الحمد لله الذي جعلنا من نسل من سجدت له الملآئكة والحمد لله على نعمة العقل والإدراك والحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والحمد لله الذي جعلنا من المسلمين ونرجو أن يجعلنا من العاملين بكتابه والمتسنين بسنة نبيه والسائرين على طريقه ودربه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى قراء منتدى أتباع المرسلين
موضوع هذه الأبحاث " الدين " وما ينضوي تحته من أمهات القضايا والمسائل وما ينبثق من هذه المسائل من فرعيات وثيقة الصلة بأصل المسألة .
وأمهات مسائل موضوع الدين قسمناها إلى معالجات بحثية :
المعالجة البحثية الأولى : الإنسان ،
المعالجة البحثية الثانية : الإله ،
المعالجة البحثية الثالثة : الأنبياء والرسل ،
المعالجة البحثية الرابعة : الكتب السماوية والوضعية .
ما سيكتب سيكون على حلقات مع حرصنا أن نعالج الموضوع والقضية من جهات متعددة وإذا قصرنا فسنشاطر "تاى تنج " وجه نظره حيث أنه نشر في القرن الثالث عشر كتابه عن " تاريخ الكتابة الصينية " فكتب يقول :" لو كنت لأنتظر الكمال لما فرغت من كتابي إلى الأبد "(1) .
وإذا أقبل زوار المنتدى على قراءة المقال ووجد النقاد والإخصائيون والقراء أمورا تحتاج لتصحيحات فسنكون سعداء : اولا لقراءة ما كُتب والتجاوب معه ، وثانية للتواصل كي نبلور فكرة المقالة معاً .
ــــــــــــ
المراجع :
(1) ت. ف. كارتر، اختراع الطباعة في الصين وانتشارها صوب الغرب ، ص 18 من المقدمة ، 1925م
ـــــــــــ
الإنسان ... ذلك الغائب المعلوم وهذا المشاهد المحسوس
توطئة :
لا أدعي أنني جئتُ بمستحدث جديد ، بقدر ما أظنُ أنني رتبتُ القديم(1) وقمت بتنسيق الأفكار وفق فهمي للموضوع ـ والتواصل يثري الفهم والإدراك ـ ، وإن كان في مثل هذه الدراسات يطلب من الطالب بل ينبغي على الباحث تجرده من ارآه السابقة وقناعاته ـ فهي على كل حال جزء جوهري من كيانه ووجوده ـ دون إلغاءها ، وهذا ما سأسعى إليه، وقد نَبَّهَ السادة العلماء على هذه البديهة ، وسألتزم الحياد ـ ما استطعت ـ إذ مَن يخالفني في الرآي عنده وجاهة ما ذهبَ إليه وإن لم اوافقه في المذهب.
وهذا التقديم ارتآيته ضروريا حتى لا نظلم مخالفا ـ في الرؤية ـ وقد يوافقنا فيما بعد إلى ما ذهبنا إليه بعد التدليل على صحة دعوانا ، أو يملك أدوات الإقناع فنؤمن بما هداه عقله إليه ، فالحق واحد والحقيقة واحدة ونحن جميعا نبحث عنها ونريدها ، فحوارنا لا يثبت معدوما ولا يلغي موجودا ولا يُفرض التسليم بما لا يقبله العقل ، والنوايا والمقاصد في الأبحاث لا تعتبر بقدر صحة المقدمة ومتانة الموضوع والقدرة على الإثبات وقوة الدليل ووضوح البرهان والإستطاعة على إقناع الآخر بالمحصلة والخاتمة وما تُوصل إليه من نتائج البحث .
ما يوقف البحث ويعطل الوصول لنتيجة عقلية تطمئن القلب وتقنع العاقل : أطروحة " الافتراضات / الملاحظات / المشاهدات " ومن خلال ما لُوحظ نخرج بنتيجة ذهنية نطلق عليها " علمية " أو أطروحة " أرث الأباء " و " إيمان العجائز " ، وهذا الطرح بتلك الكيفيتين هو أس الفساد في النظرية وإن أطلق عليها علمية .
