ثق بربك لا بنفسك</STRONG>
انتشر في الآونة الأخيرة بين المسلمين دعاة إلى إطلاق الطاقة الكامنة في الإنسان وبرمجة العقل بل وحفظ القرآن في أقل من أسبوع وغيرها من الشعارات التي تخفي ضلالا كبيرا ويقوم هؤلاء بتنظيم دورات في " البرمجة العصبية " في دول عدّة ولا زال السلفيون في غفلة عن هذه الطائفة التي ساقت العديد من الشباب إلى دوراتها بحُجة اغتنام الوقت وتنمية الذات ، وهذا موضوع أعجبني فنقلته لكم :
كنت أتأمل أوراق التعريف والدعاية لكثير من الدورات التدريبية التي تجد إقبالا متزايداً في واقع عامة الناس - لكونها تنتشر تحت مظلات نفسية، تربوية أو إدارية -، فوجدت أن القاسم المشترك بينها هو: الوعد بإيقاد شعلة الثقة بالنفس بما أسموه برمجة عصبية، أو تنويماً إيحائياً، أو طاقة بشرية أو كونية.. والهدف من ورائها هو تحرير النفس من العجز والكسل والسلبية لتنطلق إلى مضمار الحياة بفاعلية وإيجابية، وتصل إلى النجاح والتميّز والقدرات الإبداعية..
قطع علي تأملاتي صوت ابنتي تقرأ بفاتحة الكتاب: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }، عندها سألت نفسي هل ما أحتاجه للفاعلية والإيجابية والهمة الوقادة العلية هو أن أثق بنفسي، وأستعين بذاتي وقدراتي وإمكاناتي، تأملت.. وتأملت ثم كتبت أسطري هذه بعنوان " ثق بربك لا بنفسك " :
الثقة بالنفس… كلمات جميلة براّقة.. كلمات يرسم لها الخيال في الذهن صورة جميلة، ظلالها بهيجة..
تعال معي أيها القارئ الكريم نتأمّل جمالها:
إنها صورة ذلك الإنسان الذي يمشي بخطوات ثابتة وجنان مطمئن..
إنها صورة ذلك الصامد في وجه أعاصير الفتن..
إنها صورة ذلك المبتسم المتفائل برغم الصعاب..
إنها صورة ذلك الذي يجيد النهوض بعد أي كبوة ..
إنها صورة ذلك الذي يمشي نحو هدفه لا يلتفت ولا يتردد..
ما أجملها من صورة!
لذلك تجد الدعوة إلى الثقة بالنفس منطلق لتروييج كثير من التطبيقات والتدريبات.. فكل أحد يطمع في أن يمتلكها، وكل أحد يودّ لو يغيّر واقع حياته عليها..
ولكن.. قف معي لحظة، وتأمل هذه النصوص:
{ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } [الإنسان:1].
{ يأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر:15].
{ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا } [النساء:28].
{ وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلِكَ غَدًا . إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ } [الكهف: 23].
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5].
وتفكّر معي في معاني هذه الدعوات المشروعة:
" اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك ... "
" … أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي… "
" اللهم إني استخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تعلم ولا أعلم… "
" اللهم لا حول ولا قوة لي إلا بِك… "
" اللهم إني أبرأ من حولي وقوتي إلى حولك وقوّتك… "
" اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي… "
" اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك فأهلك… "
" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك… "
ألا ترى معي - أيها القارئ الكريم- أن النفس فيها تتربى على أن تعترف بعجزها وفقرها، وتقرّ بضعفها وذلّها، ولكنها لاتقف عند حدود هذا الاعتراف فتعجز وتُحبط وتكسل، وإنما تطلب قوّتها من ربها، وتسعى وتعمل وتتذلل لمن بـ كن يُقدرها على مايريد، ويُلين لها الحديد، ويعطيها فوق المزيد…
هذه - يا أحبّة - هي طريقة الإسلام في التعامل مع النفس، والترقّي بها، وتتلخّص في:
أولا: تعريفها بحقيقتها، فقد خلقها الله من عدم، وجبلها على ضعف، وفطرها على النقص والاحتياج والفقر.
