-
اسرار القران (82)
82)... ومن دخله كان آمنا...*
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
هذا النص القرآني الكريم جاء في منتصف سورة آل عمران, وهي سورة مدنية, ومن طوال سور القرآن الكريم إذ يبلغ عدد آياتها مائتين بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أسرة السيدة مريم ابنة عمران, أم نبي الله عيسي( عليهما السلام), وإلي المعجزات الإلهية المصاحبة لميلادها, وميلاده, وميلاد نبي الله يحيي لأبيه ـ علي الكبر ـ وهو نبي الله زكريا( عليهما السلام), والمعجزات التي أجراها الله( سبحانه وتعالي) علي يد كل منهم حتي تكون شاهدة ومؤيدة له.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من القضايا التي سبق وأن عرضناها في مقالين سابقين ونوجزها هنا فيما يلي:
أولا: الرد علي أهل الكتاب في قضية العقيدة, وتأكيدا للتوحيد الخالص لله( تعالي) بغير شريك, ولاشبيه, ولامنازع, وتنزيها لهذا الإله الواحد الأحد, الفرد, الصمد عن كل وصف لايليق بجلاله( من نحو نسبة الزوجة أو الولد إليه, وهما من صفات المخلوقين, ولايليقان بكمال الله الخالق وجلاله).
وانطلاقا من ذلك استهلت سورة آل عمران بالتأكيد علي وحدانية الله( سبحانه وتعالي), وبعرض شيء من صفاته العليا, وأسمائه الحسني. وانتقلت إلي عدد من القضايا الأساسية التي عرضتها علي النحو التالي:
(1) التأكيد علي أن الله( تعالي) هو مرسل الوحي, ومنزل الكتب السماوية, التي جاءت كلها بالإسلام, وتكاملت في رسالة النبي الخاتم والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) متمثلة في القرآن الكريم وفي سنة سيدنا محمد( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم), وقد تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظ هذه الرسالة الخاتمة بنفس لغة الوحي( اللغة العربية) فحفظت حفظا كاملا تحقيقا لهذا الوعد الإلهي القاطع.
وتؤكد سورة آل عمران أن اختلاف الناس في أمر الدين, وتفرقهم عن الحق, ناتج عن تظالمهم فيما بينهم علي الرغم من وضوح الحق أمام أعينهم. ولذلك تجزم السورة بأن.. الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام وبأنه( سبحانه) سريع الحساب.
(2) أشارت السورة الكريمة إلي قضية المحكم والمتشابه في القرآن الكريم.
(3) أكدت حتمية البعث والحساب, والخلود في الدار الآخرة, إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا.
(4) وقررت أن النصر من الله وأنه( تعالي) يؤيد بنصره من يشاء.
(5) وأن ثواب الآخرة خير من متاع الدنيا الفانية, وشهواتها الزائلة.
(6) وأكدت السورة الكريمة ضرورة اتباع خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) وطاعته واتباع سنته, علما بأنه( صلي الله عليه وسلم) ماعليه إلا البلاغ بدين الإسلام وترك الاختيار للناس أفرادا وجماعات.
(7) تجريم كل صور الشرك بالله, وكفر اليهود بآيات الله, وقتلهم النبيين بغير حق, وقتلهم للذين يأمرون بالقسط من الناس, وهؤلاء المجرمون من الكفار والمشركين يبشرهم الله بعذاب أليم في الدنيا والآخرة.
(8) تؤكد السورة الكريمة قضية الولاء والبراء في أكثر من موضع منها.
(9) تجرم السورة الكريمة الردة عن الدين الحق, وتضع الضوابط الشرعية للتعامل مع المرتدين.
ثانيا: تأكيد وحدة الرسالة السماوية, ووحدة النبوة, ووحدة الإنسانية, في عدد من الآيات الواردة في هذه السورة الكريمة, وذلك من مثل قوله( تعالي):
ـ إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين* ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم*( آل عمران:34,33).
ـ إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين*
( آل عمران:68)
ـ قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل علي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي والنبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون*
( آل عمران:84)
ثالثا: ربط رسالات السماء كلها بالكعبة المشرفة في مكة المكرمة, وهي أول بيت وضع للناس, وقد ترك لنا ربنا( تبارك وتعالي) فيه من الآيات الحسية البينة ما يشهد له بالكرامة والبركة والخصوصية, وجعل الحج حقا لله( تعالي) علي المستطيع من الناس وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي):
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين* فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين*( آل عمران:97).