فالملاحظة اسلوب في البحث العلمي لا ننكره ولكن الملاحظة بمفردها لا تؤدي إلى حقيقة علمية ، إذا غاب الدليل عليها ، فتؤدي لإفترضية مقبولة لأن وجود فرد من افراد الملحوظات معارض لما تم جمعه من ملاحظات يسقطها من حساب الحقيقة العلمية ويبقيها في حدود الإفتراضية أو النظرية ، فالتشابه ليس دليل مُظهر يقرب المتشابهان لأنه لا يؤكد على التماثل فتسقط النظرية وتبقى مجهود ذهني محمود لصاحبه لم يصل لدرجة التأكيد الذي يرفعها من فضاء نظريتها ورحابة إفتراضيتها إلى حقيقة ؛ وتبقى معلقة في فضاء خيال الملاَحِظ وقد يتعسف في أخراجها ، فالكثير منا لا يقبل المأثور الشائع :" خذوا الحكمة من افواه المجانين " فما بالك بالحقائق العلمية أو الحقائق الكونية وبالتالي فكيف يُقبل قول من عالم يبني صحه ماقاله على فروض وملاحظات ومشاهدات .
ـــــــــــــ
(1) يؤكد هذا التوجه د. عبدالدائم حين يقول :" إن الحاضر والمستقبل يتصلان اتصالاً عضوياً بالماضي، وإن أي بناءٍ جديدٍ ـ في أي ميدان من ميادين الحياة الإنسانية ـ جهدٌ يربط الماضي بالحاضر والمستقبل. وكل محاولة لبناء نظرة مستقبلية تظل تائهة غير مستقرة إذا لم تدرك موقعها بالقياس إلى الماضي . ومثل هذا الموقف يزداد أهمية في مجتمعنا العربي ، إذا أدركنا أننا في أمس ِّ الحاجة إلى أن نعقد الصلة بين سعينا المحدث لبناء مجتمع عصري وبين الإرث التاريخي الذي ما يزال يعيش بين ظهرانينا، والذي لابد أن نجلوه ونعيد فهمه ، إذا أردنا أن نتجه به نحو الغد" . هذا النص ورد في تصدير كتاب د.عبدالله عبدالدائم ، التربية عبر التاريخ ، من العصور القديمة حتى أوائل القرن العشرين ، ص 11، الطبعة الخامسة ، 1984م، دار العلم للملايين ، بيروت لبنان .
ـــــــــــ
الأنسان أو الحيوان العاقل
( 1. ) يخبرنا وِلْ ديورانت أن " من واجبات الوالدين أن ينقلوا إلى الأبناء تشريع الأخلاق " ويعلل هذا الواجب بقوله " لأن الطفل أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان " ، ثم يضيف جزئية محورية فكتب " وإنه ـ أي الطفل ـ ليتلقى إنسانيته شيئاً فشيئاً كلما تلقى جانباً من التراث الخُلقي والعقلي الذي خلّفَه له الأسلاف " ، ثم أخذ يوضح رؤيته بقوله " الطفل من الوجهة البيولوجية سَيِّئُ الإعداد للمدنية " ويعلل ذلك "لأن غرائزه تهيئه للمواقف الرئيسية والتقليدية ولا تشمل إلا على الاستجابة للمثيرات التي توافق الغابة أكثر من موافقتها للمدنية "(1) ما بينه الكاتب يؤكد على دور التعليم والتعلم ، وهذه العملية ـ عملية التعليم ـ تؤكد على : " أن الإجتماعَ الإنسانيَّ ضروريٌّ ، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم : الإنسان مدني بالطبع أي لابد له من الإجتماع "(2) ، فمن خلال هذا الإجتماع الإنساني تحدث العملية التربوية فــ:" ــصحيح أن التربية وجدت منذ وجد آباء وأمهات رعوا أبناءهم " (3)
ونطرح سؤالا : مِنْ مَن تلقى الإنسان الأول التعلم والتعليم !!؟
ـــــــــــ
(1) وِلْ ديورانت ، قِصة الحضارة ، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود ، نشأة الحضارة ـ الشرق الأدنى ، الجزء الأول من المجلد الأول ، الباب الرابع ، الفصل الثالث ، ص 90، ، دارالفكر .
(2) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي ، مقدمته ، ص 41 ، الطبعة الأولى ، 1978م دار القلم ، بيروت لبنان .
(3) د. عبدالله عبدالدائم ، التربية عبر التاريخ ، من العصور القديمة حتى أوائل القرن العشرين ، ص 11، الطبعة الخامسة ، 1984م، دار العلم للملايين ، بيروت لبنان .