ثانيًا: دلالتها على المنهج الذي يرفعها من هذا الضعف والفقر الذي جُبلت عليه، لتكون برغم صفاتها هذه أكرم خلق الله أجمعين!! تكريمٌ تجاوز به مكانة من خلقهم ربهم من نور، وجبلهم على الطاعة ونقّاهم من كل خطيئة الملائكة الأبرار!!!
ثالثًا: تذكيرها بأن هناك من يريد إضلالها عن هذا الطريق بتزيين غيره مما يشتبه به لها، وحذّرها من اتّباعه، وأكد لها عداوته، وأبان لها طرق مراغمته..
إنه المنهج الذي تعترف فيه النفس بفقرها وذلّها، وتتبرأ من حولها وقوّتها، وتطلب من مولاها عونه وقوّته وتوفيقه وتسديده..فيعطيها جلَّ جلاله، ويكرمها ويُعليها..
منهج تعترف فيه بضعفها واحتياجها، وتستعين فيه بخالقها ليغنيها ويعطيها، ويقيها شر ما خلقه فيها..فيقبلها ويهديها، ويسددها ويُرضيها..
منهج تتخذ فيه النفس أهبة الاستعداد لعدوّها المتربص بها ليغويها، فتستعيذ بربها منه، وتدفعه بما شرع لها فإذا كيده ضعيف، وإذا قدراته مدحورة عن عباد الله المخلصين.. فقد أعاذهم ربهم وكفاهم وحماهم هو مولاهم، فنِعم المولى ونِعم النصير..
إنه منهج يضاد منهج قارون : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي }.
إنه منهج ينابذ منهج الأبرص والأقرع : إنما ملكته كابراً عن كابر.
إنه منهج يتبرّأ صاحبه أن يكون خصيماً مبيناً لربه الذي خلقه وربّاه بنعمه، أو ينازعه عظمته وكبريائه.
إنه منهج لايتوافق مع مذهب القوة الذي يقول زعيمه نيتشه: سنخرج الرجل السوبرمان الذي لا يحتاج لفكرة الإله؟!
إنه منهج يصادم منهج الثيوصوفي وليام جيمس ومذهبه البراجماتي، وأتباعه باندلر وجرندر، ومن سار على نهجهم من بعدهم: أنا أستطيع.. أنا قادر.. أنا غني.. أنا أجذب قدري…
تأمّل هذا - أيها القارئ الكريم - ولا يشتبه عليك قول الله عز وجل: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ }، فقد قال بعدها { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }؛ فمنه يُستمد العلوّ، وبدوام الإلحاح والطلب منه تتحقق الرفعة..
احذر - أخي - ولا يشتبه عليك قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَىٰ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ » فالمؤمن القوي ليس قوياً من عند نفسه، ولا بمقومات شخصيّته، تدريباته وبرمجته للاواعي! وإنما هو قوي لاستعانته بربّه، وثقته في موعوداته الحقة..
تأمّل كلمات القوة من موسى -عليه السلام - أمام البحر والعدو ورائه: { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }…ثقته ليست في نفسه، وقد أُعطي - عليه الصلاة والسلام - من المعجزات وخوارق العادات ما أعطي!!! وإنما ثقته بتوكّله على الذي يستطيع أن يجعله فوق القدرات البشرية، بل يجعل لعصاه الخشبية قدرات لايستطيعها أساطين الطقوس السحرية..
تأمّل - أخي الكريم - هذه الكلمات النبوية « اسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ »..
إنها كلمات الحبيب صلى الله عليه وسلم، يربّي أمّته على منهج الإيجابية والفاعلية، ليس على طريقة أهل البرمجة اللغوية العصبية..
لم يقل: تخيل قدرات نفسك..
لم يقل: أيقظ العملاق الذي في داخلك وأطلقه..
لم يقل: خاطب اللاواعي لديك برسائل ايجابية، وبرمجه برمجةً وهمية..
وإنما دعاك - عليه الصلاة والسلام - إلى الطريقة الربانية « اسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ »..
