحن شبعانون .
أين الصدق إذن ؟
و متى تأتي هذه اللحظة الشحيحة التي نتحرى فيها الحق و الحق وحده ؟
إنها تأتي على ندرة .
في معمل العالم الذي يضع عينه على ميكروسكوب بحثاً عم حقيقة .
هنا نجد العقل يتطلع في شوق حقيقي و صادق و يبحث في حياد مطلق .. و يفكر في موضوعية على هدى أرقام دقيقة و مقادير و قوانين .
و العلم بذاته هو النظرة الموضوعية المستقلة عن الهوى و المزاج و أداته الوحيدة .. صدق الاستقراء .. و صدق الفراسة .
و اللحظة الأخرى الصادقة هي لحظة الخلوة مع النفس حينما يبدأ ذلك الحديث السري .. ذلك الحوار الداخلي .
تلك المكالمة الانفرادية حيث يصغي الواحد إلى نفسه دون أن يخشى أذناً أخرى تتلصص على الخط .
ذلك الإفضاء و الإفشاء و الاعتراف و الطرح الصريح من الأعماق إلى سطح الوعي في محاولة مخلصة للفهم .
و هي لحظة من أثمن اللحظات .
إن الحياة تتوقف في تلك اللحظة لتبوح بحكمتها .
و الزمن يتوقف ليعطي ذلك الشعور المديد بالحضور .. حيث نحن في حضرة الحق .. و حيث لا يجوز الكذب و الخداع و لتزييف .. كما لا يجوز لحظة الموت و لحظة الحشرجة .
إننا نكتشف ساعتها أننا عشنا عمرنا من أجل هذه اللحظة .. و أننا تألمنا و تعذبنا من أجل أن نصل إلى هذه المعرفة الثمينة عن نفوسنا .
و قد تأتي تلك اللحظة في العمر مرة فتكون قيمتها بالعمر كله .
أما إذا تأخرت و لم تأت إلا ساعة الموت .. فقد ضاع العمر دون معنى و دون حكم .. و أكلته الأكاذيب .. و جاءت الصحوة بعد فوات الأوان .
و لهذا كانت الخلوة مع النفس شيئاً ضروريّاً و مقدساً بالنسبة لإنسان العصر الضائع في متاهات الكذب و التزييف .. و هي بالنسبة له طوق النجاة و قارب الإنقاذ .
و الإنسان يولد وحده و يموت وحده و يصل إلى الحق وحده .
و ليست مبالغة أن توصف الدنيا .. بأنها باطل الأباطيل الكل باطل و قبض الريح ..
فكل ما حولنا من مظاهر الدنيا يتصف بالبطلان و الزيف .
و نحن نقتل بعضنا بعضاً في سبيل الغرور و إرضاء لكبرياء كاذب .
و الدنيا ملهاة قبل أن تكون مأساة .
و مع ذلك نحن نتحرق شوقاً في سبيل الحق و نموت سعداء في سبيله .
و الشعور بالحق يملؤنا تماماً و إن كنا نعجز عن الوصول إليه .
إننا نشعر به ملء القلب و إن كنا لا نراه حولنا .
و هذا الشعور الطاغي هو شهادة بوجوده .
إننا و إن لم نر الحق و إن لم نصل إليه و إن لم نبلغه فهو فينا و هو يحفزنا و هو مثال مطلق لا يغيب عن ضميرنا لحظة و بصائرنا مفتوحة عليه دوماً .
و لحظة التأمل الصافي تقودنا إليه .
و العلم يقودنا إليه .
و مراقبتنا لأنفسنا من الداخل تقودنا إليه .
و بصائرنا تهدى إليه .
و الحق في القرآن هو الله .. و هو أحد أسمائه الحسنى .
و كل هذه المؤثرات الداخلية تدل عليه .
و هو متجاوز للدنيا متعال عليها .
نراه رؤية بصيرة لا رؤية بصر .
و تبرهن عليه أرواحنا بكل شوقها و بكل نزوعها .
و العجب كل العجب لمن يسألنا عن برهان على وجود الله .. على وجود الحق .. و هو نازع إليه بكليته مشغوف به بجماع قلبه .
و كيف يكون موضع شك من قلبه كل القلوب و مهوى جميع الأفئدة و هدف جميع البصائر ؟
كيف نشك في وجوده و هو مستول على كل مشاعرنا ؟
كيف نشك في الحق و نطلب عليه دليلاً من الباطل ؟
كيف ننزلق مع المنطق المراوغ إلى هذه الدرجة من التناقض فنجعل من لب الوجود و حقيقة حقائقه محل سؤال ؟
إني لا أجد نصيحة أثمن من أن أقول ليعد كل منا إلى فطرته .. ليعد إلى بكارته و عذريته التي لم تدنسها لفلفات المنطق و مراوغات العقل .
ليعد كل منا إلى قلبه في ساعة خلوة .
و ليسأل قلبه .
و سوف يدل قلبه على كل شيء .
فقد أودع الله في قلوبنا تلك البوصلة التي لا تخطئ .. و التي اسمها الفطرة و البداهة .
و هي فطرة لا تقبل التبديل و لا التشويه لأنها محور الوجود و لبه و مداره و عليها تقوم كل المعارف و العلوم .
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ))
(الروم – 30)
لقد جعل الله هذه الفطرة نازعة إليه بطبيعتها تطلبه دواماً كما تطلب البوصلة أقطابها مشيرة إليه دالة عليه .
فليكن كل منا كما تملي عليه طبيعته لا أكثر .
و سوف تدله طبيعته على الحق .
و سوف تهديه فطرته إلى الله بدون جهد .
كن كما أنت .
و سوف تهديك نفسك إلى الصراط .
* * *
http://www.asmar.hajznet.com/
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ {44} فُصّلت
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة spider_oxxo في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
مشاركات: 30
آخر مشاركة: 12-03-2007, 10:36 PM
-
بواسطة spider_oxxo في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
مشاركات: 36
آخر مشاركة: 09-03-2007, 06:24 PM
-
بواسطة محمد مصطفى في المنتدى حقائق حول عيسى عليه السلام
مشاركات: 14
آخر مشاركة: 12-10-2006, 10:04 PM
-
بواسطة sonia في المنتدى الأدب والشعر
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 02-09-2006, 04:06 PM
-
بواسطة محمد مصطفى في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 01-01-1970, 03:00 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات