بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طفرة التطرّف المسيحي: أميركا إلى أقصى اليمين در
جندي في العراق من أعضاء ميليشيا «حافظو العهد»،
يحتفظ برمز الحركة على بذلته العسكرية ويخفيها عند الضرورة
(عن oathkeepers.org)
عادت المجموعات المسيحيّة المتطرفة إلى الظهور في الولايات المتحدة، وخصوصاً مع انتخاب باراك أوباما الأسود إلى البيت الأبيض. وتستعد هذه المجموعات لتبرهن عن حضورها عبر تنفيذ مخططاتها ضد كلّ من لا يفكر مثلها. وستشارك هذه المجموعات إلى جانب اليمين كله اليوم في تظاهرات ستعمّ المدن الأميركية احتجاجاً على الضرائب والحكومة الكبيرة
إعداد: ديما شريف
حين اعتقل مكتب التحقيق الفدرالي (إف. بي. آي)، نهاية الشهر الماضي، أعضاء في ميليشيا يمينية مسيحية متطرفة تدعى «هوتاري» (المحارب المسيحي)، عادت إلى أذهان الأميركيين صورة تيموثي مكفاي الذي فجّر برج التجارة في مدينة أوكلاهوما في 19 نيسان 1995. كان ذلك آخر اعتداء مسيحي متطرف تشهده الولايات المتحدة، نسي بعده الأميركيون وجود هذه الجماعات المتطرفة التي وجدت في بلادهم منذ نشأتها.
مكفاي، العضو في ميليشيا «التيار الوطني»، قتل بواسطة شاحنة مفخخة مئات الأشخاص، وأعدم في 2001. ما كان لافتاً في عمليته هو السبب وراءها. فالجندي السابق في الجيش الأميركي كان ينتقم من الحكومة الفدرالية لتسببها بموت عشرات المتطرفين المسيحيين الذين ينتمون إلى ما عرف بميليشيا «فرع دافيديان» الذين أحرقوا أنفسهم بعد حصار مكتب التبغ، الكحول والأسلحة الفدرالية لهم. وهو نفذ عمليته في الذكرى الثانية للحصار الذي يعرف في التاريخ الأميركي بـ«حصار وايكو» نسبة إلى مدينة في ولاية تكساس.
وكانت دراسة، قد نشرت العام الماضي، قام بها «مركز قانون الفقر الجنوبي»، الذي يشتهر بأبحاثه حول اليمين المتطرف، أوضحت أنّ هذه المجموعات تشهد انطلاقة جديدة بعد الازدهار الذي عرفته في التسعينيات، يساعدها في ذلك عدم تقبل عدد كبير من الأميركيين انتخاب أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض. وأوضحت الدراسة أنّ الطفرة التي تشهدها أميركا هي الأكبر في 12 عاماً، مع زيادة في عدد هذه المجموعات وصلت إلى 54 في المئة بين 2000 و2008 من 602 مجموعة إلى 926.
تنتشر هذه المجموعات في ولايات عدة، وخصوصاً في آيداهو، نيوجرسي، ميشيغان وفلوريدا وبعض ولايات الجنوب. وتستهدف المناطق الخالية من السكان، الصحارى أو السهول أو الجبال كي تتمكن من التدرب على استخدام السلاح من دون أن ينتبه لها أحد، ومن دون أن تثير ريب السلطات والقوى الأمنية.
وتتنوع اهتمامات هذه المجموعات، لكنّها كلها تتمحور حول محاربة المهاجرين، ومناهضة الحكومات الموسعة، الضرائب والأقليات الدينية غير المسيحية، إلى جانب كرهها الشديد للمثليين جنسياً.
وجراء خوفها من تطبيق حظر على استخدام السلاح الفردي، كما يطالب الديموقراطيون الأميركيون، زادت نسبة الأسلحة التي تملكها هذه المجموعات، كما توضح جولة سريعة على مواقعها الإلكترونية.
