الشيطان إبليس و ملائكته؟!!!
هذا إقتباس من كلام صديقى الدكتور هانز أتروت من إحدى مقالاته:
اقتباس
بالنسبة للعقيدة المسيحية، فالمعرفة بحقيقة سقوط الشيطان و كيفية إبلاسه من رحمة الله تُشكل أمراً خطيراً جداً بالنسبة للمُنتمين إلى هذه العقيدة حيث أن هذه المعلومات التى يتناولها القرآن بخصوص البدايات الأولى للصراع بين البشر و الشيطان تُعتبر مُشتركة مع المسيحيين، حتى فى البلاد التى تبدو خارج إطار التأثير الإسلامى. و فى دائرة المعارف المسيحية الألمانية يُذكر أن:
" إن إعتقاد الناس خيل إليهم أن هذا الملاك (الذى أصبح فيما بعد إبليس أو كبير الشياطين) إلى جانب كبار الملائكة كان من المُفترض منهم أن يُبجلوا آدم و يسجدوا له تنفيذاً للمشيئة الإلهية ، إلا أن الشيطان رفض أن يمتثل للأمر الإلهى لأنه وجد أنه إن فعل ذلك فهو حط ٌ من قدره و إهانة لكرامته . و هذا ما ينفيه علماء اللاهوت على أساس أنه مُجرد ترهات من نتاج عقول مُتخلفة (مُقتبسة من كتاب هاينريش رايس (المرجع القريب فى أساسيات اللاهوت (Handbuch Theologischer Grundbegriffe (Handbook of theological essentials))، ميونيخ 1970، الجزء الرابع صفحة 261)
و هذا فى واقع الأمر يُمثل مُعجزة حقيقية فى أن الناس فى ما يُسمى بالمسيحية أو مواطنى الدول المسيحية، و البعيدين كل البُعد عن التأثر بالأفكار الإسلامية، إلا أنهم مُتأثرين بالأفكار الإسلامية فى هذا الصدد و لا يعتقدون نفس الإعتقاد الذى يُمليه عليهم رجال الدين المسيحى أو علماء اللاهوت المسيحيين. و هذا فى واقع الأمر قد يُفسر ذلك الهلع المسيحى من الإسلام. فحتى المسيحيون أنفسهم يؤمنون بالكثير من مبادئ الإسلام و ينصرفون عن التفسيرات التى تُقدمها لهم العقيدة المسيحية. و بلا شك، فإن ما يطرحه الإسلام بخصوص الشيطان هو تصور إيجابى عن الجنس البشرى حيث أن الإله لا يُمكن أن يتسامح مع ملاك أو أحد ما من مخلوقاته و هو يُهين أو يتعالى على بنى البشر الذى أمرهم الله بالسجود لأبيهم. و هؤلاء الملائكة الذين لا يحترمون البشر و يتعالون تم إعتبارهم أنهم خارج رحمة الله و على أنهم شياطين. هل هناك أساس أو تعريف أكثر واقعية من هذا عن مدى أهمية حقوق الإنسان؟
و بالنسبة للمسيحية، فإن الشيطان (الملاك السابق) خرج عن طاعة الإله لأنه لم يتفق مع التصور الإلهى فيمن يكون صاحب الترتيب الأول (هو أم الله!) و من الذى يلى الآخر فى الترتيب. فالشيطان كان يُريد أن يرفع من نفسه إلى حد مُساواة نفسه بالإله. فالشيطان هو نتيجة لكِبر نفسه و خُيلاءه تمرد على الإله و أراد أن يكون هو نفسه "إلهاً". و هذا يجعل من الشيطان أول مسيحى فى التاريخ...أو يُمكن لنا أن نقول أن المسيحية ما هى إستمرار للتمرد الشيطانى على السلطة الإلهية. و لهذا فليس الأمر محض مُصادفة ، بل هو شيئ منطقى للغاية فى أن المسيحيين نسبوا الألوهية على واحد منهم.
فأولاً ، أنه طبقاً للمفهوم المسيحى المذكور فى الأناجيل...فإن الشيطان حاول القيام بتمرد على الخالق بغرض جعل نفسه ( و هو الأخير فى الترتيب) إله (أى الأول فى الترتيب)
وهذا بالضبط هو ما تدعو إليه المسيحية طبقاً "للأناجيل" (متى 19 : 30 و 20 : 16 و مُرقس 10 : 31 و لوقا 13 : 30).
متى 20 : 16
16 هكذا يكون الآخرون اولين والأولون آخرين.لان كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون.