وفي ذلك يقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتي يموت فيها, فمات بها نوح, وهود, وصالح, وشعيب, وقبورهم بين زمزم والحجر.
رابعا: أكدت السورة الكريمة من مطلعها إلي ختامها علي معني توحيد الله( سبحانه وتعالي) توحيدا خالصا دون أدني شبهة, وتنزيها كاملا يليق بجلال الله, من مثل قوله( تبارك وتعالي):
ـ الم* الله لا إله إلا هو الحي القيوم* نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه...*
(آل عمران:1 ــ3).
ـ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم* إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب*( آل عمران:19,18).
ـ إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم*.
( آل عمران:62).
ـ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون*( آل عمران:79).
ـ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين*
( آل عمران:85).
خامسا: تدعو الآيات المسلمين إلي توحيد الصف, وجمع الكلمة, والاعتصام بحبل الله جميعا وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي):
ـ واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..*
( آل عمران:103).
ـ ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون*( آل عمران:104).
ـ وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين*
( آل عمران:133).
سادسا: دعت الآيات في سورة آل عمران إلي تحريم الربا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
ـ ياأيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون* واتقوا النار التي أعدت للكافرين*( آل عمران:131,130).
سابعا: وتشجيعا علي الجهاد في سبيل الله تؤكد الآيات أن كل نفس ذائقة الموت, وأن الموت والحياة بيد الله, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي):
ـ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين*
( آل عمران:145).
ـ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور*
( آل عمران:185)
ثامنا: وتأكيداعلي جبن الكافرين, وعلي تنزل النصر من عند رب العالمين تقول الآيات:
لن يضروكم إلا أذي وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون* ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون*.
(آل عمران:112,111)*
بلي إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين* وما جعله الله إلا بشري لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم*( آل عمران:126,125)*
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين* ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين* وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين* آل عمران:(139 ـ141)*
وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وماضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين* فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين*
(آل عمران:146 ـ148)
ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون*
(آل عمران:157)
إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلي الله فليتوكل المؤمنون*
(آل عمران:160)
ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون*يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين*
(آل عمران:169 ـ171)
تاسعا: بعد حوار مع أهل الكتاب استغرق نصف مجموع آياتها تقريبا, تؤكد السورة الكريمة ان أهل الكتاب ليسوا سواء, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي):
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون* يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين* وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين*( آل عمران:113 ـ115)
وإن من أهل الكتاب لمن يـؤمن بالله وماأنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لايشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب*( آل عمران:199)
عاشرا: تدعو الآيات في سورة آل عمران إلي الإيمان بالقدر خيره وشره, وبأن البلاء من سنن الحياة, ولابد من مقابلته بالتسليم والصبر, والرضا بقضاء الله, وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي):
وما أصابكم يوم التقي الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين* وليعلم الذين نافقوا......*
(آل عمران:167,166)
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوامنهم واتقوا أجر عظيم* الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل*( آل عمران:173,172)
ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم علي الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم*( آل عمران:179).
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور*( آل عمران:186)
ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون*
(آل عمران:200).
حادي عشر:وفي آيات سورة آل عمران مايدعو إلي تدبر خلق الله, وإلي التأمل في بديع صنعه في الأنفس وفي الآفاق, حتي يكون في ذلك حافز للتعرف علي شئ من صفات الخالق العظيم مما يدعم الإيمان به سبحانه وبوحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه, وينزهه( سبحانه وتعالي) عن كل وصف لايليق بجلاله.
ومن ذلك قوله( تعالي):
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم*.( آل عمران:6).
تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب*.
(آل عمران:27)
.. وليس الذكر كالأنثي....*( آل عمران:37).
قالت رب أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق مايشاء إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون*.
(آل عمران:47).
إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون*.
(آل عمران:59).
أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون*.
(آل عمران:83).
كل نفس ذائقة الموت...