❞كانت المجموعات اليمينية المتطرفة في أميركا من أكثر المؤيدين العلنيين لهتلر❝
وتوضح الدراسة أنّ الفرق بين المجموعات الجديدة، وتلك التي كانت منتشرة في التسعينيات، هو أنّ من يجلس اليوم على رأس السلطة الفدرالية، العدو الأول لهذه المجموعات، شخص أسود هو باراك أوباما. ما يزيد من تطرفها ورغبتها في التحرك ضد الحكومة وكلّ ما يمثلها. ومنذ ترشح أوباما، الذي يتلقّى نحو 30 تهديداً في اليوم، تكرر ذلك. فقبل انتخابه بأسابيع، في تشرين الأول 2008، أوقفت الشرطة شابين ينتميان إلى مجموعة من النازيين الجدد كانا يخططان لاغتياله في أثناء مروره في ولاية تينيسي. وبعد وصول أوباما إلى البيت الأبيض، قتل أحد الرجال في بوسطن مهاجرين أفريقيين انتقاماً لـ«المذبحة بحق عرقه» التي حصلت مع انتخاب أوباما. والعام الماضي، اكتشفت الشرطة صليباً معكوفاً مرسوماً على مدخل مكتب أحد النواب الديموقراطيين السود.
تاريخ هذه الحركات والمجموعات هو تاريخ الولايات المتحدة الأميركية نفسها، فهي بدأت مع وصول «البيوريتانيين»، المتطرفين البروتستانت البريطانيين، إلى القارة الجديدة. قتل هؤلاء السكان الأصليين «الوثنيين» وحاربوا كلّ الوافدين الجدد من القارة العجوز، أوروبا، من الكاثوليك وغيرهم من الأقليات الدينية. مع بدء وصول المهاجرين السود على سفن العبيد إلى الدولة الجديدة، ولاحقاً مع تحرير هؤلاء على يد أول رئيس جمهوري، أبراهام لينكولن، في 1863، تحوّلت العنصرية تجاههم. عانى السود كثيراً، وقتل منهم الآلاف، وخصوصاً على أيدي مجموعة «كو كلوس كلان».
في نهاية القرن التاسع عشر، أصبح اليهود إلى جانب السود، ضحية التطرف المسيحي الجديد. إذ انتقلت اللاسامية من القارة الأوروبية إلى أميركا ليقتل اليهود على أيدي المتطرفين البروتستانت ويتعرضوا للاضطهاد. اضطهاد شاركهم فيه الشيوعيون لاحقاً، حين استهدفتهم الميليشيات المسيحية، بوصفهم ملحدين ولا يؤمنون بتعاليمهم وقتلت الآلاف منهم. هذا الاستهداف تمنهج أيام المكارثية السوداء في تاريخ أميركا، حين وضعت الدولة «الجواسيس السوفيات» نصب أعينها وشجعت الناس على الوشاية بهم.
وكانت المجموعات اليمينية المتطرفة في أميركا من أكثر المؤيدين العلنيين لهتلر خلال الحرب العالمية الثانية، إذ رأت أنّه سيساعد في التخلص من اليهود والشيوعيين، فـ«ينظف» أوروبا منهم، ولاحقاً الولايات المتحدة بعد فوزه المفترض. وهكذا عندما فشل هتلر في تحقيق ذلك، تولت هذه المجموعات الأمر بيدها بعد الحرب العالمية الثانية، لتكمل القضاء على اليهود والشيوعيين.
وخلال فترة الحرب الباردة، ومع زيادة الهجرة العربية والأميركية الجنوبية إلى الولايات المتحدة، وجد المسيحيون المتطرفون هدفاً جديداً لإرهابهم. ويتوعد هؤلاء اليوم حكومتهم بعقاب كبير في حال إقرارها قانوناً جديداً ينظّم الهجرة، وأوضاع المهاجرين غير الشرعيين الموجودين في أميركا. ووجدت هذه المجموعات في فترات المكارثية والريغانية فرصتها للظهور من دون خوف من التعرض للملاحقة،لأن السلطة الفدرالية كانت تستخدمها بشكل غير مباشر لملاحقة أعدائها.
