محمد إسماعيل بطرش
ترجمة تاريخ اليهود أو الإثم اليهودي
من يراجع تاريخ اليهود يتبادر له السؤال التالي:
ما هو الخطأ غير الطبيعي الذي ترزح تحت نيره الشخصية اليهودية منذ أقدم العصور و إلى الآن ؟ لماذا لم تستطع كل شعوب العالم تمثُّل اليهود رغم أن البشرية في كل بقاع الأرض مزيج من العديد من الأجناس و الثقافات استطاعت أن تجعل من مواريثها المتعددة بل و المختلفة نسقا موحدا تذوب فيه المعالم التي تؤدي إلى التفرقة و التمايز؟
يعتقد المسيحيون أن بني آدم يرزحون تحت نير الخطيئة الأصلية التي اقترفها آدم عليه السلام و أتى المسيح عليه السلام ليخلصهم من ربقة الخطيئة الأصلية، فكاد له اليهود عند الرومان و حكموا عليه بالصلب. أما بالنسبة لليهود، فيذكر القرآن الكريم كيف تنكروا لرسالة موسى عليه السلام عندما عاد من ميقات ربه ليجدهم عاكفين على عبادة العجل الذهبي فباءوا بغضب الله و لعل هذا هو الإثم الذي أحاق بهم و السبب الذي جعلهم يتشردون في كل بقاع الأرض دون أن تهضمهم دورة الحياة الطبيعية التي ينصهر فيها الناس فبقوا معقدا بشريا خارج دورة التفاعل الإنساني الطبيعي الذي تذوب فيه السمات الخاصة ضمن المتحد الذي يحتضنهم . لماذا لم تستطع أية حضارة هضم الجماعة اليهودية التي عرفت بكثرة انتقالها بين شعوب الأرض، و ما هو هذا الإثم الذي جر عليهم كل ما لحق و يلحق بهم من وبال. هل السبب في الوسط الذي انتقلوا و ينتقلون إليه أم في أنفسهم؟ سؤال حري بالبحث. لماذا لا يقيم من يناصر اليهود وطنا لهم بينهم؟ لماذا لم تستطع الشيوعية جعل اليهود مواطنين أمميين رغم أن ماركس كان يهوديا؟ و لماذا لم تستطع المسيحية التي غيرت طبيعتها بانتقالها إلى الغرب من حل الإشكال اليهودي رغم أن المحافظين الجدد هم حصيلة الدس الصهيوني؟
استطاع اليهود إدخال الدسيسة في المسيحية بتحميلها كتاب اليهود الذي انتحله رابيوهم على موسى عليه السلام كما استطاعوا تبرئة أسلافهم من صلب المسيح بقرار من البابا السابق.
عرفت شعوب الشرق و الغرب هجرات عديدة تمازجت فيها الشعوب و الثقافات و القوميات لتتخذ بالنهاية اسم الأرض التي يسكنوها و التي فرضت عليهم نمط الحياة التي يعيشونها. أما اليهود فبقوا في كل متحد انتقلوا إليه معقدا منفصلا. إلى متى سيبقى اليهود على هذه الحال؟ هل السبب كامن في كل شعوب الأرض أم في أنفسهم؟ هل لنا أن نفتش عن السبب رغم أن اليهود أنفسهم أحرى بهم أن يفتشوا عن السبب و أن يسعوا لفك عقدتهم التي سببت و تسبب كل مشاكل العالم منذ وجودهم و إلى الآن؟
لعل السبب هو المعتقد اليهودي لا كما أتى به موسى عليه السلام بل كما صاغوه هم لأنفسهم ليبقوا شذاذ آفاق إلى يوم الدين.
اتخذ اليهود لأنفسهم إلها خاصا بهم دون بقية الناس هو يهوه و اعتبروا أنفسهم شعبه المختار فعزلوا أنفسهم عن باقي البشر في مسكنهم و معاشهم و أسلوب حياتهم و بقوا على هذه الحال حتى الآن.
