هــذا ما أعطى عبد الله عمـر أمـير المؤمـنيـن أهـل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسـهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها ، وسائر ملتها ، أنه لا تسكن كنائسهم ، ولا تهدم ، ولا ينتقص منها ، ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود .
وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنه ، ومن أقام منهم فهو آمن ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية .
ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبانهم فإنهم آمنون على أنفسهم ، وعلى بيعهم وصـلبانهم ، حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله ؛ فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم .
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله ، وذمة رسوله ، وذمة الخلفاء ، وذمة المؤمنين ، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .. شهد على ذلك : خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وكتب وحضر سنة خمس عشرة ) .
الطبري/ ابو جعفر بن جرير- " تاريخ الطبري " تاريخ الرسل والملوك – تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم – الجزء الثالث – دار المعارف بمصر – القاهرة 1960 ص 609.
هذا نص كتاب الصلح الذي كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل إيلياء ، وهو يشهد بأن الإسلام دين تسامح ، وليس دين إكراه ، وهو شاهد عدل بأن المسلمين عاملوا النصارى الموجودين معاملة لم تخطر لهم على بال .. لقد آثر المسلمون أن يعطوا الناس حرية العقيدة والعبادة ، ويؤمنوهم على كل عزيز لديهم ، على أن يعيشوا في كنف المسلمين ، ويؤدون الجـزية مقابل حمايتهم والذود عنهم ، وفي كنف المسـلمين وعدالتهم سيرى غير المسلمين عن قرب جـمال الإسلام وسـماحته ، وسيلمسـون فيه الحقائق التي قد عميت عليهم لبعدهم عنه ..
إن تاريخ الفتوحات الإسلامية لهو خير شاهد أن العالم في تاريخه الطويل لم يشاهـد فاتحاًً هو أرحـم وأرأف من المسـلمين ، وأن دعـوى العنف والإرهاب الملصقة بهم ليست سوى أكاذيب ملفقة وأحاديث مخترعة من خيالات الحاقدين .
منقول
ابو حنيفة المصرى
المفضلات