فاستعن به وتوكل عليه، ولا تعجزن بنظرك إلى قدراتك وإمكاناتك، فأنت بنفسك ضعيف ظلوم جهول، وأنت بالله عزيز..
أنت بالله قوي.. أنت بالله قادر.. أنت بالله غني..
ومن هذا الوجه، ومن منطلق فهم معاني العبودية، وفقه النصوص الشرعية، قال الشيخ الكريم والعلامة الجليل بكر أبو زيد - حفظه الله - في كتابه المناهي اللفظية : أن لفظة الثقة بالنفس لفظة غير شرعية وورائها مخالفة عقدية…
فإن رجوت - في زمان تخلّف عام يعصف بالأمة - رفعة وعزة ونهضة وإيجابية…
وإن أردت تواصلا -على الرغم من الصعاب - بفاعلية..
وإن رغبت في نفض الإحباط عنك، والتطلّع إلى الحياة بنظرة استشرافية تفاؤلية؛ فعليك بمنهج العبودية على الطريقة المحمدية، ودع عنك طريقة باندلر وجرندر الإلحادية؛ فوراءها ثقة وهمية ممزوجة بطقوس سحرية، وقدرات تواصل مادية، تشهد على فشلها فضائحهم الأخلاقية، ومرافعاتهم القضائية التي ملئت سيرتهم الذاتية.
فحذار من هذه التبعية إلى جحر الضب الذي حذّرك منه نبيك في الأحاديث النبوية، وحذار من استبدال الطريقة الربانية بتقنيات البرمجة العصبية، فإنها من حيل إبليس الشيطانية وتزيينه للفلسفات الإلحادية؛ لتتكل على نفسك الضعيفة وقدراتك البشرية فيكلك لها رب البرية، ويمدّك في غيك بحصول نتائج وقتية، وشعور سعادة وهمية..حتى تنسى الافتقار الذي هو لبّ العبودية، فتُحرم من السعادة الحقيقية التي تغنّى بها مَن وجدها وبيّن أسباب حيازتها، فقال:
ومما زادني شرفـاً وتيــهًا***وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك ياعبادي***وأن صيّرت أحمد لي نبيـاً
____________________________
فتاوى.....
الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -
وجّه للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله – سؤالان عن حكم تعلم البرمجة العصبية فأجاب جزاه الله كل خير أجوبة قصيرة لكنها جدُّ مفيدة :
السؤال الأول :
أحسن الله إليكم يسأل : ما حكم تعلم علم البرمجة اللغوية العصبية علما بأنه علم غربي المنشأ ولكن فيه جوانبإيجابية مثل الدعوة للتفائل وغيرها من الجوانب الإيجابية في الحياة ؟ وهل يعاملمعاملة العلوم الأخرى بأن يؤخذ منه ما يوافق الشرع ويترك ما يخالف الشرع ؟
الجواب :
أنا في الحقيقة لا أعرف حقيقة هذه البرمجة ولكن حسب ما قرأت أنها لا خير فيها وأن فيها ما يخل بالعقيدة ومادام الأمر كذلك فلايجوز .. فلا يجوز التعامل بها ، حتى ولو كان بها مصلحة جزئية فإنه يُنظر إلى المضار ولا ينظر إلى ما فيها من مصلحة جزئية بل يُنظر إلى المضار التي فيها وتقارن بالمصالح ، فإذا كانت المضرة أكثر .. مضرة راجحة فإنه لا عبرة بالمصلحة المرجوحة نعم .