(آل عمران:185).
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض, ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار*.
(آل عمران:191,190).
وكل آية من هذه الآيات القرآنية الكريمة, وكل جزء منها يحتاج الي وقفة خاصة, ولما كان المقام لايتسع لذلك فسوف أتوقف هنا علي النص القرآني المعجز في وصف الحرم المكي بقول الحق( تبارك وتعالي): ومن دخله كان آمنا....
وقبل شرح الدلالة العلمية لذلك أعرج إلي قول عدد من المفسرين فيه.
من أقوال المفسرين
* ذكر ابن كثير( رحمه الله) في تفسيره مانصه: وقوله تعالي:( ومن دخله كان آمنا) يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء, وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية, كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم, فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتي يخرج, وعن ابن عباس قال: من عاذ بالبيت اعاذه البيت, ولكن لايؤوي ولايطعم, ولايسقي, فإذا خرج أخذ بذنبه, وقال تعالي:( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) الآية, وقال تعالي:( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف), وحتي إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره, وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها, كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك.
ففي الصحيحين ـ واللفظ لمسلم ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم فتح مكة:( لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا), وقال:( ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله الي يوم القيامة, وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي, ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار, فهو حرام بحرمة الله إلي يوم القيامة: لايعضد شوكه, ولاينفر صيده, ولاتلتقط لقطته إلا من عرفها, ولا يختلي خلاه, فقال العباس: يارسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال:( إلا الإذخر).
وعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلي مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قال به رسول الله( صلي الله عليه وسلم) الغد من يوم الفتح, سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به: إنه حمد الله وأثني عليه ثم قال:
إن مكة, حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما, أو يعضد بها شجرة, فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلي الله عليه وسلم, فيها فقولوا له: إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم, وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار, وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب), فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح, ان الحرم لايعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة( أي سرقة إبل).
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:( لايحل لأحد ان يحمل السلاح بمكة), وعن عبد الله بن الحمراء الزهري, انه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو واقف بالحرورة بسوق مكة يقول:( والله إنك لخير أرض الله, وأحب أرض الله إلي الله, ولولا أني أخرجت منك ماخرجت).
وأضاف ابن كثير في نهاية هذه التطوافة المباركة قوله:
وقال بعضهم في قوله تعالي( ومن دخله كان آمنا) قال: آمنا من النار, وهذا بعد بالمعني عن الأمن الدنيوي الذي هو واضح القصد من النص.
ولم يزد بقية المفسرين علي هذا التفصيل شيئا يستحق تكراره هنا.
من الدلالات العلمية للنص القرآني الكريم
* رأي المفسرون في هذا النص القرآني الكريم الذي يقول فيه ربنا( تبارك وتعالي)
... ومن دخله كان آمنا...*
التأكيد علي أمن من دخل الي الحرم المكي علي اتساع مساحته, فكل من دخل في هذا الحرم صار آمنا علي نفسه, مطمئنا علي ماله ولو كان مطلوبا للثأر ولاذ به, كان ذلك في الجاهلية, من بقايا إجلال الناس هذا المكان, الذي كرمه ربنا( تبارك وتعالي), وفضله علي جميع الأرض, وجعله أشرف بقاعها علي الإطلاق, متبوعا في هذا التشريف الإلهي بالمدينة المنورة, ثم بيت المقدس,( فك الله إساره من الاحتلال الصهيوني الجائر له ولجميع أرض فلسطين إن شاء الله رب العالمين اللهم آمين آمين آمين).
أما اليوم فمن اقترف جرما فيه من جرائم الحدود أقيم عليه الحد.
وفي أثناء الفتح الإسلامي لمكة المكرمة أمر رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمناد ينادي: من دخل المسجد فهو آمن, ومن دخل داره فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
وأشار بعض المفسرين إلي أن الأمن في الحرم المكي ليس للإنسان فقط, بل هو أيضا للحيوان والنبات, فقد حرم رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أن يعضد شوكه, أو يقلع حشيشه, أو يقطع شجره, أو ينفر صيده.
وقد لاحظ المراقبون أن الحيوانات الضارية لا تصطرع في الحرم المكي, ولا يؤذي بعضها بعضا, بل تخالط من الحيوانات ما تعودت علي افتراسه خارج الحرم المكي, ولا تتعرض له فيه أبدا.
