"أمراض قلبي من كتاب الله"


يقول المُهيمن سبحانه:

{
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} سبأ١٥

ثم قال {
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}١٨

{
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}١٩


ماذا فعل هؤلاء؟ ماذا حدث في قلوبهم!!؟

يخبر المنان سبحانه، أنه أغدق نِعمه عليهم حتى أصبحوا آية !

جنتان عن يمين وشمال
بلدة طيبة
رب غفور
جعل بينهم وبين القرى التي بارك فيها قرى ظاهرة
وقدر فيها السير
سيروا فيها ليالي وأياما "آمنين"


فاعتادوا النعمة أصبحت أمراً عاديا شيء طبيعي.. كل يوم نصحو عليه وننام عليه!

وهذا من ابتلاءاتنا العظيمة كبشر

أننا نعتاد على النعمة، نعتاد على منّة الله تعالى، نعتاد على حلمه علينا..

فنظن أن هذه النعمة حق مكتسب، جزء منا، لا تزول ولا تتبدل..

وصلت نعمته عليهم أنهم كانوا لا يتكلفون مُؤنة السفر!

من عِظم البساتين والأنهار والقرى الممتدة في كل مكان، كانوا يُسافرون من غير زاد ولا ماء!

يبيتون في قرية، ويقيلون في القرية التي تليها..

لا تعب.. ولا خوف.. ولا أثقال...

يوم.. يومان.. شهر.. سنة.. سنوات وهم على هذه الحال..

فمَلّوا النعمة !


ملّوا الروتين والحياة الهادئة الرتيبة

ملّوا تكرار الأحداث (التي هي النِّعم) كل يوم كل يوم.. صباح مساء !!




{
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا }

نريد شعور المغامرة.. نريد تغيير نريد أن تتجدد مشاعرنا مرة أخرى

نريد أن نشعر بتعب السفر ومشقته.. حتى نشتاق للنعمة مرة أخرى !!


{
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ}

هذا عقاب من يبطر على نعمة الله، ويتمنى التغيير ولو إلى الأسوأ!

لنراجع أنفسنا..

كم من زوج ملّ زوجته.. وأراد التغيير.. وصار يعاملها ببرود..

ولا يذكر منة الله عليه بزوجة صالحة تقية تحفظ له بيته وتربي أبناءه.. ولا يدرك أنه كم من رجل محروم من الزواج، وكم من رجل مبتلى بزوجة تكدر عليه حياته!


وكم من امرأة ملت حياتها في البيت.. وملت الدور العظيم المنوط بها ( وهو تربية الجيل الذي سيحمل الأمانة بعدها ) وأرادت الخروج لتتسلى وتثبت شخصيتها في المجتمع

ولا تذكر أن عشرات النساء يتمنين الحياة المطمئنة التي تعيشها
يتمنين أن يكون لديهن مدخول يكفي ليقرن في بيوتهن من التعب والضغط النفسي والإهانة أحيانا! التي يتعرضن لها خارج بيوتهن


وكم من موظف ملّ وظيفته، مل روتين الذهاب والإياب في كل يوم...

ولا يرى من ابتلي بالبطالة، أو بالوظيفة الشاقة المتعبة قليلة المدخول..

وكم مللنا الطعام الذي لا ينقطع من بيوتنا، ونقول ( كل يوم دجاج؟ كل يوم رز؟ كل يوم خضار!؟؟ )

ولا ندرك أنه متى ابتلانا الله وسلب منا هذه النعمة كما سلبها من غيرنا.. سنتمنى رغيف الخبز! وقد لا نجده


كم مللنا الأمــــان !!!
وأردنا أن تتحقق مطالبنا ولو بالفوضى والتمرد ونشر الفساد!!

وكم وكم

لنراجع أنفسنا..

ما هي النعم التي اعتدناها حتى مللناها

وتمنينا التغيير؟


ولو أن هذا التغيير كان فيه خير لنا.. لرزقنا إياه الملك العظيم الخبير الذي يداه سحاء بالخير ينفق حيث يشاء سبحانه!





في قراءة أخرى للآية

{ربنا باعَدَ بين أسفارنا}

أي أنهم على الرغم من عظيم نعمة الله عليهم، رأوا أن هذا لا يكفي !

وأرادوا من الله المزيد.. وذمّوا نعمة الله عليهم..

فكم يمن الله على رجل برزق.. ولا يعجبه، ويسخط، ويطلب المزيد؟

وكم يمن الله على امرأة بزوج صالح، ولابد أن فيه من عيوب، فتسخط وتظل تطلب المزيد!؟
...

فلنحذر يا إخوتي..


غفر الله لنا ورحمنا وعاملنا بحلمه وعفوه.. فإن البطر على نعمة الله سوء أدب معه


والنتيجة

{
فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ}

فلنراجع أنفسنا.. ولنكثر التوبة والاستغفار على تسخطنا على نعم الله وسوء شكرنا عليها..


اللهم احلم علينا

وأصلح قلوبنا بلطف

ولا تحرمنا نعمك ببطرنا وقلة شكرنا

واعف عنا وارحمنا.. أنت سبحانك أرحم الراحمين



منقول