المصدر :
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/Fata...px?PageID=6348
السؤال الثاني :
فضيلة الشيخ وفقكم الله، هل ما انتشر في الوقت المعاصر من دورات في التفكير والبرمجة العصبية ومعرفة قوىالنفس ، هل هذا من علم الفلسفة المنهي عنه ؟
الجواب :
نعم ، [ كلمة غير مفهومة ] ومنين جاء هذا ، هذا قد يكون منحدر من هذه الأمور ، من الفلسفة ومن الخزعبلات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، منها مثلا تحضير الأرواح ، الذي يسمونه تحضير الأرواح وهو كفر بالله عز وجل ، يزعم أنه يحضر أرواح الأموات وأنه يخاطبها و تخاطبه ، هذا كله من هذا النوع ! . نعم
المصدر :
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/sounds/00552-10.ra
--------------------------------------------------
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله) في كتابه معجم المناهي اللفظية عن قولهم " تجب الثقة بالنفس " :
" تجب الثقة بالنفس " : في تقرير للشيخ محمد بن ابراهيم – رحمه الله – لما سئل عن قول من قال : تجب الثقة بالنفس ، أجاب : لا تجب ، ولا تجوز الثقة بالنفس . في الحديث : ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) . قال الشيخ ابن قاسم معلقا عليه : ( وجاء في حديث رواه أحمد : ( وأشهد أنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة ، وإني لا أثق إلا برحمتك ) .
فتوى للشيخ فلاح بن إسماعيل مندكار - حفظه الله - حول " قانون الجذب " :
السؤال : انتشرت بين الشباب في هذه الفترة أفكار غريبة تنبني على أسس عقدية وآخرها فكر ( قانون الجذب ) وهو أن الإنسان يستطيع أن يجذب قدره بنفسه يجذب السعادة والمال والصحة وحتى من يقترن بها كزوجة. ومؤخرا صدر فيلم في الغرب مؤلفته نصرانية من أستراليا وأشركت معها في الفيلم أناس يدّعون أنهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه بسبب هذا القانون وكان أحد الدعاة المسلمين المشهورين يفاوض لتملك هذا الفيلم ولكنهم رفضوا فأخرج إصدارا باسمه يتكلم عن قانون الجذب . فما الأمور التي تخدش عقيدة المسلم حول هذا الفكر (قانون الجذب ) ؟ . وجزاكم الله خيرا
الجواب : بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وبعد ، أنا لا أعرف من هذا الكلام إلا ما ذكره السائل من أن الإنسان يتحكم في قدره بنفسه ،لا ، أعوذ بالله، المقدّر هو الله تبارك وتعالى، ولا شك أن الإنسان يسعى ويبذل الأسباب لجلب السعادة والمنافع وإصلاح ما بينه وبين زوجه، أما النتائج فتوكل إلى الله تبارك وتعالى، وهذه حقيقة التوكل على الله عز وجل، أن يبذل الأسباب الشرعية ويعتمد على الله عز وجل في حصول نتائجها، أما أن تملك حصول النتائج بقانون أو غيره فلاشك أن هذا أمر ممتنع حصوله ووقوعه شرعا وعقلا ، والأصل في العبد المسلم المؤمن أن يتوكل على الله ويبذل الأسباب الشرعية ويعتمد في حصول النتائج على الله تعالى، هكذا علمنا رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهذه حقيقة التوكل على الله تبارك وتعالى. وما دام ذكرت أن هذا القانون أصله من عند الكفار والنصارى ، وأن هذا الرجل حاول أن يقتبس منه، فالحمد لله ،الأمر واضح جدا ، بل وأعتقد أن الناس يدركون كذب هذا القانون بما يعرفون من واقع حالهم وأن أقوالهم هذه لا تنطلي حتى على أنصاف العقلاء ، فكيف بالعقلاء عامة ، والفضلاء أهل الاعتقاد الإيمان بالله – تعالى – وقضائه وقدره ؟ كما أرى أن هذه تخرصات وتهريفات بل وتخريفات لا تصدر إلا عن سفهاء ومجانين ممن يكذبون ويهرفون حتى بما لا يعرفون ثم بعد ذلك يصدقون تلك المزاعم ويؤمنون بها ولعلها من خيالات المجانين والغاوين كقول شاعرهم : " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر " ، فكم تغنوا بها مع أنهم يعلمون أن الشعوب أرادت وأرادت وحاولت ولكن كم جاءت الأقدار خلاف مراداتهم ، فالعاقل من تدبر النصوص ووقف عندها واعتبر بواقع حاله وأدرك عجز نفسه وغيره ،والله تعالى أعلم .
المفضلات