كما لاحظ المراقبون أن الطيور لا تعلو الكعبة المشرفة أبدا, بل تنحرف عنها كلما طارت في اتجاهها, وكأنها هي الأخري في طواف حولها.
ويروي لنا التاريخ أن كل جبار قصد الحرم المكي بسوء أهلكه الله, ولم يمكنه من ذلك, كما حدث مع أصحاب الفيل.
وربنا( تبارك وتعالي) يقرر حمايته لبيته العتيق بقوله( عز من قائل):... ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم( الحج:25), وتحقيقا لهذا الوعد الإلهي تعجل العقوبة لمن انتهك حرمة في الحرم المكي. لذلك قال المصطفي( صلي الله عليه وسلم): الدجال يطوي الأرض كلها إلا مكة والمدينة.
قال يوم فتح مكة: لا تغزي مكة بعد هذا اليوم أبدا.
بعض الشواهد العلمية علي أمن الحرم المكي:
أولا: حماية مكة المكرمة من الهزات الأرضية والثورات البركانية:
علي الرغم من انفتاح قاع البحر الأحمر بخسوف أرضية عميقة, واتساع هذا القاع بمعدل1 ـ3 سنتيمترات في كل سنة( تقاس عند باب المندب), وعلي الرغم من تحرك الجزيرة العربية ككل في الاتجاه الشمالي الشرقي( أي في عكس اتجاه عقرب الساعة) متباعدة عن القارة الإفريقية, وعلي الرغم من السجلات الزلزالية المدونة, و(الثورات البركانية العنيفة التي تركت طفوحا هائلة من الحمم والرماد البركاني) في المنطقة قديما وحديثا, والتي تقدر بنحو2586 حدثا زلزاليا( بقدر يتراوح من3.1 إلي6.7 درجة) خلال الفترة من سنة627 م إلي1989 م, وما تلي ذلك من زلازل حتي سنة1996 م بلغ قدر أعلاها6 درجات علي مقياس ريختر( أو فوق ذلك قليلا), وامتدت من اليمن جنوبا( مثل زلزال ذمار الذي حدث في1982/12/13 م) إلي العقبة شمالا, فلم تسجل هزة أرضية واحدة في الحرم المكي كله الممتد من وادي الشميسي غربا( علي بعد15 كم من مكة المكرمة) إلي الجعرانة شرقا( علي بعد16 كم), ومن أضاه جنوبا( علي بعد12 كم) إلي التنعيم شمالا( علي بعد6 كم), وإلي وادي نخلة في الشمال الشرقي من مكة المكرمة( علي بعد14 كم), أي في منطقة تقدر مساحتها بنحو ستمائة كيلومتر مربع, وذلك علي الرغم من وقوع زلزال مروع في المدينة المنورة سنة1256 م, صاحبته ثورة بركانية عنيفة, وعلي الرغم من وجود أكثر من تسعين ألف كيلومتر مربع من الطفوح البركانية وآلاف الفوهات البركانية علي طول أرض الحجاز.
ثانيا: إثبات توسط مكة المكرمة لليابسة:
في دراسة علمية دقيقة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسية في العالم, أثبت الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين( رحمه الله رحمة واسعة) تمركز مكة المكرمة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات, أي أن اليابسة موزعة حول مكة المكرمة توزيعا منتظما, واستنتج من ذلك أن هذه المدينة المباركة تعتبر مركزا لليابسة.
ثالثا: انتفاء الانحراف المغناطيسي علي مسار خط طول مكة المكرمة:
كذلك أثبت هذا العالم المصري الجليل( الذي نسأل الله تعالي له الرحمات) أن الأماكن التي تشترك مع مكة المكرمة في نفس خط الطول(39.817 درجة شرقا) تقع جميعها في الإسقاط الذي قام به علي خط مستقيم هو خط الشمال ـ الجنوب الجغرافي, بمعني انعدام الانحراف المغناطيسي علي طول هذا الخط, مع وجوده علي باقي خطوط الطول الأخري, وهي ميزة ينفرد بها خط طول مكة المكرمة.