ـــــــــــ
( 2. ) نتجول بين الأقوال التي تحت أيدينا فنقرأ بأن الإنسان " هو الكائن الحي الذي يعتبر الأكثر تطورا من الناحية العقلية والعاطفية . ظهر منذ 120.000 سنة ، ويعتبر علم الإنسان العلم الذي يهتم بكل أصناف وأعراق البشر " . كما نقرأ " عند توضيح التصنيف العلمي للإنسان فيصنف على أنه من الثدييات ، وعند رتبته نقرأ أنه من الرئيسيات (الإنسان والقردة ) ، ويعتبر أنه من عائلة "قردة عليا" (أشباه الإنسان) ، أما عند توضيح جنسه فهو : إنسان ، كفصيلة فريدة من نوعها ، و نوعه الفرعي: إنسان عاقل ". دراسة التطور البشري يحوي العديد من المجالات المهمة مثل علم الإنسان وعلم اللغات وعلم الجينات (العلمان الأولان بالنسبة لهذا البحث هما المهمان ، وإذا تيسر الأمر سنتعرض إليهما قريباً )
( 3. ) من الناحية البيولوجية يوضع الإنسان على أعلى سلم الثدييات ونظرية التطور (داروين ـ والاس) تلح علينا أن نتعرض لها بإيجاز كما كُتب عنها ، فنقرأ أن :
" فكرة التطور البيولوجي“Evolution“ تعود إلى عهود قديمة ، فبعض الفلاسفة الإغريق كانوا يؤمنون بهذه الفكرة مثل أناكسيماندر „Anaximander -Anaximandros“ (547ـ610 ق.م. ) ، و أبيقور ، إضافة لبعض فلاسفة الهند مثل باتانجالي ونظرية تطور الإنسان هي جزء من نظرية التطور التي وضع اساسها تشارلز روبرت داروين Charles Robert Darwin (إنجليزي الجنسية، ولد في إنجلترا في 12 فبراير 1809م وتوفي في 19أبريل 1882م )، فقد بدأ تطور نظرية النشوء الحديثة بإدخال مصطلح " الأصطفاء الطبيعي " أو ما يسمى بالألمانية“Natürliche Selektion“ في مقالة مشتركة لتشارلز داروين و ألفريد روسل والاس (Alfred Russel Wallace ، ولد في الثامن من يناير 1823 في Usk, Monmouthshire، ومات في السابع من نوفمبر 1913م في Broadstone, Dorset ، نشرت عام 1858م ، ومن ثم حققت النظرية شعبية واسعة بعد الإقبال على قراءة كتاب داروين :" أصل الأنواع " „The Origin of Species“ الذي كان بمثابة نقطة البداية في دخول فكرة الأصل المشترك للكائنات ـ الخلية الأولى ـ لتفسير التنوع في الطبيعة في المجتمع العلمي " .
وحدث رفض وقبول للنظرية ونقاش علمي واسع ، وقد كانت فرضية داروين و والاس الأساسية أن التطور يحدث وفق ميزة قابلة للتوريث وتؤدي إلى زيادة فرصة بعض الأفراد الحاملين لهذه الميزة بالتكاثر أكثر من الأفراد الذين لا يحملونها ، بمعنى أن التطور يحدث نتيجة تغير في ميزات قابلة للتوريث ضمن مجموعة حيوية على امتداد أجيال متعاقبة كما يحدده التغيرات في التكرارات الأليلية للجينات ومع الوقت يمكن أن تنتج هذه العملية ما نسميه "انتواعاً" أي تطور نوع جديد من الأحياء بدءً من نوع موجود أساساً ، والآلية الأساسية التي ينتج بها التغير التطوري هي ما تدعوه النظرية “Natürliche Selektion“ أو ما ترجمته : "الاصطفاء الطبيعي" .
هذه الفرضية كانت جديدة تماما لمعظم أسس النظريات التطورية القديمة خصوصا النظرية المطورة من قبل جان بابيست لامارك .