ثانياً: فإنه طبقاً "للأناجيل "المسيحية، فإن اليسوع يصف أتباعه (المسيحيين) على أنهم "مرضى بحاجة إلى طبيب" ( راجع: متى 9 : 12 ، مرقس 2 : 17 و لوقا 5 : 31). و لكنهم، مُقتدين بالشيطان، فإن هؤلاء الآخرين المسيحيين(من المنظور الأخلاقى) لا يقنعون بحقيقة وضعهم. و فى "عظة يسوع فوق الجبل" فإن المسيحية و بطريقة مُفرطة ليس لها تبرير ، تمتدح أولئك المرضى الأخلاقيون (أى عديمى الأخلاق أو الأشرار) على أنهم (ملح الأرض) (متى 5 : 13) بل و ترفع من تصنيفهم إلى مرتبة جعلهم "نور العالم" (متى 5 : 14)، أو بمعنى آخر، يتم تعديل ترتيبهم فى السُلم الأخلاقى إلى مصاف الأولين. و بالتبعية، أو على نفس المنوال، فإن المسيحيين يُكيفون فكرتهم عن الشيطان. فأين وجه العجب إذن فى أن عامة الشعب المُنتمى للمسيحية يرفض تلك النظرية الغريبة و يتجه للإعتقاد بصحة ما يذكره القرآن عن الشيطان.
ففى الإسلام، لا يقوم الله بتسليم عبيده إلى الشيطان كما تدّعى العصابة المسيحية المملوءة بشهوة الإنتقام ( و التى تعمد إلى التدليس بأنها تدعو إلى الود و المحبة).
و هكذا فى هذه الحالة تظل مكانة الكرامة البشرية محفوظة فى الإسلام بينما اليسوع و عصابته من المُجرمين (المسيحيون) يحرصون على إمداد الشيطان بالضحايا البشرية. و هى الفكرة الأصلية التى نبتت منها كل التصورات المسيحية حول أكل اللحوم البشرية...!
و مُعظم التعاليم فيما يختص بالمعصية و العقاب فى العقيدة المسيحية، على سبيل المثال المُطهر (البرزخ الفاصل بين الجنة و النار)، لم يتأتى على ذكرها فى الكتاب المُقدس و لكن تم إبتداعها فيما بعد بواسطة المجامع المٌقدسة. فالعقيدة المسيحية هى العقيدة الوحيدة التى تدفع بالعُصاة أو الأعداء إلى الشيطان لكى يتعذبوا بالنار الأبدية. و لهذا فلا يُمكن للمرء الحُكم بأن الخير ينتصر على الشر فى النهاية طبقاً للعقيدة المسيحية، لأن الشر يستمر على أى حال (فى الجحيم) تماماً كما يستمر الخير و النعيم إلى الأبد. صحيح أن عيسى لم يقل بأن الشيطان إبليس هو الذى سيقوم بعقاب الخطاة فى الجحيم بوصفه حاكم الجحيم. و لكنه تحدث عن النار الأبدية. متى 25 : 46 " فيمضي هؤلاء الى عذاب ابدي والأبرار الى حياة ابدية" و على العكس من الإسلام، فليس هناك ضمانة فى الجحيم المسيحى أن العقاب على قدر الذنوب. لأن العقوبة موُحدة فى الجحيم، و الجحيم ليس مُقسم إلى طبقات كما فى المفهوم الإسلامى، فإختلاط الأمور وارد فى الجحيم المسيحى. فالشيطان يُصبح لديه مُطلق الحُرية فى أن يفعل بالبشر ما يُريد.
إنتهى كلام الدكتور أتروت الذى أثار فى نفسى العديد من التساؤلات:
- أولاً: لا يوجد فى الكتاب المُقدس بعهديه أى إشارة إلى معصية الشيطان.....أو أن الشيطان كان مالكاً فعصى الله......فمن أين جاء المسيحيون بقصة الشيطان الذى كان ملاكاً؟.....و ما هى المعصية التى إرتكبها الشيطان لينال تلك العقوبة الأبدية؟
- ثانياً: نجد أن ما يقوله الدكتور أتروت صحيح إلى حد كبير....فالشيطان فى الكتاب المُقدس يُقارن نفسه دائماً بالإله....و يُريد أن يكون إلهاً....أو على الأقل إبناً للإله... فالشيطان له ملائكة ، تماماً مثل الإله......و هُم رُسل الشيطان و جاء ذكر ملائكة الشيطان فى فقرتين فى العهد الجديد:
متى 25 : 41
41 ثم يقول ايضا للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لإبليس وملائكته
و بالإنجليزية:
41 - Then shall he say also unto them on the left hand, Depart from me, ye cursed, into everlasting fire, prepared for the devil and his angels.
رؤيا يوحنا اللاهوتى 12 : 9
9 فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو ابليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح الى الارض وطرحت معه ملائكته.
