وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192)
عندما نتأمل قوله تعالى: { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فإننا نجد أن الحق سبحانه يؤكد على كلمة { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } لأنه يريد أن يضع حداً لجبروت البشر، ولابد أن تكون نية القتال في سبيل الله لا أن يكون القتال بنية الاستعلاء والجبروت والطغيان فلا قتال من أجل الحياة، أو المال أو لضمان سوق اقتصادي، وإنما القتال لإعلاء كلمة الله، ونصرة دين الله، هذا هو غرض القتال في الإسلام.
فلو كانت الدعوة مبنية على الجاه والسلطان لقبل رسول الله عرض الكفار حين جاء له عمه أبي طالب طالبا الكف عن الدعوة وعرض عليه عروض الكفار من جاه وسلطان ومال : فقال له : يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق ؛ فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه ، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته - ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكى ثم قام ، فلما ولى ناداه أبو طالب ، فقال : أقبل يا ابن أخي ، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا .
{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } فالحق سبحانه ينهى عن الاعتداء، أي لا يقاتل مسلم من لم يقاتله ولا يعتدي على أحد .... وهب أن قريشا هي التي قاتلت، ولكن أناساً كالنساء والصبيان والعجزة لم يقاتلوا المسلمين مع أنهم في جانب من قاتل، لذلك لا يجوز قتالهم، نعم على قدر الفعل يكون رد الفعل. ماذا؟ لأن في قتال النساء والعجزة اعتداء، وهو سبحانه لا يحب المعتدين. لكن قتال المؤمنين إنما يكون لرد العدوان، ولا بداية عدوان.
ففي الحروب كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر كل مسلم استعد لقتال الكفار عدم قتل كل ما لا يحمل سلاح فقال : { لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ، ولا امرأة } . رواه أبو داود ، في سننه .
كما أن القرآن لو ذكر اللفظ صريح بقول {لا تقتلوا امرأة أو طفل أو شيخ} فقد ظلم أفراد أخرين .. لأن القتال للمحاربين فقط .. فلو هناك شخص كافر سليم البدن وقوي ولكنه في حاله لا يعتدي على أحد ولا يضر احد ولا يحمل سلاح ضد احد .. فلماذا يُقتل ؟ فلو جاء اللفظ صريح بعدم قتل (النساء والأطفال) فقط فهذا يعني ان دم هذا الشخص البريء مُباح .. وهذا خطأ .
وأيضا من الممكن أن تحمل النساء السيوف وتحارب .. فلو جاء اللفظ صريح بعدم (قتل النساء) لأصبح دمائنا مُباحة لنساء الكفار .
ولكن إن قيل {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} .. فإذن كل من قاتلنا نقاتله حتى ولو كان حامل السلاح امرأة .. ولو الفتى قوي البنية لم يحمل سلاح في وجهي فلا يجوز قتاله .
إذن المسلم لا يحمل سلاحه إلا إذا اعتدى عليه احد بالسلاح ... إذن سيف الإسلام لا يُرفع إلا أمام سيف العدو فقط .
فالآن أيهما اكثر وضوحاً وشمولية {لا تقتلوا النساء والأطفال} أم {قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} ...... لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوضح هذه النقطة للجيش قبل أن يتحرك لأرض المعركة .
فبعد أن تحدث الله عز وجل وأشار بأنه لا قتال إلا لمن يقاتلوننا قال : { فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي ما داموا قد كفوا عما يصنعون من الفتنة بالدعوة والشرك بالله والصد عن سبيل الله ، بعدها لا شيء لنا عندهم؛ لأن الله غفور رحيم، فلا يصح أن يشيع في نفوسنا الحقد على ما فعلوه بنا قديما، بل نحتسب ذلك عند الله .
فلو القتال في الإسلام همجية وسفك دماء لما امرنا الله بالعفو عن الكفار إن انتهوا من أفعالهم الشيطانية ضد المسلمين .
قال الله تعالى
وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (89) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُواْ فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (91).. النساء
الآيات تبدأ باستدراك حتى لا تفتح مجالاً لإغضاب من كان للإسلام تعاهد معهم وتعاقد، فالذين يصلون ويلجأون إلى قوم بينهم وبين المسلمين تحالف أو ميثاق لا ينطبق عليهم ما جاء في الآية السابقة وهو الأخذ والقتل.
{ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ } كأن يقول الواحد منهم: أنا لا أقدر أن أقاتلكم، ولا أقدر أن أقاتل قومي فاغفر لي هذا واقبلني معكم. هؤلاء يقبلهم الرسول لأنهم أقروا بما هم فيه من ضيق، فهم لا يستطيعون التصرف لا أمام المسلمين فيعلنون الإيمان، ولا أمام الكافرين فيعملون في معسكر الكفر. ولا يستطيعون أن يتخذوا موقفاً حاسماً حازماً بين المسلمين والكافرين، فهم يقرِّون بضعفهم، ويعترفون به.
فإن اعتزلوكم ولم يقاتلوكم وألقو السلم واعترفوا بأنهم لا يملكون طاقة اختيار بين قتال المسلمين أو قتال قومهم، فليس لكم أيها المسلمون محاربتهم لأن الله نهى عن محاربتهم .
وهذا إنصاف وتنبيه إلهي من الحق ألا يسمع أحد صوت حفيظته ويفترس قوماً ضعفاء. أما الذين يحاولون التمرد والاستسلام لصوت الكفر وإيقاع الأذى بالمسلمين، ولم يلقوا بالسلم للمسلمين ويكفوا أيديهم عنهم، هؤلاء يأتي فيهم الأمر الإلهي: خذوهم واقتلوهم.
إذن القتال له ضوابط وأمر ونهي والإعتداء على الضعفاء والآمنين مُحرم حتى ولو كانوا كفار ... فتعالى وانظر ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة بدون معركة ومعه عشرة آلاف مقاتل وكان بإمكانه إبادة قريش باكملها انتقاماً من ما فعلوه معه ومع المسلمين العزل ... ولكنه جمع أهل قريش جميعاً ومنهم من عذب و شرد و طارد و سلب و أعدم و قتل وكأننا سنشاهد مجزة دموية نتاج ما فعلوه مع المسلمين ولا احد سيلومه على ذلك ولكن الله أرسله رحمة للعالمين فقال لهم : (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟)قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ}اذهبوا فأنتم الطلقاء).... فصدق أصدق القائلين بقوله : { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين} (الانبياء:107)
إن عدد القتلى في الحروب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 386 قتيل منهم 203 من المشركين .. و 183 مسلم .
تعالى نشوف العنف الإسلامي
386قتيل : 23 عام زمن الرسالة = 16.8 قتيل في كل عام
ولو حاولنا معرفة عدد القتلى في كل شهر نقول :
16.8 قتيل في كل عام : 12 شهر = 1.4 قتيل في الشهر
أي حوالي قتيل واحد كل شهر ... فقد يكون هذا القتيل مسلم وقد يكون كافر .
ولو حسبنا عدد الوفيات الطبيعية بين قوم قريش .. قد نجد أنه سيفوق الخمسة او الستة متوفي في الشهر .
فهل الإسلام دين إرهابي ؟
بالحسابات .................. لا .
المفضلات