(3. ـ 1.) معارضة النظرية من علماء في عصر داروين :
هذا ما يخفى عند البعض ولا يعلمه ، فقد حمل لواء معارضة نظرية التطور عالمين مشهورين في بداية ظهور النظرية الأوَّل منهما : "أغَزيز" „ Jean Louis Rodolphe Agassiz مولده: 28 مايو 1807م ، وفاته: 12 ديسمبر 1973م ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، والعالِم الثاني سير ريتشارد أوين في بريطانيا : Sir Richard Owen ولد في 20 يوليو 1804م وتوفي في 18 ديسمبر 1892م . وعارض نظرية تشارلز داروين في التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي معارضة صريحة وشديدة ، وقد قام أيضا كثير من علماء الطبيعة برد النظرية ومنهم دلاس حيث قال ما خلاصته: "إن الارتقاء بالانتخاب الطبيعي لا يصدق على الإنسان، ولابد من القول بخلقه رأسا " ومنهم الأستاذ فرخو قال: "إنه يتبين لنا من الواقع أن بين الإنسان والقرد فرقاً بعيداً فلا يمكننا أن نحكم بأن الإنسان سلالة قرد أو غيره من البهائم، ولا يحسن أن نتفوه بذلك " ، ومنهم ميغرت قال بعد أن نظر في حقائق كثيرة من الأحياء:" إن مذهب دارون لا يمكن تأييده وإنه من آراء الصبيان". ومنهم هكسلي وهو صديق لـ دارون قال :"إنه بموجب مالنا من البينات لم يثبت قط أن نوعاً من النبات أو الحيوان نشأ بالانتخاب الطبيعي، أو الانتخاب الصناعي".
هذا الجانب العلمي ، أما جانب الدين ونظرية التطور فقد " نفى المتدينون (!) صحة هذه النظرية حيث أنها تطرح فكرة بديلة لقصة الخلق على عكس ما جاءت به التوراة والقرآن ، و وصل الخلاف حول نظرية التطور إلى القضاء في قضية عرفت بمحاكمة القرد عام 1925م فيرى مؤيدو النظرية أنه تحرش قضائي ويرى المعارضون أن أنصار النظرية جاؤوا بدليل مزور اتضح لاحقا أنه لخنزير وليس لمستحاثة بشرية ومنذ ذلك الحين استمر النزاع بين نظرية التطور ومعارضيها والذين صاغوا بدورهم نظريات مثل نظرية الخلق أو ما نجده تحت تسمية معجزة الخلق في كتابات الباحثين المسلمين كالسيد هارون يحيى ونظرية التصميم الرشيد ودعاة التطور يرفضون مثل هذه النظريات ولا يعتبرونها نظريات علمية بالنظر لانتفاء وجود فرضيات يمكن إثبات صحتها أو رفضها باستخدام أدلة علمية ولم يعدوها سوى محاولة لإدخال الدين (!) في العملية التعليمية للعديد من الدول التي تدرس نظرية التطور في مناهجها الدراسية" . (1)
ـــــــــــ
(1) انظر : موسوعة ويكيبيديا الموسوعة الحرة ، لمزيد اطلاع : أصل الأنواع :نشأة الأنواع الحية عن طريق الانتقاء الطبيعي أو الأحتفاظ بالأعراق المفضلة في اثناء الكفاح من أجل الحياة ، تأليف تشارلز داروين ، ترجمة مجدي محمود المليجي ، تقديم سمير حنا صادق ، القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2004م. وانظر أيضا : نظرية التطور عند مفكري الإسلام ، دراسة مقارنة ، محفوظ علي عزام ، دارالهداية ، 1986. وأيضا : مجلة كلية الآداب لجامعة القاهرة ، مجلد 68، سنة 2008م، الجزء الثاني ص: 148ـ 181. بالإضافة إلى المراجع بلغات أجنبية .
ـــــــــــ
( 3. 2. ) " لغاية عام 1980م من القرن الفائت جرى تقسيم الأورانج أُتان والغوريلا والشمبانزي وفق عائلة الإنسان القرد („Menschenaffen“ (Pongidae)) وفي المقابل وجد الإنسان الحقيقي وفق تقسيم مستقل (Familie der Echten Menschen (Hominidae)) " ، غير أنه على أساس "جيني" جاء تقسيم الشمبانزي و الغوريلا والإنسان واستبعد الأورانج أوتان من التقسيم القديم .
