كتبه: سيد محمود – لواء الشريعة
لم يعد يخفى على أحد أن الفاتيكان باعتباره أكبر مؤسسة فكرية في الغرب، يقود حملة غربية شديدة الزخم لإقناع الغربين وربما العالم بأسره بخطر الإسلام وضرورة وقف انتشاره بل ومهاجمته حتى يتوافق مع المفاهيم الغربية للحياة.
وبعيدًا عن هذه المعركة وعن إمكانية تحقيقها لأهدافها، لابد أن يتسأل العاقل عن البديل الذي يقدمه الفاتيكان للعالم عن الإسلام، لقد ظل الإسلام يفتح البلاد ويسوس العباد على اختلاف ثقافتهم وأديانهم لقرون طويلة، ضرب خلالها أروع الأمثلة وغرس أنبل القيم، ولا تزال في ذاكرة التاريخ وأهله ذكريات لهذه السنين المضيئة في تاريخ البشرية، والتي أثبت الإسلام فيها أنه الخيار الحضاري لكل عاقل، وأنه وحده القادر على قيادة وسياسة البشرية بمختلف ديانتهم في توافق تحت مبدأ الحق والعدل.
ولنترك وصفه تلك الحقبة للمسيحين أنفسهم
يقول آدم ميتز في كتابه الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري.
"ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة، فكانوا صيارفة وتجارًا وأصحاب ضياع وأطباء، بل إن أهل الذمة نظموا أنفسهم، بحيث كان معظم الصيارفة الجهابذة في الشام مثلاً يهودًا . على حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصارى. وكان رئيس النصارى ببغداد هو طبيب الخليفة، وكان رؤساء اليهود وجهابذتهم عنده".
ويقول المؤرخ بارتولد: "إن النصارى كانوا أحسن حالاً تحت حكم المسلمين إذ إن المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية والتساهل".
وقد وصف المؤرخ (أرنولد) حالة السلام والأمن التي نعم بها المسلمون وغيرهم في ظل الإسلام، بقوله: "وكان المسيحيون يعيشون في مجتمعهم آمنين على حياتهم، وممتلكاتهم ناعمين بالتسامح الذي منحهم حرية التفكير الديني، وتمتعوا بحالة من الرفاهية والرخاء.
يقول توماس آرنولد: "لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي".
ويقول غوستاف لوبون: فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا دينا سمحًا مثل دينهم.
ويقول: وكان عرب إسبانيا خلا تسامحهم العظيم يتصفون بالفروسية المثالية فيرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين ويقفون عند شروطهم وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربا منهم مؤخرًا.
ويقول المؤرخ الشهير ول ديورانت: "لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحية في هذه الأيام ".
والآن لننظر البديل الذي قدمه الفاتيكان للعالم
وإذا كنا ارتضينا مؤرخي الغرب المسيحين شاهدًا على الإسلام وفترة حكمه فسنأخذ قساوسة الفاتيكان أنفسهم دليلاً على ما قدمته نصرانية الفاتيكان للبشر حين ملكت بلادهم.
المطران "برتولومي دي لاس كازاس" كان كاهنًا مرسلاً إلى أمريكا الشمالية بعد أن قسمها البابا إسكندر السادس للأسبان، وقد كتب المطران كازاس ما شاهده في رحلته أمريكا، وما فعله جنود الفاتيكان في الهنود الحمر هناك، والكتاب من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية ترجمة سميرة عزمي الزين.
يحكي لنا كازاس أن سياسة الاجتياح المسيحي – على حد وصفه - كانت أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها .. .. مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة. وأنهم كانوا يسمون المجازر عقابًا وتأديبًا لبسط الهيبة وترويع الناس وكثيرًا ما كان يصف لك القاتل والمبشر في مشهد واحد فلا تعرف مِمَّن تشفق على البشرية, أمن مشهد القاتل وهو يذبح ضحيته أو يحرقها أو يطعمها للكلاب, أم من مشهد المبشر الذي تراه خائفًا من أن تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن يتكرم عليها بالعماد، فيركض إليها لاهثا يجرجر أذيال جبته وغلاظته وثقل دمه لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار أو اغتسلت بدمها, أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.