و بالإنجليزية:
9 - And the great dragon was cast out, that old serpent, called the Devil, and Satan, which deceiveth the whole world: he was cast out into the earth, and his angels were cast out with him.
و نُلاحظ أن ملائكته هُنا ليست غلطة فى الترجمة العربية.....بل أنها مكتوبة بكلمة angels فى الترجمة الإنجليزية.
و هذا هو تعريف قاموس سترونج للكتاب المُقدس للكلمة ملائكة أو angels
ἄγγελος
aggelos
ang'-el-os
From ἀγγέλλω aggellō (probably derived from G71; compare G34; to bring tidings); a messenger; especially an “angel”; by implication a pastor: - angel, messenger.
و نفس الكلمة تتحدث عن الملائكة طبقاً للمعنى المُتعارف عليه مثل (متى 4 : 11 ، 13 : 39 ، 13 : 41 ، 13 : 49 ، 16 : 27، 18 : 10، و غيرها).....أى أن الشيطان، مُقارنة بالإله، له هو أيضاً أعوان.....و لكن هؤلاء الأعوان ليسوا شياطين هم الآخرين كما يقول القرآن:
{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأعراف27
إذ يتحدث القرآن بأن أعوان الشيطان هم من قبيله أو مُماثلين له......أما الشيطان المسيحى فهو له ملائكة......و هذا أدعى لأن يتمثل الشيطان بالإله....فكليهما له أعوان من الملائكة!!!!
- ثالثاً: يتحدث بولس (الرسالة الى العبرانيين 2 : 14) أن الشيطان له سُلطان الموت......و قد يكون الموت المعنى هُنا هو موت معنوى...أى الضلال....و لكن بولس يتحدث عن إبادة من يملك سلطان الموت بالموت؟.....و الكلمتين لهما نفس الحروف فى النص الأصلى.....و بالتالى لا يُمكن أخذ الأولى على معنى و الأخرى على معنى آخر فى نفس الجملة:
فبالعربية:
الرسالة الى العبرانيين 2 : 14
14 فاذ قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت اي ابليس.
و بالإنجليزية:
14 - Forasmuch then as the children are partakers of flesh and blood, he also himself likewise took part of the same; that through death he might destroy him that had the power of death, that is, the devil;
و كلمة الموت التى أتت مرتين فى هذه العبارة معناها فى قاموس سترونج:
G2288
θάνατος
thanatos
than'-at-os
From G2348; (properly an adjective used as a noun) death (literally or figuratively): - X deadly, (be . . .) death.
- رابعاً: أن المُجدفين أو الكُفار يُسلمون للشيطان....و لا ندرى ماذا يفعل بهما الشيطان!
رسالة بولس الرسول الاولى الى اهل كورنثوس 5 : 5
5 ان يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع.
رسالة بولس الرسول الاولى الى تيموثاوس 1 : 20
20 الذين منهم هيمينايس والاسكندر اللذان اسلمتهما للشيطان لكي يؤدبا حتى لا يجدفا
و عقاب الأول نتيجة لجريمة الزنا و عقاب الإثنين الآخرين لأنهما أنكرا قيامة اليسوع و أنكرا القيامة الجسدية فى يوم الحساب.....و هى مبادئ غنوصية أوليّة و إعتبرها بولس من قبيل الهرطقة.
من الواضح أن من سيتولى التأديب هنا هو الشيطان و ليس الله....و كأنه يُسلمهم إلى حارس أحد السجون ليتولى عملية التأديب.....و فى هذا تأكيد أن للشيطان مملكة خاصة به يتولى فيها عقاب بنى البشر...أى أنه هو و الإله يتقاسمان الأدوار حيث يحكم الإله مملكة السماء و النعيم و يحكم الشيطان مملكته فى جوف الأرض و الجحيم.....إذن فيحق للشيطان أن يُنازع الإله فى المُلك و أن يعتبر نفسه ملكاً كالإله و له مملكة خاصة به و له نصيب معلوم من الضحايا البشريين الذى يتولى تأديبهم فى مملكته!
و هكذا يتضح أن فكرة الصراع بين الشيطان و الإله فى الفكر المسيحى هى صراع بين ندين و ليس صراعاً بين خالق و مخلوق نتيجة لعصيان المخلوق للخالق الذى أمهله لوقت معلوم.....فالله له مملكته و الشيطان له مملكته....الله له مُعاونين من الملائكة و كذلك الشيطان له مُعاونين من الملائكة......الله و رجال الله من أمثال بولس يستعين بالشيطان على عذاب المُخالفين....بينما الشيطان لا يستعين بالله، بل هو دائماً ما يتحداه!
المفضلات