( 4. ) من الناحية التشريحية : يتراوح طول الإنسان ـ المعتاد ـ ما بين 150 و 200سم ، كبقية الحيوانات الفقَّارية ، قبل الحمل يقذف الرجل ما يقارب 150 مليون حيوانا منويا جاهزا لتلقيح بويضة زوجه ، ويحتوي دم الإنسان على ما يقارب 93 % من الماء ، فترة الحمل عند المرأة تقريبا تسعة شهور وهي الفترة الزمنية التي يحتاجها الجنين ليكتمل نموه ويكون لديه القدرة على الحياة خارج الرحم ، يزيد وزن المرأة الحامل تقريبا 12 كيلوجرام خلال فترة الحمل ، قبل الوضع بقليل تتمكن رئة الجنين من أداء وظيفتها لاستقبال الهواء ، متوسط طول الطفل 50 ـ 52 سم، وزنه يترواح من 3000 ـ 4000 جرام ، ويتركب الجسد ( الجسم ) من :
الجهاز الواقي و الحركي : عظام وغضاريف : فوجد أن طفل الإنسان يملك أكثر من 300 عظمة ، أما الإنسان الكامل فلديه 206 عظمة.
العضلات : البناء العضلي عند الرجل يشكل من وزنه 40% أما المرأة فتملك من وزنها فقط 23% كما يوجد تقريبا 600 عضلة متصلة بشكل مباشر أو غير مباشر بالعظام ، وفق هذا التقسيم : القلب وعضلاته اللأرادية فتعمل إثناء النوم واليقظة دون إرادة من صاحبه . الإنسان يملك حواس خمس . الأعضاء الداخلية . الأعضاء التناسلية : آلة الرجل يترواح طولها من 6 ـ 12 سم ما يقابل عند المرأة يبلغ طول قناتها 7 ـ 9 سم ، والجهاز الهضمي والجهاز العصبي ، وجهاز الهرمونات ، و الغدد الصماء . (1)
ـــــــــــــــــ
(1) مَن يرد من السادة القراء مزيد إطلاع فليراجع الكتب العلمية المتخصصة فقد كتبنا بإيجاز .
ـــــــــــــــــ
( 5. ) حقيقة الأمر أن العلماء لم يستطيعوا الوصول إلى قول فصل في مسألة وجود الإنسان الأول (!!؟)، وكيف وجد (!!؟)، بل هي نظريات وملاحظات ، ولأننا نعتمد طريقة استحضار ما كتبه العلماء أولا وما لدينا من مراجع وما نملك من قدرات عقلية في فهم الواقع مع حوار بناءٍ مع مَن يخالفنا الرأي ، وجدال عقلي رزين ، مع إفتعال الجدية في البحث والنقاش ، ننقل أقوالهم ثم نبين ما عندنا ، بيّدَ أننا سنعتمد أيضا وعلى سُلم المراجع الكتاب المقدس (1) .
الإنسان هو ما نراه أمامنا الآن ، فهو المُعْتَقِد في شئ ما ـ سنغض الطرف ماذا نسميه الآن ـ والعابد له والذي يتعامل بثقافة ويمارس ويحتفل بطقوس معينة في حياته سواء تعلمها أو أحدثها .
وهو عمود أساسي في بنيان هذا البحث ، بل قل بلا حرج هو العمود الأول في موضوع الدين ، فلولا الإنسان ماجاء دين ـ سماوي أو وضعي ـ فالثابت لدينا أن الإنسان جاء أوّلا ثم جاء الدين من بعده ، والإنسان الأول الغائب المعلوم يشبه تماما الإنسان الحالي المنظور المشاهد المحسوس ، بل هو هو ، الفارق قد يكون درجة الرقي أو الوسائل المتاحة والأدوات المستخدمة في الحياة اليومية وسبل العيش وعوامل عدة آخرى متعلقة بالبيئة/المحيط أو المناخ .... لا تؤثر تأثيرا سلبيا أو إيجابيا في تركيبته البشرية وكينونته الآدمية ، نعم العوامل السابقة تؤثر بشكل ملحوظ في إدراكه ووعيه وفهمه وسلوكه وكيف يتعامل مع الآخر ، وهذه مسألة غير التركيبة البشرية والكينونة الآدمية ...