حفل التاريخ الحديث لأميركا بالعشرات من هذه المجموعات التي اشتهرت بعملياتها. منها «الأمم الآرية» النازية، التي أنشئت في السبعينيات كذراع عسكرية لـ«كنيسة يسوع المسيح ـــــ المسيحي»، ويعتبرها مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي آي» تهديداً إرهابياً على الأمن القومي الأميركي. وأيضاً هناك «مجلس المواطنين البيض» الذي حارب بشراسة وبعنف محاولات الدمج العنصري في الولايات الجنوبية في خمسينيات القرن الماضي. أما «خراف المسيح» فقد أنشئت في الثمانينيات واغتالت عدداً من الأطباء الذين يجرون عمليات إجهاض. ومجموعة «جيش الرب» أيضاً تحلل العنف لمواجهة الإجهاض، وكانت مسؤولة عن إرسال 280 خطاباً فيها مادة الأنتراكس في 2001 إلى منظمة تعنى بتنظيم الأسرة والإنجاب لأنها تساعد النساء على التخلص من الحمل. ومن أهم المجموعات التي لا تزال تعمل منذ الخمسينيات «جمعية جون بيرش» التي تناهض اليسار والشيوعية والحكومات الكبيرة والضرائب، وتدعو إلى حلّ «نظام الاحتياطي الفدرالي الأميركي»، ونظّمت منذ أسابيع مؤتمراً بشأن «السياسات المحافظة».
❞تستهدف الحركات اليمينيّة المتطرّفة الأميركية كلّ من هو ليس بروتستانتي أبيض❝
ومن أخطر المجموعات الناشطة حالياً «حافظو العهد»، التي أنشأها في نيسان 2009 المحامي ستيوارت رودز كنتيجة مباشرة لوصول أوباما إلى السلطة. يؤمن حافظو العهد بأنّ الحكومة غير شرعية مع وجود رئيس غير شرعي على رأسها، ولد في دولة أجنبية، ويعتقدون أنّه سيعلن قريباً القانون العرفي. حينها ستكون المجموعة جاهزة لمحاربة الجيش وقوى الأمن التي ستفرض هذا القانون على الناس. ما يميّز هذه المجموعة ويجعلها خطيرة هي أنّها مؤلفة في غالبيتها العظمى من عناصر في الجيش الأميركي والشرطة، إلى جانب قدامى هاتين المؤسستين. وفي كلّ احتفال تقيمه هذه المجموعة يقسم أعضاؤها يمين الولاء للخدمة في مؤسساتهم الأمنية وحماية الدستور، ويضيفون عليه قسماً آخر بعدم إطاعة الأوامر «غير الدستورية من الحكومة الطاغية». ويعمل عناصر المجموعة في وحداتهم في الجيش على تجنيد زملائهم على قاعدة أنّ الحكومة انقلبت على مواطنيها. وتقوم المجموعة بشراء الأسلحة وإخفائها وتحضر خطة للتحرك حين يحين موعد «القانون العرفي». ويقول بعض أعضاء هذه المجموعة إنّ الرئيس سيستغل فرصة وقوع كارثة طبيعية، أو انتشار وباء خطير، أو اعتداء إرهابي للقيام بانقلابه على الوطن. وعندها سيتم منع السفر بين الولايات، وسيعتقل الناس بالآلاف.
وتعتمد المجموعة على المجندين في الجيش والشرطة لأنّهم يستطيعون مواجهة القوى الأمنية حين يحين الموعد، وهم «يعرفون تكتيكاتها وأساليب عملها بعدما تدرّبوا وسطها».
العام الماضي، منعت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية الجديدة جانيت نابوليتانو، تحت ضغط من الجمهوريين، نشر تقرير حول صعود التطرف اليميني. فعل يطرح أسئلة عن تصرف الإدارة الأميركية الحالية التي ربما، بغير علمها، تساهم في حركة الصعود هذه عبر عدم تحركها أبكر من الآن.
المصدر
الجمعة - 16 نيسان 2010م
المفضلات