ففي أواخر العام 1990 بلغ عدد اليهود 14،1 مليونا في كل العالم منهم 5،9 مليون في الولايات المتحدة و 4،6 مليون في إسرائيل و 700 ألف في كل من فرنسة و روسية و هي المراكز الأربعة الأكبر للاستيطان اليهودي بينما سكن حوالي500 ألف يهودي في أوكرانيا و 350 ألف في كندا و 300 ألف في بريطانية العظمى و 250 ألف في الأرجنتين و 100 ألف في جنوب إفريقية. و تدلل هذه الأرقام على أن 42% من السكان اليهود يقيمون في أمريكا الشمالية و 29% في آسية و 18% في أوربة بما فيها روسيا و 8% في أمريكا اللاتينية و 2% في أفريقية و 1% في أستراليا، فأين يكون لهم مكان في فلسطين و هم غرباء عن الأرض و السكان الأصليين الذين سميت البلاد باسمهم فلسطين منذ أقدم العصور و إلى الآن؟
ترجع كلمة يهودي إلى القرن الخامس قبل الميلاد لتدل على شعب قديم يكتنف أصوله الكثير من الغموض، و لا يعرف المؤرخون شيئا عن التاريخ القديم لبني إسرائيل الذين ادعوا حملهم ميثاقا عقد بينهم و بين يهوه الذي زودهم بقانون و بطريقة لحياتهم و وعدهم بأرض يقيمون عليها شريعتهم. و ميزوا أنفسهم عن الشعوب الأخرى التي لم تشاركهم ميثاقهم بهذه الخصوصية.
في القرن السادس قبل الميلاد سباهم نبوخذ نصر القائد البابلي و اقتادهم إلى بابل. و في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد تحدثنا المصادر القديمة عن دخول بعض الفرس و اليونان و الرومان بل و العرب في الديانة اليهودية عبر القرون التي أعقبت السبي البابلي. و أن لغة اليديش ليهود الأشكيناز في أوربة الشرقية كانت أول نمط كلامي لهم من اللغة العبرية القديمة البائدة إنما ارتكزت على اللغة الألمانية.
كانت الهوية اليهودية قيد المساءلة في القرنين التاسع عشر و العشرين الماضيين، فبعض يهود) إسرائيل) في الأرض المغتصبة فلسطين يرفضون الدين اليهودي لكنهم يؤكدون انتسابهم إلى القومية اليهودية الإثنية كصهاينة، بينما يرفض يهود الغرب القومية اليهودية و يتمسكون بالدين اليهودي، كما أن يهودا آخرين في الغرب يعتبرون أنفسهم يهودا بالتراث المميز لهم. و هنالك أيضا من يتمسكون بكليهما، فاليهودي من كانت أمه يهودية أو من اعتنق الدين اليهودي حديثا. و لهذا التعدد في الهوية يقدر عدد اليهود في العالم اليوم بأربعة عشر مليونا منهم 9و5 مليونا في الولايات المتحدة و 6و4 مليونا في (إسرائيل) و 350 ألفا في كندا معظمهم في تورنتو و مونتريال و أعدادا أقل في الأرجنتين و أستراليا و روسيا و جنوب أفريقية و أوكرانيا و أوربة الغربية بينما يتناقص عددهم بسبب انخفاض نسبة الولادات و ذوبان آخرين منهم في الشعوب التي يعيشون بينها.