ـــــــــــــــ
(1) قصدنا بهذا الإصطلاح : الكتب السماوية والوضعية فنحن سنتوسع كثيراً في إستخدام بعض الأسماء والمصطلحات والتعبيرات ، فالحديث مازال في بدايته والباب فتوح والدعوة للنقاش والحوار والجدال بالتي هي أحسن للجميع بشريطة من يملك الدليل ولديه القدرة على إثبات صحة دعواه ، وبالطبع الكاتب ـ ومن يوافقه ـ على يقين بصحة دعواه ويملك القدرة على أثبات صحتها ، كما لا ندعي لأنفسنا العصمة بل ندعي صحة ما نحن عليه ، ومن بخالفنا فليثبت صحة ما يدعيه
ـــــــــــــــ
( 5. 1. ) فلا يتبقى أمامنا غير " قياس الغائب على الشاهد " ، فنصف الغائب بنفس صفات الإنسان الحاضر فإذا كان هذا هو المشاهد المحسوس : الإنسان الحالي ، فيكون إنسان "اليوم" شبيه بل مثيل بإنسان "الأمس" ولا يوجد أصل يختلف عن الفرع ويكفي القول بأنها ـ نظرية التطور ـ ملاحظات وتأملات ومشاهدات بنص الأقوال التي أوردها السيد الفاضل العالِم " داروين " ، فلا تقدم دليلا ماديا على ما ادعاه فتبقى نظرية كما اطلق عليها “Theorie“ (1)، وإن اقترن بها لفظ "علمية" فهي ستظل نظرية ليس أكثر .
ــــــــــــــــــ
(1) ولتعريف "النظرية " نقول أنها نوعاً من التفسير لشرح كيفية حدوث ظاهرة طبيعية بشرط تحقق حدوث هذه الظاهرة وعدم وجود نزاع في حدوثها وتكون بشكل عام عرضة للصواب والخطأ . والتماسك المنطقي و الرياضي ثم شرحها لأكبر عدد ممكن من النتائج التجريبية يدعم النظرية ويعطيها تأكيداً أكثر فأكثر ، وهي في المجال العلمي تشير إلى نموذج مقترح وتنطلق من مسلمات أو مبادئ متفق عليها وتكون أساساً لبناء النظرية وما يترتب عليها من نتائج " . والسؤال هل ينطبق هذا كله على نظرية التطور الدارونية !!؟ .
ــــــــــــــــــــ
وكما أسلفنا فقد عرضنا سؤال: كيف ، ومَن علم الإنسان الأول !!؟
غير أن المهم لك ـ عزيز(تـ)ـي القارئـ(ـة) أن البحث يدور حول إنسان اليوم :
( 6. ) المشاهد المحسوس أن الإنسان ينمو إلى حد ما لا يتجاوزه ، فهو محدود ، له بداية معلومة كما وله نهاية محتومة ، والإنسان جسد وروح ، بدن وعقل ، أحاسيس ومشاعر ، إدراك ووجدان ، حاجات عضوية وغرائز ونزعات وميول وأهواء ، فهو محدود في إطار هذه الفطرة التي وجد بها وركبت فيه ويصاحبها كلها جوعات تحتاج لإشباعات ، وهذه الإشباعات تحتاج لكيفية في إشباعها ، وهذه الكيفية تحتاج لنظام ، وهذا النظام إما يضعه الإنسان بنفسه وفق تفكيره وعقله ومداركه والقوى العاقلة التي يملكها وإما يضعها غيره ! .
( 6. 1. ) المشاهد المحسوس أن الإنسان ـ امرأة / رجل ـ بخواصهما وقدراتهما ، يقومان معا بعملية الإنجاب ، فالحمل بجنين لا يتم إلا منهما وبهما ، وإذا ولد طفل الإنسان فلابد من فترة حضانة ورعاية وهذه الفترة الزمنية طويلة نسبياً بالنسبة لبقية المخلوقات ، وطفل الإنسان كما بيَّنا في بداية المقال يحتاج بالضرورة للتعليم من الوالدين سواء لغة الخطاب مع الآخر أو الأخلاق أو العادات والتقاليد ، وأيضا الدين والعقائد ....
وهذا يكفي على أن الإنسان يحتاج إلى غيره أكثر من بقية المخلوقات والموجودات ، وهذا الإحتياج مركب فيه ، ومن كان محتاجاً فهو عاجز أن يقوم بمفرده بإشباع غرائزه وحاجاته العضوية ، ومن كان عاجزاً فهو ناقص ـ أي ليس بكامل ـ ومَن أتصف بالعجز والنقص فهو محتاج إلى غيره .
" إن ماهية الانسان تتمثل في افراده تمثلا كلياً دون فرق بين فردٍ وآخر ... فالإنسان من جنس الحيوان ولكن ماهيته تبين أنه كائن حي بشري يتصف بصفات نوعية ترفعه على الحيوان مكاناً مرموقاً " (1)
ـــــــــــــــ
(1) هشام عبد الكريم صالح ، رؤية مستنيرة في مفهوم العقل ، ص41 ، مطبعة التعليم العالي ، الموصل ، 1990م
ــــــــــــــــ
( 6. 2. ) الثابت أن الإنسان يريد بعض الأشياء ويرغب فيها (لا أبحث الآن الحلال والحرام ، وإن كنا نتبنى القاعدة التي تقوم :" أن الأشياء مباحة ما لم يرد دليل التحريم ، ولأن هذا بحث شرعي مستمد أصوله من الإسلام فلا اضعه الآن موضع بحث ) وهذه الرغبة قد تتعارض مع المجتمع أو العرف السائد أو العادة المتبعة أو التقليد الموروث ، لذا فقد وجد الكثير من الأمور السرية وتبقى سراً خشية إطلاع الغير عليها ومعرفتها ومَن يفعلها يعاقب ـ وفق العرف/التقليد ـ على مزاولتها ، لذلك تبقى طي الكتمان وسر تحت السرداب ، ومن هنا جاءت فكرة القانون والنظام ، فــ" ـلما كان المجتمع يستحيل قيامه بغير نظام ، والنظام لا يكون بغير قانون "(1) كانت فكرة القانون فكرة إلزامية سواء عند الإنسان الهمجي ـ حين يصفه المتحضر ـ أو عند الإنسان المتمدن، وهذا القانون والنظام إما أن يضعه الإنسان بنفسه أو يضعه غيره ، ولما كان الإنسان هو الحيوان العاقل الناطق الوحيد لن يصلح أن يضع له قانونا إلا من هو فوق قواه العقلية ولديه قدرة تنظيمية أعلى من قدرته ، فيكون أمامنا إما كائن أعلى درجة ومرتبة عنه ، ويكون له إتصال مباشر به ، وهذا الكائن غير موجود فبقية المخلوقات أقل منه رتبة ، وهو يسيَّرها ويزللها ، والآخر هذا إما الطبيعة(2) ـ وهي تعبيرغير محدد المعالم ـ وإما الملائكة والجن ، حيث يرد في بعض المصادر أن الملآئكة تملك قدراً من العقل وأن الجن مستتر والإنسان ظاهر(3) ، بيد أن لا يوجد وسيلة إتصال مكشوفة بين كائنين مختلفين (الملآئكة والإنس أو الجن والإنس ) غير ما يدعيه البعض كمسألة المس ، وهذه ليست مسألة بحث في هذه الجزئية فنتركها !!. ، أما " آخر (!) " غير السابق كله أي غير الإنسان وبقية المخلوقات والموجودات .
ــــــــــــــــ
(1) وِلْ ديورانت ، قِصة الحضارة ، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود ، نشأة الحضارة ـ الشرق الأدنى ، الجزء الأول من المجلد الأول ، الباب الرابع ، ص 65، ، دارالفكر .
(2) يطلق هذا التعبير " الطبيعة " عند مَن لا يؤمن بآله .
(3) ابن منظور ، لسان العرب حرف "الألف" ، ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الأولى 1408هـ 1988م، بيروت لبنان
ـــــــــــــــــ
فلنطرح تساؤلات :
إذا قلنا أن الإنسان كائن ، فيأتي سؤال من الذي كوَّنه !!؟
وإذا قيل بأن الإنسان موجود ، فيأتي سؤال من الذي أوجده!!؟ ،
وإن سلمنا جدلاً بوجود سلالة تميزت بخواص عالية نشأ منها الإنسان الحالي ، فالسؤال سيعاد مرة آخرى بصياغة مغايرة عن الأولى ، مَن الذي أوجد الخلية الأصلية الأولى !!؟
أما إذا قلنا أن الإنسان مخلوق ، إنتهت المسألة ، إذن فهناك واجد أو خالق .
( 7. ) تعرضنا بشكل وجيز إلى الناحية التشريحية و البيولوجية للإنسان وبعض خواصه ، لنصل بأن هذا هو الإنسان المخلوق ، وبالتالي يكون " الآخر أي الخالق " مخالفا تماما لهذه التركيبة التشريحية والبيولوجية والفسيولوجية والمزاجية والنفسية والعقلية للإنسان ، إذ أن الخالق يجب ـ بل يتحتم ـ أن يكون مغايِّراً تماما للمخلوق ، كمخترع جهاز الكمبيوتر والجهاز نفسه .
ـــــــــــــــ
هذا الجزء مقدمة من مقدمات موضوع مقاربــ(ـنــ)ــة الأديان
وللحديث بقية بإذنه تعالى ....
محمد الرمادي
المفضلات