هذه الخصوصية لا( ولم) تمنع تعرض تلك الأرض المباركة لبعض التغيرات المناخية التي تسبب هطول الأمطار الموسمية بغزارة علي ندرة حدوث ذلك, وقد تصاحب هذه الأمطار الغزيرة بالسيول الجارفة التي طاف فيها بعض الطائفين حول الكعبة المشرفة سباحة.
بعض الشواهد الإسلامية علي كرامة الحرم المكي
* في عشرات الآيات يقابل القرآن الكريم الأرض( علي ضآلتها النسبية) بالسماء( علي اتساعها المذهل), وهذه المقابلة لابد أنها متعلقة بوضع خاص للأرض بالنسبة إلي السماء.
* يذكر القرآن الكريم تعبير السماوات والأرض وما بينهما في عشرين آية قرآنية صريحة, وهذه البينية لا تتم إلا إذا كانت الأرض في مركز السماوات, أي في مركز الكون.
* يؤكد هذا الوضع( قرآنيا) قول الحق( تبارك وتعالي) في سورة الرحمن:
يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان( الرحمن:33).
وذلك لأن قطر أي شكل هندسي هو الخط الواصل بين طرفيه مرورا بمركزه, فإذا انطبقت أقطار السماوات( مع ضخامتها النسبية) مع أقطار الأرض( علي ضآلتها النسبية) فلابد أن تكون الأرض في مركز السماوات.
* إثبات الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين( رحمه الله رحمة واسعة) توسط مكة المكرمة لليابسة, وإثبات وجود الأرضين السبع كلها في أرضنا, انطلاقا من حديث سيد المرسلين( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) الذي قال فيه: من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلي سبع أرضين ومن دراسات التركيب الداخلي للأرض ثبت ذلك, مما ينطبق وقول رسول الله( صلي الله عليه وسلم): إن الحرم حرم مناء من السماوات السبع والأرضين السبع, وقوله( صلي الله عليه وسلم): يامعشر قريش, يامعشر أهل مكة, إنكم بحذاء وسط السماء, وأقل الأرض ثيابا, فلا تتخذوا المواشي.
وقوله( صلي الله عليه وسلم): البيت المعمور منا مكة. ووصفه البيت المعمور بأنه بيت في السماء السابعة علي حيال الكعبة تماما حتي لو خر لخر فوقها.
كل ذلك يؤكد لنا أن الأرض في مركز الكون, وأن الكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولي, ودونها ست أرضين, وحولها سبع سماوات, والكعبة تحت البيت المعمور مباشرة, والبيت المعمور تحت العرش, هذا الموقع المتميز للحرم المكي أعطاه من الشرف والكرامة, والبركة والعناية الإلهية ما جعل من هذا الوصف القرآني:... ومن دخله كان آمنا حقيقة مدركة ملموسة لأنه دخل في أمان الله وظل عرشه, وهل يمكن أن يضام من نال شرف التواجد في هذا المكان؟؟
من هنا كان اختيار الحرم المكي ليكون أول بيت عبد الله( تعالي) فيه علي الأرض, وجعله قبلة للمسلمين, ومقصدا لحجهم واعتمارهم, وجعل الصلاة فيه بمائة ألف صلاة, والحسنة فيه بمائة ألف حسنة, لذلك قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) في حق مكة المكرمة عشرات الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد خصوصية المكان, ومكانته عند الله( سبحانه وتعالي) ومنها قوله( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم):
هذا البيت دعامة الإسلام, من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا علي الله إن قبضه أن يدخله الجنة, وإن رده أن يرده بأجر وغنيمة.
فسبحان الذي اختار مكة المكرمة موقعا لأول بيت عبد فيه في الأرض, واختاره بهذه المركزية من الكون, وغمره بالكرامات والبركات, وقرر أن من دخله كان آمنا, وهذه حقائق ما كان للإنسان أن يدركها لولا نزول القرآن الكريم, وحفظه بلغة وحيه بحفظ الرحمن الرحيم, فالحمد لله علي نعمة الاسلام, والحمد لله علي نعمة مكة المكرمة, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي قال فيه ربه( تبارك وتعالي):
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا* وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا*
( الأحزاب:46,45)
فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه, ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, والحمد لله رب العالمين.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات