المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مناصر الإسلام
(3) قول رسول الله - صلى الله عليه و سلم - لماعز : " أنكتها ؟ "
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أعف الناس لسانا، وأحسنهم كلاما، وألينهم خطابا، لا يصرح بالألفاظ التي فيها فحش، بل يكني ويعرض ، فعن عبد الله بن عمرو قال : "
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول : من خياركم أحاسنكم أخلاقا " [1]
جاء فى لسان العرب ( مادة : نيك ) :- "
النَّيْكُ: معروف، والفاعل: نائِكٌ، والمفعول به مَنِيكٌ ومَنْيُوكٌ، والأَنثى مَنْيُوكة، وقد ناكَها يَنيكها نَيْكاً ، والنَّيّاك: الكثير النَّيْك؛ شدد للكثرة؛ وفي المثل قال: من يَنِكِ العَيْرَ يَنِكْ نَيّاكا ، و تَنَايَكَ القوْمُ: غلبهم النُّعاسُ ، وتَنايَكَتِ الأَجْفانُ: انطبق بعضها على بعض . الأَزهري في ترجمة نكح: ناكَ المطرُ الأَرضَ و ناكَ النعاسُ عينه إِذا غلب عليها. "
إذاً اللفظة عربية ، و تعنى إنطباق الشىء على الشىء بحيث يغلبه ، و هو الواضح من قوله ( تنايكت الأجفان ) فلا يُعقل أن القصد هو علاقة جنسية بين الأجفان ، و كذلك ( ناك المطر الأرض ) فهو مثله ، و لذلك أستخدمت الكلمة للتعبير عن العلاقة الجنسية ، لما فيها من إنطباق و غلبة .
و لو إعتبرنا هذا اللفظ أنه فاحش - فرضاً - فهذا التصريح مما يترتب عليه مصلحة شرعية معتبرة ، و ذلك أن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - أراد أن يتأكد خشية أن يكون ماعز - رضي الله عنه - إنما قبل فقط ، أو داعب فقط ، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - بصريح اللفظ ، لأن المسألة سيترتب عليها رجم ماعز وإزهاق روحه .
بدليل أنه - صلى الله عليه و سلم - رد ماعز أكثر من مرة كما جاء فى الحديث الشريف ، فعن أبى سعيد الخدرى - رضى الله عنه - قال : "
أن رجلا من أسلم يقال له ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنى أصبت فاحشة فأقمه على , فرده النبى - صلى الله عليه وسلم - مرارا " [2]
فهذا الحديث مما يُبين رحمة النبى - صلى الله عليه و سلم - فهو لم يُرد إقامة الحد على شبهة و هى سنته - صلى الله عليه و سلم - فهو يدرء الحد بالشبهة ، فإذا لم يثبت الحد ثبوتاً يقينياً لا يقيمه ، فلذلك أراد التصريح من ماعز دون أن يكنى .
قال ابن بطال : "
قال المهلب وغيره : فى هذا الحديث دليل على جواز تلقين المقر فى الحدود ما يدرأ بها عنه ألا ترى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لماعز : " لعلك غمزت أو قبلت " ليدرأ عنه الحد إذ لفظ الزنا يقع على نظر العين وجميع الجوارح ، فلما أتى ماعز بلفظ مشترك لم يحده النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى وقف على صحيح ما أتاه بغير إشكال ؛ لأن من سننه - صلى الله عليه وسلم - درء الحدود بالشبهات ، فلما أفصح وبين أمر برجمه . قال غيره : وهذا يدل أن الحدود لا تقام إلا بالإفصاح دون الكنايات ". [3]
فكان النبى - صلى الله عليه و سلم - إنما يريد التأكد من أن ماعز أصاب حد الزنا حقيقة ، فلا يريد أن يقيم عليه الحد إلا بعد التيقن من إصابته له لذلك قال له - صلى الله عليه و سلم - : "
لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله قال أنكتها لا يكني قال فعند ذلك أمر برجمه " [4]
و قد يسأل سائل : لماذا لم يقل أجامعتها ؟ أى يذكر الجماع فقط .
قال ابن حجر : "
ذكر هذا اللفظ صريحا ولم يكن عنه بلفظ آخر كالجماع ، ويحتمل أن يجمع بأنه ذكر بعد ذكر الجماع بأن الجماع قد يحمل على مجرد الاجتماع." [5]
تم بحمد الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]مسند أحمد ط الرسالة (11/419) ، قال المحقق : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
[2]صحيح مسلم (3206)
[3]شرح ابن بطال (8/444)
[4]صحيح البخارى (6324)
[5]فتح البارى حديث (6317)
المفضلات