هل الله يغفر الذنوب جميعا أم لا يغفر الشرك ؟!
قالوا : إن هناك تناقضًا في القرآن حول مغفرة الله للإنسان ؛ فآية تقول : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ (النساء48) . الآية تقول : إن الله يغفر كل شيء يفعله الإنسان إلا الشرك بالله ...
وآية أخرى تقول : إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) (الزمر ). الآية تقول : إن الله يغفر الذنوب جميعًا كل ذنب يغفره...
فهل الله في القرآن يغفر الذنوب إلا الشرك ، أم يغفرها جميعًا بما فيها الشرك ؟
أليس هذا تناقضًا أيها المسلمون ؟!
الرد على الشبهة
ليس هناك ثمة تناقض إلا في عقول المعترضين ...
فالآية الأولى التي تقول : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ (النساء 48) تتحدث عن الذي مات مشركاً , ولم يَتُبْ قبل موته من شركه بالله ؛ فهذا لن يغفر الله له أبدًا ؛ كان في الدنيا مختبرًا مخيرًا بين الشرك والإيمان فأختار الشرك ومات عليه...
أما الآية الثانية التي تقول : إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) (الزمر ) فهي تخاطب الأحياء بسرعة التوبة إلى الله قبل أن يأتيهم الموت ؛ فإن تاب الإنسان المشرك ، تاب الله عليه وغفر له ...
إذًا : الإنسان الذي يموت على الشرك لن يغفر الله له ، بينما الإنسان المشرك الحي أمامه فرصة للتوبة من شركه فإن تاب غفر الله له ، وبدل سيئاته حسنات .
دل على ذلك ما يلي:
1-قوله : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) (الأنفال).
جاء في التفسير الميسر: قل -أيها الرسول- للذين جحدوا وحدانية الله مِن مشركي قومك: إن ينزجروا عن الكفر وعداوة النبي r ويرجعوا إلى الإيمان بالله وحده وعدم قتال الرسول والمؤمنين، يغفر الله لهم ما سبق من الذنوب، فالإسلام يجُبُّ ما قبله.
2- مسند أحمد برقم 17159 عَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ r لِيُبَايِعَنِي فَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ فَقُلْتُ لَا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي قَالَ : فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r : يَا عَمْرُو أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ؟! يَا عَمْرُو : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ ؟!
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
وجاء الفهم العام موضحًا لما سبق بيانه من قوله : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)(الزمر).
وعليه : فلو قرأوا الآية الثانية وما بعدهم لزال عنهم التناقض الذي في عقولهم ... لكنهم اقتطعوا السياق من سياقه ولم ينظروا إلى السباق واللاحق للآية....
وبهذا أكون قد نسفت الشبهة نسفًا - بفضل الله -.
كتبه / أكرم حسن مرسي
الخميس ، الساعة الواحدة ظهرا ،بتاريخ 11/ 4/ 2013 م
المفضلات