تعتبر حكاية اليهود قصة معقدة، غير أن المؤرخين يستطيعون التركيز على نقاط مركزية كانت قد أطّرت حياة اليهود لأجيال، كما يستطيعون وصف مراكزهم الثقافية و منجزاتهم و كذلك المآسي التي واجهوها:
الفترة التوراتية: التي وضع فيها الكتاب العبري و ذكرت فيه و التي لا يزال الكثير منها مجهولا. فالكتب الخمسة الأولى من الكتاب العبري تسمى بالتوراة التي تعني التعليمات أو القانون، تحدثنا قصة الشعب اليهودي منذ إبراهيم الذي يعتبر الأب الأصلي لليهود و الذي تحدّر منه نبي القانون موسى عليهما السلام، غير أن معظم المؤرخين يتفقون على استحالة استخلاص معلومات تاريخية من القصص، ليس لأنهم يعتبرونها كاذبة بل لأنه لا توجد طريقة تثبتها. فعلماء الآثار الذين يدرسون آثار الحضارات القديمة التي تساعد أحيانا في إثبات إمكانية حدوث أمر ما، وجدوا المستوى المسودّ من سور جرش ما دلل على حدوث زلزال و حريق ضربا المدينة و دمراها كما ذكره يوشع، بينما يثير علماء الآثار الشكوك في مصداقية القصص التوراتية الأخرى. و في النهاية يكون الاعتقاد بواقعية كتب التوراة قضية اعتقادية و حسب رغم أنهم ينسبونها لموسى عليه السلام و هو منها براء إذ كيف لموسى أن يذكر فيها نبأ موته و دفنه إن كان هو كاتبها؟. و رغم الأسطورية الجزئية في القصص التوراتية نجد جميع اليهود تقريبا يقبلونها على أنها حقائق عالمية حتى وقت قريب، و لذلك يكون علينا أن ننظر بحذر إلى المحيط الأساس لهذه القصة مع العلم أن كل ما ينسبونه لله إنما يقصدون به إلههم الخاص بهم يهوه الذي اختصوه منذ البدء لأنفسهم ليحيكوا على أساطيره تاريخا منتحلا و حكايات فيها الكثير من أساطير الأقوام التي سبقتهم و ما أنزل الله بها من سلطان.
فيما يلي أقدم للقراء ترجمة لما أوردته موسوعة الإنكارتا عن تاريخ اليهود كما تعرضه الثقافة الغربية، أرجو الاطلاع عليه مع الإبقاء في الذاكرة السؤال بل و الأسئلة التي ذكرتها فيما سبق.
لماذا كان اليهود يعتبرون شذوذا في أي مجتمع حلوا به في المراحل التاريخية حتى الآن، منذ إقامتهم في مصر لدى فرعون، حتى احتلالهم أرض كنعان و بنائهم الهيكلين البائدين و حتى سبيهم من قبل نبوخذ نصّر ثم تشتيتهم في كل بقاع الأرض منذ 2500 سنة و حتى الآن و رغم عودة بعضهم لاحتلال بعض أراضي فلسطين لإقامة دولة الاغتصاب الصهيونية ) إسرائيل) بدعم من الولايات المتحدة و روسية مع حساب الزمن التاريخي الذي كان لهم في فلسطين و ذلك الذي قضاه معظمهم و ما يزالون في كل بقاع الأرض لنقدم السؤال التالي : أي حق لليهود في فلسطين؟
لماذا نترك اليهود يقتلون و يدمرون في بلادنا دون عقاب؟
لماذا يكفّر الغرب الظالم عن تمييزه العنصري ضد اليهود على حساب العرب و الفلسطينيين الذين هم سكان البلاد الأصليين منذ أقدم العصور و ليسوا مجرد عابرين شأن العبرانيين؟
إذا كان الإثم اليهودي ما يزال فاعلا في بني إسرائيل فذلك شأنهم و شأن مفكريهم أن يجدوا حلاّ لقضيتهم و ليس لنا أن نتحمل إصرهم.
لم يسئ المسلمون لليهود رغم كل إساءاتهم لهم. نحن لسنا ضد اليهود كبشر و لا نريد أن نأخذ حق الله منهم فالله وحده هو صاحب الحق و يذرهم في طغيانهم يعمهون، لكن بأس الله شديد. و الآن إلى الترجمة:
الصهيونية و إسرائيل من انتاج الاستعمار الأوربي- الأميركي الجديد
في عام 1948 أنشئ على أرض فلسطين العربي كيان غريب الوجه و اللسان و المعالم اسمه (إسرائيل) إثر نكبة حلت ببلاد العرب وضع فصولها و مراحلها الإنكليز و قام بتحقيق بنودها الروس و الفرنسيون و الأمريكان. و اليوم يوجد في غربي فلسطين دولة سكانها من تجمع شتات اليهود من كل أنحاء العالم استورد معظمهم من أوربة الشرقية.
المفضلات