إن العقل الجسور والخيال الجموح ليعجزان عن الفهم والإحاطة، فإبادة عشرات الملايين من البشر في فترة لا تتجاوز خمسين سنة هول لم تأت به كوارث الطبيعة. ثم إن كوارث الطبيعة تقتل بطريقة واحدة. أما المسيحيون الأسبان أتباع البابا، فكانوا يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم.
كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء, ثم يخبطون رأسه بالصخر أو بجذوع الشجر, أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون. وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه, ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد. وكانوا يقتلون الطفل ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه وقدميه قائلين: إن أشهى لحم هو لحم الإنسان.
كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلاً أو حاملاً أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم ويقطعون أوصالهم كما يقطعون الخراف في الحظيرة. وكانوا يراهنون على من يشق رجلاً بطعنة سكين, أو يقطع رأسه أو يدلق أحشاءه بضربة سيف.
كانوا ينتزعون الرضع من أمهاتهم ويمسكونهم من أقدامهم ويرطمون رؤوسهم بالصخور. أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين. وحين يسقط في الماء يقولون: عجبًا إنه يختلج.
كانوا يسفدون الطفل وأمه بالسيف وينصبون مشانق طويلة، ينظمونها مجموعة مجموعة, كل مجموعة ثلاثة عشر مشنوقًا, ثم يشعلون النار ويحرقونهم أحياء. وهناك من كان يربط الأجساد بالقش اليابس ويشعل فيها النار.
كانت فنون التعذيب لديهم أنواعًا متنوعة. بعضهم كان يلتقط الأحياء فيقطع أيديهم قطعًا ناقصًا لتبدو كأنها معلقة بأجسادهم, ثم يقول لهم : (هيا احملوا الرسائل) أي: هيا أذيعوا الخبر بين أولئك الذين هربوا إلى الغابات.
أما أسياد الهنود ونبلاؤهم فكانوا يقتلون بأن تصنع لهم مشواة من القضبان يضعون فوقها المذراة, ثم يربط هؤلاء المساكين بها وتوقد تحتهم نار هادئة من أجل أن يحتضروا ببطء وسط العذاب والألم والأنين.
ولقد شاهدت مرة أربعة من هؤلاء الأسياد فوق المشواة. وبما أنهم يصرخون صراخًا شديدًا أزعج مفوض الشرطة الأسبانية الذي كان نائمًا (أعرف اسمه، بل أعرف أسرته في قشتاله) فقد وضعوا في حلوقهم قطعًا من الخشب أخرستهم، ثم أضرموا النار الهادئة تحتهم.
رأيت ذلك بنفسي، ورأيت فظائع ارتكبها المسيحيون أبشع منها. أما الذين هربوا إلى الغابات وذرى الجبال بعيدًا عن هذه الوحوش الضارية فقد روض لهم المسيحيون كلابًا سلوقية شرسة لحقت بهم, وكانت كلما رأت واحدًا منهم انقضت عليه ومزقته وافترسته كما تفترس الخنزير. وحين كان الهنود يقتلون مسيحيًا دفاعًا عن أنفسهم كان المسيحيون يبيدون مائة منهم؛ لأنهم يعتقدون أن حياة المسيحي بحياة مائة هندي أحمر.
وهكذا كانت الدنيا حين ملك المسلمون زمامها وقادور ركبها وهكذا أيضًا كانت حين حكمها الصليب، وتعجب بعدها ممن يصف الإسلام بالإرهاب ويحذر العالم منه، وهل ردت الحقوق وأقيم العدل ونصر الضعفاء وتساوى الخلق إلا تحت راية الإسلام؟
إن الهجوم على الإسلام اليوم هو هجوم على حرية البشرية واستقلالها وحقها في الحياة الكريمة، وحقيقة الصراع ليست على منابع الثروات ومناطق النفوذ, لكنه صراع على إنسانية البشر وحريتهم التي لم تستقيم إلا تحت راية الإسلام وحكمه، ذلك الحكم الذي نبتهل إلى الله تعالى أن يعجل بعودته للدنيا، ليس لأننا مسلمون فحسب، ولكن بكل الحب الذي نحمله للبشرية.
المصدر
http://www.shareah.com/index.php?/re...n/view/id/859/
المفضلات